التخطي إلى المحتوى الرئيسي

  الإسلام الذي يجهلون (3)

انتبهوا
الدجال يجتاح العالم !
(في ظل النظام العالمي الجديد)
دراسة تحليلية موثقة من القرآن الكريم والحديث الشريف والوقائع العلمية تُثبت أنّ المسيح الدجال قد تم ظهوره وأنّه يعيث الآن في الأرض فساداً مصداقاً لنبوءات الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
بقلم: محمد منير إدلبي
انتبهوا .. الدجّال يجتاح العالم
الطبعة الأولى : 1998
الطبعة العاشرة: 2008
جميع الحقوق محفوظة للمؤلف
البريد الإلكتروني للمؤلف : M_Munir_Idilbi@Hotmail.com
صمم الغلاف: علاء الدين إدلبي

بسم الله الرحمن الرحيم بفضل الله وبرحمته هو الناصر

الإهداء:
إلى من يُحبّ مُخلصاً نَشْرَ صِدق خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وآله وسلّم، سعياً إلى نشر سلام الإسلام ورحمة الله ربّ العالمين في العالم كله .. أهدي هذا البيان.

محمد منير إدلبي

تنويه:
حاور من شئت من المسلمين اليوم تجده يفهم بكل بساطة أنّ إسلام المسلمين في هذا العصر لا يمثل الإسلام الحق الذي هو إسلام محمد صلى الله عليه وآله وسلم. و يتفق معك المسيحيون كذلك على أن مسيحية المسيحيين في عصرنا الحاضر، هي غير مسيحية المسيح الحقة، ولا خلاف في ذلك. وإنني عندما أذكر - في هذا الكتاب - إسلام أو مسيحية هذا العصر فلا أعني إسلام محمدٍ أو مسيحية المسيح عليهما الصلاة والسلام؛ بل أقصد الانحراف عنهما بجميع أشكاله، الانحراف الذي يُدعى ظلماً: (الإسلام) أو (المسيحية)، ويسمّى المنتسبون إليهما (مسلمين) أو (مسيحيين) تجاوزاً أو اصطلاحاً. وأعتقد أنّ المؤمنين الواعين المخلصين من كلا الفريقين يتفقان معي في ذلك، ويسلّمان بأنّه لا خلاف بيننا في وجهة النظر هذه.
ويمكنني القول إنني قد كتبتُ هذا الكتاب دفاعاً عن المفاهيم النقية في المسيحية الحقة والإسلام الصحيح، والله على ما أقول شهيد.
ولابد من التنويه أيضاً إلى أنّ القارئ المتميز بالفهم المتحرر من أثر العادة والتبعية والتقليد، سيلاحظ في بعض المواضع شيئاً من الإفاضة والتكرار اللذين كان يمكن الاستغناء عنهما، ولكن إذا ما عَلم هذا القارئ الكريم، أنّ خبرتي الشخصية - من خلال الحوارات الطويلة المضنية مع أصحاب الفهم التقليدي، بل المقلّد - قد اضطرتني إلى بعض الإعادة والتذكير، سوف يعذرني ويفهم الضرورة التي ألجأتني إلى هذا الأسلوب الذي قصدت منه إيصال هذا البيان بأوضح ما يكون إلى كل قارئ بالرغم من أنني على يقين من أنّ ثمة الكثير من القرّاء الكرام الذين ينطبق عليهم القول: "إنّ اللبيب من الإشارة يفهم". ولا ريب في أنّ هؤلاء بالذات سوف يعذرونني على بعض إفاضتي بالتذكير للضرورة .
المؤلّف.




تمهید.
شهادة التاريخ:
قد شهد التاريخ، وما يزال أنّ نبوءات النبي العربي محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد صَدَقت وما تزال تصدق على مدى الأيام وعبر السنين والقرون؛ وها قد جاء دور زماننا المعاصر أيضاً ليأتي بالشهادة الكبرى على صدق دعوة ودين سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأنه رسول الله وخاتم النبيين ورحمته للعالمين.
فقبل أربعة عشر قرناً، وفي صحراء الجزيرة العربية، ظهر اليتيم الأمّي محمد بن عبد الله وأعلن أنه رسول الله إلى العالمين مصداقاً لبشارات الرسل الكرام والكتب السماوية، وأعلن أنّه خاتم النبيين ، ودعا الناس إلى التوحيـد الحـق بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. فكذبه قومه وأقاربه، وسَخِر منه الناس، ولكن الذين أنار الله تعالى عقولهم وقلوبهم بالإيمان آمنوا به وصدّقوا بدعوته واتبعوه مخلصين ناشرین نوره ورحمته في العالمين.
ولقد أخبر محمد - النبي - قومه بنبوءاتٍ كثيرة تتعلق بالمستقبل القريب والبعيد، فقال لهم: إنّ الله تعالى سيفتح له مكة، وإنّ الجزيرة العربية بأكملها ستدخل في الإسلام، وبشرهم بأنّ الله عز وجل سيهزم إمبراطوريتي فارس والروم على أيدي المسلمين، وأنّ دين الله تعالى سينير أرجاء البلاد الواسعة، فقال صلى الله عليه وآله وسلم:
تغزون جزيرة العرب فيفتحها الله، ثم تغزون فارس فيفتحها الله، ثم تغزون الروم فيفتحها الله، ثم تغزون الدجال فيفتحها الله).
عن نافع ابن عتبة في صحيح مسلم ومسند الإمام أحمد وابن ماجة.

وفتح الله لنبيه مكة، ودخلت قبائل الجزيرة العربية جميعها في الإسلام، وغزا المسلمون إمبراطوريتي فارس والروم وفتحهما الله لهم. ولبس (سُراقة) سواري كسرى كما وعده النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم خرج مهاجراً من مكة إلى المدينة على خفية من أهلها الذين كانوا يبحثون عنه ويقصون أثره في الصحراء ليقتلوه. وأنار الإسلام أرجاء البلاد التي تنبأ الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلّم بدخول دين الله إليها.
صدقت جميع نبوءات النبي العربي محمد صلى الله عليه وآله وسلم المتعلقة بالأزمنة السابقة. وشهد الناس جميعاً على صدق هذه النبوءات. وشهد معهم التاريخ.

وأما عن الأزمنة اللاحقة، فقد تنبأ محمد الأمين بالكثير من البشارات والنُّذُر. وتحققت كل نبوءة في زمنها وما تزال الأيام تترى وتشهد على تحقق المزيـد مـن تـلـك النبوءات. وما برح الناسُ يعلمون الجديد والمزيـد عـن صـدق محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فيصدقون به ويؤمنون برسالته وبكونه رسول الله الذي ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى إليه من رب العالمين الذي يَعْلَم الغيب وإليه المصير.

ونقلت إلينا أحاديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الموثقة الصحيحة الكثير من النبوءات المتعلقة بزماننا الحديث والمعاصر؛ حيث أخبرنا أنّ شمس الإسلام التي أنارت أرجاء الأرض في صدر الإسلام وفتوحاته، ستؤول بعد إشراقها إلى الغروب، ولن تُشرق بعد غروبها من جديد إلا ببعثة المسيح الموعود والمهدي المنتظر عليه السلام، فيُظهِر الله دينه الإسلام (دين السلام، على الدين كله كما وعد في القرآن الكريم.
ونبأنا محمد عليه الصلاة والسلام أنّ الأمم توشك أن تداعى علـى المسلمين، مستضعفةً إيَّاهم، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، كل يريد أن يأكل قبل غيره، وقال حضرته بأنّ المسلمين حينئذ لن يكونوا قلّة بل كثيراً، ولكنهم يكونون كغثاء السيل، منغمسين في حبّ الدنيا، مثقلة كواهلهم بالاختلاف والشقاق والضعف والوهن، فارغة قلوبهم من الإخلاص الحق الله ودينه الإسلام على شفاههم اسم بلا معنى وفي مجتمعاتهم جسد لا روح فيه، فقال صلى الله عليه وآله وسلم:
يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أفق، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها. قيل: يا رسول الله، فمِن قلّة يومئذ؟ قال : لا ، ولكنكم كغثاء السيل، يُجعل الوهن في قلوبكم، ويُنزع الرعب من قلوب عدوكم لحبكم بالدنيا ...)
/ مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود عن ثوبان.

وتنبأ النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن تقدّم الإنسان في ميادين العلم والاختراع، وأنه سيحقق سيطرة عظيمة على الأرض براً وبحراً وجواً، ويُحرز تقدما عظيماً في مجال الزراعة والري واستصلاح الأراضي، ويسيطر على مياه الأنهار ويتحكم فيها من خلال إقامة السدود العظيمة، فيجري الماء بأمره ويرده بأمره، وأنه سيتمكن من استصلاح الأراضي البور والصحراوية وتحويلها إلى جنّاتٍ وارفة الظلال معمورة بالأبنية العالية والقصور المرفوعة. كما أنه سيتمكن من تجميد الماء وتحويله إلى جليد في أي وقت يشاء.
وأما عن كنوز الأرض، فقد تنبأ النبي الأمي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بأنّ الإنسان سيتقدّم في مجال اكتشاف واستخراج جميع كنوز الأرض كالنفط والمعادن الثمينة مثل الذهب والفضة والماس والأحجار الكريمة، والمعادن الأخرى كالحديد والنحاس وغيرها بالإضافة إلى استخراج كنوز البحر وما فيه من زينة وحلية ومعادن. ومن الجدير بالذكر أنّ الرسول الكريم عليه صلاة الله وسلامه، قد بيّن بوضوح أنّ كنوز الأرض الثمينة لن تظل بعد استخراجها في أرضها ومُلكاً لأهلها، بل ستنقل بالطائرات إلى بلاد أخرى بسرعة وترتيب ونظام. وتنبأ أيضاً عليه الصلاة والسلام عن استخدام الكهرباء التي تجمع الناس في البيوت والقرى والمدن، وكذلك عن استخدام الطاقة الشمسية للأغراض الحرارية وغيرها. وسيأتي ذكر جميع الأحاديث التي تحدثت عن تلك التنبؤات بعون الله تعالى.

وتحدثت نبوءات النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم عن الكثير من الملامح المميّزة لعالمنا المادّي والروحي المعاصر بدقة وتفصيل مذهلين، وبينت أن أرباب الحضارة المسيحية المادّية الساحقة سيرفعون شعار السلام والتدين والصلاح في الوقت الذي تكون التجارة والدّجل هما الأساس الذي تقوم عليه دعوتهم وحضارتهم وقوتهم المادية الشاملة التي يسيطرون من خلالها على البلاد والعباد ويتحكمون في الناس والخلق بفتنة لم يكن مثلها منذ خلق الله الأرض وإلى قيام الساعة.

وتقول نبوءات الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم بأن اليهود هم الذين سيكونون في حقيقة الأمر أرباب هذه الهيمنة المادية والفتن الشديدة؛ وأنهم سيأتون الناس تحت رايات متعدّدة وغايات كثيرة، وأنهم سيلبسون مسوح الكهنة والرهبان ويستخدمون - لمصالحهم المادية – المسيحية التي قاموا بتحريفها عن تعاليم المسيح الصحيحة فجعلوها تزعم أن الله - سبحانه - قد اتخذ ولداً وأنّ الشريعة لعنة، وسيعملون على نشر المسيحية المحرفة والتبشير بها في جميع أنحاء الأرض، متنقلين على متون السفن الهائلة التي تركب الموج وتطوي بهم البحار بقوة الطاقة البخارية والنارية، وينتقلون كذلك على متون الطائرات السريعة التي تطوي لهم الأرض مـنـهـلا مـنـهـلاً وتسبق بهـم الشمس إلى مغربها.
وقال عليه وعلى آله الصلاة والسلام أنّ أرباب هذه الحضارة سينقسمون في العالم إلى معسكرين يشعلان نار الفتن والحروب فيجلبان بذلك الخراب والدمار على العالم بعد أن تكون البلاد كلّها قد خضعت لسيطرة هاتين القوتين بشكل أو بآخر بسبب ما تملكان من القدرات الحربية ومن جبال الطعام والثروات وأسباب الطاقة المادية والقتالية المرعبة.

وتنبأت أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأنّ هذه الحضارة المادية المشركة والملحدة لن تجلب الدّمار على دول العالم فحسب، بل ستقع هي أيضاً في شر أعمالها فتجلب الدّمار الهائل المروّع على نفسها وحضارتها المادية العوراء، وذلك من خلال تطاحنها في حرب يموج فيها بعضها في بعض فيدمّرها الله تعالى دماراً لا تقوم لها بعده قائمة.

