التخطي إلى المحتوى الرئيسي

التفاني والتعاطف:

مع مرور الوقت، تزايدت غيرةُ أُمي على الإيمان وحبها وتفانيها لأفراد أسرة المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام، وكثيرًا ما كانت تقول إنها تدعو الله تعالى لكل فرد من أفراد أسرة المسيح الموعود ولا سيما لخليفته الثاني، فحبُّها له لا يعرف حدودا، فبمجرد أن تعرف بأي توجيه من حضرته تنفذه فورا.

وقد تعامل حضرتُه معها أيضًا ببالغ المودة. وإضافة إلى حبها الكبير له، فقد كانت تتحدث إليه بحميمية كما تتحدث الأم لولدها، وكان حضرته يواصل الاستماع لها لطمأنتها.

في إحدى رؤاها، رأت المسيح الموعود لا يتحدث إلى والدي، ثم أشار إليها من بُعد وقال لوالدي نادها. فقال والدي لشخص: والدة ظفر الله خان تقف هناك، فاذهب إليها من فضلك، وقل لها إن حضرة المسيح الموعود يدعوها. وحين علمت بذلك جاءت ووقفت خلفه بخضوع قائلة: سيدي أنا هنا . فلما سمع صوتها، أوصاها بما يلي: أخبري محمود أن ينتبه لشؤون المسجد. وبعد أن رأت تلك الرؤيا، وجهتني لأن أروي الرؤيا لحضرة خليفة المسيح الموعود. فبمجرد أن سمع الرؤيا علق عليها قائلا: هذه إشارة إلى المحن التي قد تواجهها الجماعة.

بعد وفاة والدي ببعض الوقت، سألتُ حضرة خليفة المسيح عن إمكانية حجز قطعة الأرض الملاصقة لقبر والدي لقبرها، فقال إنه لا تتم الموافقة على الحجز المسبق عادة، ولكن يمكن ذلك في ظروف استثنائية، ثم أعطى تعليماته على الفور بحجز الموقع الذي على يمين قبر والدي ليكون مكان قبر أمي.

بعد ذلك بفترة وجيزة توفيت زوجة عمّ حضرة خليفة المسيح، وهي أرملة ميرزا غلام قادر الشقيق الأكبر للمسيح الموعود، ودفنت بخطأ غير مقصود في المكان المحجوز لأمي. وبعد ذلك ببعض الوقت، توفي عضو موقر آخر من أبناء الجماعة، وهو عبد الستار خان الأفغاني، حواري حضرة صاحبزادة عبد اللطيف خان، شهيد كابول، ودُفن تماما على يسار والدي. وعندما ذكرت أمي ذلك لحضرة خليفة المسيح، قال لها قد حصل ذلك بخطأ غير مقصود من قبل مسؤولي المقبرة، ولكنه أعطاهم توجيهات صارمة بأن الموقع الآخر القريب من قبر حضرة تشودري يجب أن يُحفظ لها، وأن ذلك يجب أن يسجل في دفتر المقبرة. وأضاف: هذا الموقع يقع أسفل قبره، فأجابت: سيدي، أنا موافقة أن أستلقي حتى تحت قدميه.
في أيآر / مايو ۱۹٣٥ ، غادرنا إلى شمله"، العاصمة الصيفية للحكومة الهندية، لأني توليت هناك منصب عضو في المجلس التنفيذي للحاكم العام، وفي نفس الوقت، غادر سيد إنعام الله -وهو صديق عزيز علي جدا منذ خمسة وعشرين عامًا ، كما أن أمي كانت شديدة التعلق به أيضًا ، إلى حيدر أباد (جنوب الهند) لأداء بعض الأعمال التي كلف بها، وبعد ذلك بأسبوعين ، تلقيتُ برقية مفادها أنه مريض جدًا. فأرسلنا له خادمًا على الفور للعناية به في حيدر أباد، وواصلنا الدعاء والابتهال إلى الله تعالى لشفائه. وقد أخبرتني أمي أنها قد رأت منذ عدة أيام أنها تجلس على أريكة مع سيد إنعام الله ومع تشودري بشير أحمد في فناء مفتوح، فجأة من النافذة ابن عمنا تشودري جلال الدين، وتذكرتُ بأنه مات، فخافت من حضوره المفاجئ، وأشارت إلى تشودري بشير أحمد أن عليهما الانسحاب، فتحركا من الفناء ودخلا إلى غرفة عبر نافذة يمكنها من خلالها مشاهدة الفناء، فرأت أن تشودري جلال الدين يجلس على أريكة مقابل سيد إنعام الله، وقد غطيا نفسيهما بنفس الغطاء وتمددا على الأريكة. وعندما سمعتُ روايتها للرؤيا . قلت لها: إن تفسيرها واضح، لذلك سأرسل برقية إلى سيد إنعام الله ليعود حالاً من حيدر أباد، وكل ما نستطيع فعله هو أن نواصل التضرعات لله تعالى.

في اليوم التالي، ذهبتُ إلى دلهي ليوم واحد، وبينما كنت فيها تلقيت
برقية أن إنعام الله قد توفي.
وعندما عدت إلى "شمله"، سألتني والدتي: هل هناك أي أخبار عن
إنعام الله؟
قلت: آخر الأخبار قد وصلت.
تأثرت كثيرًا ودعت الله تعالى لمغفرته، وسألتني: متى توفي؟
قلت لها: إني تلقيت البرقية أمس في دلهي، وأرى أنه توفي في الليلة
السابقة.
نعم، يجب أن يكون توفي نحو الساعة الثالثة فجرا، ذلك أني عندما فرغت من صلاة التهجد لم يكن وقت صلاة الفجر قد حان بعد، فذهبتُ إلى سريري وتابعت التضرعات لله تعالى من أجل شفائه، فسمعتُ فجأة: حياته قد توقفت. فذهبتُ إلى غرفة زوجتك وأخبرتها أن إنعام الله قد توفي.
عندما عاد الخادم الذي أرسلناه إلى حيدر أباد، علمنا منه أن إنعام قد توفي نحو الساعة الثالثة فجراً.

في عام ١٩٣٢، عندما بدأتُ رسميًا وظيفتي عضوا في المجلس التنفيذي للحاكم العام أثناء غياب السير فضل حسين في إجازة، كان اللورد ولينغدن هو الحاكم العام، وقد سنحت للسيدة ولينغدن فرصة مقابلة والدتي في حفلة نساء في فايسرجال لودج فأحبتها كثيرا، وكانت تذكرها في حديثها بكلمة أمي دائمًا. وفي عام ١٩٣٥ أعيد إحياء صداقتهما، حيث حضر اللورد والسيدة ولينغدن إلى مكان إقامتي الرسمية في "شمله"، وصرحت لي السيدة ولينغدن أن نائب الملك يرغب في أن يسلم على والدتي إن كانت توافق على الالتقاء به. كانت حينها في الثانية والسبعين من العمر، ويسمح لها ببعض التراخي فيما يتعلق بمراعاة الحجاب، ولذلك، فلا يوجد أي اعتراض على مقابلته.
بعد أن ألقى نائب الملك عليها التحية، سألها برأيها أيهما أسهل، إدارة معيشة الأسرة أم إدارة إمبراطورية؟ فقالت من دون أدنى تردد مؤكدةً بلطف : الأسهل هو ما يجعله الله أسهل!

كان السير هربرت إيمرسون، حاكم البنجاب، إداريًا بارعًا، ولكنه
كان لبعض الوقت غير متعاطف مع الجماعة الأحمدية، وحين أدركت منظمة الأحرار ذلك - وهي منظمة سياسية غير مسؤولة تتخفى تحت عباءة الدين- بدأت تنغمس في المظاهرات العدائية ضد الجماعة وأبنائها، وكانت تظن أنها يمكن أن تفعل ذلك مع الإفلات من العقاب.

