التخطي إلى المحتوى الرئيسي
 الملفوظات
لسيدنا المسيح الموعود والإمام المهدي 
المجلد الأول


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
نَحْمَدُهُ وَتُصَلِّي عَلَى رَسُولِهِ الكَرِيمِ وَعَلَى عَبْدِهِ الْمَسِيحِ الْمُوْعُوْدِ
مقدمة الناشر
نقدم للقارئ الكريم كنزًا ثمينًا من ملفوظات سيدنا المسيح الموعود والإمام المهدي المعهود عليه الصلاة والسلام.

والملفوظات هي ما تكلم به سيدنا المسيح الموعود والإمام المهدي عليه الصلاة السلام في مناسبات شتى من مجلس أو اجتماع أو سفر أو نزهة للتمشي، فتلقاه منه أصحابه الكرام رضي الله عنهم، فنقلوه ورووه بألفاظهم وأساليبهم. ولا شك أن كل فرد من أبناء الجماعة الإسلامية الأحمدية إلى يوم القيامة سيبقى مدينا لهؤلاء الصحابة الكرام الذين أسدوا لنا هذه المنة العظيمة، باذلين كل ما في وسعهم في نقل هذه الذخيرة الغالية القيمة من الحقائق والمعارف والنصائح والمواعظ والمسائل والدلائل، فجزاهم الله أحسن الجزاء، آمين. 

وجدير بالذكر أن جزءا كبيرا من ملفوظات المسيح الموعود  لم يمكن حفظه، إذ لم يكن للجماعة قبل عام ۱۸۹۷ أي جريدة ولا مجلة تسجّل هذه الملفوظات وتنشرها، غير أن الصحابة نقلوا ما حفظوه من كلامه في تلك الفترة على شاكلة الروايات التي نُشرت معظمها فيما بعد في كتاب "سيرة المهدي" وغيره. أما محتوى الملفوظات الذي هو بين أيدينا اليوم، فبدأ يُنشَر لأول مرة عند صدور جريدة "الحكم" في عام ۱۸۹۷ . ثم في عام ۱۹۰۲ بدأت جريدة "بدر" أيضا بالصدور، فأخذت كلتا الجريدتين تنشر هذه الملفوظات تباعا.

ورغم الأهمية البالغة التي تحظى بها الملفوظات من حيث كونها تتضمن تعاليم المسيح الموعود في مناسبات متعددة معالجةً أمورا تربوية ومتطرقةً إلى أمور استدعت الجواب أو الرد أو التوضيح -، ولا شك في أن لهذا النوع من الكلام قيمة عظيمة في كلام الأنبياء والمبعوثين الربانيين، إلا أن هناك احتمال حدوث سهو ونسيان أو تقصير أو غموض في نقل كلام المسيح الموعود ومراده؛ فالناس على درجات متفاوتة من السمع والفهم والإدراك والاستيعاب والذاكرة والبيان. وعليه، فإن ما بينه المسيح الموعود بنفسه في كتبه وإعلاناته ورسائله هو أعلى درجة من الملفوظات من حيث الثقة ، والسند واليقين، وهو الأولى بالأخذ عند الاختلاف. فقد كتب حضرة مولانا جلال الدين شمس ما يلي: "إن ملفوظات المسيح الموعود  كنز غال يحوي مادة غزيرة وقيمة وغير عادية لتعليمنا وتربيتنا وكذلك لأجيالنا أيضا.
وينقسم كلام المسيح الموعود إلى أربعة أقسام:
الأول : الكتب والكتيبات والإعلانات التي كتبها بنفسه من أجل النشر. الثاني: المكتوبات، أي الرسائل التي كتبها بيده وبعث بها إلى أصدقائه وأعزته وغيرهم من الناس.
الثالث: الملفوظات، أي كلامه الذي تكلم به في جمع أو مجلس أو خلال نزهته كخطاب أو كحديث عام ، والذي كتبه بعض الصحابة فورًا، ثم نشروه بصورة مذكرات وغيرها في حياة المسيح الموعود .
 الرابع: الروايات، وهي أيضا نوع من الملفوظات ولكنها لم تكتب أولاً بأول، بل جمعت فيما بعد بناءً على ذاكرة الرواة.

ويجب الأخذ في الاعتبار أن هذه الأنواع الأربعة من كلامه تتدرج في مرتبتها من حيث اليقين والسند والصحة بحسب الترتيب المذكور أعلاه؛ أي الكتب أولا، ثم المكتوبات، ثم الملفوظات وأخيرا الروايات."
 (مقدمة المجلد الأول للملفوظات)
وقال أيضا:
إن دراسة الملفوظات توحي بجلاء أن المسجلين في كثير من الأحيان يكتبون بكلماتهم مفهوم ما قاله المسيح الموعود ."
 (مقدمة المجلد الرابع للملفوظات) 


بل قد سجل حضرة يعقوب علي عرفاني ، محرر جريدة "الحكم"، الذي كان ينشر هذه الملفوظات في جريدته هذه اعترافه بهذا الصدد، فقال:
"ترون في هذه اليوميات نموذجًا متواضعا لذلك الحوار الذي كان يجري في ذلك المجلس المقدس الذي يُري وجه الله تعالى، وإنما مثل ما أقدمه هنا كمثل ماءٍ يرسل من العين لشخص مقيم في مكان بعيد . فأولاً: أنَّى للمرء أن يكتب كل الأمور والكيفيات والظروف، ولو كانت كتابتها ممكنة، فمتى تبقى الكلمات الأصلية كلها محفوظة، فأحيانا لا أحفظ إلا مفهوم ما قاله المسيح الموعود ، فأكتبه بكلماتي، وأحيانا أحفظ كلماته بعينها، أو أكتب كلماته كما هي أولاً بأول في معظم الأحيان."
 (مقدمة المجلد الثاني للملفوظات)

لا شك أن القارئ سيجد في ملفوظات المسيح الموعود عليه السلام ذخيرة غزيرة ورائعة لفهم القرآن الكريم ودقائقه ومعارفه وتعاليم الإسلام السامية، وعظمة النبي وسنته العطرة، مما يساعده على تهذيب الأخلاق وطهارة النفس والارتقاء الروحاني والوصول إلى الله تعالى. نسأل الله تعالى أن يوفق القارئ الكريم لهذه الفائدة المرجوة بفضله وبرحمته آمين.
هذه ترجمة المجلد الأول من الملفوظات (الطبعة الأردية عام ٢٠٢٢)، وهذا المجلد يغطي فترة ما بين ۱۸۹۱ إلى أغسطس/ آب ١٩٠٠.

مع العلم أن العناوين الجانبية هي من قبل الناشر والناقل، كما أضيفت من قبل محرر جريدة "الحكم" أو جريدة "بدر" بعض الجمل التعريفية في بداية مجريات كل مجلس، والقراءة تكشف عن هويتها.

لقد بذلنا أقصى جهدنا لتكون الترجمة أقرب إلى النص الأردي، ومع ذلك، لا نبرئ أنفسنا من ضعف فيها. وندعوا الله تعالى أن يوفقنا لبذل جهد أكبر في الطبعات القادمة لتحقيق مزيد من الدقة. 

لقد حظي بتعريب هذا المجلد الداعية الإسلامي الأحمدي عبد المؤمن طاهر، وصدر بإشراف المكتب العربي المركزي، بتعاون عدد من المخلصين الذين أسهموا في أعمال المراجعة والتدقيق وغيرهما، ونخص بالذكر السادة الكرام تميم أبو دقة المهندس خالد عزام الدكتور محمد حاتم حلمي الشافعي، معتز القزق، أسامة عبد العظيم وحرمه السيدة مروة عبد الله والداعية شمس الدين المالاباري. نتقدم بخالص الشكر لكل من ساهم في نشر هذا الكتاب، داعين أن يجزيهم الله أحسن الجزاء ويجعله في ميزان حسناتهم. كما نسأل الله تعالى أن يوفق القراء الكرام للاستفادة من هذا الكنز العظيم من أجل رقيهم الروحاني، ويجعله سببا لهداية الباحثين عن صراط الله المستقيم، آمين.
الناشر
عام ٢٠٢٣م


بسم الله الرحمن الرحيم نحمده ونصلي على رسوله الكريم
تعريف بالملفوظات
مقدمة طبعة ١٩٨٨
(بشيء من الإيجاز)
الملفوظات عبارة عن الكلمات الطيبة الزاخرة بالمعارف، التي تكلم بها مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية، سيدنا مرزا غلام أحمد القادياني المسيح الموعود والمهدي المعهود في شتى المناسبات من مجالسه المباركة أو اجتماعات الجلسة السنوية، من أجل تزكية نفوس أصحابه وتربيتهم الروحانية والأخلاقية، ولإنشاء علاقتهم الحية مع الله تعالى، ولتعليمهم علوم القرآن وحكمه، ولإحياء دين الإسلام ، وإقامة شريعة خير الأنام .