وعلى أنقاض هذه الحضارة المادية الدجّالة، سيقيم الله عالماً ونظاماً جديدين يعمّ فيهما أمان الله وسلامه الموعودان من خلال انتشار دينه الحق مصداقاً لوعده عز وجل في كتابه المجيد:
هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو گره المشركون. الصف: 10.

وينتشر عند ذلك دين السلام (الإسلام) في الأرض كلها، ويأمن الإنسان من كل شر وخطر، وتتوحد الغايات إلى الله وحده، وتتعانق القلوب بالإيمان الحق، وينزل الغيث من السماء، فتردّ الأرضُ بركتها، ويعم الناس الخيرُ في كل مكان، وتعيش البشرية جميعاً في هناء وطمأنينة وسعادة، ذلك اليوم الموعود الذي وعد الله به المؤمنين في كتابه المجيد.
وأخيراً، يحق لمن لم يطلع على هذه النبوءات الموثقة عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أن يتساءل:
كيف لنا أن نصدق بأنّ الرسول محمداً قد قال حقاً هذه النبوءات المذهلة؟

ورداً على ذلك، نقول: إنّ البرهان الواضح على دعوانا هذه هو ما جاء في كتابنا هذا من أحاديث صحيحة موثقة تذكر نبوءات سيدنا خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وآله وسلم المتعلقة بخروج المسيح الدجال، ويأجوج ومأجوج، والدخان المبين ، ودابّة الأرض، وبقية آيات الله التي أنذر الله ورسوله البشرية بظهورها، يوم لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً.
ومن المهم جداً ، التذكر أنه عندما تحدّث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم عن فتنة المسيح الدجال، قال:
 إنما أحدثكم هذا لتعقلوه وتفهموه وتفقهوه وتعوه. فاعملوا عليه. وحدثوا به من خلفكم. وليحدّث الآخرُ الآخر، فإنه أشدّ الفِتَن)
 كنز العمال.
هذا ما أكده سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في نبوءاتـه الصادقة، وهذا ما يُبيّنه كتابنا بالبرهان المبين.
ولَرُبَّ حقيقة واحدة أغرب من ألف خيال!

محمد منير إدلبي

المقدمة
محمد صلى الله عليه وآله وسلم
رسول الله إلى العالمين
قال الله تعالى في كتابه المجيد:
﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ) التوبة 33.
أي أنّ الله تعالى سينشر الإسلام في العالم كله، فيملأ به الأرض عدلاً وسلاماً كما ملئت ظلما وجوراً. وهذا يعني أنّ الله سينشر صدق محمد صلى الله عليه وآله وسلم ويُظهره لعباده في الأرض كلها، فيوصل البرهان على صدقه وحقيقـة دينـه إلى أقاصي الأرض، ويتجلى نور الله ورسوله كالشمس في رائعة النهار، ويستنير به العالم كله، وتنفتح مغاليق العقول والقلوب، ويُرفع به الظلم والعذاب عن الناس، وتنتفع وتسمو به البشرية جميعاً، فيعم سلام الله وأمانه الأرض كلّها.
ولا شكّ في أنّه ما من مسلم في الدنيا إلا ويحب من كل قلبه أن یری ذلك النور الإلهي العظيم يسطع مُشرقاً في أرجاء الكون كله، ويضم الخلق جميعاً برداء التوحيد الحق والكلمة الطيبة المباركة: "لا إله إلا الله محمد رسول الله" التي أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربّها.

ولكن كيف يمكن تحقيق ذلك؟
إن انتشار الإسلام رهن بانتشار صدق سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلّم، فلا بد إذن من نَشر صدقِ كلام ونبوءات ورسالة رسول الله محمد صلی الله عليه وآله وسلم في الأرض كلّها بين جميـع النـاس وبمختلـف اللغات.

نحن صدّقنا بمحمد عليه الصلاة والسلام وآمنا أنه رسول الله وخاتم النبيين، وأنّه أُرسل من ربّ العالمين بالإسلام، الدّين الكامل والنعمة التامة والخير والسلام للناس جميعاً في العالمين. ونوقن بأنّ الناس لابد سيعلمون حقيقة صدق محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وسيؤمنون بدينه الإسلام الذي سيدخله الله كل بيت يسكنه إنسان في البوادي والقرى والمدن، وسيبلغ أمرُ الله تعالى ودينه ما بلغ الليل والنهار، حيث نقرأ في حديث تميم الداري رضي الله عنه يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
(ليبلغنّ هذا الأمر مبلغ الليل والنهار ، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر، إلا أدخله هذا الدين بعزّ عزيز أو بذل ذليل يعزّ بعزّ الله في الإسلام، ويذل به في الكفر). المستدرك ج 4، ص 431 عن كتاب المهدي المنتظر للمشوخي.
ومن المعلوم أنّ الإيمان الصادق يأتي نتيجةً لبرهان مبين تراه العقول وتطمئن به القلوب. ولهذا فإنّه لابد من برهان قوي ساطع يشير إلى صدق محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ويؤكد حقيقة أنّه الصادق الأمين الذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، وأنه رسول الله ورحمته إلى العالمين. ومن هنا نجد الطريق.

فالإنسان المعاصر يفهم اليومَ ،ويترجم كلَّ شيء بلغة العلم والمنطق الخالي من الأسطورة والخرافة ، ولذلك لابد - في دعوته إلى الإيمان – من مخاطبته باللغة التي يفهمها، ويهتم بها، ويفضلها على غيرها لأنّه ما من شك في أن العلم والمنطق السليمين لا يمكن أن يتناقضا مع المفاهيم الدينية الصحيحة لكون الأسس العلمية الصحيحة هي من الله وحده سواء أكانت في العلوم الدينية أو الطبيعية والكونية.

المنطق العلمي السليم، إذَن، هو المطلوب بُغية تحقيق النجاح في نشر صدق محمد صلى الله عليه وآله في العالمين. وإنّ مناهج هذا المنطق كثيرة، وطرائقه متعدّدة، وأساليبه متنوّعة. ولقد جعل الله في اختلاف اهتمامات المؤمنين الداعين خيراً كثيراً، يوسع دائرة التبشير بصدق الإسلام، ويوصله إلى مختلف الناس على تباين أفهامهم واهتماماتهم.
ومن بين البحوث والمواضيع الكثيرة التي تُبرهن على صدق سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وأنّه رسول الله إلى العالمين، اخترتُ بحثاً خاصاً متميّزاً عايشته طويلاً مع فئات مختلفة من الناس بحثاً وجدالاً ومناظرة وبياناً. ولقد تبين لي - بكل يقين - أنّ هذا البحث يشكل كنزاً علمياً زاخـراً بالبرهان على صدق رسالة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم، ويمكن لأصحاب العقول السليمة والمنطق القويم أن يفهموه، ويتبينوا حقيقته بيسر وسهولة بشرط التعامل مع عقولهم ووجداناتهم بأمانة وصدق وإخلاص.
إنّه البحث المتعلّق بنبوءة سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم عن خروج المسيح الدجال.


فمن هو المسيح الدجال، وكيف يكون خروجه ؟


ستعرف في هذا الكتاب إن شاء الله تعالى، كل شيء عن الدجّال: أوصافه خروجه توجهه دعوته ادعاؤه ،قدراته خوارقه، أتباعه، أنصاره، سيرته، مسيرته وأخيراً هلاكه.

صحيح أن الباحثين والمفكرين المسلمين قد اختلفوا في حقيقة مفهوم خروج الدجال، ولكن الثابت عند جميع علماء المسلمين على اختلاف مذاهبهم، هو أن أحاديث الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم المتعلقة بخروج أحاديث صحيحة متواترة لا يمكن إنكارها.
الدجال هي وقد لا يكون جميع القرّاء على معرفة بجميع أسماء الأعلام التي سترد في هذا البحث، ولكن لا بد من التأكيد على أهمية هذه الأسماء بسبب مكانة أصحابها المعرفية الهامة في البحوث الدينية الموثّقة، لذا لا يمكن تجاهلها أو تفادي ذكرها، ويمكن لمن لا يعرف مكانتها وأهميتها التحقق من ذلك.
قال الحافظ الكتاني في (نظم المتناثر من الحديث المتواتر) / ص 288:
(إنّ أخبار الدجال تحتل مجلدات وقد أفردها غير واحد من الأئمة بالتأليف).
وقال الكوثري في نظرة عابرة في نزول عيسى عليه السلام:
(تواترت أحاديث المهدي والدجال والمسيح، فليس بريبـة عنـد أهـل العـلـم بالحديث) / الصفحة: 55.

وورد في كتاب عقد الدرر في أخبار المنتظر / ص 157
عن جابر بن عبد الله 
رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:
من كذب بالدجّال فقد كفر، ومن كذب بالمهدي فقد كفر) -
أخرجه أبو بكر الإسكاف في فوائد "الأخبار"، ورواه أبو القاسم السهيلي في "شرح السيرة" له و(الحديث في الروض الأنف 2/ 431، وفيه أنَّ أبا بكر الإسكاف رواه مسنداً إلى مالك بن أنس عن محمد بن المنكدر عن جابر. وهو أيضاً في مصادر الشيعة في (معجم أحاديث الإمام المهدي) ج 2 ص 17ن مؤسسة المعارف الإسلامية.-.

وأما عن السبب المباشر والأساس في اختياري هذا البحث بالذات ، كي أُثبت من خلاله صدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للعالمين، فهو حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام المتعلق بظهور الدجال ، والذي أمرنا فيه قائلاً ومؤكداً :
 إنما أحدثكم هذا لتعقلوه ،وتفهموه، وتفقهوه، وتعوه. فاعملوا عليه، وحدّثوا به من خلفكم، وليحدّث الآخر الآخر، فإنه أشدّ الفِتَن). 
رواه نعيم والحاكم في المستدرك عن ابن مسعود.

إنَّ السبب وراء هذا الأمر من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأمته واضح تماماً:
(اعملوا عليه
وحدثوا به من خلفكم .
وليُحدث الآخرُ الآخر
 لماذا؟ لأنه :
(أشدّ الفتن)!

فالحديث إذن عن أشدّ الفِتَن. ولكن أيّة فِتَن؟ وما الفائدة من العمل على هذا البحث خروج الدجّال، وتحديث الناس به، وتحذيرهم من فتنه؟! لأنَّ في ذلك - كما ذكرنا - حشداً من البراهين والآيات الإعجازية العلمية العظيمة التي يتمّ من خلالها البرهان على صدق محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأنه رسول الله إلى العالمين، وهذا بالتالي سيؤدي إلى نشر الإسلام وسلامه وعدله في الدنيا كلّها. كما أنّ في ذلك النجاة من فتنة هي أشد الفئن على الجنس البشري منذ خلق آدم وإلى قيام الساعة.

لن نتطرق في هذا الكتاب إلى الحديث عن حقائق الخروج (المتوقع) للدجال وحسب، بل سنبرهن على أنه قد خرج فعلاً، وأنه يجتاح العالم بفساده وشره، ويغزوه بفتن كقطع الليل المظلم، وأنّه يُفسد - وعبر الهواء والماء والنار والغذاء - كل مكان وزمان من هذا العالم الغافل

وبعون الله نبدأ




الفصل الأول:

البرهان على أهمية التحديث بفتن المسيح الدجال وظهوره الدجال:

حين ناظرونا، احتجوا علينا قائلين: إنّكم بتحديثكم الناس في موضوع المسيح الدجال وخروجه وفتنه، تُشغلونهم بما لا أهمية له – في الزمن الراهن - عن التفكر في البحوث والمواضيع الأهـم مـن الدين، لأنَّ خروج وظهوره وفتنه أمر - في نظرهم واعتقادهم - لا يزال بعيداً في عمق الغيـب الغامض، ولا فائدة ترجى الآن من بحثه وإشغال الناس به. ولا نجد ردا على هذا الادعاء خيراً من أحاديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الصحيح، لتكون القول الفصل في هذا الأمر الذي لا بد من بيانه.
يجد المطلع على بيان الرسول المتعلّق بفتنة الدجّال وخروجه أنّه عليه الصلاة والسلام قد أكد على ضرورة التفكر الجاد والاحتراز الشديد من فتن الدجال، بشكل يكاد لا يكون له مثيل من التأكيد والتشديد في أحاديث أخرى. ومما ورد من هذه الأحاديث ما جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قوله:
عوذوا بالله من فتنة المحيا عوذوا بالله من فِتنة الممات عوذوا بالله .
من فتنة المسيح الدجال) مسلم - عن أبي هريرة -لعله يكون من المفيد لفت نظر القارئ الكريم إلى أنّه قد يتبين بالتحقيق أن جميع الأحاديث الواردة في هذا البحث هي أيضاً موجودة في المصادر الشيعية، وأخص بالذكر منها (معجم أحاديث الإمام المهدي) نشر مؤسسة المعارف الإسلامية، ج2.-.