 في صيف ١٩٣٥ قام وغد أحراري بالهجوم بالعصا على صاحبزادة ميرزا شريف أحمد، الشقيق الأصغر لإمام الجماعة الإسلامية الأحمدية، فأحزن خبر هذا الحادث المؤلم والدتي كثيرًا، وكانت شديدة القلق إزاء تأثير هذا الحادث على حضرة أم المؤمنين، فوهنت بسبب ذلك. وفي أحد الأيام قالت لي : أشعر بقلق متواصل من هذه القضية الخطيرة، ولا يمكنني أن أفكر في أي شيء آخر، وخطرت لي الآن فكرة؛ لقد دعوت الله تعالى بصدق بهذا الشأن ، وشعرتُ أنه تعالى سوف يمكنني بالتأكيد من تنفيذها. فسألتها: بماذا تفكرين؟
- أنت تعرف بأن السيدة ولينغدن تُكنُّ لي مشاعر قوية، وأشعر أنها
تحترمني، فلو رتبت لي لقاء بالسيدة ولينغدن بحضور نائب الملك فسأتمكن من إخبارهم كيف تعامل حكومة المقاطعة الجماعة. لقد تدهور الوضع الآن كثيرًا لدرجة أن شابا غير مسؤول قد اعتدى على ابن المسيح الموعود. أنا سيدة مسنة ويسمح لي بدرجة معينة من الحرية في المجال الاجتماعي، وأشعر برغبة قوية للتظلم إلى نائب الملك. 
سيرتب الاجتماع بالتأكيد حسب رغبتك، وأود بالطبع مرافقتك والقيام بالترجمة، وقد سبق لي ذكر هذه الحادثة إلى نائب الملك، وسأنقل له الآن كل ما ستقولينه، ولكن عليك أن تقولي ذلك بنفسك، وأنا لن أضيف شيئا من نفسي.
- كل ما عليك فعله هو ترتيب الاجتماع فقط، وأنا واثقة من أن الله تعالى سوف يوجهني.
في اللقاء، كانت السيدة ولينغدن تجلس على الأريكة، ودعت أمى للجلوس على يسارها ووضعت ذراعها اليسرى حول خصرها وسحبتها قريبا منها، وجلس نائب الملك على كرسي على يمين السيدة ولينغدن، وجلستُ على كرسي على يسار والدتي. وبعد تبادل عبارات المجاملة، خاطب نائب الملك والدتي فهمتُ من ظفر الله أنك ترغبين بالتحدث معي حول جماعتك.
- نعم، في الواقع. لقد غامرتُ للوصول إليكم بعد تفكير كثير. أنا عضو بالجماعة الأحمدية وقد وجهنا المسيح الموعود، مؤسس الجماعة، أن نكون موالين للحكومة البريطانية، وينبغي أن ندعو لها لأننا نتمتع في ظلها بكامل الحرية الدينية ونقوم بأنشطتنا الدينية دون أي خوف. مع أني لا أستطيع التحدث عن الجماعة، لكني أستطيع أن أؤكد من جانبي وبثقة كاملة - وعند هذه النقطة وضعت يدها اليمنى على قلبها) أني قد عملتُ بتعليمات المسيح الموعود بشكل كامل، وأدعو باستمرار لخير الحكومة البريطانية، ولكن على مدى العامين الماضيين ، كان موقف حكومة البنجاب نحو جماعتنا موقفًا غير متعاطف وغير عادل، وقد تعرض إمام وأبناء الجماعة لمشاكل كثيرة، ورغم ذلك فأنا أتابع الدعاء للحكومة امتثالاً لتعليمات المسيح الموعود، ولكن دعائي لا يخرج بصورة تلقائية من قلبي لأن قلبي مهموم؛ فمنذ بضعة أيام فقط اعتدى شخص تافه على الشقيق الأصغر لإمام الجماعة، وتسبب له بجروح. إن أبناء المسيح الموعود أحبُّ إلينا حتى من أرواحنا، ومنذ أن سمعت بهذا الحادث. أنا لا أستطيع الأكل ولا الشرب ولا النوم.

 كانت كلماتها الأخيرة مشحونة بالكثير من العاطفة لدرجة أن السيدة ولينغدن، التي كانت تربت على يد أمي حينما كانت تتحدث، لم تعد تستطيع كبح جماح نفسها، وصاحت تقريبًا على نائب الملك: ما هذا، وماذا ستفعل حيال ذلك؟

حاول تهدئتها بلطف بقوله : عزيزتي، لقد ناقشت المسألة مع ظفر الله خان. ثم وجه كلامه لأمي بنفس اللهجة الرقيقة شارحًا لها: هذه المسائل هي من اختصاص الحاكم بالمقام الأول، ولا أستطيع أن أعطيه أوامر بشأنها، وإذا فعلتُ فسوف يستاء من ذلك. فمثلاً لو أعطاني الحاكم العام أوامر حول مثل هذه الأمور عندما كنت حاكمًا في مومباي ومدراس لاستأت من ذلك أيضا.

فاعترضت قائلة: أنا لم أقل أن تأمر الحاكم أو توبخه، ولكن بالتأكيد عليك أن تشرف عليه، ويمكنك تقديم المشورة إليه بلطف وبأدب، أنه ينبغي أن يولي الاهتمام لمظالمنا، وأنه ينبغي أن يسعى لإزالتها. - سأفعل ذلك بالتأكيد.

ولكن سخط السيدة ولينغدن لم يهدأ كثيرًا، وكانت تحاول مواساة والدتي بكلمات وإيماءات لطيفة وودودة ، ثم اتجهت نحوي وقالت: قل لوالدتك هذه الكلمات: سأوبّخ حاكم البنجاب، سوف أوبخ حاكم البنجاب.

في أحد أيام كانون الثاني / يناير ١٩٣٦ لاحظت أن أمي حزينة، فسألتها عما يُقلقها؟ فقالت إنها في الليلة السابقة قد سمعت في الرؤيا شخصا يقول: أسد الله خان قد اغتيل ، ونصحها أن على شقيقه الأكبرأن يعتني  بأولاده من بعده. حاولتُ تهدئتها، مؤكدًا لها أن الرؤى تكون حسب تفسيرها، ويمكن تفادي الكارثة بالصدقات وبالدعاء. فقالت إنها قد تصدقت ، وسوف تواصل التضرعات لله تعالى طالبة الرحمة.

بعد يومين أو ثلاثة، جاء أسد الله خان إلى دلهي لزيارتنا ، ووصل في وقت الفطور، وعند منتصف الفطور ، جاء الخادم الذي كان يفرغ محتويات حقائبه، وعلامات الحيرة تعلو وجهه ، وبيده خنجر حاد مخيف، وقال لأسد الله خان أنه وجد هذا الخنجر في غطاء فراشه الملفوف. أحرج أسد الله خان كما لو كان يفضّل لو أن هذا السلاح ظلّ غير مكتشف و لم تره أمي، و لم يسبب لها الإزعاج ولكن الفضول الذي أثير حوله، أرغمه على تفسير الأمر؛ حيث قال: عندما جلست ليلة أمس في مكاني في مقصورة القطار ورتبتُ سريري، بحيث يكون رأسي قريبا من باب المقصورة وقدماي في آخر مضجع القطار. استلقيتُ بتلك الوضعية وتحرك القطار، وبعد ساعة ، استيقظت بشعور أن علي أن أعكس اتجاه فنقلت وضعية نومي، وسادتي إلى آخر المضجع. ولما كانت الليلة باردة، لففت نفسي جيدا بأغطية السرير وسرعان ما خلدت للنوم وقدماي قرب الباب. وعند حوالي منتصف الليل، أخذتُ أشعر بالبرد وأدركتُ أن أغطية السرير قد انزلقت فجذبتها، ولكني لم أتمكن من سحبها حيث يبدو أنها عالقة ببعض العراقيل بين ركبتي، فأنرتُ الضوء ولاحظت مقبض سلاح مغروز بأغطية السرير، وعند التحقيق بالأمر وجدت أن خنجراً حادًا قد توغل من خلال أغطية الفراش وثبت بقوة في جلد الفراش الجلدي للمضجع.
طبيعة السلاح تبين أن خطة المعتدي كانت مدروسة بعناية، وقد راقب ضحيته المقصودة حين دخل مقصورته في محطة السكك الحديدية في لاهور، ولاحظ بلا شك وهو يضحك بينه وبين نفسه مدى سهولة مهمته بسبب طريقة نوم أسد الله خان بحيث أن كل ما كان عليه فعله هو فتح الباب بهدوء ليقف وقفة متوسطة ويغرز الخنجر بقوة في صدر الضحية.

هذا ما قام به، ولا بد أنه تصوّر أن مخططه قد أنجز؛ حيث إنه لم يلاحظ أدنى حركة ، ولم يسمع أي تأوّه، لكنه لم يعلم بأن الرحمة الإلهية قد جعلت ضحيته يغير وضع نومه قبل الهجوم بقليل، وبالتالي أحبطت خطته، فلم ينغرز الخنجر في صدر الضحية بل في المسافة الفارغة بين ساقيه بينما كان نائما بسلام. ليس هناك شك في أن صدقات والدته وتضرعاتها تسببت في الفوز برحمة الله.


وفي ربيع عام ١٩٣٦ ، خلف اللورد لينليثجو اللورد ولينغدن في منصب نائب الملك والحاكم العام في الهند واستمر أذى الأحرار لأبناء الجماعة الإسلامية الأحمدية دون رادع، وظل موقف السير هربرت إيمرسون، حاكم البنجاب غير متعاطف مع الجماعة. وفي أواخر صيف عام ١٩٣٦، عقد الأحرار مؤتمرًا في "دَسْكَه"، موطن أجدادنا، وكان شقيقي الأصغر شكر الله خان يقيم في دسكه، وكان منزله قريبًا من مسجدنا، وفي يوم المؤتمر ، وصلت مجموعة من الأحرار مساء خارج المسجد يضمرون الشر، وعندما خرجت جماعة المصلين
المسجد، قامت عصابة الأحرار بضربهم بالعصي، وأصيب أخي بجروح بالغة ،وبدأ ينزف على درج المسجد. وعندما أدرك أن المهاجمين يعتزمون ضربه حتى الموت، ركض إلى المنزل من خلال باب صغير أغلقه وراءه، فانتقلت العصابة إلى الباب الرئيس للمنزل الذي كان مصنوعا من الخشب السميك ومثبتًا بالمسامير، وعندما وجدوه أنه باب صلب حاولوا دخول المنزل من خلال الباب الجانبي الصغير. كان شابان من الخدم يتمركزان داخل الباب الصغير فحذرا العصابة أنه في اللحظة التي ينجح أي منهم بدفع رأسه داخل البوابة الصغيرة، فسيسحقان رأسه. كان من الواضح من سلوك وصراخ أفراد العصابة أنه بمجرد أن ينجحوا في دخول المنزل، فإن حياة وشرف سكانه من الرجال والنساء والأطفال ستكون في وضع بالغ الخطر، وهذا ما نشأ عن حالة الحصار.