والملفوظات فيها مادة غزيرة وقيمة ، وهي عبارة عن أقواله الحاسمة الفاصلة في القضايا المعضلة الشائكة منذ ثلاثة عشر قرنا بصفته حَكَمًا عدلاً، وعن ردوده الدامغة على اعتراضات القسس المسيحيين والآريين الهندوس ضد الإسلام؛ وعن تفنيداته القاهرة لوساوس الملحدين وفلاسفة الغرب حول شتى القضايا الهامة مثل: وجود البارئ تعالى، وحياة الآخرة، والوحي والإلهام والنبوة والرسالة؛ وعن نصائحه البليغة المؤثرة للمبايعين الجدد، وعن حُبّه الشديد وعشقه العديم النظير لسيده وسيدنا محمد المصطفى خاتم النبيين ، وعن دعاواه ،وتعاليمه، وعن الأحداث اليومية في حياته، وعن سيرته المطهرة، وعن تفاصيل الأحداث الهامة الواقعة في تاريخ الأحمدية.

 لقد هيأ الله تعالى بفضله الجمّ في هذا العصر من الوسائل ما حفظ به وإلى يوم القيامة الكلمات الطيبة لإمام آخر الزمان التي تنعش الروح وتزيد الإيمان. ورفع  الله درجات حضرة المولوي عبد الكريم السيالكوتي، وحضرة مفتي محمد صادق، وحضرة
شيخ يعقوب علي عرفاني رضي الله عنهم، هؤلاء الصلحاء الأطهار الأوفياء أصحاب الجد والجهد والمثابرة الذين وهبهم الله تعالى من عنده حماسا وشوقا وتوقا وعزيمة.
لقد أوفوا بعهدهم بإيثار الدين على الدنيا، فكتبوا أقوال المسيح الموعود ، وحفظوها بكلماته هو قدر الإمكان، ونشروها في حياته في جريدتي "الحكم" و "بدر"، باذلين منتهى الجد والجهد، ومكابدين صنوف المشقة والعناء، ليل نهار. لقد بذلت الجهود من قبل أيضا لنشر ملفوظات المسيح الموعود في صورة كتاب، ولكن كان شرف نشرها على صورة مجموعة متكاملة من نصيب حضرة مولانا جلال الدين شمس ، حيث نُشرت تحت إشرافه عشرة مجلدات للملفوظات في مدة قصيرة ما بين ١٩٦٠ و ١٩٦٧.

علما أن المجلد الأول والمشتمل على الملفوظات ما بين ۱۸۹۱ و ۱۸۹۹، كان قد نُشر من قبل في عام ۱۹٣٦ من قبل نظارت التأليف والتصنيف بمؤسسة صدر أنجمن أحمدية بقاديان وكان تشوردي أحمد جان وشيخ عبد القادر والمولوي عبد الرشيد الزيروي، قد عملوا على تدوينه وترتيبه. أما المجلدان الثاني والثالث، فقام بتدوينهما تشودري أحمد جان، وأما المجلدات الرابع حتى العاشر والمحتوية على ملفوظاته  بدءًا من ١٥ أكتوبر ۱۹۰۲ إلى وفاته اليوم ٢٦ مايو ١٩٠٨، العام فقد تشرف بتدوينها وترتيبها حضرة المولوي محمد إسماعيل الفاضل الديالغرهي.
والسلام
العبد المتواضع
سيد عبد الحي ناظر التأليف والتصنيف بربوة




بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
نَحْمَدُهُ وَنُصَلِّي عَلَى رَسُولِهِ الكَرِيمِ وَعَلَى عَبْدِهِ المَسِيحِ المَوْعُوْدِ
مقدمة طبعة ١٩٦٠
بشيء من الإيجاز)
كانت خطتنا أن نبدأ بعد الفراغ من نشر جميع كتب سيدنا المسيح الموعود  - بنشر المجموعة الثانية من الخزائن الروحانية، والمشتملة على إعلانات المسيح الموعود ومكتوباته وملفوظاته، ولكن بعض الإخوة، ولاسيما حضرة صاحبزاده مرزا ناصر أحمد - سلّمه ربه - قد أشاروا علينا بكل إصرار وإلحاح بضرورة نشر ملفوظاته بأسرع ما يمكن، لذا فإن الشركة الإسلامية المحدودة تبدأ بنشر الملفوظات أولا .

ويعود هذا التغيير في خطتنا إلى سبب آخر أيضا، وهو أن هناك إحساسا شديدا في الجماعة أن ثمة حاجة ماسة لتربية أبنائها، وكما هو مذكور في المجلد الأول من الطبعة الأولى، فإن ملفوظات المسيح الموعود الكنز غال يحوي مادة غزيرة وقيمة وغير عادية لتعليمنا وتربيتنا وكذلك لأجيالنا أيضا.

وينقسم كلام المسيح الموعود إلى أربعة أقسام:
الأول: الكتب والكتيبات والإعلانات التي كتبها بنفسه من أجل النشر. الثاني : المكتوبات، أي الرسائل التي كتبها بيده، وبعث بها إلى أصدقائه وأعزته وغيرهم من الناس.
الثالث: الملفوظات، أي كلامه الذي تكلم به في جمع أو مجلس أو خلال نزهته كخطاب أو كحديث عام، والذي كتبه بعض الصحابة فورًا، ثم نشروه بصورة مذكرات وغيرها في حياة المسيح الموعود.
الرابع: الروايات، وهي أيضا نوع من الملفوظات، ولكنها لم تكتب أولا بأول، بل جُمعت فيما بعد بناءً على ذاكرة الرواة.


ويجب الأخذ في الاعتبار أن هذه الأنواع الأربعة من كلامه تتدرج في رتبتها من حيث اليقين والسند والصحة بحسب الترتيب المذكور أعلاه؛ أي الكتب أولا، ثم المكتوبات، ثم الملفوظات، وأخيرا الروايات. وأما فيما يتعلق بتربية أبناء الجماعة؛ فيمكن اعتبار الملفوظات هي الأولى درجةً من جميع الأقسام الأخرى من كلام المسيح الموعود، لأنها كلام قد خاطب به أحبابه وأتباعه مباشرة ، وتكلم به في معظم الأحوال - بهدف تعليم وتربية أبناء الجماعة. لذا، فيما يتعلق بالتربية وإصلاح النفس، فإن الملفوظات هي الأكثر مادةً من الأقسام الأخرى من كلامه. ولقد ألقى المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام في كتابه "فتح الإسلام" الضوء على أهمية هذا النوع من الكلام وضرورته، فقال:

" مما لا شك فيه أن الخطابات التي كنت ولا أزال ألقيها شفهيا للرد على أسئلة السائلين أو ما أقوله من عندي بحسب مقتضى الحال هو في بعض الحالات أكثر نفعا وأبلغ تأثيرًا وأسرع نفوذا في القلوب من التأليفات. ولذلك قد ظل جميع الأنبياء يهتمون بهذا الأسلوب دائما. فبالإضافة إلى الكلام الإلهي المحرَّر كتابةً بوجه خاص والمنشور، كانت سائر محادثات الأنبياء تنتشر عبر الخطابات التي ألقوها بحسب مقتضى الحال . كان الأسلوب الذي اتبعه الأنبياء عموما هو أنهم كانوا يخطبون كخطيب حكيم في مختلف المجالس والاجتماعات وفق مقتضى الضرورة مدفوعين بقوة الروح"، وليس كمثل المتكلمين المعاصرين الذين لا يستهدفون من خطاباتهم إلا إظهار علو كعبهم في العلوم، أو يهدفون بمنطقهم الزائف وحججهم السفسطائية إلى استدراج بسطاء القوم، فيجعلوهم حصب جهنم أكثر من أنفسهم. كلا، بل كان الأنبياء يتكلمون دائما بكل بساطة، ويصبون في قلوب الآخرين ما يتدفق من قلوبهم. إن كلماتهم القدسية كانت في
محلها دائما وعند الضرورة تماما، وما كانوا يُسمعون مخاطبيهم شيئًا كقصص وأساطير، بل كانوا يجدونهم مرضى ومصابين بآفات روحانية شتى، فينصحونهم علاجًا لهم، أو كانوا يدحضون أوهامهم بحجج قاطعة. كان كلامهم متسما بقلة الكلمات وكثرة المعاني. وهذا هو المبدأ نفسه الذي أتبعه أنا، وأترك باب الخطاب مفتوحا على الدوام بحسب حاجات القادمين والمغادرين ونظرًا إلى أسقامهم، لأن استهداف السيئة بسهام النصائح ضروري لوضع حدٍ لها، وكون الأخلاق الفاسدة كعضو انخلع من مكانه ثم أعيد إلى مكانه المعهود؛ لأمر لا يتصور علاجه كما هو حقه إلا إذا كان المريض ماثلا أمام المعالج."
فتح الإسلام ،الخزائن الروحانية، مجلد ۳ ص ١٥-١٧)

فنظرًا إلى أهمية تعليم أبناء الجماعة وتربيتهم وإصلاح نفوسهم، تقوم الشركة الإسلامية المحدودة بتغيير خطتها السابقة، وتنشر هذه الملفوظات الطيبة أولا .....