وكان صلى الله عليه وآله وسلم ذاته يستعيذ في صلاته من فتنة الدجال، فقد روي عنه أنه كان يقول :
(اللهم إنّي أعوذ بك من عذاب القبر وأعوذ بك من عذاب النار، وأعوذ بك من فتنة المحيا، وأعوذ بك من فتنة الممات، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال) مسلم . عن أبي هريرة.
وروى مسلم في صحيحه عن ابن عباس أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يعلمهم هذا الدعاء كما يعلمهم السورة من القرآن، فيقول: (اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنّم وأعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات).
وروى أبو هريرة أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:
(إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع، يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات ومن شر فتنة المسيح الدجال) النسائي . عن أبي هريرة.
إذا تفكرنا بهذه الأحاديث الشريفة الصحيحة، نجد أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد قرن الاستعاذة بالله من فتنة الدجال بالاستعاذة بالله عز وجل من أخطر القضايا والمصائر وهي:
- قضية الحياة
- قضية الموت
- قضية عذاب القبر
- قضية عذاب جهنم
وهل ثمة قضايا أو مصائر تتعلّق بحياة الإنسان أخطر من هذه؟ ثم أضاف إليها فتنة المسيح الدجال، وقرنها بها.

كما نجد أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أراد أن يربط ممارسة هذا الدعاء بالصلاة اليومية التي يؤديها المسلمون خمس مرات في اليوم. وكذلك ربطها بأهم وأوّل ركن من أركان الإسلام وهو الشهادة، كما في الحديث الأخير الذي مطلعه: (إذا تشهد أحدكم ....

إنّ هذه الأحاديث الشريفة لتؤكد بكل وضوح اهتمام سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتأكيده الشديدين على ضرورة تركيز المسلمين على الدعاء لله بأن يحميهم ويعيذهم من شر فتنة المسيح الدجال.
وجاء في حديث آخر لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمر للمسلمين بأن يسارعوا مبادرين في تناول أمور معيّنة بالفهم والعمل الصحيح؛ وأولها الدجال، قال:
بادروا بالأعمال ستاً : الدجّال والدّخان ودابة الأرض، وطلوع الشمس من مغربها، وأمر العامة وخويصة أحدكم). مسلم – عن أبي هريرة.

يتبين بوضوح من هذا الحديث الشريف، أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قد نبه المسلمين إلى ضرورة أن يُبادروا مسرعين باهتمام بالغ لتفهم أمر الدجال وحقيقته حين يبدو لهم ما ينبئ أنّه قد ظهر، وألا يُرجئوا تفهمه والبحث فيه انشغالاً عنه بغيره.
ونقرأ مزيداً من تحذير النبي الكريم لأمته بوشوك ظهور فتنة الدجال، فيقول في الحديث الشريف الذي أورده ابن حبّان في كتاب التوحيد من صحيحه، حيث يروي عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قوله لأصحابه: 
 ولعلّه يُدركه بعض من رآني أو سمع كلامي.

فإذا كان خروج الدجال لا يزال أمراً بعيد الحدوث عنّا، فكيف إذن كـان يمكن أن يُدركه بعض من رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أو سمع
کلامه؟

إنّ هذا يدعو إلى تفكر وتدبّر عميقين بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم وهديه وإرشاده. وقد بيّن سيدنا خاتم النبيين أنّ حقيقة الدجّال لن تفهم وتنكشف بمجرد الاطلاع السطحي الذي لا تفكر فيه ولا تدبّر، بل أكد على ضرورة إعمال العقل والفكر بشكل مركز، كي يتمكن المؤمنون من فهم وإدراك حقيقة ظهور الدجّال وخطره وفتنه، فقال محذراً:
... إنما أحدثكم هذا لتعقلوه ،وتفهموه وتفقهوه، وتعوه. فاعملوا عليه. وحدّثوا به من خلفكم. وليُحدّث الآخر الآخر، فإنه أشدّ الفتن).
رواه نعيم والحاكم في المستدرك عن ابن مسعود.

في كتاب "التصريح بمـا تواتر في نزول المسيح " لمؤلفه محمـد أنـور شـاه الكشميري وتحقيق عبد الفتاح أبو غدّة، وبعد أن أورد دعاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمره بالتعوّذ من شر فتنة المسيح الدجال، نقرأ:
وما هذا الاهتمام العظيم من النبي صلى الله عليه وآله وسلم بهذا الدعاء عملاً وأمراً وتعليماً، إلا لما حواه من التعوّذ بالله من عظائم الأمور والأهوال الكائنة الحق ولا ريب، ولهذا جزم الإمام ابن حزم الظاهري بفرضيّة قراءة هذا التعوّذ بعد الفراغ من التشهد، كما في كتابه ( المحلّى، أخذاً من ظاهر حديث أبي هريرة.

وبعد أن روى الإمام ابن ماجة في سننه حديث أبي أمامة الباهلي وفيه أوصاف الدجّال وأحواله وأعماله ونزول عيسى عليه السلام، قال:

"سمعت أبا الحسن الطنافسي يقول : سمعت عبد الرحمن المحاربي يقول: 
ينبغي أن يُدفع هذا الحديث إلى المؤدِّب حتى يُعلّمه الصبيان في الكتاب".
وقال العلامة السفاريني في شرح منظومته في العقيدة الإسلامية المسمى : (لوامع الأسرار البهية):
"ينبغي لكل عالم أن يبت أحاديث الدجّال بين الأولاد والنساء والرجال ولا سيما في زماننا الذي اشرأبت فيه الفِتَن وكثرت فيه المحن واندرست فيه معالم السنن، وصارت السنة فيه كالبدع، والبدعة شرع يُتبع ". راجع مقدمة الكتاب المذكور.

تبين هذه الطائفة من الأحاديث الشريفة الصحيحة بكل وضوح أنّ المسلمين مأمورون بالحذر الشديد من فتنة المسيح الدجال وبالاستعاذة بالله عزّ وجل من شره في صلواتهم وأدعيتهم أسوةً برسوله صلى الله عليه وآله وسلم وعملاً بأمره وهديه الشريف.

ويجب أن لا ننسى أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد أمرنا أن نبادر ونسعى إلى إعمال الفكر المخلص في فهم وإدراك كل ما يتعلق بالدجال. وقد أَمَرَنا أيضاً أن نحدّث الناس جميعاً بحقائق الدجّال وفتنه، الواحد للآخر، والجيل لمن يليه، وذلك تحذيراً لهم من شرّ فِتَنةٍ قُدّر أنها ستكون أشدّ الفِتَن على الجنس البشري منذ خَلْقِ آدم إلى قيام السّاعة. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة أمر أكبر من الدجال).
صحیح مسلم ومسند الإمام أحمد.

وثمة حديث آخر ملفت يتعلّق بحقيقة الدجّال، حيث ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوله:
(ما بعث الله من نبي إلا أنذره أمته، أنذره نوح عليه السلام أمته والنبيون من بعده، وإنّه يخرج فيكم). البخاري ومسلم.

يُبيّن هذا الحديث أنّه قد كان للدجال وجود في زمن الأنبياء السابقين بشكل من الأشكال، وإلا ما الفائدة من أن يحذِّر الأنبياء السابقون أقوامهم من خطر لن يكون له وجود في زمانهم؟!

إن هذه الحقيقة ستبدو لنا واضحة مقبولة للعقل والمنطق السليمين
بعد دراستنا هذا البحث الشيّق بتمامه، وبعد أن نكون قد اطلعنا على كافة البراهين الدالة على خروج الدجّال وظهوره. وأما ما يهمنا في هذا الفصل فهو أن نكون قد برهنا حقاً من بيان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أهمية البحث والتفكر والتحديث بفتنة الدجّال، وهل يمكن لأحد، بعد هذا البيان الموثّق، الإصرار على الزّعم بأنّ تحديث الناس بفئن الدجال وخروجه إنما هو صرف وإلهاء لهم، وإشغالهم بما لا يفيد أو يهم ! -نقل (معجم أحاديث الإمام المهدي / ص 81 الجزء الثاني ، حديثاً ملفتاً عن أسماء رضي الله عنها ، يُبيّن الأثر المتعلق بالدجال ، الذي أراد الرسول الله أن يغرسه في أصحابه وأمته حيث يقول راوي الحديث : (قالت : قلتُ يا رسول الله لقد خَلَعْتَ أفئدتنا بذكر الدّجال .. / لاحظ وصف الأثر !-. إذ ما الأمر الذي كان يهدف إلـيـه سـيـدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين ذكـر هـذه الأحاديث، وأطنب في ذكر الدجّال والتحذير منه؟ ومن هو أحق بالطاعة والتصديق: رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أم القائلون بما يخالف هديه وتعليمه؟
وأخيراً .. ما الخطأ في أن يزداد المؤمن علماً ومعرفة؟
وهل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون؟!
وقبل أن أنهي هذا الفصل الاستهلالي من هذا الكتاب، يُسعدني أن أزفّ إلى الناس في العالم كله بشارةً ونبوءة عظيمة لسيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم حول مصير الدجال، حيث يبشرنا قائلاً:
(تغزون جزيرة العرب فيفتحها الله، ثم تغزون فارس فيفتحها الله، ثم تغزون الروم فيفتحها الله، ثم تغزون الدجال فيفتحها الله) /مسلم – عن نافع بن عتبة.

يبشرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأن الدجال لابد مدحور ومقهور، ولا شكّ في أنّ المؤمنين سيهزمونه بعون الله تعالى ويقضون على أخطاره وفتنه بما يزوّدهم الله به من قوة إيمانية معرفية تجعلهم قادرين على هزيمته بالأسلوب المناسب. وأما الدليل على أنّ هذه البشارة سوف تتحقق دون ريب فهو شهادة التاريخ في العالمين بأنّ النبوءة الأولى في هذا الحديث لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد تمت مصداقاً لما قال، وفتح المسلمون جزيرة العرب. ثم تحققت النبوءة الثانية، وفتحوا بلاد فارس، و تحققت النبوءة الثالثة كذلك، حين فتح المسلمون بلاد الروم، وهذا يؤكد أنّه لابد أن تتحقق نبوءة النبي الكريم الأخيرة، وهي فتحُ الدجّال أي قهره والقضاء على فتنه وأخطاره وإنقاذ العالم منه.
وبما أنّ العالم أجمع قد علم من التاريخ الموثق صدق وتحقق نبوءات الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فلا مفرّ له، إذن، من أن يؤمن بأنّ النبوءة المتعلّقة بالدجّال وفتنه ثم هزيمته والقضاء على شره وأخطاره سوف تتحقق دون ريب. وعند ذلك سيثبت من جديد للعالمين، وفي هذا الزمن - المعاصر - أيضاً صدقُ محمد صلى الله عليه وسلم، الأمر الذي سيؤدّي إلى التصديق برسالته (الإسلام) والكتاب الذي أنزل عليه من رب العالمين (القرآن الكريم).




 
الفصل الثاني:
البرهان على ورود ذكر الدجّال في القرآن الكريم.

يعتقد البعض خطأ أنه لم يَرِدْ لخروج الدجّال وظهور فتنه ذكر في القرآن الكريم، وأنّه ليس ثمة دليل في كتاب الله على ظهور المسيح الدجال، حيث نقرأ في الكتاب الشهير (كبرى اليقينيات الكونية، للأستاذ الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي - أحد أشهر علماء الشام - شرحاً هامشياً يبيّن فيه ، برأيه . السبب الكامن وراء عدم ذكر قصة الدجّال في القرآن الكريم، فيقول:
"قد يتساءل البعض: لماذا لم يكن لقصة الدجّال وخبره ذكر في القرآن، وما السر في أن كل ما جاءنا من أخباره أحاديث عن الرسول فقط.
والجواب: إنّه لا يبعد أن تكون الحكمة من ذلك هي أن الدجال أهون على الله من أن يسجل اسمه في كتابه وكلامه القديم، يُتلى على ألسنة الناس في كل زمان ومكان. وقد درج القرآن في أسلوبه وإخباراته على عدم ذكر الأسماء - اللهم إلا الرسل والأنبياء - وبعض الطغاة الذين أرسلوا إليهم. أَفَيَخصّ الدجّال وحده بالذكر والتعيين؟ " / (كبرى اليقينيات الكونية للدكتور محمد سعيد رمضان البوطي ص 322-321.