كتب أخي تقريراً موجزاً عن الوضع، ووكل صبيا سريع الخطى في تسليمه إلى مركز الشرطة. صعد الصبي إلى سطح المنزل ،وقفز عن طريق أسطح المنازل المتاخمة، ووصل إلى الشارع الخلفي، وشق طريقه متخفيًا إلى مركز الشرطة وسلّم التقرير إلى الضابط المناوب الذي علّق بسخرية بعد أن ألقى نظرة عابرة على التقرير : دَع أولئك الميرزائيين التعساء يعانون ، إنهم يستحقون ذلك.

بعد منتصف الليل ، تبدد المحاصرون بعد أن شعروا بالملل. كانت والدتي في ذلك الوقت معي في "شمله"، وكان من من الطبيعي أن تشعر بالاضطراب الكبير عندما تعلم بالأمر. وقد كنت قلقا من موقف الشرطة غير المتعاطف وغير المتعاون؛ حيث كان مدير شرطة المقاطعة متعصبا ضد المسلمين، ولا يتوقع منه أي شيء جيد. فكتبت رسالة إلى السير دونالد بويد، العضو في حكومة البنجاب، وبينت له الحقائق باختصار، واقترحت نقل مدير شرطة المقاطعة إلى منطقة أخرى من أجل العدالة والنزاهة، فقدّم السير دونالد رسالتي، كما يقتضي الواجب، إلى السير هربرت إيمرسون، الذي امتعض كثيرًا منها وأخذها إلى نائب الملك شاكيًا له أن الرسالة تُظهر عدم الثقة في شرطته وتهدف لتشويه صورتها، واقترح أن يقيم تحقيقا عاما في أمر الادعاءات الواردة في الرسالة حتى يتضح الأمر برمته.

عندما ذهبت للمقابلة الأسبوعية مع نائب الملك، سألني ما إذا كنت قد كتبت رسالة إلى السير دونالد .بويد فأخبرته أني فعلتُ، وشرحت له خلفية الموضوع. فأخبرني عما اقترحه الحاكم، وقال: بصفتي الحاكم العام منعته من إجراء أي تحقيق عام.

آسف لسماع ذلك، ونحن نرحب بإجراء تحقيق عام حول كل ما حصل من سوء فهم بين الجماعة والحكومة، لأن ذلك سيوضح الحقيقة. وإذا نجحنا في تهدئة مخاوف الحاكم بشأن الجماعة ، فقد يغير موقفه منا، ومن ناحية أخرى، إذا اقتنعنا أن مظالمنا ضد الحكومة قد أسيء فهمها، فإن أذهاننا سترتاح. لن أدع ذلك يسبب لكم الإحراج، سوف أستقيل على الفور، وسأكون سعيدا بتمثيل الجماعة في التحقيق.
أقدر موقفك وأدرك صعوبة وضعك. لدي ثقة كاملة بك، ولقد أخبرت الحاكم بأني سأقبل بما تقوله ضد أي شيء آخر، لذلك فلا تستعجل في الاستقالة. عليك أن تستمر في منصبك إلى أن تجد الوضع هنا يتعارض مع ضميرك. أنا متعاطف معك، فإن أسرتي أيضًا قد تعرضت للاضطهاد لفترة طويلة في الماضي. وفيما يتعلق بالحادث المؤسف الذي تعرض له أخوك فسيتم البت القضائي في المسألة برمتها، دعنا ننتظر ذلك.

أنا ممتن لتعاطفكم وتفهمكم. وبالنسبة إلينا، فإن موردنا
الوحيد هو الدعاء، ويجب أن نستعين به. كنتيجة لما سُمِّي التحقيق، لفقت الشرطةُ قضية كاذبة لا أساس لها ضد جميع الذكور البالغين من أبناء الجماعة الأحمدية في دسكه، حيث وُجهت لأحد عشر منهم تهما بأعمال الشغب والتسبب بالأذى لمَنْ حضر مؤتمر الأحرار. فأصيبت والدتي بالصدمة الشديدة والحزن العميق، فقد كان جميع من اتهموا زوراً قد انضموا للجماعة على يديها، فكانت تشعر بمسؤولية خاصة تجاههم جميعًا، فكانت تضرعاتها إلى الله تعالى من أجلهم تتسم بحرارة خاصة.
كان المسؤول عن القضية قاضيا غير مسلم وبعد دراسة ملف الشرطة اشتبه في الأمر بقوة ، ورأى أن هناك خطأ مميتا في القضية، مما أثار فضوله واهتمامه . وعندما قُدّمت الأدلة قام بالتمحيص في كل شيء بدقة، ومع تقدم القضية ، بدأ كل شيء بالسقوط في مكانه كاللغز الصيني. وفي النهاية وجد أن قضية الادعاء عبارة عن حزمة من الأكاذيب المحبوكة، فأعد تقرير المعلومات الأول بعد أخذ إفادات شهود الادعاء، وبدا كل شيء واضحًا تماما، فلم يكن أحد من المتهمين قد اقترب شبرا واحدًا داخل مكان عقد المؤتمر. وأثناء إعطاء أوامره بإطلاق سراح المتهمين، نقد القاضي الشرطة نقدا قاسيا. وقد ثار غضب السير هربرت إيمرسون من نتيجة القضية، وعين نائب المفتش العام للشرطة لإجراء تحقيق عن صحة النتائج التي توصل إليها القاضي، وهكذا وُضع القاضي في موقع الدفاع عن نفسه.

كشف نائب المفتش العام في تقريره عن سوء سلوك الشرطة بصورة أوضح من سابقتها، وبين أن النتائج التي توصل إليها القاضي كانت أكثر من مبررة.

سُرّت أمي بنتيجة القضية، وامتلأ قلبها مرة أخرى بالامتنان لله تعالى على رحمته العظيمة. وعندما أبلغ نائب الملك بالنتيجة، عن طريق
سكرتيره الخاص، عرف بأني كنت على حق تماما.

كنت قد تزوجت في ربيع عام ۱۹۲٦ ، وقد مرت سنوات ولم نرزق بذرية. وقد بدأ طبيبي، الذي كان يفحص زوجتي من وقت لآخر لأي اعتلال جسدي عابر، يقول إنها لم تكن قادرة على الحمل. وفي إحدى المرات حثني على الزواج مرة أخرى فقلت له: على المرء أن لا ييأس من رحمة الله. ثم طرح الموضوع مرة أخرى في وقت لاحق، ووصف الأعراض التي بنى رأيه عليها، وأضاف: أراهن بسمعتي المهنية أن زوجتك لا تستطيع أن تحمل طفلا.
في أيار/ مايو عام ۱۹٣٦ رأت أمي في الحلم أن خادما جلب لها صينية تحتوي على خمس حبات من المانجو، وخمس روبيات، وحلية ذهبية تضعها النساء في الأنف، وقال إن هذه هدية من والدي. فصاحت هذه هي الفاكهة التي قال إنه سيرسلها في صينية عندما تنضج. وفي صباح اليوم التالي استفسرت من زوجتي ما إذا كان هناك أي علامة على أنها حامل ، فقالت إنها لم تلاحظ أي شيء، فعلقت أمي: قد تقولين لا، ولكن الله أعلمني بالتأكيد بأن هناك طفلا قادما، وأنا واثقة من أن الله تعالى بفضله سيرزقك طفلا.



الواقع، أن العادة الشهرية كانت قد انقطعت عن زوجتي، وقالت لها طبيبتها إنها حامل ، ولكنها كانت تريد التأكد تماما من ذلك قبل أن تكشف عن فرحتها حتى لأمي. كانت طبيبة النساء والولادة تقوم بفحصها بانتظام ، وأكدت لها إنها حامل، وأعطتها التوجيهات اللازمة، ولكن زوجتي لم تأذن للطبيبة بأن تخبرني إلا بعد زيارتها الرابعة، وقد سررتُ ووالدتي بالخبر الجميل.