 وقد أُعدّ هذا المجلد طبقًا للمجلد الأول من الملفوظات الذي نشره من قبل مكتب التأليف والتصنيف بقاديان في ديسمبر في ١٩٣٦ ، والذي كان تدوينه وترتيبه رهينًا لجهود تشوردي أحمد جان ، وكيل المال بمؤسسة التحريك الجديد، والمولوي شيخ عبد القادر المولوي الفاضل، الداعية بلاهور حاليا، والمولوي عبد الرشيد المولوي الفاضل، فجزاهم الله خيرا. علما أن هذه الملفوظات المباركة ... قد جُمعت من شتى جرائد الجماعة ومجلاتها ...
ندعو الله تعالى أن يجعلها مفيدة ونافعة لأبناء الجماعة وغيرهم أيضا، آمين.
العبد المتواضع
جلال الدين شمس
المقيم بكويته، حاليا
٢٠ أغسطس ١٩٦٠


الملفوظات
المجلد الأول
نحمده ونصلي على رسوله الكريم وعلى عبده المسيح الموعود

الملفوظات
لسيدنا المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام

۱۸۹۱
قال حضرة مولانا عبد الكريم السيالكوتي :
غاية بعثة المسيح الموعود :
أتذكر جيدا -وقد سجلت في يومياتي أيضا ، أن شخصا سأل سيدنا وإمامنا الصادق حضرة الميرزا في مدينة جالندهر قائلا: ما هي غاية بعثتك إلى الدنيا؟ 
فقال: لقد جئتُ ليزداد الناس يقينا.


نوعان من الإيمان
وهناك أمر آخر مسجّل في يومياتي، وقد وقع في جالندهر أيضًا، وهو أن أخانا منشي محمد رورا سأل حضرته سيدي، كم هي أنواع الإيمان؟ فأجابه جوابًا لطيفا وبسيطا وقال: الإيمان نوعان: بسيط، ودقيق. أما الإيمان البسيط ،فهو أن يؤمن المرء إيمان العجائز، وأما الإيمان الدقيق، فهو أن يتبعني.
مقتبس من خطاب حضرة مولانا عبد الكريم السيالكوتي يوم ۱۸۹۷/۱۲/۲۹، راجع تقرير الجلسة السنوية ۱۸۹۷ ص ١٠٦-١٠٧.

۱۸۹۵
كتب حضرة مفتي محمد صادق :
كنت أزور سيدنا المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام منذ عام ١٨٩٥، وكنت مشغوفًا بتسجيل كلماته المباركة على ورقة، وأخذها معي إلى لاهور دائما، وقرائتها على إخواننا الأحمديين في مجلس هنالك كل أسبوع... وأنقل هنا بعض تلك الكلمات المسجلة هدية للقراء الكرام . لم أكن في تلك الأيام أهتم بتسجيل تاريخ هذه الكلمات، فلذا أسجل كل شيء بلا تاريخ.


البيعة والتوبة
 على المرء أن يعلم ما هي فائدة ،البيعة، ولماذا هي ضرورية، لأن الإنسان لا ينظر إلى شيء نظرة تقدير ما لم يعرف نفعه وقدره. فمثلا توجد في بيته أنواع المقتنيات والأثاث من دينار ودرهم وفلس وخشب وغيرها ، ولكنه يعتني بكل شيء نظرا إلى قدره وقيمته، فلا يعتني بالفلس بقدر ما يعتني بالدرهم والدينار، أما الخشب وما شابهه من أشياء، فيلقيه في زاوية من البيت غير مبال به. باختصار، كلما زادت الخسارة في ضياع شيء زاد الاهتمام بحفظه. كذلك فإن أفضل ما في البيعة هو التوبة، ومعناه الرجوع. التوبة تعني أن يهجر الإنسان معاصيه التي قد ازداد بها كلفا وتعلقًا واتخذها له وطنًا، فكأنه يعيش في وطن المعاصي، والرجوع في هذا السياق يعني أن يتطهر من تلك المعاصي. وتركُ الوطن شاق على المرء جدا، حيث يكابد في تركه صنوف المعاناة. كم يعاني المرء عند ترك بيته أما عند هجرته من وطنه، فيضطر لقطع صلته عن أحبابه كلهم، ويذهب إلى بلد جديد، تاركا وراءه كل شيء من سرير ودار وفناء وجار وسكك وزقاق وأسواق، أعني أنه لا يرجع بعد ذلك إلى وطنه الأول أبدا. هذا هو معنى التوبة، فإن أصدقاء المعصية غير أصدقاء التقوى، وقد سمى الصوفية هذا التغير موتا.

التائب يتكبد خسائر كبيرة ، ويواجه حرجًا كبيرا عند التوبة الصادقة، ولكن الله حيم كريم، فلا يتوفى عبده التائب ما لم يمن عليه بنعم البدل من كل ما خسر. وهذا ما يشير إليه قول الله تعالى: إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ ﴾ (البقرة: ۲۲۳)، أي أن التائب يصبح بتوبته فقيرًا عديم الحيلة ، ولذلك يحبه الله، ويُدخله في زمرة الصالحين. إن الأمم الأخرى لا تؤمن بكون الله رحيما وكريما، فإن النصارى جعلوا الله تعالى ظالما والابن رحيما، إذ لم يغفر الأب إثم البشر، ولكن الابن فداهم بموته، وإن هذا الفرق الشاسع الذي جعلوه بين الأب والابن لحماقة كبيرة منهم، ذلك أن الوالد والمولود يتشابهان خُلقًا وعادةً، ولكننا لا نجد هذا التشابه هنا على الإطلاق. فلولا أن الله رحيم لما عاش الإنسان لحظة واحدة ،فمَن الذي خلق للإنسان آلاف الأشياء النافعة حتى قبل أي عمل منه، فكيف يصح الظن أنه لا يقبل التوبة والعمل؟
.
حقيقة الإثم والتوبة
إن حقيقة الإثم ليست أن الله تعالى خَلَقَ الإثم، ثم بعد آلاف السنين فكر في غفرانه. كلا، بل كما أن للذباب جناحين، جناحًا ذا شفاء وجناحًا ذا سمّ، كذلك للإنسان جناحان، جناح المعاصي والآثام وجناح الخجل والندم والتوبة. هذا أمر لا نقاش فيه، فمثلاً عندما يضرب المرء عبده بشدة يأخذه الندم بعد ذلك، وهذا يعني أن جناحيه هذين يتحركان في وقت واحد. فلا شك أن مع السمّ ترياقا. أما السؤال: لم خُلق السم؟ فجوابه: مما لا شك فيه أن الإثم سم، ولكن هذا السمّ يصبح إكسيرًا وشفاءً بعد مروره بعمليات الدق والحرق طويلا، ولولا الشعور بالإثم، لازداد في المرء سمُّ الكبر وهَلَكَ، ولكن التوبة تتداركه. فالحق أن الشعور بالإثم لا يفتأ يحمي الإنسان من آفة الكبر والعُجب ، وما دام نبينا المعصوم يستغفر الله سبعين مرة، فكم بالحري بنا أن نستغفر الله تعالى. ولا يأنف التوبة إلا الذي يصبح راضيا بالإثم، أما الذي يرى الإثم إثماً ،فسوف يتوب عنه في نهاية المطاف. ورد في الحديث الشريف أن المرء حين يستغفر الله باكيًا مرة بعد أخرىـ يقول الله له في النهاية : "اعْمَلْ مَا شِئْتَ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ . "صحیح مسلم، كتاب التوبة. (المترجم) " 
وإنما مراد ذلك أن الله تعالى يغيّر ما بقلبه، فيكره الإثم طبعًا. إذا رأى المرء الشاةَ تأكل النجاسة كره أكل لحمها، كذلك من غفر الله له لا يرتكب الإثم

 إن المسلمين يكرهون أكل لحم الخنزير طبعًا وفطرةً، مع وقوعهم في آلاف المنكرات الأخرى التي هي حرام ، وقد نهوا عنها. ما الحكمة في ذلك؟ الحكمة أن الله تعالى قد جعل ذلك نموذجًا واضحًا للكراهية تعليمًا للناس أن عليهم أن يكرهوا الإثم على هذا النحو.


الدعاء ترياق
لا ينبغي للآثم أن يمتنع عن الدعاء ظنًا منه أن آثامه كثيرة جدا. إن الدعاء ترياق، فسوف يرى نتيجة دعائه في النهاية كيف أنه بدأ يكره الإثم. إن الذين ييأسون من استجابة دعائهم بسبب توغلهم في المعاصي ولا يتوبون، فإنهم ينكرون في نهاية المطاف أنبياء الله وتأثيراتهم أيضا.