إننا، مع تقديرنا لأفهام وآراء الدكتور البوطي، مضطرون إلى القول بأنّ تفسيره للحكمة الإلهية في عدم إيراد خبر الدجّال في القرآن الكريم غير مقنع، كما أنه يشير إما إلى عدم اطلاعه على تفسير سيدنا رسول الله صلی عليه وآله وسلم للآيات الكريمة في القرآن الكريم التي أشارت إلى ورود ذكر الدجال كما سنرى في هذا الفصل، أو أنه بالرغم من اطلاعه على هذا التفسير فإنه لم يأخذه بعين الاعتبار، ولم يهتمّ بِلَفْتِ النظر إليه. ولذلك لا يمكننا أن نوافق الدكتور على رأيه هذا حتى لو أردنا ذلك، لأسباب نبينها فيما يلى وأهمها :
إن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نفسه قد أكد لنا في الحديث الصحيح أنّ الله تعالى قد أورد ذكر الدجّال في القرآن الكريم على أنّه إحدى آيات الله التي ينبغي على المؤمنين ألا يكفروا بها حين ظهورها، لأنه سيكون في التصديق بها وإظهارها تصديق لنبوة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإظهار لدين الله العظيم: الإسلام.
فإذا كان زعم الدكتور حقاً بأن الله تعالى لم يذكر الدجال في القرآن الكريم احتقاراً لشأنه ، ولكونه أهون على الله من أن يُذكر فيه، فلا بد هنا من أن نسأل :
أولاً : ألم يرد في أحاديث رسول الله صلى الله عليـه وآلـه وسـلـم أنّ فتنـة الدجال هي أخطر وأشد فتنة على الجنس البشري منذ خلق آدم وإلى قيام الساعة؟

ثانياً: ألم يذكر القرآن الكريم الفِتَن الأقل شأناً وخطراً من الدجّال مثل فتنة الناس واليهود ودابة الأرض وغيرها من الفِتَن؟ كيف يمكن إذن تفسير ذكر القرآن للفتن الأقل شأناً في مقابل الزَعْم أنّ الدجّال – وهو الفتنة الأخطر شأناً - لم يذكره الله لأنه أهون عليه من أن يذكره في "كتابه وكلامه القديم يتلى على ألسنة الناس"؟!
ثم أليست نبوءات الرسول الكريم عن الدجّال وغيره هي من كلام الله القديم وعلمه بالغيب الذي لا يعلمه إلا هو ؟ ثم أليس صحيحاً أننا كمسلمين ننظر إلى كلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونتعامل معه بالقداسة نفسها التي نتعامل فيها مع كلام الله؟
ثم أيهما أحقر وأهون عند الله سبحانه : الدجّال أم الشيطان؟ فإذا كان عز وجل قد ذكر الشيطان وهو أهون الخلق عنده ، فكيف يقول الدكتور بأنّ الله تعالى لم يذكر الدجّال، لأنه أهون عليه من أن يذكره في كتابه؟! 
صيح أن الدجّال لم يُذكر بالاسم الصريح في القرآن الكريم، غير أنّ المفسرين الأوائل - كما كان يجب أن يعلم الدكتور البوطي – قد أوردوا في تفاسيرهم أن الدجال قد ورد ذكره في آيات معينة في القرآن الكريم، وإليكم البيان:

1) جاء في (تفسير البغوي) أنّ الدجّال مذكور في القرآن الكريم في قول الله تعالى:
لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ) غافر : 58 /. والمراد بالناس بحسب تفسير البغوي: الدجّال.

2) وجاء في تفسير معالم التنزيل ولباب النقول في أسباب النزول) للسيوطي، ما يلي:
"وقال قوم: أكبر وأعظم خلقاً من خلق الدجّال، ولكن أكثر الناس لا يعلمون". / تفسير معالم التنزيل.

3) كما ورد أيضاً المعنى نفسه في تفسير (فتح القدير) / الجزء الرابع / بسند صحيح- راجع التفسير المذكور.

(4) وجاء في حديث لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما يؤكد هذه التفاسير التي تقول بأن المقصود بالناس الدجّال، حيث نقرأ في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضى الله عنه قال:
(قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة خلق أكبر من الدجّال). / سبق تخريجه.

وقد جاء في قواميس اللغة العربية أنّ كلمة (الخلق) تعني: الناس.

(5) ونجد في " فتح الباري - الجزء 13 " تفسيراً لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يؤكد فيه أن ذكر الدجال قد ورد في القرآن الكريم، وذلك في قوله تعالى :
يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا الأنعام: 159.

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
(ثلاثة إذا خرجن لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً : الدجّال والدابة وطلوع الشمس من مغربها). /أخرجه الترمذي.

بمقارنة هذه الآية الكريمة بالحديث الشريف، نجد أنّ سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد بيّن أنّ أوّل هذه "الآيات" الواردة في هذه الآية الكريمة هو الدجال، وأنّ هذه الآيات هي: الدجّال والدابة وطلوع الشمس من مغربها .

والآن، أفلا يُبين هذا ويؤكد أنّ الدجّال مذكور في هذه الآية من القرآن الكريم على أنّه آية من آيات الله تعالى؟ وهل بعد بيان رسول الله صلى عليه وآله وسلم في تفسيره للقرآن بيان أو مجال لترجيح رأي شيخ من المشايخ أو زاعم من الزاعمين؟

كان على الدكتور أن يشير إلى عدم اطلاعه على هذه التفاسير، أو أن يوردها - إن كان يعرفها - للأمانة العلمية!

6: ومن البراهين على أنّ ذكر الدجّال قد جاء في القرآن الكريم، الحديث الذي جاء في صحيح مسلم عن سيدنا المصطفى محمد صلى الله عليه وآله وسلم، حيث قال:
من حفظ عشر آيات من أوّل سورة الكهف عُصم من فتنة الدجال).
مسلم وأحمد وداود والنسائي عن أبي الدرداء.

إنّ هذا الحديث يُبيّن بكل وضوح أنّ سورة الكهف تحتوي على ذكر الدجال بحيث يمكن فهم حقيقته من خلال دراستها، لأن القرآن الكريم إنما هو كتاب علم ومعرفة ، وليس كتاب سحر وشعوذة، يُبعد الشر بأساليب السحرة والمشعوذين.

وإننا سنعمل في هذا الكتاب - بعون الله تعالى - على كشف وبيان حقيقة المسيح الدجّال من خلال سورة الكهف، تطبيقاً لإرشاد وهدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الرجوع إلى هذه السورة لفهم حقيقة الدجّال والاعتصام من شره وفتنته التي هي أشدّ الفتن على الجنس البشري قاطبة.




 
الفصل الثالث:
عرض النصوص والأحاديث الشريفة المتعلقة بظهور المسيح الدجال.

لا شكّ في أنّ القرآن الكريم يفيض بالنبوءات المتعلقة بمستقبل الإنسان وأيامه ومصيره. ومن جملة ما تنبأ به، أنّ الإنسان سيتوقف عن استخدام النوق والعشار وأمثالها كوسائط أساسية للنقل، وسيستخدم وسائط أخرى بديلاً منها، مما سييسر الله له اختراعه، قال تعالى:
وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ ) التكوير : 4 .

والعشار هي النوق التي كانت تُعدّ من أهم وسائط النقل التي كان الناس يستخدمونها زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يكن باستطاعة أحد في ذلك الوقت أن يتخيّل إمكانية أن يستغني عنها أحد من الناس بحال من الأحوال.
كما تنبأ سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بترك استخدام القلاص (النوق كوسائط للنقل فقال:
لتتركن القلاص فلا يُسعى عليها / صحيح مسلم عن أبي هريرة .
وبيّن لنا ربنا تبارك وتعالى في كتابه الكريم أنّ ترك السعي على هذه الدواب کوسائط للنقل، إنما سيكون بسبب ما قَدّر الله للإنسان من اختراع وسائل بديلة تماثل هذه الدواب من حيث كونها وسائط للنقل أيضاً، فقال تعالى : وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ ﴾ ياسن : 42 .

وجاء في أحاديث رسول الله صلى الله عليها وسلّم نبوءات مذهلة تتعلق بواسطة النقل التي سيستخدمها الدجّال عند ظهوره، وقد أطلق على هذه الواسطة اسم "حمار الدجّال"، وبيّن أنّ المسيح الدجال يأتي على هذا الحمار الهائل الذي يأكل النار في أحشائه، وله فتحة يُخرج منها النار والدخان، وينطلق في سرعات هائلة براً وبحراً وجواً ، لونه أقمر شديد البياض، أهلب لا شعر له، وطول كل أذن من أذنيه ثلاثون ذراعاً، وعرض ما بين أذنيه سبعون ذراعاً، وما بين حافره إلى حافره مسيرة يوم وليلة. تُطوى له الأرض منهلاً منهلاً، يسبق الشمس إلى مغيبها. طوله في الأرض ستون خطوة، ولونه أحمر- إنّ اللون الأحمر لحمار الدجال هنا هو فقط المتعلّق بالحمار البري الذي طوله ستون خطوة ، كما في الحديث ، وأما الحمار الجوّي فلونه أقمر كما في الحديث أيضاً.- ، طعامه الحجارة، وله فتحة يُخرج منها ناراً ودخاناً، لا يُدرى قبله من دبره، يتقدّمه جبل من دخان، يخوض البحر لا يغرق ولا يبلغ الماءُ حقويه، وسرعته كالغيث إذا استدبرته الريح. له سروج وفروج ودوي يملأ ما بين الخافقين، ويدعو الناس للركوب فيه.
هذا هو حمار الدجّال في النبوءات المذهلة لسيدنا خاتم النبيين، محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

وأما عن نبوءاته المتعلّقة بالمسيح الدجال نفسه، فقد قال إنّ الدجّال أجعد الشعر أعور العين اليمنى وعينه اليسرى كأنها عنبة طافئة، وفي رواية: كأنها كوكب دري؛ وله قدرات خارقة بحيث أنه يسيطر على الأرض والناس براً وبحراً وجواً، فيأمر السماءَ فتُمطر، ويأمر الأرض فتنبت وتُخرج كنوزها وتتبعه كيعاسيب النحل. وكذلك يسيطر على مياه الأنهار، فيأمر الماء أن يرتد فيرتد وأن يجري فيجري، ويأمره أن ييبس فييبس. ويسيطر على البحار والمحيطات، فيطوف فوق مائها ويجتازها بسرعات كبيرة ،ويُخرج من كنوزها وحيتانها ما يشاء. ويُغني أقواماً . إذا ما انصاعوا له وقبلوا دعوته . فيجعل أراضيهم جنات خضراء مثمرة ومواشيهم مسمّنة باللحم وممتلئة الضروع باللبن. ويحاصر الأقوام التي ترفض دعوته والانصياع له ، فيُحاصرهم ويفقرهم ويجعل أراضيهم ممحلة ومواشيهم معروقة وأيديهم فارغة. كما يسيطر على طيور السماء ، فيتناولها من الجو ويشويها في الشمس شيّاً. ويمعن في خوارقه ، فيحيي الموتى، ويشق الإنسان نصفين ثم يعود فيضمه ويحييه من جديد فيأتي يتهلل وجهه يضحك! ويأتي الدجّال بمثل الجنة والنار، ويكون معه جبال من لحم وخبز وأنهار من ثريد، تتقدمه النار. في حين يكون من ورائه جنة وجبل أخضر.
أما عن زمن الدجال العجيب، فإنّه يختلف اختلافاً كبيراً عن المألوف حيث يجعل الدجّالُ الزمن يتقارب فتصير السنة كالشهر، والشهر كالجمعة، والجمعة كاليوم، واليوم كالساعة، والساعة كضرمة النار. كما أن المدن في زمانه تتوسع وتنمو .

وتختلف أحوال الغذاء بالنسبة إلى المؤمنين، فيصير التهليل والتسبيح والتكبير بمثابة الغذاء لهم. وأما بعد القضاء على الدجّال وانتشار العدل في الأرض، فتختلف الغرائز والنفوس الحيوانية؛ إذ يصير الذئب في الغنم ككلبها، وتمشي الناس بين الوحوش الضارية فلا تؤذيهم ، ويدخل الأولاد أيديهم في أفواه الأفاعي السامة فلا تلدغهم، وتمرّ الغنم بالحقول فلا تمس السنابل ولا تأكلها ولا تكسر أعواد الزروع -راجع هذه الأحاديث في مصادر الحديث بحث الدجال والمهدي ، وكذلك في معجم أحاديث الإمام المهدي، الجزء الثاني .-.