وعندما جاء طبيبي إلى "شمله" في المرة القادمة، أخبرني أن صديقًا عزيزا عليّ جدا في دلهي ، يصاب بارتفاع درجة الحرارة كل مساء، وحثني أن  أصرّ عليه أن يأخذ إجازة، وأن يأتي إلى "شمله" للبقاء معنا بعيدًا عن الحر إلى أن يُشفى من ارتفاع الحرارة، وقد حذرته من الإصابة بالسل إذا لم يعتن بنفسه جيدًا في هذه المرحلة، لكن يبدو أنه لم يُعر ذلك أي اهتمام. 
ربما تخوفك غير ضروري.
أنا لستُ متخوفًا فقط، أنا واثق تماما. أنا على استعداد للمراهنة على ذلك بسمعتني المهنية.
أعلم أنك متخصص في هذا المجال بالذات، ولكنك
مولع جدا بالمراهنة على سمعتك المهنية بأوان وبغير أوان، اغفر
لي القول، فإني لا أقيم سمعتك المهنية بأكثر من بنسين.
ما الذي دفعك لقول ذلك؟
لقد راهنت بسمعتك المهنية على أن زوجتي غير قادرة على الحمل.
نعم، لقد راهنتُ بذلك، وسأفعل ذلك مرة أخرى بالتأكيد، فرحمها جاف تماماً وعاجز تماما عن الحمل. هذا
مستحيل.
تعال إلى الطابق العلوي وافحصها.

لم يستغرق فحصها أكثر من دقيقتين، فخرج من غرفتها شاحبًا
يرتجف، وهزّ رأسه ، وهتف هذه معجزة، لا أستطيع شرح ذلك. 

أخذ الحمل مجراه الطبيعي، وانتقلنا من "شمله" إلى دلهي في الأسبوع الأول من تشرين الأول / أكتوبر، وفي صباح يوم ١٢ كانون الثاني/ يناير -روهو اليوم المبارك الذي هو يوم ميلاد الابن الموعود للمسيح الموعود، حضرة صاحبزادة ميرزا بشير الدين محمود أحمد، خليفته الثاني، وقد قالت والدتي لزوجتي ، إن طفلتها ستولد اليوم، حيث إنها رأت في الحلم حفلة يقول فيها عدد كبير من الناس: قد وصلت الطفلة؛ إنها جميلة جدا. 

وهذا ما حصل؛ فسمّاها حضرة الخليفة الثاني للمسيح الموعود باسم "أمة الحي"، ولديها الآن خمسة أطفال، أربعة أولاد وبنت، بفضل الله تعالى. لقد كان قدومها الحدث الأكثر بهجة ولا سيما لوالدتي، وهو ما كانت تتوق إليه كثيرًا من أجلي،  وقد دعت كثيرا وبجدية من أجل هذه الهبة الإلهية.



منوعات:
كانت تجارب أمي الروحانية المتنوعة تشير إلى أنها كانت ذات روحانية عالية رغم أنها لم تتظاهر بذلك. في الواقع، كانت متواضعة جدا ومن الذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا، ولديها إيمان راسخ بالله
تعالى، وتعتمد دائمًا على رحمته وإحسانه، وكانت تكن عاطفةً عميقةً
لجميع خلق الله دونما تمييز.

وكانت حسنة الدعابة مع كل صفاتها العظيمة، وكانت تحبني كثيرا، ولكنها لم تكن تتردد في توجيه اللوم إذا شعرت أن الأمر يستدعي ذلك.
والحوادث التالية توضح بعض صفاتها وعلاقتها مع الله تعالى.

 كان أخى أسد الله خان في المدرسة الابتدائية، ولم يكن يعتني بألواح الكتابة، فكان يضيعها أو يكسرها بسرعة، وذات مرة نبهته أمي بشيء من الشدة فأصيب بالإحراج. وفي تلك الليلة، شاهدت أمي في الرؤيا شخصية غاية في الهيبة، يشع محياه نوراً ، وقال لها: لقد كنت قاسية بلا داع مع عبدي ، بسبب مسألة لا تساوي أكثر من ربع روبية. هذه هي ربع الروبية؛ وقدَّمَ لها قطعة نقدية جديدة لامعة من فئة ربع الروبية.
في الجزء الأخير من الليل، أثناء التحضير للصلاة، أخذت أمي إبريقًا معدنيا مليئا بالماء، وخرجت تحت السماء المقمرة، فلاحظت حينها شيئا صغيرًا مضيئا يسقط من السماء ، ويضرب الإبريق مُصدرًا صوتًا معدنيًا، ثم يتدحرج على الأرض. فرفعته من الأرض، فوجدت أنها ربع روبية فضية. فوضعته في مكان محفوظ بعيدًا عن متناول الأيدي، ولكنها ضاعت بعد مدة نتيجة الإهمال.

في عام ۱۹۱۰ ، رأت في المنام أنها كانت تقود عربة مع ابنة أخيها في معسكر سيالكوت، وعندما مرتا بالقرب من الكاتدرائية، لاحظت أن حجرًا كبيرًا قد وقع من برج الكاتدرائية، تاركا مكانه فجوة، فلفتت انتباه ابنة أخيها للفجوة، وعلّقت بأنها تبدو قبيحة. فأشارت ابنة شقيقها أن هناك بنائين قريبًا من الحجر، يشتغلون بإعداد حجر آخر مثل الذي سقط من البرج، وأن الفجوة ستغلق في وقت قريب. وبعد بضعة أيام، تم الإعلان عن وفاة الملك إدوارد السابع، ملك بريطانيا العظمى، وقد خلفه ابنه جورج الخامس.

 كانت والدتي تبغض العادات السخيفة وعديمة الفائدة الدارجة بين الأسر الريفية في ولاية البنجاب، ولا سيما تلك التي تتعلق بمناسبة حفلات الزفاف. فمثلا، كان العروس والعريس يجلسان محاذيين بين حشد كبير من النساء ، ويتنافسان بألعاب تافهة غير ممتعة، وذلك لتقديم كل منهما إلى الآخر. واستدعي تشودري بشير أحمد في حفل زفافه لهذه الألعاب بين النساء، وكان يعتبرها غباء كله، ولكنه لم يكن يرغب في إحداث جلبة لا داعي لها، فجلس في المكان الذي طُلب منه، ومد يده نحو الأدوات التي ينبغي أن تؤدى بها اللعبة، وفجأةً، أمسكت والدتي يده من الرسغ بشدّة، ودفعته للخلف وهي تصيح: لا، يا عزيزي، يجب أن لا تقوم بهذه المهزلة السخيفة الخرافية. فدفع بشير أحمد الأدوات بعيدًا، وتراجع بسرعة ، وهو يشعر بارتياح كبير.

كان سيد إنعام الله مولعًا بالطعام، وكان يقوم عمدًا بالكثير من الجلبة حول الطعام، وكانت والدتي تعرف ذلك، وتسرّ بتدليله في إعطائه الطعام. مرةً جاء إلى دسكه من سيالكوت لملاقاتي، وكان يفعل ذلك عادة حين يعلم أني في دسكه ، وعندما جاء وقت الغداء ،جلب الخادم طعامًا لكلينا من المنزل لقسم الرجال، وعندما رأى إنعام الله الخادم يحمل سلة كبيرة تحتوي على الأطباق، قفز وجلس على الطاولة يحث الخادم: أسرع أسرع، ضع الطعام. ثم مد يده إلى السلة وهزّها، فخشخشت الأطباق والسكاكين، فشعر الخادم بالحرج، وشعرتُ أن
التصرف غير وقور، فقلت لإنعام الله: لن أكل معه، وسأذهب للبيت
وأتناول الطعام مع والدتي. فارتبك جدًا ، وشعرتُ بالأسف نحوه، لكني
كنت منزعجا وتركته. عندما رأتني أمي قالت لي : لقد أرسلتُ الطعام
حالاً؟ فتمتمت: سآكل معك.
-
آه، يبدو أن إنعام الله عمل بعضا من حيله، فانزعجت منه. ولكن، يا حبيبي، أنت تعرف أساليبه، وهو صديقك. وتذكر أن الصداقة تدوم للأبد؛ إذا اتخذت صديقًا فعليك أن تحافظ على صداقته حتى النهاية، أو لا تبدأها على الإطلاق. لقد جرّحت مشاعر صديقك بتصرفك المتسرع والطائش. عُدْ إِليه واعتذر إليه وطيب خاطره. عُدْتُ إلى إنعام الله المكتئب، واعتذرت إليه، وكان متأثراً فقال: كنتُ واثقا من أن والدتك سوف تعيدك إلى هنا.