التوبة جزء من البيعة
هذه هي حقيقة التوبة التي ذكرتها آنفًا. لماذا جُعلت التوبة جزءا من البيعة؟
الجواب: أن الإنسان عرضة لأنواع الغفلة، وعندما يبايع على يد من وهبه الله ذلك التبدل، تسري فيه، نتيجة هذا الاتصال، فيوضٌ وأنوار كتلك التي يحظى بها الإنسان المتبدل، شريطة أن يكون اتصال المبايع به حقيقيا، شأن الشجرة المطعمة التي تتغير خواصها نتيجة التطعيم. يجب ألا يكون المبايع كالغصن الجاف، بل لا بد أن يصبح غصنًا لمن بايع على يده ويرتبط به كلية، وعندها سينتفع منه بقدر قوة اتصاله به. 

متى تنفع البيعة؟ 

البيعة الشكلية لا تجدي نفعا، والتوفيق للبيعة النافعة أمرٌ صعب. إنما ينال المرء نصيبا منها إذا تعلّق بمن بايع على يده بكامل الحب والإخلاص، متخليا عن وجوده كلية. لقد ظل المنافقون غير مؤمنين لأنهم كانوا غير صادقين في تعلقهم برسول الله ، ولم يتحلوا بحب وإخلاص حقيقيين، فلم ينفعهم قولهم بأفواههم: "لا إله إلا الله". فتقوية هذه الأواصر أمر بالغ الأهمية. إذا كان المريد لا يقوّي هذه الصلات أو لا يسعى لذلك، فلا جدوى من شكواه وتأسفه . لا بد من تقوية علاقة الحب والإخلاص مع المرشد والتصبغ بصبغته في قدوته ومعتقداته قدر المستطاع. النفس تمني الإنسان بطول العمر، وهذه خدعة منها . لا ضمان للعمر، فسارعوا إلى الصلاح والعبادة، والمحاسبة من الصباح إلى المساء .
ملحوظة : على ما أتذكر، فإن سيدنا المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام قد ألقى هذا الخطاب حين بايعه السيد محمد نواب خان رئيس المديرية. (المحرر)
جريدة "البدر" مجلد ۱ عدد ٥-٦ من ١۱/۲۸ إلى ۱۹۰۲/۱۲/٥.



الحث على صلاة التهجد
لو قضى المرء أنفاس حياته كلها في أمور الدنيا، فماذا عسى أن يكون قد ادخره للآخرة؟ استيقظوا لصلاة التهجد خاصة، وصلّوها بخشوع وشوق. يُبتلى المرء بسبب وظيفته في صلواته التي يحين ميقاتها خلال عمله ، ولكن الله هو الرزاق، فيجب أداء الصلوات في مواقيتها. ويمكن الجمع بين الظهر والعصر من حين لآخر. علم الله أن فيكم ضعفاء، فجعل هذه الرخصة، ولكن هذه الرخصة لا تجيز لكم جمع ثلاث صلوات.



تكبد المشقة لله تعالى
مادام الناس يلقون العقاب والملامة من قبل المسؤولين في وظائفهم وغيرها من الأمور الدنيوية الكثيرة، فحبذا لو تكبدوا المشقة في سبيل الله تعالى! إن الذين يتعرضون للأذى والخسارة من أجل البر والصلاح يوضع لهم الحب والقبول في الناس أيضا، وهذا هو عمل الأنبياء والصديقين. إن الذي يتكبد الخسارة المادية ابتغاء مرضاة الله تعالى، فلا يتركه الله بدون الأجر، بل يجزيه جزاء أوفى.


على المرء اجتناب النفاق
لا بد للإنسان من تجنب سيرة النفاق، فلو قال له أحد الهندوس من الحكام أو أصحاب المناصب الأخرى بأن "رام " -رام، هو اسم أكبر آلهة الهندوس (المترجم)- و الرحيم واحد ، فعليه أن يرفض ذلك ولا يقول : نعم. غير أن الله تعالى لا ينهى عن مراعاة الأدب، لذا، فعليه أن يردّ عليه بأدب ولباقة، إذ ليس من الحكمة أن يتكلم المرء كلاما يثير حفيظة الآخر دون داع ويؤدي إلى الخصام. لكن عليه ألا يكتم الحق، لأن مسايرة المرء الآخرين على هذا النحو تجعله كافرا. ونِعْمَ ما قال الشاعر:
یار غالب شوکه تا غالب شوی
أي: كن صديق الغالب لكي تكون غالبا.
فعلى المرء أن يعظم الله ويخاف مقامه، وليعلم أيضا أن ديننا ليس فيه ما يتنافى مع الأدب واللباقة.


الإسلام
لقد ظل الإسلام مظلومًا على مرّ العصور. فكما أن الأخ الأكبر يظلم أخاه الأصغر، لا لشيء، إلا لأنه يرى أنه أكبر منه إذ ولد قبله ، لذا فهو أكثر منه حقا، مع  أنهما سيّانِ في الحقوق، كذلك قد تعرض الإسلام للظلم على هذا النحو، حيث جاء في آخر سائر الأديان، ونبهها كلَّها إلى أخطائها، فاستاء منه أهلها كلهم، شأن الجاهل الذي يعادي الناصح الأمين، لأن عظمة أديانهم كانت راسخة في قلوبهم. يصاب المرء بالكبرياء لكثرة قومه وقدم شعبه وكثرة ماله، وقد بعث رسول الله في أمة فقيرة قليلة العدد، حديثة العهد، فلم يؤمن به المعارضون أول الأمر. فالحق مظلوم دوما.



إحسان الإسلام إلى الأمم الأخرى
إن الإسلام دين مقدس جدا حتى إنه لا يسمح لأتباعه بسب مؤسس أي دين آخر، أما أهل الديانات الأخرى، فلا يتورعون عن سبّ الآخرين. فكم تسبُّ الأمة المسيحية نبينا ؟! لو كان النبي حيا اليوم لما تجاسروا على التفوه بكلمة نابية واحدة ضده نظرًا إلى عظمته الدنيوية، بل لعظموه أيَّما تعظيم. ليس ملك كابول والسلطانُ التركي إلا من أدنى أتباعه، ومع ذلك لا يجرؤ المسيحيون على سبّهما والإساءة إليهما، أما لو ذكر الرسول أمامهم ، لكالوا له ألف سباب. قد أحسن الإسلام إلى الأمم الأخرى، إذ برأ ساحة كل نبي وكل كتاب، ولكنه مظلوم من قبل الجميع. لا يوجد مضمون الإسلام : "لا إله إلا الله" في أية ديانة أخرى .
بدر مجلد ۱ عدد ٨ يوم ۱۹۰۲/۱۲/۱۹ ص ٥٩.


١٨٩٦
قال عليه الصلاة والسلام
إن ما ورد بشأن مجيء المسيح هو لفظ النزول، لا الرجوع. فأولاً: إن اللفظ الذي يُستخدم للعودة هو الرجوع، وهو لم يرد بحق المسيح قط، وثانيا : النزول لا يعني المجيء من السماء أبدا. والنزيل يعني
المسافر.



ضرورة الدعاء للمعارضين

قال عليه الصلاة والسلام:
الكلمات القاسية التي استخدمناها في حق المعارضين في بعض الأماكن إنما لكسر كبريائهم. إنها هي ليست ردًّا على كلامهم القاسي، إنما هي بمنزلة دواء مُرّ بغية علاجهم، والحق مُرٌّ ، غير أنه لا يحق لكل واحد اللجوء إلى الكلمات القاسية، بل على جماعتنا توخي الحذر بهذا الشأن. ينبغي على كل إنسان أن يفحص قلبه جيدا أولاً ليرى ما إذا كان يستخدم الكلمات القاسية عنادا وعداء فحسب، أم بنية صالحة.

وقال عليه الصلاة والسلام: يجب ألا يعامل المعارضون بعداء، بل يجب التركيز على الدعاء لهم والسعي بشتى الوسائل.
بدر، مجلد ۱۱، عدد ٦-٧، يوم ۱۹۱۱/۱۱/۲۳ ص ۳.

۱۸۹۷
قال سيدنا المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام:
أنا لا أستمي نفسي مولويًا أبدًا، ولا أرضى بأن يسمّيني أحد مولويا، بل إن هذه التسمية تؤذيني وكأن أحدا يسبني.
ثم قال : سوف يؤذيكم الناس ويضرونكم، ولكن على جماعتنا ألا يثوروا. لا تتفوهوا من جراء ثورة النفس بكلمات تجرح القلب، لأن الله تعالى لا يحب من يصير مثل هؤلاء القوم، إنما يريد الله تعالى أن تكون جماعتنا أسوة وقدوة للآخرين. "
 
بدر مجلد ۱۱ عدد ١ يوم ۱۹۱۱/۱۱/۲ ص ۳.

وقال: إن هذا أمر سماوي، ومن المحال أن يتوقف الأمر السماوي. لا دخل لنا في هذا الأمر مثقال ذرة.
وقال  : لا تثور نفسي بسب الناس.