وهكذا تطرح أحاديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم المتعلقة بظهور الدجّال الكثير من الغرائب والعجائب التي يصرّ المشايخ على الأخذ بحرفيتها، باعتبار أنها أحاديث صحيحة مسندة متواترة ثبتت وصحت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فيحيلونها بذلك إلى ما يُشبه الخرافات والأساطير ! ولا شكّ في أنّ هذه الأحاديث صحيحة متواترة، ولكن الأخذ بحرفيتها يتنافى ويتناقض مع العقل والعلم والمنطق الإنساني السليم، والأهم من ذلك، أنه يتنافى ويتناقض مع المنطق الإيماني في القرآن الكريم وأحاديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، كما سنبرهن في الفصول القادمة. ولكن فهم هذه الأحاديث على ضوء البيان والتعليم القرآني الكريم سوف يبدي أنها آيات إعجازية مذهلة تشهد على صدق نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ورسالته للعالمين كما نوهنا آنفاً.

وبما أنّ الأحاديث الشريفة التي ذكرت الدجّال وفتنه كثيرة جداً، كان لابد من ذكر بعضها فقط ، مما يُساعد على بيان حقيقة الدجّال دون إسهاب أو إطناب؛ ولذلك فإننا سنعرض الأحاديث التالية، ثم نعمد إلى مناقشة كل واحد منها في محله بعد أن نبين الهدي القرآني المتعلق بفهم النبوءات التي يُظهر الله عليها أنبياءه ، وكيف يجب على العلماء والفاهمين أن يؤوّلوها ويفهموها :



الأحاديث الصحيحة المتعلقة بظهور المسيح الدجال:

عن علي رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: تحتَ الدجّال حمار أقمر، طول كل أذن من أذنيه ثلاثون ذراعاً ... تُطوى له الأرض منهلاً منهلاً، يتناول السحاب بيمينه .. ويسبق الشمس إلى مغيبها، يخوض البحر إلى كعبيه ..) . / (كنز العمال) وأورده صاحب عقد الدرر في أخبار المنتظر)

وأورد الإمام المقدسي في كتابه (عقد الدرر في أخبار المنتظر) ص 276 الحديث التالي :
(يخرج - الدجال - على حمار مطموس العين مكسور الطرف، يخرج منه الحيات، محدودب الظهر، قد صُوّر كلّ السلاح في يديه، حتى الرمح والقوس، يخوض البحار إلى كعبيه.
 ذكره الإمام أبو الحسن محمد بن عبيد الله الكسائي في قصص الأنبياء.

وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، في قصة الدجّال : (.. له حمار أحمر طوله ستون خطوة ... / (عقد الدرر في أخبار المنتظر ) ص: 274.

وجاء في رواية أنّ حمار الدجّال طوله ستون ذراعاً ، لا يُدرى قبله من دبره يتقدمه جبل من دخان. كما ورد أنّ طعامه الحجارة وله فتحة يُخرج منها النار، وله دوي يملأ ما بين الخافقين.

وعن حذيفة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:  يركب الدجالحماراً أبتر ، بين أذنيه أربعون ذراعاً، يستظل تحت أذنيه سبعون ألفاً من اليهود).

وروى أبو نعيم عن حذيفة رضي الله عنه في حديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن حمار الدجال:
 يخوض البحر لا يبلغ حقويه، وإحدى يديه أطول من الأخرى، فيبلغ قعره ، فيُخرج من الحيتان ما يشاء. 
وفي رواية: (فيمد يده الطويلة فيُخرج ما يشاء).

وفي حديث رواه المنادي عن عليّ كرم الله وجهه أنّ الدجّال:
 يتناول السحاب بيمينه ويسبق الشمس إلى مغيبها يخوض البحر إلى كعبيه، أمامه جبل من دخان ، وخلفه جبل أخضر، ينادي بصوت يسمع له ما بين الخافقين: إليّ أوليائي، إليّ أوليائي، إلي أحبابي، إلي أحبابي. فأنا الذي خلق فسوى، والذي قدر فهدى، وأنا ربكم الأعلى. كذب عدو الله.

وورد في حديث رواه الحاكم وابن عساكر عن ابن عمران أن الدجّال:
يسيح الأرض كلها في أربعين يوماً، وما من بلد إلا وسيطؤها إلا مكة والمدينة، ويتناول الطير من الجو ويشويه في الشمس شياً).

وجاء في كتاب (الإشاعة لأشراط الساعة للإمام البرزنجي) من حديث لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّ الدجّال:
 يأتي النهر فيأمره أن يسيل فيسيل، ثم يأمره أن يرجع فيرجع، ثم يأمره أن ييبس فييبس) / رواه نعيم بن حماد ص 129. 125:

وروى الحاكم وابن عساكر عن ابن عمر أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد قال في الدجّال : .... يسير معه جبلان، أحدهما فيه أشجار وثمار وماء، وأحدهما فيه دخان ونار.  فيقول هذه الجنة وهذه النار).

وروى نعيم وحذيفة عن ابن عمر في حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الدجال أنّ معه: جبل من تريد ونهر ماء.

وعن جابر بن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: (يخرج الدجال في خفّة من الدين، وإدبار من العلم .. وله حمار يركبه، عرض ما أذنيه أربعون ذراعاً . فيقول للناس: أنا ربكم ، وهو أعور، وربكم ليس بأعور ، مكتوب بين عينيه " كافر " مهجأة ، ك ا ف ر، يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب، .. ومعه جبال من خبز ).
 رواه أحمد في مسنده، وصححه الحاكم في المستدرك، ورجاله ثقاة.

 وجاء في صحيح مسلم عن حذيفة أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
(إنّ الدجال يخرج، وإن معه ماء وناراً، فأما الذي يراه الناس ماءً فنار تحرق، وأما الذي يراه الناس ناراً فماء عذب بارد. فمن أدرك ذلك منكم ، فليقع في الذي يراه ناراً فإنه ماء عذب بارد).

وفي رواية ابن أبي شيبة:
معه من كل لسان ، ومعه صورة الجَنة خضراء، يجري فيها الماء، وصورة النار سوداء ، تُداخن. / معجم أحاديث الإمام المهدي ج 2 ص 6.


كما جاء في صحيح مسلم عن النواس بن سمعان في حديث طويل عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال:
(غير الدجال أخوفني عليكم. إن يخرج وأنا فيكم ، فأنا حجيجه دونكم، وإن يخرج ولست فيكم، فامرؤ حجيج نفسه ، والله خليفتي على كل مسلم .. فمن أدركه منكم ، فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف .. قلنا يا رسول الله: وما إسراعه في الأرض؟ قال : كالغيث استدبرته الريح. فيأتي على القوم ، فيدعوهم ، فيؤمنون به، ويستجيبون له ، فيأمر السماء فتمطر ، والأرض فتنبت .. ثم يأتي القوم، فيدعوهم، فيردون عليه قوله، فينصرف عنهم، فيصبحون ممحلين ليس بأيديهم شيء من أموالهم .. ويمرّ بالخربة ن فيقول لها : أخرجي كنوزك ، فتتبعه كيعاسيب النحل. ثم يدعو رجلاً ممتلئاً شباباً ، فيضربه بالسيف ، فيقطعه جزلتين رمية الغرض، ثم يدعوه، فيقبل ويتهلل وجهه يضحك.
فبينما هو كذلك، إذا بعث الله المسيح بن مريم ، فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهزودتين، واضعاً كفّيه على أجنحة ملكين .. فلا يحل لكافر يجد ريح نَفَسِه إلا مات، ونَفَسُه ينتهي حيث ينتهي طرفه ، فيطلبه حتى يدركه بباب لد ، فيقتله. ثم يأتي عيسى بن مريم قوم عصمهم الله منه، فيمسح عن وجوههم، ويحدّثهم بدرجاتهم في الجنة، فبينما هو كذلك، إذ أوحى الله إلى عيسى: إني أخرجت عباداً لي، لا يدان لأحد بقتالهم، فحرّز عبادي إلى الطور، ويبعث الله يأجوج ومأجوج ، وهم من كل حدب ينسلون ... إلى آخر الحديث.

وجاء في كنز العمال - الجزء 14 ، حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الدجّال:
لا يخرج الدجال حتى يذهل الناس عن ذكره، وحتى يترك الأئمة ذكره على المنابر).

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الدجال:
(إنما أحدّثكم هذا لتعقلوه، وتفهموه ، وتفقهوه، وتعوه. فاعملوا عليه، وحدّثوا به من خلفكم، وليحدّث الآخرُ الآخر، إنه أشدّ الفِتَن).
نعيم بن حماد ( الإشاعة لأشراط الساعة للإمام البرزنجي ص: 128.


هذه باقة من الأحاديث الشريفة التى يصرّ أصحاب التعصب الحرفي على الأخذ بحرفيتها؛ الأمر الذي يبدو بطلانه واضحاً من الوهلة الأولى.
وسنبحث في الفصل القادم في الأساس القرآني الذي لابد أن نبني عليه أسلوب الفهم والأخذ، كي لا تُحيل إعجاز الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلى خرافات وأساطير بجهلنا وطيشنا وقلة تفهمنا وتدبّرنا.





الفصل الرابع:

بين التمسك بالحرفية وضرورة التأويل:

ثمة صراع قديم بين التمسك بحرفية النصوص الدينية المقدسة والضرورة التي تُحتّم - في كثير من الأحيان - تأويلها بشكل منطقي يقبله العقل دون أن يكون ذلك على حساب النص الموثق.
 
ويتبدى هذا الصراع حاداً أكثر ما يتبدّى حول النصوص المتعلقة بالنبوءات المستقبلية التي وردت في الكتب المقدّسةن التوراة والإنجيل والقرآن الكريم ، لدى أصحاب الرسالات السماوية اليهودية والمسيحية والإسلام.
-
وأما فيما يتعلّق ببحثنا هذا: خروج المسيح الدجال) فإن الصراع بين الإصرار على التمسك بحرفية النص وضرورة الأخذ بالتأويل يكاد يبلغ ذروته القصوى، كما أنه يقسم الباحثين والمهتمين - من حيث الفهم والاعتقاد - إلى فريقين متباينين وقد يصل الخلاف بينهما إلى حدّ يجعل القائلين بالحرفية يتهمون مخالفيهم بإفساد العقيدة والناس، وقد يصل أحياناً إلى حدّ تكفيرهم! ولما كان لابـد مـن وجـود (حقيقـة) في الأمر، تكـون هـي الأصل والمرجع الصحيح الذي يجب أن يؤخذ به، كي تفهم - من خلاله – الحقائق ذات الصلة، لذا فإنّ من الضروري لكلا الفريقين أن يُعاودوا النظر في موقفهما الاعتقادي من غير تعصب أو تصلب، وذلك بغية الوصول إلى الفهـم والاعتقاد السليمين الخاليين من شوائب التقليد الأعمى المتوارث دون ما تفكر أو دراسة أو تمحيص لتبيّن الهذي الصحيح للنصوص المقدّسة، والتي لا ريب في أنها لم ترد عبثاً، بل جاءت تحمل رسالة يقصد منها الهداية إلى فهم أو ممارسة معيّنة؛ وبذلك يستنير الفرد والمجتمع بالهذي الصحيح للنبوءة المقدّسة، ويصير أقرب إلى الإيمان الحق الذي يعتقد المؤمنون أن فيه الخير. ولا شكّ في أن الإيمان الحق يجب أن يهدي إلى العمل الحق الذي فيه كل الخير للإنسان الفرد وللبشرية جمعاء.
*
ضلال الفهم المترتب على التمسك بالحرفية:
مما لاشك فيه أن أحاديث خروج الدجّال ومجيء المسيح الموعود عليه السلام قد بلغت حد التواتر ولا يمكن إنكارها، كما بيّن ذلك العلماء المحققونن ومن بينهم القاضي العلامة محمد بن علي الشوكاني في (التوضيح في تواتر ما جاء في المهدي المنتظر والدجّال والمسيح) . راجع كتاب " الإذاعة لأشراط الساعة لمحمد صديق حسن الفنوجي البخاري، وكتاب " المهدي المنتظر" للأستاذ إبراهيم المشوخي ص 34. ولكن المسلم المصدق بها ، يجد نفسه مضطراً إلى عدم الأخذ بحرفيتها لأنّ من يدرس هذه الأحاديث بمجملها - على ضوء الأسس الإيمانية المبينة في القرآن الكريم والحديث الصحيح ، يجد أنّ الإصرار على فهم هذه الأحاديث الشريفة بالحرفية التي جاءت فيها دون أي توفيق أو تأويل منطقي مدروس على أساس الهدي القرآني الصحيح، يضع الفأس على رأس التوحيد، كما أنه يؤدي بكلّ تأكيد إلى :
1 . التناقض بين بعض هذه الأحاديث وبعضها الآخر.
2 . التناقض بين هذه الأحاديث والقرآن الكريم.
3 . التناقض بين هذه الأحاديث والمنطق العلمي والعقلي السليمين.