كنت أعمل محاميًا منذ عدة سنوات. وفي خريف عام ١٩٣٠ عندما كنت في لندن بشأن مؤتمر المائدة المستديرة الأول، وكان هناك جلسة استماع أمام مجلس اللجنة القضائية التابعة لمجلس الملكة الخاص للاستئناف حول حكم محكمة لاهور العليا ، كنت قد طلبت من شركة للمحامين في لندن بمتابعته، فاتصل بي المحامي من تلك الشركة هاتفيًا، وقال إنها ستكون تجربة جيدة بالنسبة لي إذا حضرت بنفسي جلسة الاستئناف هذه كمحامي مساعد من قبل مستأنفي الدعوى. لم يكن هناك سؤال عن النفقات. وفي يوم جلسة الاستماع، استعار لي هذا المحامي عباءة المحاماة، وتشاورت مع المحامي الكبير بإيجاز أيضا. وقد ترأس المجلس اللورد بلانيسبرغ، لورد الاستئناف الاسكتلندي. بدأت جلسة الاستماع، وفي غضون بضع دقائق، وجد المحامي الكبير نفسه أمام صعوبات، فلم يتمكن من تقديم تفسيرات مرضية بشأن النقاط التي أثارها أعضاء المجلس، فبدأ مجلس اللوردات بإغلاق أوراقهم. شعرتُ أنني أستطيع أن أقدم التفسيرات المطلوبة، وأحسست بالقلق إزاء الحالة التي تفاقمت، ولاحظ اللورد بلانيسبرغ انفعالي فقال: لعلك تستطيع أن تساعدنا؟ قلت: سأحاول. وبالتالي توليت المرافعة. اهتم مجلس اللوردات بما كنت أقوله وشجعني في كل خطوة، فشعرت بأنهم تمتعوا بالعرض الذي قدمته للقضية كعلاج عقلاني، وحيث إن الصعوبات بدأت تُحلّ واحدة تلو الأخرى، فقد وضع كل شيء في مكانه، وكانت النتيجة قبول استئنافنا.
وبعد أيام قليلة ، حدث أن التقيتُ باللورد بلانيسبرغ خلال وليمة كبيرة، فرحب بي مسرورًا بقوله: آه، أنت الشاب الذي أنار جهلنا ذلك اليوم في مجلس الملكة ، ثم وضع ذراعه في ذراعي واصطحبني في جولة، فقدمني لعدد من الضيوف، واقترح علي الذهاب لتناول الفطور معه في أحد الأيام. ثم قدم لي العشاء، مما وضع أسس الصداقة المتينة بيننا، التي لم تنته إلا بوفاته عام ١٩٤٦ ، عن عمر ٨٥ سنة. كان الوقت الذي أمضيته في صحبته تعليمًا وشرفا بالنسبة لي. اكتشفت أنه كان جد مخلص لوالدته، مما زاد في قوة الرابطة بيننا، وفي يوم اجتماعنا الأول ، دعاني لعشاء عمل في "شركة أبناء جولد سميث"، حيث إنه المسؤول الأول فيها، وقد استمتعت بهذا العشاء جدًا. بعد عودتي إلى الوطن، تلقت والدتي من اللورد بلانيسبرغ طبقا جميلا من تصميم شركة جولد سميث، مكتوب عليها:
إجلال وتقدير من إنجلترا إلى الوالدة الهندية المخلصة للابن الهندي المتميز
شباط/ فبراير ۱۹۳۱

وفي تشرين الأول/ أكتوبر ۱۹۳۱ ، كان علي زيارة لندن موفدًا إلى مؤتمر المائدة المستديرة الثاني، وقد اقترحتُ على أمي أن ترسل هدية إلى اللورد بلانيسبرغ، فسألتني: بماذا تفكر؟ قلت صورتك. فصاحت: ماذا سيفعل بصورة امرأة عجوز، أكدتُ لها أنه سوف يشعر بعظيم الشرف. كان لدي دافع شخصي أيضًا وراء هذا الاقتراح، هي في الثامنة والستين وليس لدينا صورة لها، ومن خلال هذه الحيلة، سوف نحصل على صورة لنا أيضًا. وافقت على مواجهة الكاميرا بشرطين: أنها لن تتزين للصورة ، ولن تحدث أي تغيير في ملابسها، وأنني يجب أن أبقى في نفس الغرفة معها.
اشتريت إطارًا بسيطًا فنيًا نوعًا ما للصورة، وطاولة تنسجم معها لونًا، و سجادة فارسية صغيرة بحيث تشكل هذه الأشياء كلها معا تحفة مناسبة. وقد سر اللورد بلانيسبرغ بها.
في صيف ۱۹۳۱ ، كنت مع عائلتي في دلهي بصفة كبير مستشاري مجلس التاج البريطاني في قضية مؤامرة دلهي، كانت والدتي معنا. كان هناك جفاف شديد وكان المحصول قليلاً جدا، فقلقت أمي من ذلك، وسألت من أين سيأكل المزارعون الفقراء؟! هل يمكننا أن نفعل شيئًا لمساعدتهم؟ قلت إننا سنفعل كل ما ترغب به. فشعرت ببعض الراحة، واقترحت أن نوفر المساعدات المالية لأولئك الذين نعلم أنهم سيتأثرون أكثر من جراء ذلك، فوافقت، فأملَت علي الأسماء والمبالغ، ووضعت قائمة بذلك، وقالت:
هل أنت متأكد أن هذا لن يكون عبئًا عليك؟
ما يُسعدك لن يكون عبئًا علي.
الواقع أن المبلغ الإجمالي لم يكن كبيرًا جدًا، ويمكنني بسهولة تحمل التكاليف. أرسلت الحوالات في نفس اليوم، فباركتني وكانت ابتسامتها أيضًا تمنح البركة.
في صيف عام ١٩٣٤، ذهب حاكم ولاية البنجاب في إجازة ، وتولى السير اسكندر حياة خان عضو مصلحة إيرادات حكومة البنجاب، مهمة الحاكم، وعند نهاية فترة مهمته ، قرر أن يأخذ هو نفسه إجازة عند عودة الحاكم، واستفسر الحاكم عمن ينبغي أن يضطلع بدور عضو مصلحة الإيرادات في حالة غيابه، فاقترح الحاكم اسمي. فاتصل السير اسکندر بي هاتفيًا من "شمله"، وتساءل عما إذا كان يمكنني أن أكون جاهزا لذلك. فقلت : لدي خطة أخرى للصيف. قال: أعلم أنك ستأتي إلى "شمله" نهاية الأسبوع المقبل؛ فربما أستطيع إقناعك.
ذكرت هذه المسألة لأمي، وكان رد فعلها سريعا ومحددا: لا يا حبيبي، لا أعتقد أننا يجب أن نتولى مهام منصب السير اسكندر. وهذا ما كان. تلذذت بالذات بكلمة "إننا"، مع فارق بسيط ، هو رؤيتها أن ما عُرض علي ليس كافيا لابنها !
توليت مسؤولية مهمتي كعضو في المجلس التنفيذي للحاكم العام في أيار/ مايو ١٩٣٥، وانتقلنا إلى "شمله"، وأثناء ذلك الوقت، خلعت الحجاب بعض السيدات المسلمات في ولاية البنجاب من اللواتي كن يعتبرن أنفسهن "العصريات"، وكان هناك ميل متزايد نحو هذا الاتجاه. وكانت شابتان من أولئك العصريات صديقتين حميمتين جدًا لزوجتي، وبعد أن فشلتا في إقناعها أن تحذو حذوهما، اقتربتا من أمي مرة واقترحتا عليها أن توجه زوجتي نحو خلع الحجاب. فقالت أمي: لا أستطيع فعل ذلك، فهذا يتعارض مع أحكام ربي ووصايا نبيي . فاحتجتا قائلتين : لماذا قلت إنهما ربّك ونبيك ؟ أليسا الله ورسوله لنا أيضًا؟ فردت بصرامة : حسنًا، إذا كنتما تؤمنان بذلك ، فعليكما إطاعة أوامرهما. 

في ۳۱ مايو/ أيار ۱۹۳۵ ، ضرب كويته زلزال رهيب، ألحق خسائر كبيرة بالأرواح والممتلكات، وكنت حينها وزيرا للتجارة والسكك الحديدية، فأعطيتُ توجيهاتي لمجلس سكك الحديد لتسخير كل التدابير الممكنة لإنقاذ المنكوبين، ونقل المؤونة وغيرها. لقد أدت السكك الحديدية عملاً جيدًا جدًا أثناء ذلك، وقُدِّر ذلك تقديرًا كبيرًا. وفي وقت
لاحق، اقترح كل من السير غوثري راسيل، المدير التنفيذي المفوض
للسكك الحديدية، والسير جيمس بيتكيثلي، مسؤول المراقبة المالية للمتاجر، أن علينا الذهاب إلى كويته لفحص الأمور على أرض الواقع، وقررت أمي مرافقتنا. وكان من المقرر أن نذهب عبر سكة "تشبر" الصخرية قبل عودتنا من كويته، وهي عمل رائع في هندسة السكك الحديدية، حيث إن ذلك الجزء من خط سكة الحديد لم يكن يمر في نفق، بل يمر عبر نوع من الشرفة المنحوتة من جانب الجبل. وقبل الوصول إلى المحطة الأخيرة قبل الموضع الصخري، ثبتوا أمام القاطرة منصة خشبية آمنة لنجلس عليها أنا والسير غوثري والسير جيمس ، لنتمكن من رؤية منظر الصخرة دون عائق . كانت صالوناتنا في مؤخرة القطار، وكان صالون السير غوثري مشتركًا مع صالون السير جيمس. وكان في الصالون الخلفي منصة في الخلف وُضع عليها كرسي لأمي، بحيث حين تجلس عليه تستطيع رؤية كل شيء بأريحية.
شرحت لها ذلك ، فتساءلت: أين ستكون أنت؟ قلت لها سأكون في المنصة التي في مقدمة القاطرة.
هل سيكون هناك مكان لي في المنصة؟
نعم، هناك مكان، ولكنها لن تكون مريحة.
أنا لا أهتم بعدم الراحة، يجب أن أكون معك.
خيل إلي أنها كانت مدفوعة بكل من روح المغامرة والرغبة في أن تكون معي وإن كان هناك خطر، مع أنه لم يكن هناك أي خطر. 