وقال: الأثرياء متكبرون ، ولكن علماء اليوم أشدُّ منهم كبرا، وكبرهم يقف حاجزًا في سبيلهم، وأريد كسر هذا الحاجز، ولسوف يتواضعون عند انكساره.
وقال : إن الله تعالى يحب المتقي، فينبغي أن تخشوا الله جميعا بتذكر عظمته. اعلموا أنّ الجميع خلق الله عزّ وجلّ، فلا تظلموا أحدا، ولا تغضبوا، ولا تزدروا أحدا. إذا كان في الجماعة شخص سيء واحد، فإنه يسيء إلى الجماعة كلها. فإذا كانت طبائعكم مائلة إلى الحدة والغضب، فتفحّصوا قلوبكم لمعرفة مصدر هذه الحدة، لأنّ هذا المقام جدُّ خطير . 
بدر مجلد ۱۱ عدد ۸-۹ يوم ۱۹۱۱/۱۱/۳۰ ص ۳.

ديسمبر ۱۸۹۷
وصلتنا من قاديان رسالة بالبريد تتضمن تعليمات بأن على أبناء جماعتنا أن يكثروا بعد الركوع في آخر ركعة من كل صلاة من الدعاء التالي: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. (البقرة : ۲۲۰۲

الحكم، مجلد ۱ عدد ٧ يوم ۱۸۹۷/۱۲/۹ ص ٥.


١٨٩٧/١٢/٢٥
الخطاب الأول لسيدنا المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام في الجلسة السنوية

الحث على التقوى
قال سيدنا المسيح الموعود : أرى أن الأهم والأولى هو أن أعِظَ جماعتي بالتقوى نصحا لهم، إذ ليس خافيًا على عاقل أن الله تعالى لا يرضى إلا بالتقوى، قال الله تعالى: إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) (النحل: ١٢٩).
 إن جماعتنا بأمس الحاجة إلى التقوى بوجه خاص، فإنهم قد بايعوا وانتموا إلى شخص يدعي أنه مأمور من الله تعالى، ذلك لينجوا من الآفات كلها، سواء أكانوا مصابين بأنواع الضغائن والأحقاد وصنوف الشرك، أو كانوا متكالبين على الدنيا إلى أبعد الحدود.

تعلمون أن المرء إذا أصيب بمرض خطير أو بسيط ، فلا يُشفى ما لم يخضع للمداواة وما لم يتكبد عناء العلاج. فمثلاً : لو ظهرت على وجهه بقعة سوداء قلق قلقا شديدا مخافة أن تكبر وتسوّد الوجه كله، كذلك فإن المعصية تترك بقعة سوداء على قلب الإنسان، والصغائر تتحول إلى الكبائر نتيجة التساهل والتهاون. والصغائر هي تلك البقعة السوداء التي تكبر حتى تسوّد الوجه كله.

إن الله كما هو رحيم وكريم، فإنه قهار ومنتقم أيضا، وعندما يرى جماعةً تدعي ادعاءات واسعة ، لكن أعمالها لا تتفق مع دعاواها، فيثور غيظه وغضبه، فيسلط عليها الكفار عقابا لهم.

 إن الملمين بالتاريخ يعلمون أن المسلمين دمروا بأيدي الكفار
مرارا، مثل جنكيز خان وهولاكو خان . كان الله تعالى قد وعد المسلمين بالنصرة والحماية، ومع ذلك صاروا مغلوبين. وقد وقعت مثل هذه الأحداث مرارا، وليس ذلك إلا لأن الله حين يرى أن هذه الجماعة تشهد بأن "لا إله إلا الله"، ولكن قلوبها معرضة عنه، ومتكالبة على الدنيا عمليًّا، فيحل عليهم قهره وغضبه.



ضرورة توافق القول والفعل
إنما خشية الله تعالى أن يفحص المرء مدى توافق فعله مع قوله، فلو وجد فعله غير منسجم مع قوله، فليعلم أنه سيكون عرضة لغضب الله تعالى، إذ لا قيمة لصاحب القلب النجس مهما كان قوله طيبًا، بل إنه سوف يثير غضب الله تعالى. فلتَعْلَمْ جماعتي أنهم جاءوني لأُنميهم كالبذر، ليكونوا شجرةً مثمرة، لذا فليفحص كل واحد منكم نفسه ليعلم حالة باطنه وقلبه.

 إذا كان أبناء جماعتي يقولون خلاف ما يُخفون في قلوبهم، لا سمح الله - ، فلن تكون عاقبتهم محمودة، لأن الله تعالى حين يرى جماعةً تدعي ادعاءات واسعة وقلوبها فارغة، فلا يعبأ بها، لأن الله غنيّ. كان النبي صلى الله عليه وسلم قد تلقى نبوءة النصر بوقعة بدر، وكان النصر مأمولاً ومؤكدا ، ومع ذلك دعا الله تعالى متضرعًا باكيا، فقال له أبو بكر الصديق له : إذا كان وعد الفتح مؤكدا ، فما الحاجة لهذا البكاء والابتهال؟ فقال النبي : إن الله غني ، وقد يكون الفتح مشروطا بشروط خفية.

بركات التقوى:
لذا فعلينا أن نفحص دائما مدى تقدّمنا في الطهارة والتقوى، والمعيار لاختبار ذلك هو القرآن الكريم. لقد بيَّن الله تعالى أن من علامات المتقين أن الله ينجيهم من مكاره الدنيا ويتكفل أمورهم ، حيث قال:
 وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ
 (الطلاق: ٣-٤) ،
 أي أن الذي يتقي الله يجعل الله له مخرجًا من المصائب والأزمات ويهيئ له أسباب الرزق من حيث لا يحتسب.


أي أن من علامات المتقي أن الله تعالى لا يجعله يضطر لحاجات لا طائل منها. فمثلاً: يزعم التاجر أن تجارته لن تزدهر بدون كذب وزور، فلا يتورع عن الكذب بحجة أنه مضطر لذلك. ولكن هذا باطل تماما، فإن الله نفسه يتولى المتقي ، ويحميه من مواقف تضطره لقول ما ليس بحق. اعلموا أن من ترك الله تركه الله، ومن تركه الرحمن والاه الشيطان يقينا.

لا تظنوا أن الله تعالى ضعيف، كلا، بل هو شديدُ القُوى المتين، فلو توكلتم عليه في أموركم لأعانكم حتمًا وَمَنْ يَتَوَكَّلْ: عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ (الطلاق: ٤). كان أوّل المخاطبين في هذه الآيات أهل صلاح ودين، وكانت جل همومهم عن الدين، وقد فوّضوا أمر دنياهم إلى الله تعالى، فطمأهم الله بأني معكم.
 باختصار، إن من بركات التقوى أن الله تعالى ينجي الإنسان المتقي من الصعاب التي تعيقه عن خدمة الدين.

 الرزق الروحاني للمتقي:
ثم إن الله تعالى يرزق المتقي خاصة. وسوف أتحدث هنا عن رزق المعارف. ومع أن النبي كان أميًّا ، إلا أنه كان عليه أن يواجه العالم كله بمن فيهم أهل الكتاب والفلاسفة والمثقفين الكبار والعلماء الأفذاذ، فأعطاه الله الرزق الروحاني حتى غلب الجميع ونبههم إلى أخطائهم. كان هذا رزقًا روحانيا لا نظير له. يقول الله تعالى في عظمة المتقي في آية أخرى:
 إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ) 
(الأنفال (٣٥) ،
 أي ليس أصدقاء الله إلا المتقون، يا لها من نعمة ، حيث يُدعى الإنسان مقربًا عند الله جزاءً على تعرُّضه لأذى بسيط. لقد صار الناس في هذا العصر قليلي الهمة جدا، فلو قال لأحدهم حاكم أو مسؤول إنك صديقي، أو قدّم له الكرسي وأكرمه ، فإنه يتكبر ويتفاخر ، فما أعظمه درجةً من يدعوه الله وليًا أو صديقًا له. 
لقد وعد الله على لسان النبي صلى الله عليه وسلم في حديث في البخاري: 
"ما يزال عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِش بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِمَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ. "
البخاري، كتاب الرقاق، باب التواضع (المترجم)
 أي أن الله تعالى يقول:
 إن وليي يتبوأ هذا المقام العظيم من قربي من خلال النوافل.


الفرائض والنوافل
كل الصالحات التي يقوم بها المرء تنقسم إلى قسمين الفرائض والنوافل. والفرائض واجبات لا بد له منها كسداد دين أو ردّ معروف بمعروف. وهناك النوافل إلى جانب الفرائض، أي ثمة حسنات إضافية إلى ما هو فرض على الإنسان، كأن يردّ على الآخر بمعروف أكبر مما صُنع به/ والنوافل متمّمات للفرائض. والحديث المذكور آنفا يبين أن فرائض أولياء الله الدينية تكتمل بالنوافل، فمثلا : إنهم يُخرجون الصدقات علاوةً على أداء الزكاة. والله تعالى يوالي مثل هؤلاء الأولياء، ويقول إن هذه الولاية والصداقة تتعاظم حتى يصبح الله تعالى يد عبده ورجله ولسانه الذي يتكلم به.