 وبما أنه يستحيل وجود أية تناقضات في الأحاديث الصحيحة، فلا بد إذن من محاولة فهمها على أسس التأويل التي أقرها وبينها القرآن الكريم كما سنبين ذلك في مكانه من هذا الكتاب بعون الله تعالى.

ولبيان التناقض المترتب على الأخذ بالحرفية نورد الأمثلة التالية:

دخول الدجّال مكة وطوافه بالبيت:
جاء في عدد من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّ الدجال لا يستطيع دخول مكة ولا المدينة، لأنّ الله عزّ وجل قد حرم عليه دخولهما، ولكننا نقرأ في أحاديث أخرى أنّ الدجّال يدخل مكة ويطوف بالكعبة، فقد جاء في صحيح مسلم ومسند ابن حنبل في حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الحديث التالي، حيث يقول الدجال عن نفسه:
 وإني أوشك أن يؤذن لي بالخروج ، فأخرج، فأسير في الأرض، فلا أدع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة غير مكة وطيبة ، هما محرّمتان على كلتاهما).

وكذلك روى ابن ماجة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام الحديث التالي:
لا يبقى شيء من الأرض إلا وطئه - أي الدجّال - وظهر عليه، إلا مكة والمدينة، فإنه لا يأتيهما من نقب من نقابهما ، إلا لقيته الملائكة بالسيوف صلتة..).
 يتأكد من هذين الحديثين أنّ الله عزّ وجل قد حرم على الدجال دخول مكة والمدينة بالرغم من أنّه سيظهر على الأرض كلها، في حين أننا نقرأ في الحديث التالي أنّ الدجّال يدخل مكة ويطوف بالكعبة أيضاً.

جاء في صحيح البخاري في الحديث الذي رواه عبد الله بن عمر عن رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم قال:
 وأراني الليلة عند الكعبة في المنام، فإذا رجل آدم كأحسن ما يُرى من أدم الرجال تضرب لمّته بين منكبيه رجيل الشعر يقطر رأسه ماء، واضعاً يديه على منكبي رجلين ، وهو يطوف بالبيت.
 فقلت: من هذا؟ 
فقالوا: هذا المسيح بن مريم.
 ثم رأيت رجلاً وراءه، جعداً قططاً أعور العين اليمنى، كأشبه ما رأيت بابن قطن، واضعاً يديه على منكبي رجل يطوف بالبيت.
 فقلت: من هذا؟
 قالوا: المسيح الدجال). 
صحيح البخاري، كتاب الرؤيا وصحيح مسلم.

أجمع العلماء على أنّ رؤى الأنبياء حق لأنها من الله، ونجد في هذا الحديث أنّ الدجّال يدخل مكة ويطوف بالكعبة؛ في حين جاء في الحديث الآخر أنّ مكة والمدينة محرّمتان على الدجّال ولا يستطيع دخولهما، فكيف يمكن فهم هذا التناقض؟! ثم كيف يمكن لعملاق قَدِرَ على الأرض جميعها أن يعجز عن دخول مدينتين صغيرتين منها؟ وما القوى التي ستمنعه، في حين أنّه قد ملك القوى كلها، كما تبين الروايات التي تتحدث عنه؟ - سنعمد إلى حل هذه الإشكاليات في حينها ، ونبيّن أنّ التناقض إنّما ينشأ عن الفهم الحرفي الخاطئ، وأنّه ليس ثمة تعارض أو تناقض في هذه الأحاديث.-.

ومن الأسئلة الإشكالية التي قد تُثيرها هذه الأحاديث أيضاً - في نظر بعضهم - هي: كيف يدخل الدجّال مكة ويلتقي بالمسيح الموعود عليه السلام في حين أنّ الدجّال لا يستطيع مواجهته؟ إذ ورد في أحاديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أنّ الدجّال إذا رأى المسيح الموعود ذاب كما يذوب الملح، أو كما يذوب الرصاص، أو انماث كما تنماث الشحمة في الشمس، أو أنه يموت بِنَفَسِهِ لأنه كافر؛ فقد ورد أنه لا يحل لكافر يجد ريح نفس المسيح الموعود عليه السلام إلا مات. / راجع هذه الأحاديث في بحث الدجّال في مصادر الحديث الشريف.

وجاء أنّ القاضي عياض أجاب عن هذا الإشكال فقال:
"إن رؤيا الأنبياء وإن كانت وحياً إلا أنّ منها ما يقبل التعبير ".
ويؤكد العلامة علي القارّي هذا المذهب في الفهم فيقول:
"قال التوريشي: إنّ طواف الدجّال عند الكعبة مع أنّه كافر، مؤوّل بأنّه رؤيا النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو من مكاشفاته، إذ كوشف بأنّ عيسى في صورته الحسنة التي ينزل عليها يطوف حول الدين، لإقامة أموره وإصلاح فساده، وأن الدجال في صورته الكريهة التي يظهر عليها يدور حول الدين ، يبغي العوج والفساد " / المرقاة، شرح المشكاة ج: 5. باب بين يدي الساعة.



عين الدجّال العوراء:
ورد في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّ الدجال: أعور العين اليمنى). / صحيح البخاري.
وجاء في حديث آخر: الدجال أعور العين اليسرى). / صحيح مسلم.

وقد اختلفت الروايات حول شكل عينه العمياء، إذ جاء في الحديث:
كأنّ عينه عنبة طافئة) وفي حديث : إنه مطموس العين) مشكاة المصابيح.
وجاء في رواية ابي سعيد عند أحمد أنّ الدجال:
جاحظ العين اليمنى، كأنها كوكب دري).
فكيف يمكن الأخذ بهذه الأحاديث بحرفيتها ، مع وضوح التناقض فيها؟ لا بد إذن من برهان مقنع.


* قدرات الدجّال الخارقة:
بينت أحاديث رسولِ الله صلى الله عليه وآله وسلم أن الدجال يتصف بصفات وقدرات خارقة، نورد في ما يلي أمثلة عليها:
يأتي معه بالجنة والنار ،وجبال من خبز ولحم وطعام.

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنّ:
الدجال أعور العين اليسرى.

وجاء في رواية أن الدجّال :
معه جنة ونار) صحيح مسلم.

معه جبل خبز ونهر ماء) صحيح البخاري.

وفي رواية أن :
الدجال يخرج، وإنّ معه ماءً وناراً، فأما الذي يراه الناس ماءً، فنار تحرق. وأما الذي يراه الناس ناراً، فماء عذب بارد . فمن أدرك ذلك منكم ، فليقع في الذي يراه ناراً ، فإنّه ماء عذب) صحيح مسلم.

وهل يُعقل هنا أن يأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الناس من أمته أن يُلقوا بأنفسهم وأهليهم في نار الدجال باعتبار أنها هي الجنة، لو كانت هذه النار حقيقية؟ وماذا لو أوقد الدجّال ناراً حقيقية هائلة ، ثم أمر المسلمين أن يلقوا بأنفسهم فيها طاعة لرسول الله عليه الصلاة والسلام؟! وهل يمكننا تخيل مشايخ المسلمين يفعلون ذلك لكونهم أول من يحرص على طاعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟!

وجاء في حديث:
أنّ معه الطعام والأنهار, صحيح مسلم.

وفي حديث:
معه نهران يجريان ، أحدهما رأي العين، ماء أبيض والآخر نار تؤجج). صحيح مسلمز

كما جاء في حديث:
معه واديان، أحدهما جنّة، والآخر نار. أبو داود.

وفي حديث:
يأتي معه بمثل الجنة والنار) متفق عليه.

وفي حديث :
ويكون له جنة ونار، فيقول: هذه جنّة لمن سجد لي، ومن أبى أدخلته النار. . ذكره الإمام أبو الحسن بن عبيد الله الكسائي في قصص الأنبياء، وأورده المقدسي في (عقد الدرر في أخبار المنتظر) ص: 275.

وروى الحاكم وابن عساكر عن ابن عمر أنه :
(يسير مع الدجّال جبلان، أحدهما فيه أشجار وثمار وماء، وأحدهما فيه دخان ونار. فيقول هذه الجنّة، وهذه النار / الإشاعة لأشراط الساعة ) ص 124.

وفي رواية نعيم عن أبي مسعود:
معه جبل من مرق وعراق اللحم حارّ لا يبرد، ونهر جار، وجبل من جنان وخضرة ، وجبل من نار ودخان. يقول: هذه جنتي وهذه ناري، وهذا طعامي ،وهذا شرابي) / ( الإشاعة لأشراط الساعة )، ص
126.

لقد أثارت هذه الأحاديث الشريفة - المتعلّقة بتملّك الدجال للجنة والنار، وجبال الطعام من الخبز واللحم والمرق والماء والأنهار - دهشة واستغراب العلماء المتفكرين الذين يرفضون أن يكون ثمة تناقض بين المنطـق الـديني والمنطق العقلي العلمي. ولما كان الإصرار على الأخذ بالحرفية يؤدي حتماً إلى ظهور مثل هذا التناقض والتعارض المرفوضين، فقد ذكرت الكتب اختلاف العلماء في هذا الشأن، حيث نقرأ:
"اختلف العلماء في هذه الجنّة والنار هل هي حقيقة أم تخيل ".
وقد مال ابن حبان في صحيحه إلى أنّه تخيّل، واستدلّ بحديث المغيرة بن شعبة في الصحيحين أنه قال:
(كنت أكثر من سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الدجال، فقال لي: وما يُضيرك منه؟ قلت: لأنهم يقولون : إنّ معه جبل خبز. قال: هو أهون من ذلك)؛ " ومعناه أنه أهون من أن يكون معه ذلك حقيقة، بل يُرى كذلك وليس بحقيقة "). / الإشاعة لأشراط الساعة)، ص: 126.

وجاء في (المرقاة شرح المشكاة باب العلامات بين يدي الساعة) في معرض شرحه لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: هو أهون على الله من ذلك، قال: قوله:هو أهون على الله من ذلك . أي أنّ الدجّال أحقر على الله تعالى من أن يُحقق له ذلك، وإنما هو تخييل وتمويه للابتلاء، فيثبت المؤمن ويزلّ الكافر). (القول الصريح في ظهور المهدي والمسيح) لمؤلفه : نذير أحمد.



إحياء الدجّال للموتى وإنزاله للمطر:
جاء في حديث لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن من فتن الدجال أنه يقتل ويحيي، حيث نقرأ في صحيح البخاري، باب ذكـر الـدجّال، الحديث التالي:
يأتي الدجّال .. فيخرج إليه رجل .. فيقول الدجّال: أرأيتم إن قتلت هذا ثم أحييته ، هل تشكون في الأمر، فيقولون: لا، فيقتله ثم يحييه).

يتبين بكل وضوح - من خلال الروايات التي تذكر قدرة الدجال على إحياء الموتى - أنّ الإصرار على الأخذ بالمعنى الحرفي لهذه الروايات يتناقض بشكل مؤكد، ليس مع القرآن الكريم فحسب، بل مع الأسس الإيمانية والتوحيدية في حق الله سبحانه وتعالى. فالمعلوم أنّه لا يحيي ولا يُميت إلا الله وحده؛ إذ يؤكد القرآن الكريم ذلك في أكثر من موضع، حيث نقرأ قوله عزّ وجل:
هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ يونس 57.

فكيف يمكن لكم أن تُضيفوا إيماناً جديداً، فتزعمون أنه:
 (هو يحيي ويُميت ، وكذلك الدجال)؟!

ويتحدى القرآن الكريم المشركين أن يُثبتوا شيئاً من ذلك فيقول :
ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ الروم 41.