توفي السير فضل حسين في منتصف عام ١٩٣٦، وكان ابنه الأكبر نسيم حسين صديقًا مقربًا جدًا مني، وكان أحمديًا، وكانت أمي تقدره جدا. وبعد وفاة والده الموقر بفترة، جاء إلى "شمله" لبعض الأعمال، ولما كان سيغادر في نفس اليوم، فلم يكن أمامنا سوى بضع دقائق نقضيها معًا. وبعد أن غادر، سألتني أمي: كيف صبرُ نسيم بعد وفاة والده؟ قلت لها : إنه لم يكن لدينا الكثير من الوقت للحديث، ولكني استنتجت أنه يتحمل الأمر بشكل جيد، وأضفت: لقد كنت مسرورًا على وجه الخصوص من أمرٍ أخبرني إياه، حيث قال إنه قرر أن يكون لوالدته تماما كما أنا لك. فقالت أمي : هذا سيكون جيدا له، وهذا ما ينبغي أن يكون بين الأم وابنها.

في وقت لاحق، جاء نسيم حسين لزيارة سريعة أخرى، وبدا أنه قلق وقال لي : أخشى أن لا تجري الأمور بيننا وبين والدتنا على النحو الذي نتمناه ، نحاول أنا وزوجتي أن نتوخى وسائل راحتها على كافة الأصعدة، ولكن لا شيء يبدو أنه يجعلها مرتاحة، سواء منا أو من بقية أولادها، فأنت تعلم أن لدينا بيتًا مستقلا من عدة طوابق ، وهو واسع ومريح ومؤثث جيدا، وفي موقع ممتاز في لاهور، كما أن الطابق الأرضي مزود بكل شيء، ولا يوجد سوى غرفتين وحمام فقط في الطابق الأول، وتظل غرف الطابق الأرضي باردة حتى أيام الصيف الحارة، وقد أخلينا الطابق الأرضي كله لوالدتي، وانتقلنا للطابق الأول حيث ترتفع الحرارة خلال الجزء الأكبر من اليوم لدرجة لا يمكن تحملها، ورغم أن الأطفال يعانون إلى حد كبير، إلا أننا لم نشتك ذلك، لا يبدو أن والدتي راضية عنا وتتذمر منا رغم بؤسنا، وأنا مع ذلك، حذر بأن لا أعارضها في أي شيء. حاولت مواساة نسيم قدر المستطاع، وأخبرته أن يواصل الثبات. وعندما نقلتُ لأمي ما قاله نسيم لي. قالت: لستُ مستغربة من ذلك، فالسيدة فضل حسين أنانية ولا تقيم وزنًا كبيرًا للآخرين، فلدي مخاوفي رغم ما عزم عليه نسيم كما أخبرتني. ثم أضافت والابتسامة في عينيها: يا حبيبي، العلاقة التي بيني وبينك لا تتطلب فقط أن يكون الابن مثلك، ولكن ينبغي أن تكون الأم مثلي أيضًا!


في صيف عام ١٩٣٦ ، ظهر وباء الكوليرا في مدينة "قصور"، حيث
كان أخي عبد الله خان المدير التنفيذي لبلديتها، فكانت أمي قلقة
وتتضرع الله تعالى من أجل سلامة الناس فيها.

كان باوا جهندا سنغ ، وهو قاض مدني متقاعد وصديق عزيز علي،  في زيارة في "شمله"، وأمضى بعد الظهر معنا. فعلم أن والدتي رأت في أخبار الرؤيا أن الوباء في "قصور" سيهدأ تماما بعد أسبوع، فبدأ يتابع الوباء كل يوم في الجريدة، وفي اليوم الثامن ، ذكر أنه لم يعد هناك أي حالة من حالات الكوليرا في قصور، فصعق باوا جهندا سنغ بما وصفه بأنه من قبيل المصادفة الرائعة. ولكنه في الواقع لم يكن شيئًا غير عادي، فكانت أمي تتلقى مرة بعد مرة إنذارًا واضحا ودقيقا عن تفشي الوباء وعن موعد انتهائه سواء أكان الطاعون أو غيره.
اكتمل بناء منزلي في قاديان في خريف عام ١٩٣٦، وفيه ثلاث غرف كبيرة وغرفتان صغيرتان للاستقبال ووسائل راحة مناسبة، كما كان فيه ثمانية أجنحة لغرف نوم كبيرة. وقد أعطيت والدتي حرية اختيار جناح لها، فاختارت الجناح ذا المدخل الأسهل، وأوضحت أن الناس من كل الأشكال والحالات يجب أن يشعروا بحرية المشي في كل الاتجاهات كلما رغبوا في ذلك، وينبغي أن لا يشعروا بأن هناك ما يمنعهم بأي حال من الأحوال.

في قاديان، لم تستخدم أمي السيارة للذهاب إلى البلدة أو للصلاة أو لزيارة حضرة أم المؤمنين أو حضرة خليفة المسيح الموعود، بل كانت دائما تمشي، وعندما حثثتها على استخدام السيارة، قالت: عزيزي هذه مدينة الصلحاء، والطرق مغبرة، وقد يكون انتهاكًا لحرمة المقدسات إذا أثارت السيارة الغبار، مما قد يضايق أي من هؤلاء المتقين.
قرب نهاية عام ١٩٣٦ ، بدأت مسألة زواج الملك إدوارد الثامن تثار في الصحف. طلبت من والدتي أن تدعو لأن يهتدي الملك للصواب في هذه المسألة الصعبة، فقالت إنها منذ بضعة أيام ترى مشاهد مربكة
و مقلقة في منامها، وربما هذه الرؤى تشير إلى الحالة التي كان عليها الملك، وقالت إنها ستدعو له الله تعالى. بعد ذلك،  استفسرتها عن الأمر مرتين أو ثلاثا، وكانت في كل مرة تقول: يبدو أن الفوضى تتضاعف، وأنها تخشى أن لا يُحلّ الأمر بشكل مرض. وبعد ذلك بفترة، وردت تصريحات رسمية تفيد بأن الملك قد قرر التنازل عن العرش. عندها شعرت أمي بالحيرة، وقالت هذا الرجل يفتقر إلى الشعور بالواجب، فهو مستعد للتخلي عن أعلى منصب في العالم من أجل امرأة! أحدث حضرة الخليفة الثاني للمسيح الموعود ثورة عملية حول أهمية العمل باليد ، فقد تم تعيين يوم من كل شهر يُطلب فيه من جميع الأصحاء الذكور البالغين والمقيمين في جزء معين من قاديان أن يشاركوا في بعض مشاريع العمل باليد.

 وفي إحدى هذه المرات ، في عام ١٩٣٧، كان من المقرر الاحتفال بيوم العمل اليدوي في الجزء الذي نعيش فيه من
البلدة، فسألتني أمي : هل تعرف أن غدًا هو يوم العمل اليدوي؟
نعم، أعرف.
- هل ستشارك؟
- بالتأكيد، هل لديك أي شك؟
- كنت أتساءل فيما إذا كان هناك شيء سيقف في طريقك كوزير. 
- يحدوني الأمل أن شيئًا لن يقف أبدا في طريق تأديتي كامل التزاماتي. - هذا ما وددت سماعه.

في عام ۱۹۳۷، أمضيتُ عدة أشهر في الخارج في مهمة رسمية، وعند عودتي، قالت لي أمي إنها قد استفادت من الفرصة التي أتيحت لها ، وقامت برحلة جوية مدة عشر دقائق، استمتعت بها كثيرًا ، لقد كانت حينها في الرابعة والسبعين.

أمضينا النصف الثاني من نيسان/ إبريل ۱۹۳۸ في قاديان، وفي إحدى ليالي نهاية الشهر ،لاحظتُ أن أمي تبدو مشغولة البال، فسألتها عما يقلقها، فقالت: كنت عائدة من المدينة قبل الغروب بقليل، وكنت لا أزال على بعد قليل من منزلنا ، عندما لاحظت أن سيدة تجلس على جانب الطريق تستريح على جدار منزل مع فتاتين جالستين قربها، وعندما مررت بها ، تولد لدي انطباع أنها كانت تتألم، وكانت الفتاتان ترعيانها، فأسرعتُ الخطى، وجلست بجوارها ، ووجدت أنها حافية القدمين ، وكانت تعالج إحدى قدميها بيدها، وكانت الفتاتان تمدان لها يد العون وهي تئن، وحين حاولت اكتشاف سبب وجعها، وجدت أن مسمارا حديديا طويلا قد توغل في قدمها ، وكان لا يظهر منه إلا رأسه. وكانت المرأة تعاني ألام شديدا. وكنتُ وحيدة و لم يكن هناك أحد على مدى بصري، فقررتُ أن أسحب المسمار بنفسي، ولكن عندما مددت يدي لذلك، أصيبت بالهلع، وتوسلت إلي أن أتركها وحدها، فإنها لن تطيق الألم. ومع ذلك منحني الله تعالى القوة، وأمسكت قدمها بقوة من الكاحل بيد واحدة، وسحبت المسمار باليد الأخرى ، ونجحت في سحبه. كان بطول بوصتين أو ثلاث وكان صدئًا، وعندما انتزعته تدفق الدم، وصرخت المرأة من الألم، ولكن سرعان ما بدأت تشعر بالارتياح. قلت لها: إن منزلنا ليس بعيدًا من هنا، وسأقوم برعايتك هناك، وسأغسل وأنظف لك قدمك ، وسأتخذ التدابير اللازمة من أجل الوقاية من العدوى.
لكنها قالت: قريتها ليست ببعيدة ، وستقوم الفتاتان بمساعدتها وإيصالها إلى المنزل. وتابعت أمي تقول: إنني قلقة من أن يلتهب جرحها، وأدعو الله تعالى من أجلها.