 ضرورة توافق كل فعل مع مشيئة الله :
الحق أن الإنسان حين يتطهر من أهواء النفس ويتبع مشيئة الله متخليا عن أنانيته، فلا يصدر عنه ما ليس بجائز، بل تكون أفعاله كلها تابعة لمشيئة الله تعالى. إنما يقع الإنسان في الابتلاء والعثار حين لا يكون عمله موافقا لمشيئة الله، بل يكون خلاف مرضاته تعالى، ومثل هذا الإنسان يتبع أهواءه، فيرتكب في ثورة الغضب ما يجرّه إلى المحاكم مثلاً، فيعاقب. ولكن لو صمم المرء على أن لا يعمل عملاً إلا باستشارة كتاب الله ، وألا يتخذ خطوة إلا بعد الرجوع إلى كتاب الله، فلا بد أن يرشده كتاب الله، لأن الله تعالى يعلن:
 وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ 
(الأنعام: (٦٠).
 فلو عقدنا العزم على استشارة كتاب الله ، فلا بد أن يرشدنا. ولكن الذي يتبع أهواءه فلا بد أن يتضرر، وفي أحيان كثيرة يؤاخَذ في هذه الدنيا نفسها. وعلى النقيض،  يقول الله تعالى: إن أوليائى الذين يعملون معي ويمشون معي ويتكلمون معي، فكأنهم فانون في . وكلما كان المرء أقل تفانيًا في الله تعالى ، كان بعيدًا عن الله، ولكنه لو تفانى في الله كما وصف الله أولياءه، فاق إيمانه التقدير، وقد قال الله تعالى في مثل هذا في حديث قدسي: 
" مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ،"
البخاري، كتاب الرقاق، باب التواضع. (المترجم)

  أي من يتصدى لولي لي، فإنما يتصدى لي أنا.

فانظروا كم هي سامية درجة المتقيّ، وما أعلاه مكانةً! فمن بلغ في قرب الله تعالى بحيث صار إيذاؤه كإيذاء الله تعالى فيمكنكم أن تتصوروا كيف ينصره الله ويعينه .


من التحق بالمتقي نجا

يُلقَى الناس في مصائب كثيرة، ولكن المتقي يُنجّى منها، بل ينجى منها من يكون معه. المصائب لا حد لها، حتى إن باطن الإنسان مليء بمصائب بلا حدود. خذوا مثلاً الأسقام وحدها، فإنها تجلب على الإنسان آلاف الآفات، ولكن الذي يكون في حصن التقوى يحفظ منها ، أما الذي يكون خارجه، فهو في غابة مليئة بالوحوش الضارية.



يتلقى المتقي البشارات في هذه الدنيا :
وهناك وعد آخر للمتقين: لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ))
 (يونس: (٦٥) ، 
أي أن المتقين يتلقون البشارات في هذا العالم نفسه عبر الرؤى الصالحة، بل يحظون بالمكاشفات، ويتشرفون بمكالمة الله، ویرون الملائكة في زي البشر، كما قال الله تعالى:
 إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) 
(فصلت: (۳۱). 
وهم قوم يقولون ربنا الله، ثم يتحلون بالاستقامة، أي يوفون بعملهم الوعد الذي قطعوه بلسانهم.

 
الابتلاء ضروري:
والابتلاء ضروري كما تشير هذه الآية:
 أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ ﴾ 
(العنكبوت (۳). 
وقال الله تعالى:
 إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ)
 (فصلت: (۳۱).
 لقد أخطأ المفسرون إذ قالوا إن نزول الملائكة هذا يكون وقت الاحتضار وهذا قول باطل، وإنما معنى هذه الآية أن الذين يطهرون قلوبهم وينأون بنفوسهم عن النجاسة التي تبعد عن الله تعالى، يصبح لهم الانسجام مع الوحي، فيبدأ نزوله عليهم.

ثم قال الله تعالى في بيان عظمة المتقي في آية أخرى: 
(أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)
 (يونس: (٦٣) .
 ومَن كان الله كفيله ، فلا يصيبه أذى، ومن كان الله وليه، فلا يقدر الخصم على الإضرار به.
 ثم قال الله تعالى لهم:
 وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ
 (فصلت: ۳۱)، 
أي افرحوا بالجنة التي وعدتم بها. يتضح من هدي القرآن الكريم أن للإنسان جنتين. فمن أحبّ الله تعالى، فكيف يمكن أن يعيش عيشة الحرقة والألم؟ ما دام صديق بعض الحكام في الدنيا يعيش بسبب صداقته عيشة كالجنة فيما يتعلق بدنياه، فما بالك بأولياء الله تعالى، أفلا تكون أبواب الجنة مفتوحة لهم؟ لا جرم أن الدنيا مليئة بالمصائب والخطوب، ولكن ما يدريكم كم يستمتع هؤلاء القوم بحلول هذه الشدائد والآلام عليهم. الإنسان لا يصبر على الأذى لنصف ساعة، أما هؤلاء القوم فيصبرون على الأذى طوال حياتهم. ولو عُرض عليهم ملك عظيم على أن يتركوا عملهم ، فلا يرضون بذلك. كذلك لو صبت عليهم جبال المصائب ، فلا ينثنون عن إرادتهم.



الأسوة الكاملة في الأخلاق:
 لقد مرّ النبي بالظرفين كليهما. فقد أتى عليه زمان رشق فيه بالحجارة بالطائف، وآذاه جمع كبير أشد الأذى، لكن لم تتزعزع عزيمته. ولما رأى القوم أنه لا يعبأ بالمصائب والشدائد ، اجتمعوا وجاءوه يعدونه بالمملك والسيادة، ويعرضون عليه كل أنواع الراحة والرخاء وحتى أجمل النساء على أن يكفّ عن ذمّ آلهتهم، ولكنه لم يحفل بوعد الملك، مثلما لم يبال بالأذى الشديد الذي حل به في الطائف، بل آثر أن يرشق بالحجارة. فإن لم يكن يجد فيها متعةً عظيمة، فأنى له أن يقع في الآلام تاركا الراحة؟ هذه الفرصة لم تتيسر لأي نبي سوى نبينا عليه الصلاة والتحيات حيث أُغري بوعود كبيرة على أن يتخلى عن أداء مهام النبوة. لم يتيسر هذا الأمر للمسيح أيضا، وإنما نبينا هو الوحيد في تاريخ العالم الذي وعد بالملك على أن يتخلى عن القيام بمهمته.

 لقد خُص نبي الله وحده بهذا الشرف. كما أن هادينا الكامل هو الوحيد الذي تيسرت له الفترتان فترة الأذى وفترة النصر، ليكون أسوة كاملة في الأخلاق في الظرفين كليهما.

لقد أراد الله تعالى للمتقين أن يستمتعوا باللذتين كلتيهما، فحينا يستمتعون بمتع الدنيا وراحتها وطيباتها، وحينًا آخر يستمتعون بمتع المحن والمصائب، ذلك ليقدموا أسوة كاملة في الأخلاق في الظرفين، فمن الأخلاق ما ينكشف عند القوة والقدرة، ومنها ما يتجلى وقت المحن والخطوب. وقد تيسّر الأمران لنبينا ، ولذلك ليس أية أُمةٍ تقديم أخلاق نبيها بقدر ما نستطيع تقديم أخلاق نبينا . فمثلاً بوسع يظهر للناس من أخلاق المسيح الله إلا صبره، حيث ظل عرضة للضرب والإهانة، فأين الدليل على أنه نال القوة والسلطة أيضا. لا شك أنه  نبي حق، ولكن ما تجلّت أخلاقه بكل أنواعها، فلأن القرآن الكريم يذكره نبيًا فنؤمن به، وإلا لم يثبت له من الإنجيل أي الأخلاق التي تحلى بها أولو العزم من الرسل. لو أن هادينا الكامل مات في فترة الثلاث عشرة سنة الأولى، وهي فترة المحن والشدائد، لما تجلى كثير من أخلاقه الفاضلة الأخرى كما حصل مع المسيح، ولكن لما أتت على  نبينا الفترة الثانية فترة النصر ، وعُرض عليه المجرمون، تجلى خُلق رحمته وعفوه تجليا كاملا. كما ثبت من هذا أن أفعاله ما كانت صادرة عن جبر وإكراه، بل تم كل أمر له بشكله الطبيعي. وهناك أخلاق كثيرة أخرى ثابتة عنه . 

فقول الله تعالى: نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ (فصلت: ۳۲)، يكذب أيضا أولئك الجاهلين الذين أنكروا نزول الملائكة في هذه الحياة. إذا كانت الملائكة تنزل عند سكرات الموت، فكيف ثبتت ولاية الله لعباده هؤلاء في الحياة الدنيا؟


يُرَى المتقي حياة الآخرة في الدنيا نفسها ، فمن نعمة الله على أوليائه أنهم يرون ملائكته. إن الحياة الآخرة مجرد إيمان بالغيب ، ولكن المتقي يُرَى الحياة الآخرة في هذه الحياة نفسها، فأولياء الله يلقونه في هذه الحياة نفسها ويرونه ويكلّمهم ، ومَن لم يحظ بهذا ، فموتُه ورحيله من هذه الحياة شر رحيل. لقد قال أحد أولياء الله تعالى: إن الذي لم يحظ في حياته برؤيا صالحة واحدة ، فعاقبته غير محمودة. لقد جعل القرآن الكريم هذا الأمر علامة للمؤمن، فمن خلا من هذه العلامة، فلا تقوى فيه. لذا فعلينا جميعًا أن ندعو الله تعالى لنفي هذا الشرط، فنحظى بفيض الوحي والرؤيا والمكاشفات من عند الله تعالى، فإن هذه ميزة خاصة للمؤمن، ويجب أن توجد فينا.