فهل تُجيبون على سؤال الله هذا بقولكم : نعم ، الدجال يفعل ذلك أيضاً؟!
وحتى لو قلتم ذلك، فإنّ الله تعالى يختم الآية منزّهاً نفسه عن هذا الشرك القبيح، فيقول:
سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾

ثم إذا انتبهنا إلى كلمة (مِنْ) في قوله تعالى: ﴿يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ ) نجدها هنا للتبعيض الذي ينفي إمكانية القدرة على إحياء الأموات بأيّ شكل كان، لأنّ هذا الأمر إنما هو من صفات الله وحده -قد يقول بعضهم أنّ النبي عيسى عليه السلام قد أحيا الموتى بإذن الله، بمعنى أنه قد أقام ميتاً من قبره. وهذا خطأ مبين، إذ أن إحياء عيسى للموتى لم يكن بأكثر من إحياء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم للموتى. حيث يقول تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ . الأنفال: 24. أي إذا أحياكم بنور الإيمان والتوحيد الذي نزل عليه، مصداقاً لقوله تعالى: ﴿ أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجِ مِنْهَا. الأنعام . 123. فالموت هنا هو الكفر والضلال، والإحياء هو بعث الإيمان في النفوس؛ وبهذا فإنّ جميع الرسل يحيون الموتى بإذن الله.-- ، فكيف يمكن أنّ نُشرك به المسيح الأعور الدجال أو غيره ، كائناً من كان؟!

ونقرأ في سورة البقرة ردّ سيدنا إبراهيم على النمرود بقوله:
رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ. البقرة . 259.

فهل تضيفون إلى هذه الصفة – التي خص الله بها نفسه على لسان إبراهيم عليه السلام - صفةً أخرى ، فتقولون : "ربي والدجّال يحييان ويميتان"، نعوذ بالله من ذلك؟!

 
ومن الأمور التي خص الله تعالى بها ذاته كذلك، إنزال الغيث من السماء، فقال عن نفسه:
إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ. لقمان ، 35.

فكيف يمكن الإيمان بأنّ الدجّال يقدر على أن يأمر السماء فتنزل الغيث، فيكون بذلك مساوياً الله في قدرته تلك؟!

وبالرغم من أننا سنعمد إلى بيان حقيقة نبوءات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بحث الدجّال وقدراته؛ إلا أنني ألفتُ هنا نظر القائلين بقدرة الدجال على إنزال الغيث من السماء إلى أن أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم تذكر قدرة الدجّال على إنزال الغيث بل جاء فيها أنه يأمر السماء فتمطر، فقال:
(وإنّ من فتنته أنه يأمر السماء أن تمطر فتمطر).
ابن ماجة والمستدرك للحاكم.

كما جاء في معرض ذكر رسول الله صلى الله عليه للدجال:
فيأمر السماء فتمطر) صحيح مسلم.

وثمة فرق هائل بين أن تمطر السماء أو أن ينزل منها الغيث، كما سنبين لاحقاً، فلا تشركوا بالله أحداً.



* الدجال يعلم الغيب!
ورد في بعض الأحاديث المتعلّقة بالدجّال أنّه يتنبأ بأحداث غيبية تتعلق بالمستقبل، كما في الحديث التالي الذي جعل الآخذين بالحرفية يعتقدون أنه يمكن للدجال أن يتنبأ بالغيب وأنّه مخلوق حي بـاق مـذ وجد في الأرض! وإليكم الحديث:
تروي كتب الحديث أنّ رسول الله صلى الله عليـه وآلـه وسـلـم جمـع يـومـاً صحابته ليحدثهم حديثاً، فقال:
(يا أيها الناس .. أتدرون لم جمعتكم؟ ... لأن تميماً الداري كان رجلاً نصرانياً ، فجاء فبايع وأسلم، وحدثني حديثاً وافق الذي كنت أحدثكم عن المسيح الدجال. حدثني أنه ركب في سفينة بحرية مع ثلاثين رجلاً من لخم وجذام، فلعب بهم الموج شهراً في البحر، ثم أرفأوا إلى جزيرة في البحر حتى مغرب الشمس، فجلسوا في أقرب السفينة، فدخلوا الجزيرة ، فلقيتهم دابة أهلب، كثير الشعر، لا يدرون ما قبله من دبره من كثرة الشعر .
 فقالوا: ويلك ما أنت؟ 
فقالت: أنا الجساسة،
 قالت: يا أيها القوم، انطلقوا إلى هذا الرجل في الدير، فإنه إلى خبركم بالأشواق. 
قال: لما سمت لنا رجلاً ، فرقنا منها أن تكون شيطانة. 
قال: فانطلقنا سراعاً حتى دخلنا الدير، فإذا فيه أعظم إنسان رأيناه قط خلقاً وأشدّه وثاقاً، مجموعة يداه إلى عنقه ما بين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد.
قلنا: ويلك، ما أنت؟ 
قال: قد قدرتم على خبري، فأخبروني أنتم. 
قالوا : نحن أناس من العرب، ركبنا في سفينة بحرية، فصادفنا البحر حين اغتلم، فلعب بنا الموج شهراً، ثم أرفأنا إلى جزيرتك هذه ، فجلسنا في أقربها، فدخلنا الجزيرة 
فقال: أخبروني عن نخل بيسان، 
قلنا : عن أي شأنها تستخبر؟
 قال: أسألكم عن نخلها، هل يثمر ؟
 قلنا له : نعم.
 قال: أما إنها يوشك ألا تُثمر.
 قال: أخبروني عن بحيرة طبريا،
قلناعن أي شأنها تستخبر؟ 
قال: هل فيها ماء؟ 
قالوا : هي كثيرة الماء. 
قال: أما إنّ ماءها يوشك أن يذهب . 
قال: أخبروني عن عين زغر.
 قالوا : عن أي شأنها تستخبر؟ 
قال: هل في العين ماء؟ وهل يزرع أهلها بماء العين؟ 
قلنا له: نعم، هي كثيرة الماء، وأهلها يزرعون من مائها.
 قال أخبروني عن نبي الأميين: ما فعل؟ 
قالوا: قد خرج من مكة ، ونزل يثرب. 
قال : أقاتله العرب؟
 قلنا: نعم. 
قال: كيف صنع بهم؟
 فأخبرناه أنه قد ظهر على من يليه من العرب وأطاعوه، 
قال: قد كان ذلك؟
 قلنا: نعم. 
قال: أما إنّ ذلك خير لهم أن يُطيعوه. وإني مُخبركم عني: إني أنا المسيح الدجال ، وإني أوشك أن يؤذن لي بالخروج، فأخرج ، فأسير في الأرض ، فلا أدع أرضاً إلا هبطتها في أربعين ليلة غير مكة وطيبة، فهما محرمتان عليَّ) صحيح مسلم.

نرى من هذا الحديث الصحيح أن الدجّال قد تنبأ بأنباء غيبية كثيرة ، وقد تحقق أكثرها حتى الآن، فكيف يصح لدجّال كافر ملعون يضل الناس، ويدعو إلى تأليه نفسه أن يعلم الغيب بهذا الشكل، وكيف استطاع ذلك؟!

إن المسلمين يؤمنون يقيناً أنّه لا يعلم الغيب أحد إلا الله، وذلك بتأكيـد وتعليم القرآن الكريم حيث يقول الله عز وجل:
قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ ﴾. النمل، 66.
وأمر الله عز وجل رسوله أن يحذر أمته من أن يظنوا يوماً أن أحداً سوى اللهالله يمكن أن يعلم الغيب ، فقال له:
فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ. لِلَّهِ يونس: 21.

كما أمره أن يؤكد بأنه هو نفسه - وهو رسول الله - لا يعلم الغيب، فقال لهله:
قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ ) الأنعام : 51.
 فكيف يصح بعد هذا البيان القرآني أن يعتقد المؤمنون بإمكانيـة قـدرة الأعور الدجال على التنبؤ بالغيب حقاً، مُناقضاً بذلك البيان القرآني المبين؟!
 ثم كيف يمكن لرجل كافر ملعون أنّ يظلّ حيّاً باقياً منذ نوح والنبيين في الزمان السابق لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم يظل حياً باقياً إلى زماننا هذا، حتى يبعث الله المسيح الموعود والمهدي المنتظر عليه السلام فيقتله ويقضي عليه وينقذ العالم والجنس البشري من شروره وفتنه؟!


إنّ الأخذ بحرفية هذا الكلام يضع الفأس على رأس التوحيد -كما قلنا – ويحتم الوصول إلى هذه النتيجة المتناقضة. سيأتي شرح هذا الحديث في موضعه من الكتاب.




* حمار الدجّال الخارق!
وأما أوصاف حمار الدجّال التي وردت في الأحاديث المتعلقة بالدجال، فلا يمكن لأصحاب العقول المنطقية السليمة أن يأخذوا بحرفيتها بأي شكل من الأشكال؛ إذ ما هذا الحمار الناري الذي مسافة ما بين حافره إلى حافره مسيرة يوم وليلة ، وطول كل أذن من أذنيه ثلاثون ذراعاً، وعرض ما بين أذنيه أربعون ذراعاً، ورغم أن طول أذن حمار الدجال ثلاثون ذراعاً فقط، فإنّ سبعين ألفاً من اليهود يستظلون تحتها،كما أنّ حمار الدجال هـذا يأكل الحجارة، ويُخرج من مؤخرته ناراً، ويطير في السماء، فتطوى له الأرض منهلاً منهلاً، ويسبق الشمس إلى مغيبها؛ معه من كل السلاح ، تخرج منه الحيات ويخوض البحر إلى كعبيه ولا يغرق، ويسير في الأرض، وطوله ستون خطوة، لونه أحمر، يتقدّمه جبل من دخان، ولا يُدرى قبله من دُبُره؛ وينادي الناس إليه، بدوي يملأ ما بين الخافقين .. وغير ذلك من الأوصاف العجيبة؟!

ثم أية حمارة (أتان) يمكن أن تلد مثل هذا الحمار الهائل؟ أم أنّ أمّه ستكون حمارة عادية ولدت حماراً كونياً هائلاً؟!

وإن لم يكن سيولد من حمارة عادية، فمن أين سيأتي إذن؟!

ويفيد هنا أن نأتي بمثال تُبيّن فيه رفض بعض المفكرين المسلمين أن تُنسب هذه الخرافات إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فكان من شأنهم أنهم أنكروا الأحاديث ذاتها، وهذا خطأ لا نوافقهم عليه، بل كان ينبغي  أن يفهموا حقيقة النبوءات العظيمة الكامنة فيها من خلال فهم بيان اللغة العربية المتعلق بالرمز والاستعارة والمجاز وغيرها.
 ومن المفيد هنا، الاطلاع على رأيهم في هذا المقام. فمن هؤلاء: العلامة محمد فريد وجدي رئيس تحرير مجلة (نور الإسلام، لسان الأزهر سابقاً ، وصاحب الموسوعة العربية (دائرة معارف القرن العشرين) الذي ذكر أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المتعلقة بخروج الدجال، ثم قال:
"رأينا في هذا الكلام أنّ الذي يُلقي نظرة على هذه الأحاديث ، يُدرك لأول وهلة أنها من الكلام الملفّق ، الذي يضعه الوضاعون ، وينسبونه للنبي صلى الله عليه وسلم لمقاصد شتى - نحن لا نوافق على رأيه هذا، بل نؤكد صحة هذه الأحاديث المتواترة وأنها قد جاءت في الصحيح، ولكننا نرفض الفهم الحرفي لها ، ونؤكد على أنه لابد من فهمها من خلال أسس التأويل التي وضعها القرآن الكريم كما سنبين في الفصل القادم بعون الله تعالى.-. إما لإفساد عقائد الناس، أو لتصغير شأن النبي صلى الله عليه وسلم في نظر أهل النقد، فإنّ هذا الكلام لو نُسِب إلى أحد الناس ، حطّ من شأنه، فما بالك لو نُسب لخاتم النبيين وإمام المرسلين.

إن في توهين هذا الكلام عدة وجوه لا تقبل المناقشة:
أولها : أنه أشبه بالأساطير الباطلة، فإنّ رجلاً يمشي على رجلين يطوف البلاد يدعو الناس لعبادته، ويكون معه جنة ونار يُلقي فيهما من يشاء؛ كل هذا من الأمور التي لا يُسيغها العقل .. والنبي أجل من أن يأتي بشيء تنقضه بداهة النظر، وإلا فما هي جنته وما هي ناره اللتين تتبعانه حيث سار؟ هل هما مرئيتان أم خياليتان؟ إن كانتا مرئيتين، فهل جنته قصور منيفة وحدائق غنّاء ، كما يفهمه الناس من مدلول هذه اللفظة؟ إن كانت كذلك فكيف تسير معه هذه القصور والحدائق إلى حيث توجّه ؟ وهل ناره تنور عظيم متأجج بالناس والحجارة ، على ما يفهمه الناس من معنى هذه الكلمة؟ وهل مثل هذا الأمر ، مما يصح أن يُسيغه عقل بشري ناط الله به تمييز الممكن من المستحيل، وجعله الفارق بين الحق والباطل؟
وإن قيل بأنّ جنّته وناره خياليتان. فهل كان يقتل متبعه ليرسل بروحه إلى الجنة أو يَعِدُه بها وعداً بعد مماته الذي ورد أنّه يلقي بمتبعه في جنّته فيجدها ناراً، ونـاره جنـة وارفة الظلال، وأنهما يسيران معه حيث سار، وهذا ممتنع عقلاً كما رأيت.