الوداع:

على مدى سنوات، تلقت والدتي مؤشرات عن وقت رحيلها عن هذه الدنيا، وكانت مقتنعة بأن هذه المؤشرات من الله تعالى، ولكنها كانت تدرك أيضًا أنه لا يعرف معناها الحقيقي أحد سوى الله تعالى. وقبل عدة سنوات من وفاتها ،أخبرت أنها ستتوفى في شهر نيسان/ إبريل، ثم صرحت بعدها بعدة سنوات أن يوم الأربعاء الأخير في نيسان/ إبريل سيكون يوم وفاتها، فكتبت وصيتها بأنها ينبغي أن تدفن في مقبرة بهشتي في قاديان. وعلى ضوء ذلك ،رتبت على مدى عدة سنوات أنه ينبغي لنا أن نُمضي النصف الأخير من نيسان/ إبريل في قاديان، وقد تم ذلك بما يتفق مع رغبتها ، وكان ذلك مصدرًا لشعورها بالراحة.

بعد وقت قليل من وفاة والدي، رأت في المنام أنه يرافقه تشودري ثناء الله خان، ابنُ عمه، وأعرب عن قلقه إزاء نظراتها الحزينة، فقال ابن عمه: إنها حزينة بسبب انفصالها عنك، لماذا لم تصطحبها معك؟ كان أبي حزينًا أيضًا، فقال: أؤكد لك أن منزلها ليس جاهزا بعد؛ وعندما يجهز سأحضرها بنفسي.

وفي كانون الثاني/ يناير عام ۱۹۳۸، اضطررت للذهاب إلى إنجلترا، فاستفسرتني أمي عما إذا كنتُ سأعود بحلول نيسان/ إبريل، فقلت لها: أتوقع ذلك، فشعرت بالاطمئنان.

كتبت لها من إنجلترا: أني أتوقع أن أعود إلى دلهي مساء يوم الأول من نيسان/ إبريل، وأعتزم التوجه إلى قاديان يوم ١٤ من الشهر نفسه، وأنه يمكن لها أن تأتي إلى دلهي أو أن تنتظرني في قاديان. وفي الأول من نيسان/ إبريل ، وصل القطار إلى دلهي متأخرًا أكثر من ساعة ونصف الساعة، وأُخبرتُ أن أمي كانت تنتظرني خارج المحطة في السيارة، فسارعتُ إليها، وبعد الترحيب بي، قالت: كيف تخيلت أني سأنتظرك كل هذه الأيام في قاديان؟
بينما كنا في دلهي ، عانت من ارتفاع في ضغط الدم، وكانت تعاني منه
أحيانًا، وقد تم علاجها منه ، وعاد ضغطها إلى وضعه الطبيعي.
وقبل مغادرتها إلى قاديان، رأت في منامها المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام ، وكان يرقد على سرير ويبدو مبتهجا جدا، فأبهجها ذلك . فقالت له: سيدي، أودّ تدليك قدميك إذا أذنت. فتكرّمَ وأفسح لها حيزا على الأريكة، فجلست وبدأت تدلك قدميه، وخطرت ببالها فكرة باعتبار أن حضرته يبدو سعيدًا جدًا، فستطلب منه الدعاء من أجلها، وريثما كانت تدوّر المسألة في رأسها، قال حضرته لشخص كان على يمينه مشيرًا إليها : اجعل منزلها فسيحا.
أفرحَتْها الرؤيا كثيرا، وأدركت معناها ، فسعدت بذلك. في قاديان، روت رؤيتها لحضرة خليفة المسيح ، وأضافت وهي تبتسم: سيدي، كنت أريد أن أقدم شكوى أن المساحة التي تُركت من أجلي لا تكفي لهذه "الرحابة"، حيث تشغل إحدى الجهات شقيقة زوجته، والأخرى يشغلها السيد عبد الستار الأفغاني، فقال حضرة خليفة المسيح:إن البيت المذكور في رؤياها هو منزلها في الجنة. وعندما أخبرتني بذلك. قالت لي: أنا أعرف جيدًا أن هذا يشير إلى منزلي في الجنة، ولكن ذكرتُ موضع قبري فقط لأمازح حضرة الخليفة.
إنها الآن كانت تبلغ الخامسة والسبعين، وتعاني من ارتفاع ضغط الدم من وقت لآخر، ورغم ذلك ، كانت تحضر صلاة الجمعة، وتلقي التحية
على حضرة خليفة المسيح، وتلتقي يوميًا مع حضرة أم المؤمنين.

مع أن الطقس حار في قاديان، إلا أنها كانت تذهب إلى كل مكان سيرًا على الأقدام، وعندما علمتُ أن حضرة خليفة المسيح الموعود
سيغادر قاصدا السند في ٢٥ من الشهر (يوم الاثنين) ، قلقتُ من ذلك، لكنها اطمأنت عندما تأكدت من أنه لن يغادر حتى ٢٧ من الشهر (يوم الأربعاء)، وقالت لي بابتهاج ، هل سمعت؟ حضرة الخليفة سيغادر في ٢٧ من الشهر، فأجبت: هذا ما فهمتُه، فكررت مع تركيز طفيف: السابع والعشرون، قلت لها : أدركتُ. تعني في "بهشتي مقبرة".

ما عنته، أن السابع والعشرين سيكون يوم الأربعاء الأخير في نيسان/ إبريل، وإذا كانت رؤياها تحدّد تاريخ وفاتها ، فستتحقق حرفيًا هذا العام، وسيغادر حضرة الخليفة قاديان بعد أن يؤمّ صلاة جنازتها. في وقت مبكر من صباح يوم السابع والعشرين ، قامت بزيارة "مقبرة بهشتي"، وذكرت لي أنها شعرت أن درجة حرارتها الداخلية قد ارتفعت، لكنها لم تَشكُ من أمر محدد في صحتها، وأشارت حينها عدة مرات وهي نصف نائمة إلى أنها سمعت شخصا يقول لآخر : شيء ما على وشك الوقوع؛ فردّ عليه ذلك الآخر : سيحدث هذه المرة بالتأكيد.
في يوم الثامن والعشرين، ذكرت أنها رأت في منامها سبع جثث وُضعت جنبا إلى جنب في مقبرة بهشتي لكي تدفن. كنا سنغادر إلى "شمله" مساء يوم الثلاثين ، وبعد ظهر ذلك اليوم، اشتكت من أنها ليست على ما يرام، فبعثتُ رسالة إلى الطبيب، ولكن رسالتي لم تصل إليه، فأكدتُ لوالدتي أنها ستفحص من قبل الطبيب المختص لحظة وصولنا إلى "شمله". في اليوم التالي، غادرنا قاديان في المساء، وفي "بطاله" ، انضم إلينا سكرتيري الخاص، فاستفسرت أمي عن حال زوجته، فقال إنها ترقد في مضجعها في القطار لأنها تشعر أنها ليست على ما يرام،  فطلبت منه أمي أن يحضرها إلى الصالون؛ حيث تخلّت لها عن غرفة نومها ، وأمضت هي ليلتها على أريكة في غرفة الجلوس. وفي صباح اليوم التالي، قالت لي إنها رأت في المنام والدي الذي قال لها : أنت مريضة على نحو خطير، وسأحضر لك الطبيب الذي رسم زيارته ۳۲ روبية. في ذلك الوقت ، كانت هذه رسوم الجراح المدني.
عندما وصلنا "شمله"، قام الطبيب بفحص أمي، وشخص حالتها بأنها ارتفاع في ضغط الدم وعدوى في الكلى، وتم العلاج الذي وصفه الطبيب، ولكنها كانت تضعف على نحو مضطرد ، بعد وقت قصير من وصولنا إلى "شمله"، رأت في المنام أن والدي قد وصل ، وقال: لقد جلبتُ لك محفةً ،ويمكن أن نغادر عندما تكونين جاهزة، فأجابت: أستطيع أن أكون جاهزة قبل الفجر، وبذلك يمكن أن نبدأ رحلتنا خلال ساعات الصباح الباردة، فقال: من الأفضل أن نغادر بعد الثامنة صباحًا، عندما ينهي الأولاد وجبة الفطور. وعندما روت لي الرؤيا، وَصَفَت المحفة ومعداتها بالتفصيل؛ ستائر من الحرير الملون والحلي الفضية وغير ذلك.