وهناك بركات كثيرة أخرى ينالها المتقي، فمثلاً : يعلم الله تعالى المؤمن في سورة الفاتحة التي هي في مستهل القرآن الكريم أن يدعو الله قائلا: 
اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّين). الفاتحة: (٧٦
 أي دُلَّنا على صراط الذين على صراط الذين أنعمت وتفضلت عليهم.
 لقد علّم الله تعالى هذا الدعاء ليشحذ المرء همته، ويفهم مشيئة خالقه، ألا وهي أن لا تعيش هذه الأمة عيشة البهائم، بل تزول عنها الحجب كلها. فمثلاً: يؤمن الشيعة أن الولاية انتهت بعد اثني عشر إمامًا، ولكن يتضح من هذا الدعاء أن الله تعالى قد قضى سلفًا أن الذي يكون تقيَّا ويعيش تابعًا للمشيئة الإلهية، فسيحوز تلك المراتب التي يحوزها الأنبياء والأصفياء. وهذا يكشف أيضا أن الإنسان قد وهب كفاءات كثيرة قُدّر لها أن تنمو وتتطور جدا. لكن قوى الكبش غير قابلة للتطور لأنه ليس بإنسان. فصاحب الهمة العالية عندما يسمع أحوال الرسل والأنبياء يتمنى أن لا يكتفي بالإيمان بتلك الإنعامات التي نالتها تلك الجماعة الطاهرة فحسب، بل ينالها هو أيضا، ليبلغ عِلمُه بتلك الإنعامات درجة علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين بالتدريج.

ثلاثة مدارج للعلم:
هناك ثلاثة مدارج للعلم: علم اليقين، عين اليقين، وحق اليقين؛ فمثلاً: حين يرى المرء دخانا مرتفعا من مكان يوقن بوجود النار ، وهذا يسمى علم اليقين، وحين يراها بأم عينه، فهذا عين اليقين، ولكن مرتبة حق اليقين هي فوق ذلك، وهي أن يُدخل يده في النار، ويوقن بوجودها بإدراك حرقتها. فيا لشقاوة إنسان لا يحوز أيًّا من هذه المراتب الثلاث. إن هذه الآية تكشف أن المحروم من فضل الله تعالى يقلّد تقليدا أعمى فحسب، بينما يقول الله تعالى: 
وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا 
(العنكبوت (۷۰ ،
 أي أن الذين يجاهدون في سبيلنا ، سوف نهديهم إليها. فهذا وعد من الله تعالى، وهناك دعاء:
 اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ
 (الفاتحة: ٦)، 
لذا فعلى المرء أن يدعو بإلحاح، آخذا هذا الوعد في الحسبان، ويتمنى أن يكون من الحائزين على الرقي والبصيرة، كيلا يرحل من هذه الدنيا أعمى عديم البصيرة، فقد قال الله تعالى: 
وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى 
(الإسراء: (۷۳). 
والمقصود من قول الله هذا ، أن علينا أن نأخذ من هذا العالم عيونا لمشاهدة عالم الآخرة. 
الحواس التي تصلح لاستيعاب ذلك العالم سيتم إعدادها في هذه الدنيا نفسها، إذ كيف يصح أن يعدنا الله وعدًا ثم لا يفي به؟


 
من هو الأعمى؟
والمراد من الأعمى هنا ، مَن لا حظ له من المعارف الروحانية واللذات الروحانية.
يولد المرء في بيت مسلم ،فيسمى مسلما نتيجة تقليده الأعمى لأهله، ويولد غيره في بيت مسيحي ، فيصير مسيحيا، ومن أجل ذلك، لا يكنّ هذا المسلم أي احترام لله ولا لرسوله ولا للقرآن الكريم، بل إن حبه للدين أيضا أمر مشكوك فيه، إذ يتردد إلى قوم يسيئون إلى الله ورسوله ، وليس سببه إلا أنه لا يملك عيونا روحانية، ولا حبا للدين، وإلا، فمتى يرضى المحبّ بشيء لا يحبه حبيبه ؟
 باختصار، لقد أخبرنا الله تعالى هنا أنه مستعد للعطاء إن كنتم مستعدين للتلقي، والقيام بهذا الدعاء هو بمنزلة الاستعداد لتلقي هذا الهدى.


المتقي:
ثم بعد هذا الدعاء، قال الله تعالى في بداية سورة البقرة : 
هُدًى لِلْمُتَّقِينَ
 (الآية3 ، 

وكأن هذا إعداد ربّاني لمنح الهداية للناس، بمعنى أن هذا الكتاب يَعِدُ المتقي بإيصاله درجة الكمال. وهذا يعني أن هذا الكتاب نافع للذين هم مستعدون للاتقاء وللإصغاء إلى النصح. والمتقي بهذه المرتبة هو من يكون مستعدا لسماع الحق، متخليا عن أفكاره المسبقة، ومثاله أن يدخل أحد في الإسلام فيصبح متقيا. عندما تأتي أيام خير لأحد من أتباع دين غير الإسلام تتولد فيه التقوى، فيتخلى عن العُجب والكبر والأنانية. هذه كانت العوائق، فزالت ، وبزوالها فتحت نوافذ قلبه المظلم، ودخلت فيه الأشعة.

لقد قال الله تعالى هنا: هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ، واعلم أن الاتقاء من باب الافتعال، ومن خواص هذا الباب التكلّفُ، وعليه، فهذه إشارة ربانية إلى أن مرتبة التقوى التي نطلبها في هذه المرحلة لا تخلو من التكلف. وفي هذا الكتاب تعليمات تحافظ على هذا النوع من التقوى. وكأنما قيل هنا أنه لابد للمتقي من تكبد المشاق في فعل الخيرات.

 العبد الصالح :
وبعد عبور هذه المرحلة يصبح السالك عبدا صالحا، أعني أنه يتخلص من التكلف في فعل الخيرات ويبدأ بفعلها طبعًا وفطرة. إنه يكون في دار الأمان الذي لا خطر عليه فيها، وتنتهي حربه تمامًا ضد أهواء النفس، ويدخل في مكان آمن، وينجو من المخاطر كلها ، وإلى هذا الأمر نفسه قد نبّهنا هادينا الكامل، إذ قال إن لكل إنسان شيطانا، ولكن شيطاني قد أسلم. فالمتقي يكون في حرب ضد الشيطان كل حين، ولكنه حين يصبح صالحًا تنتهي حروبه كلها، إذ كان عليه قبل هذه المرحلة أن يحارب الرياء مثلاً كل حين. الحق أن المتقي يكون في موطن الحرب دائما، ولا ينتصر فيها إلا إذا حالفه التأييد الإلهي. خذوا مثلاً الرياء الذي يدبّ دبيب النمل، والذي يدعه الإنسانُ أحيانًا ليأخذ طريقه إلى قلبه من حيث لا يحتسب. فمثلاً: لو فَقَدَ المرء سكينًا له، وسأل عنها غيره، لكانت هذه فرصة سانحة لنشوب الحرب بين هذا المسؤول المتقي والشيطان، إذ يوسوس له الشيطان أن سؤال صاحب السكين عنها بهذا الأسلوب يمثل إساءةً له، فقد يفقد أعصابه، ويخاصم صاحب السكين. لكن المتقي يحارب أهواء نفسه السيئة في مثل هذا الموقف، فإن كان متحليا بالأمانة والصلاح لوجه الله حقا ، فما الداعي لأن يثور غضبا؟ لأن إخفاء الأمانة والصلاح عن الناس قدر الإمكان خيرٌ. فمثلا: لو مر تاجر الجواهر بلصوص، فتشاوروا فيما بينهم بشأنه، فقال بعضهم: إنه ثري، وقال آخرون إنه فقير صفر اليدين، فلا شك أن التاجر سيحبّ قول الذين يظنون أنه فقير خاوي الوفاض. 