وثانيها : كيف يُعقل أن رجلاً أعور مكتوب على جبهته (كافر) يقرؤها - ورد في الحديث الشريف (يقرؤه) وليس (يقرأها) ، والفرق بينهما مهم جداً؛ والحديث عن الرسول  صلى الله عليه وآله وسلم قال إنّ الدجّال: (مكتوب بين عينيه كافر يقرؤه / أي يتبينه / كل مؤمن، كاتب وغير كاتب) - البخاري ومسلم - ومعنى يقرؤه يتبيّنه، وليس يقرأ أحرف الكلمة المذكورة.- الكاتب والأمي على السواء، يقوم بين الناس فيدعوهم لعبادته، فتروج له دعوة أو تسمع له كلمة؟ أي إنسان بلغ به الانحطاط العقلي إلى درجة يعتقد فيها بألوهية رجـل مـشوّه الخلقة مكتوب في وجهه كافر بالأحرف العريضة ؟ وأي جيل من أجيال الناس تروج فيهم مثل هذه الدعوة؟

إن العرب كانوا يشكون في المرسلين ويستكبرون أن يتبعوا رجلاً يمشى على رجلين؛ ويودّون لو أرسل الله إليهم ملائكة من السماء، كما نص عليه القرآن. وأما غيرهم من الأمم ، وحتى في أقدم أزمنة التاريخ، فقد كانوا يُظهرون الأنفة من اتباع أمثالهم في البشرية ويودّون لو أنّ الرسول كان من عالم آخر، كما نص عليه القرآن أيضاً. فمن هي تلك الأمم التي كُتب عليها أن تُفتن برجل أعور مكتوب على وجهه كافر، فتعتقد فيه الألوهية؟

 ثالثها: لماذا لم يذكر القرآن عن هذا المسيح الدجال شيئاً مع خطورة أمره وعظم فتنه كما تدلّ عليه تلك الأحاديث الموضوعة، فهل يُعقل أنّ القرآن قد ذكر ظهور دابة الأرض، ولا يذكر ظهور الدجّال الذي معه جنّة ونار يفتن بهما الناس؟ - قد برهنا في الفصل الثاني من هذا الكتاب على ورود ذكر الدجّال في القرآن الكريم في أكثر من موضع باعتباره الناس وباعتباره آية من آيات الله، وإنّ قول العلامة فريد وجدي هنا أن أحاديث الدجال موضوعة ، إنّما هو زعم باطل ، ويؤكد ذلك ورود هذه الأحاديث في الصحيح وفي مصادر كثيرة مروية عن أوثق الرواة والمحدثين.-.

رابعها: أن كون هذه الأحاديث موضوعة يُعرف بالحس من الحديث الطويل الذي نُسب إلى نواس بن سمعان ، ورفعه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهو يُنبئ بأن الدجال يخرج من خلة بين الشام والعراق ويعمل الأعاجيب، ثم يدركه عيسى إلخ.

 إن تنظر إلى تركيب هذه القصة نظر منتقد، لا يخطر ببالك شك في أنها موضوعة، وقد وضعها واضع لا يفرّق بين الممكن والمستحيل وبين سنن الله في خلقه وما تولّده الخيالات من الأباطيل، ولكن الدليل الحسي على بطلان هذا الحديث هو أن واضعه - لقصر نظره - خيّل له أنّ أسلحة الناس لن تزال القسي والسهام والنشاب والجعاب حتى تقوم الساعة؛ ولم يُدرك أنه لن يمرّ على وضع هذه الأحاديث نحو سبعة قرون حتى وجدوا البارود والبندق ولم تمر ستة قرون أخرى حتى لم يكن للقوس والنشاب ذكر، وقامت مدافع الماكسيم وقنابل اليد والشرانبل والأدخنة السامة والغازات الملتهبة والديناميت الذي يتساقط من الطيارات إلخ .. لم يدرك ذلك كله، فصوّر الأسلحة في آخر الزمان على من الحال الذي عهده في زمان، وليس بعد هذا دليل محسوس على أن هذا الحديث مختلق؛ فإن الذي يوحى إليه أكبر من أن يقع في هذا الخطأ العظيم، ويرى القارئ مما مرّ من هذه الأحاديث كلها أنها خالية من روح النبوة ولا يؤيدها شيء مـن القـرآن - العكس هو الصحيح بل هي إعجاز نبوي مذهل ولا حول ولا قوة إلا بالله العليم الخبير !-، ولا مـن طريق الإشارة، فلا يصح لعاقل أن يعوّل على أمثال هذه الموضوعات. فإن للأخذ بها حطة في العقل وذهاب بالدين مذهب الخرافات والأضاليل، والمسلمون أمروا أن يتحروا الحقيقة في كل شيء، وأن لا يأخذوا بكل ما يقال وإن هدّم العقل والدين " / (دائرة معارف القرن العشرين) . مادة الدجّال.

هذا ما قاله العلامة فريد وجدي في دائرة معارف القرن العشرين)؛ حيث نجد أنّ الإصرار على الأخذ بالحرفية في هذه الأحاديث قد ضلّل حتى العلماء، فجعلهم يقولون بالخرافة والخيال، أو يرفضون الأحاديث الصحيحة؛ وكلا الأمرين خطأ وضلال خطير ومبين.
ولو أردنا أن نبين جميع الغرائب والعجائب المرفوضة بجميع المقاييس العقلية والعلمية والدينية وغيرها، والتي تتأتى جميعها عن الإصرار بالأخذ بحرفية هذه الأحاديث الصحيحة، لَلَزِمَنا أكثر من كتاب ليفي هذا البحث حقه؛ ولكننا نكتفي بهذه الأمثلة المبينة الواضحة للذين لا مانع لديهم من أن يفهموا!

وندخل الآن في عمق البحث، لنبيّن روعة البيان في هذه الأحاديث العظيمة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، التي جعلها الله له نبوءات خارقة تشهد على صدقه في عصرنا وزمننا الحديث هذا أيضاً، فتكون له عليه الصلاة والسلام إعجازاً نبوياً خارقاً يؤيده ويؤكده العلم والعقل -نحن لا نرى تناقضاً يفصل بين العقل والدين، وإنما نورد هنا كلمة العقل للتأكيد ليس أكثر.- والدين، كما سنرى في الفصول القادمة من هذا الكتاب، بعون الله تعالى.



الفصل الخامس:

التعليم القرآني في تأويل النبوءات:


يتبين من خلال دراسة بحث المسيح الدجّال في أحاديث سيدنا رسول صلی الله عليه وآله وسلم، أنّ الله تعالى قد أطلع محمداً عليه الصلاة والسلام على الأحداث المستقبلية المتعلّقة بخروج الدجال خلال الرؤى الصادقة ، كما روى هو صلى الله عليه وآله وسلم ذلك، حيث نقرأ ألفاظه التي تشير إلى رؤياه في أحاديثه تلك، إذ يقول:
 وأراني الليلة عند الكعبة في المنام ، ثم رأيت وراءه رجلاً جعداً . فقلت: من هذا؟ قالوا: المسيح الدجّال . صحيح البخاري، كتاب الرؤيا.

ثم إنّ تصنيف هذا الحديث في صحيح البخاري في كتاب الرؤيا، يلفت إلى أنّ إخبار الله تعالى للرسول الكريم محمد صلى الله عليه وآله وسـلـم عـن الدجال وخروجه قد كان عن طريق الرؤى الصادقة التي يُطلع الله من خلالها رسله على ما يشاء من الغيب.

وكذلك يتبيّن من قصة تميم الداري في حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنها لا يمكن أن تكون إلا رؤيا، وذلك بدلائل وبراهين سنبينها في موضعها من هذا الكتاب، حين نكشف النقاب عن حقيقة مفهوم الدجال، وبيان كيف أنه آية من آيات الله عز وجل.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الردود على الأسئلة التي يطرحها الناس عادة السؤال ١: أين يثبت موت المسيح ابن مريم من القرآن الكريم؟ بل إن قوله تعالى: ﴿رَافِعُكَ إِلَيَّ" و"بَل رَّفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ" يدلّ على أن المسيح رفع إلى السماء بجسده. وكذلك الآية: ﴿وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ ؟ تدل على أن المسيح لم يُقتل ولم يمت على الصليب. الجواب: فليتضح أن معنى الرفع إلى الله هو الموت، كذلك إن لقول الله : ارْجِعِي إِلَى رَبِّك"، وقوله: ﴿إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ" المعنى  نفسه. إضافة إلى ذلك إن الوضوح والجلاء والتفصيل الذي ورد به ذكر موت المسيح في القرآن الكريم لا يتصور أكثر منه؛ لأن الله قد بين وفاة المسيح بوجه عام وبوجه خاص أيضا، كما يقول مثلا على وجه العموم: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ " . إن هذه الآية التي قدّمتُها للاستدلال تدل بصراحة متناهية أن الموت قد  أصاب  جميع الرُّسُل، سواء أكان بالموت الطبيعي أو بالقتل، ولم يسلم من الموت نبي من الأنبياء السابقي...

شرح وتفسير: "وكان عرشه على الماء".

 شرح وتفسير: "وكان عرشه على الماء". النقاش عن كون العرش مخلوقا أو غير مخلوق عبث:  فقال عليه السلام:  الناس يتفننون في آرائهم حول هذا الموضوع، بعضهم يصفونه بالمخلوق وبعضهم يصفونه بغير المخلوق، ولكن لو لم نصفه بغير المخلوق لبطل الاستواء. لا شك في أن النقاش حول كون العرش مخلوقا أو غير مخلوق عبث أصلا، هذه استعارة، حيث بين الله فيه رفعته العالية، أي هو مقام منزه عن كل جسم ونقص، ويقابله هذه الدنيا وهذا العالم كله. وليس للإنسان اطلاع كامل عليه. هذا المقام يمكن أن يسمى قديم، فالناس يستغربون من ذلك ويحسبونه شيئًا ماديا. وانطلاقا من القدم يرد الاعتراض على ورود الحرف "ثم". فالحقيقة أن القدم يشمل "ثم" أيضًا. كما عندما يكون القلم بيد الإنسان فتتحرك اليد أيضًا حيثما يتحرك القلم، لكن يكون التقدُّم لليد. يعترض الآريون على المسلمين عن قدم الله، ويقولون إن إله المسلمين موجود منذ ستة أو سبعة آلاف سنة. وهذا خطؤهم، فمن الغباوة أن يقدر عمر الله بالنظر إلى هذا المخلوق. فلا نعلم ما الذي كان قبل آدم ومن أي نوع كان ذلك المخلوق. والله الله أعلم بذلك الوقت: كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْ...
لا بد من التقوى من أجل الفتح: وما دام الأمر هكذا، فاعلموا أن التقوى ضرورية للمرء لكي تنفتح عليه أبواب الحقائق والمعارف فاتقوا الله ، لأن الله تعالى يقول: ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) (النحل (۱۲۹) . ولا أستطيع أن أحصي لكم كم مرة تلقيت هذه الآية في الوحي، إذ أوحيت إلي مرات كثيرة جدا. لو أننا اكتفينا بالأقوال دون الأفعال، فاعلموا أن لا جدوى من ذلك. إن النصر  يتطلب التقوى، فكونوا متقين إن أردتم النصر. ضرورة التضحيات المالية لنشر الإسلام أرى أن نساء الهندوس والنصارى أيضا يوصين بعقارات كبيرة وأموال طائلة لنشر  دعوتهم، ولكن لا نجد نظير ذلك في المسلمين في هذه الأيام. إن أكبر مشكلتنا  هي  الحاجة إلى النصرة المالية لنشر الإسلام. اعلموا أن الله  تعالى هو الذي أراد تأسيس هذه الجماعة بيده وسوف يكون حاميها وناصرها، ولكنه يريد أن يؤتي عباده الأجر والثواب، ومن أجل ذلك قد اضطر الأنبياء لطلب المساعدة المالية. لقد طلب رسول الله النصرة المالية ، وعلى نفس المنهاج ، الذي هو منهاج النبوة، نذكر أحبابنا بحاجات الجماعة من حين لآخر. ومع ذلك أقول: إ...