إخفاء الأعمال خير:
ثم ما هي هذه الدنيا؟ إن هي إلا دار ابتلاء. فالذي يخفي كل أمر من أموره متجنبًا الرياء، فهو الأفضل. إن الذين يعملون الصالحات لوجه الله خالصة إنهم لا يَدعونها تظهر لأحد، وأولئك هم المتقون . لقد قرأت في كتاب "تذكرة الأولياء" أن أحد الصالحين قال في جمع من الناس أنه بحاجة إلى المال، وطلب منهم المساعدة، فآتاه أحدهم مئة ألف روبية نظرًا إلى صلاحه، فأخذ منه المال وأثنى على سخائه وكرمه، فانزعج المعطي من المدح ظنا منه أنّ مدحه سيحرمه الثواب في الآخرة، فجاءه بعد قليل، وقال إنّ المال الذي أعطيتك هو لأمي، وهي لا تريد أن أعطيك إياه. فردّ له المال، فأخذ الناس يلومونه وينعتونه بالكذب فيما قال، وبأنه كان لا يريد أن يعطيه المال أصلا ، ولما عاد الرجل الصالح إلى بيته ليلاً أتاه صاحب المئة ألف روبية، وقال له: لقد استرددت منك المال متحايلا ، لأنك كنتَ أثنيت عليَّ أمام الناس وحرمتني ثواب الآخرة، فخُذْه الآن ، فهو لك، ولكن لا تذكر اسمي لأحد. فبكى الرجل الصالح وقال : الآن ستظل عرضةً للوم الناس، وطعنهم إلى يوم القيامة، لأن الجميع عرفوا ما جرى وقت النهار، ولكن لا أحد منهم يعرف أنك قد رددت لي المال الآن.

فالمتقي يخفي أفكاره أيضا محاربًا نفسه الأمّارة، ولكن الله تعالى يكشف للناس أفكاره الخفية هذه دائما. فكما أن الطالح يريد أن يتوارى عن الناس بعد ارتكاب السيئة، كذلك يصلي المتقي متخفيا مخافة أن يُرى وهو يصلي. المتقي الحقيقي يريد نوعا من الستر، والتقوى مراتب كثيرة، ولكنها تتطلب نوعا من التكلف في كل حال. المتقي في حالة حرب ،دوما، أما الصالح ، فهو قد تجاوز مرحلة الحرب هذه، كما بينت آنفا، بضرب مثال الرياء الذي يظل المتقى في حرب مستمرة ضده كل حين.


حرب بين الرياء والحلم
في أحيان كثيرة تنشب الحرب بين الرياء والحلم. فحينًا يغضب الإنسان خلاف ما يأمره به كتاب الله، كأن يسمع السباب، فتثور نفسه، ولكن التقوى تعلمه أن لا يغضب ، كما قال القرآن الكريم:
 ﴿وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا ﴾
 (الفرقان: ۷۳).


ويحارب الإنسان قلة الصبر في معظم الأحيان. أعني أنه يجد في سبيل التقوى عوائق جمة تصعب عليه الوصول إلى غايته ، فيفقد الصبر. فمثلاً : لو كان علينا حفر بئر إلى عمق ٥٠ ذراعا لنجد الماء، ونترك الحفر بعد عمق بضعة أذرع، لكان هذا سوء ظن من جانبنا، كذلك، فمن مقتضى التقوى أن يظل يعمل بأوامر الله تعالى إلى آخر الحدود ولا يفقد الصبر.


فئتان مباركتان في سبيل السلوك :
هناك فئتان مباركتان في السلوك والطريقة ؛ فئة دينهم "دين العجائز"، فيعملون بالأحكام البينة الواضحة، ويلتزمون بأحكام الشرع فينالون النجاة، وفئة أخرى يتقدمون أكثر، ويمضون قدمًا، ولا يسأمون ولا يملون أبدًا، حتى يصلوا الغاية. أما الفرقة الشقيّة ، فهم قوم يتقدمون مرحلة دين العجائز"، ولكن لا يكملون رحلة السلوك والطريقة، ومصيرهم الإلحاد حتمًا، حيث يقولون: لقد ظللنا نصلي ونقوم بالاعتكافات الأربعينية، ولكنها لم تنفعنا شيئا، كما قال المدعو "منصور مسيح أن سبب تنصُّره ليس إلا أنه ذهب إلى كثير من المرشدين ، وظل يقوم بالاعتكافات ، ولكن بدون جدوى، فأساء الظن بالإسلام وتنصر.



الصدق والصبر:
فالذين يفقدون الصبر يقعون في قبضة الشيطان. فالمتقي يحارب قلة الصبر أيضا. ورد في كتاب "بوستان" أن أحد العابدين كلما قام بالعبادة سمع هاتفا: إنك مردود ومخذول. وذات يوم سمع أحد مريديه صوت الهاتف هذا ، وقال له: لقد حُسم الأمر الآن، فماذا ينفعك بعد ذلك ضربُ الرأس على الأرض؟ فبكي العابد كثيرا ، وقال: أين أذهب بعد ترك الله تعالى. إذا كنتُ ملعونا عنده فلا ضير، إذ يعتبرني ملعونا على الأقل. وبينما هو يحاور مريده، إذ جاءه صوت من الغيب: إنك من المقبولين. فكل هذا كان ثمرة الصدق والصبر اللذين لا بد منهما للمتقي.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الردود على الأسئلة التي يطرحها الناس عادة السؤال ١: أين يثبت موت المسيح ابن مريم من القرآن الكريم؟ بل إن قوله تعالى: ﴿رَافِعُكَ إِلَيَّ" و"بَل رَّفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ" يدلّ على أن المسيح رفع إلى السماء بجسده. وكذلك الآية: ﴿وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ ؟ تدل على أن المسيح لم يُقتل ولم يمت على الصليب. الجواب: فليتضح أن معنى الرفع إلى الله هو الموت، كذلك إن لقول الله : ارْجِعِي إِلَى رَبِّك"، وقوله: ﴿إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ" المعنى  نفسه. إضافة إلى ذلك إن الوضوح والجلاء والتفصيل الذي ورد به ذكر موت المسيح في القرآن الكريم لا يتصور أكثر منه؛ لأن الله قد بين وفاة المسيح بوجه عام وبوجه خاص أيضا، كما يقول مثلا على وجه العموم: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ " . إن هذه الآية التي قدّمتُها للاستدلال تدل بصراحة متناهية أن الموت قد  أصاب  جميع الرُّسُل، سواء أكان بالموت الطبيعي أو بالقتل، ولم يسلم من الموت نبي من الأنبياء السابقي...

شرح وتفسير: "وكان عرشه على الماء".

 شرح وتفسير: "وكان عرشه على الماء". النقاش عن كون العرش مخلوقا أو غير مخلوق عبث:  فقال عليه السلام:  الناس يتفننون في آرائهم حول هذا الموضوع، بعضهم يصفونه بالمخلوق وبعضهم يصفونه بغير المخلوق، ولكن لو لم نصفه بغير المخلوق لبطل الاستواء. لا شك في أن النقاش حول كون العرش مخلوقا أو غير مخلوق عبث أصلا، هذه استعارة، حيث بين الله فيه رفعته العالية، أي هو مقام منزه عن كل جسم ونقص، ويقابله هذه الدنيا وهذا العالم كله. وليس للإنسان اطلاع كامل عليه. هذا المقام يمكن أن يسمى قديم، فالناس يستغربون من ذلك ويحسبونه شيئًا ماديا. وانطلاقا من القدم يرد الاعتراض على ورود الحرف "ثم". فالحقيقة أن القدم يشمل "ثم" أيضًا. كما عندما يكون القلم بيد الإنسان فتتحرك اليد أيضًا حيثما يتحرك القلم، لكن يكون التقدُّم لليد. يعترض الآريون على المسلمين عن قدم الله، ويقولون إن إله المسلمين موجود منذ ستة أو سبعة آلاف سنة. وهذا خطؤهم، فمن الغباوة أن يقدر عمر الله بالنظر إلى هذا المخلوق. فلا نعلم ما الذي كان قبل آدم ومن أي نوع كان ذلك المخلوق. والله الله أعلم بذلك الوقت: كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْ...
لا بد من التقوى من أجل الفتح: وما دام الأمر هكذا، فاعلموا أن التقوى ضرورية للمرء لكي تنفتح عليه أبواب الحقائق والمعارف فاتقوا الله ، لأن الله تعالى يقول: ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) (النحل (۱۲۹) . ولا أستطيع أن أحصي لكم كم مرة تلقيت هذه الآية في الوحي، إذ أوحيت إلي مرات كثيرة جدا. لو أننا اكتفينا بالأقوال دون الأفعال، فاعلموا أن لا جدوى من ذلك. إن النصر  يتطلب التقوى، فكونوا متقين إن أردتم النصر. ضرورة التضحيات المالية لنشر الإسلام أرى أن نساء الهندوس والنصارى أيضا يوصين بعقارات كبيرة وأموال طائلة لنشر  دعوتهم، ولكن لا نجد نظير ذلك في المسلمين في هذه الأيام. إن أكبر مشكلتنا  هي  الحاجة إلى النصرة المالية لنشر الإسلام. اعلموا أن الله  تعالى هو الذي أراد تأسيس هذه الجماعة بيده وسوف يكون حاميها وناصرها، ولكنه يريد أن يؤتي عباده الأجر والثواب، ومن أجل ذلك قد اضطر الأنبياء لطلب المساعدة المالية. لقد طلب رسول الله النصرة المالية ، وعلى نفس المنهاج ، الذي هو منهاج النبوة، نذكر أحبابنا بحاجات الجماعة من حين لآخر. ومع ذلك أقول: إ...