 مرت خمسة أيام، وكانت تشعر بضعف، ولكنها كانت هادئة ولم يكن هناك قلق. توضأت وأدّت الصلاة على سجادة الصلاة دون أن تحتاج إلى مساعدة، رغم أنها أمضت معظم وقتها في السرير. وفي اليوم الرابع ، قال لها الطبيب، إنه ينبغي لها أن تبقى في سريرها ، وينبغي أن لا تتحرك في يوم الجمعة، السادس من أيار / مايو، ذهبت إليها حوالي الساعة الرابعة مساء، فوجدتُها مشغولة في الصلاة على سجادة الصلاة في الشرفة خارج غرفتها، انتظرتُ حتى انتهت ،وبعد ذلك ذكرتُها أن الطبيب قد قال إنها يجب أن لا تتحرك من سريرها، فقالت إنها لم تشعر بأي مشكلة في أداء صلاتها بالطريقة المعتادة، فعرضت عليها المساعدة لإعادتها إلى السرير ، فوضعت يدها على ذراعي بلطف ، وسارت إلى سريرها دون أن تشعر أنها بحاجة إلى أي مساعدة.
في ذلك المساء ، كنت أعمل في غرفة مكتبي، عندما قيل لي إن أمي قد
فقدت الوعي. ذهبتُ إلى غرفتها ، فوجدتُها شبه فاقدة الوعي وتعاني من ضعف شديد، فقمنا بتدليك قدميها،
 فبدأت تتحدث بوعي کامل ، وقالت: بعد فترة قصيرة من مغادرتك لي، دخلتُ في سبات، وشعرت أنني في مكان ما في الظلام، وحاولت الخروج منه، ورأيت خيمة ، فدخلت فيها ، ظنا مني أنني قد أجد طريقًا للخروج من خلالها، ولكن الظلام كان حالكا داخل الخيمة، وكان هناك وحل على الأرض ، فغاصت فيه قدماي، وقمت بمحاولات فاشلة لأخلص نفسي منه، وبعد أن شعرت بعدم الجدوى صرخت : إذا أعلم ظفر الله خان بطريقة ما، فسيجد وسيلة لإنقاذي.

وفي اليوم التالي ، بدت في حال أفضل رغم استمرار الضعف. شعرت مرة أنه لو كان الدكتور عبد اللطيف موجودًا ، لقام بعلاج أكثر فعالية. فأرسلت له برقية في دلهي، أن أمي ترغب في أن يأتي، فوصل صباح اليوم التالي، وعندما رأته يدخل الغرفة ، شعرت بالسعادة ، وجلست في السرير ، ورحبت به بمودة ، وقالت وهي تبتسم: إذا شُفيتُ هذه المرة فسوف أسلّم بأنك طبيب بارز. فأجابها: الله كريم. أرأيت ، لقد أجبتُ على برقيتك على الفور. فأجابت: لم أرسل أي برقية ، ونظرت نحوي باستغراب، قلت لها: أنت تمنيت أن يكون موجودًا، فأرسلت له برقية. ففحصها بعناية ، وقرر أن عليها أن تغادر مصيف "شمله" على الفور، لأن الارتفاع يوتر قلبها . 

اقترح اصطحابها إلى دلهي ، وإبقاءها في بيته، حيث إنها ستحتاج إلى رعاية وفحص مستمرين، وسيقوم هو وزوجته برعايتها بالشكل المناسب، وطمأنها أنها ستتعافى وتعود إلى صحتها الطبيعية في غضون أيام قليلة بإذن الله تعالى. اتخذتُ الترتيبات اللازمة للمغادرة على الفور إلى دلهي ، كانت واجباتي الرسمية تتطلبت بقائي في "شمله"، ولما كان يوم الأحد إجازة، فقد أجريت الترتيبات لأسافر معهم إلى مدينة إلى "كالكا" نهاية خط السكة الحديدية ، لأضعهم في القطار المتجه ليلا الى دلهي، وسأتمكن من الذهاب إلى دلهي في نهاية الأسبوع القادم. أصرت زوجتي على أن تذهب مع أمي للعناية بها بعد وأثناء رحلة دلهي، لكن أمي ، لم توافق على ذلك؛ ففي دلهي سيكون الجو حارا جدا ، و"أمة الحي" الصغيرة يجب أن لا تتعرض للحرارة، وزوجة الدكتور لطيف هي بمنزلة ابنتها، وهي واثقة من أنها ستعتني بها جيدا. ولكن والدة أمة الحي كانت مصرة، فليس من المعقول أن تكون أمي مريضة، وأن لا تكون هي إلى جانبها لتخدمها وترعاها.

الطريق من "شمله" إلى "كالكا" منحدر، لذا فقد سارت الرحلة ببطء تحسبًا لهبوط مفاجئ لضغطها، وقد صمدت أمي في الرحلة بشكل جيد، وعلى الرغم من أن موعد رحيل القطار كان في منتصف الليل، إلا أن الجميع استقر في مقصورته بشكل مريح بعد العشاء، وكان علي المبيت في استراحة السكك الحديدية ، وأن أعود إلى "شمله" في وقت مبكر صباح اليوم التالي. وقريبا من الساعة العاشرة ،اقترحت عليّ أمي أن آوي إلى الفراش، ووقفت لتضمّني، وعندها احتج الدكتور لطيف قائلاً: أمي، أمي، أرجوك ابقي مستلقية. فابتسمت ابتسامة شاحبة، وعلقت: عزيزي، لدي الكثير من الوقت لأستلقي ، ولكن لا أعرف إذا كنت سأجتمع به مرة أخرى.

قلتُ لموظفي الخدمة اللذين أتيا معنا من " شمله"، وسيعودان معي في صباح اليوم التالي أن يبقيا في محطة السكة الحديد حتى مغادرة القطار، وذهبتُ إلى الاستراحة غير البعيدة عن المحطة. وفي صباح اليوم التالي، عندما كنت جاهزًا للمغادرة وجدتهما مستلقيين على الأرض الخشبية خارج بابي، فسألتهما لماذا لم يناما في السرير، فأوضحا لي أنه بعد أن تركت المحطة ، لاحظت أمي وجودهما على المنصة خارج عربتها ، فقالت لهما أن يذهبا فورًا إلى الاستراحة، وأن يناما خارج بابي.
اتصلتُ هاتفيًا يوم الاثنين في دلهي، وقيل لي إن والدتي تشعر بتحسن وببهجة، وأنها عند منتصف النهار اشتكت من الغثيان الذي لم يدم طويلا. وقد اتصلت هاتفيًا يوم الثلاثاء في الصباح والمساء، وقيل لي في كل مرة أنها على ما يرام.
وفي صباح يوم الأربعاء، ۱۱ أيار / مايو كانت في نفس الحالة، وبعد الظهر، اتصل تشودري بشير أحمد يقول: في حوالي منتصف النهار تدهورت حالة قلب الخالة، وقد أُعطيت بعض الحقن، فاستجمعت قواها. إنها واعية الآن ، وتشعر بالراحة وتتحدث أيضا، ولكن الحالة العامة تسبب القلق ، وأرى أنه ينبغي عليك أن تأتي فوراً.
لا يمكنني أن أغادر اليوم لدي اجتماع هام للغاية غدًا
لا أستطيع تأجيله، سأغادر بعد ظهر الغد، وسأصل دلهي صباح يوم الجمعة، وهكذا يمكنني البقاء في دلهي خلال عطلة نهاية الأسبوع.
أخشى أنك لا تقدّر الوضع.
أدرك ما تعني، ولكن الواجب يقف في الطريق، الله كريم وأنا واثق من أنه سيكون رحيما.
كما تريد.
اتصلت هاتفيًا في المساء ، وقيل لي: إن الوالدة كانت أفضل، وأنه لا يوجد سبب مباشر يدعو للقلق. الدكتور لطيف قد رافق الجراح في
علاجها.
وفي صباح يوم الخميس، كان التقرير نفسه، ومع ذلك، أرسلت برقيات إلى إخواني وأختي بأنني ذاهب إلى دلهي، وأنه ينبغي لهم جميعا أن يسافروا إلى هناك. وصلتُ دلهي صباح يوم الجمعة ١٣ أيار/مايو، وكان أمرًا مشجعًا أن وجدتُ أمي تبدو مشرقة ومبتهجة، وقالت لي زوجتي: إن أمي أصرت أن تحممها وتمشط شعرها قبل وصولي، حتى لا أجد شعرها أشعث.

أخبرني الدكتور لطيف أن زوجتي كانت مشغولة جدا في خدمة والدتي بإخلاص غير مبالية براحتها وصحتها الخاصة. وقد لاحظت أنه لم يكن أحد منا؛ سواء أبناءها وابنتها وكناتها الأخريات، قادرًا على تقديم مثل هذه الخدمة الشخصية المخلصة التي تقدمها لها كنتها الكبرى. وقد أخبرتني أمي وزوجتي أن الدكتور لطيف وزوجته قدما الرعاية الكبيرة لها أيضًا ، والتي لا يتوقع أن تصدر إلا من ابن وابنة مخلصين. قالت لي والدتي: إذا منحني الله تعالى الحياة ، فسأسعى لمكافأة لطيف وزوجته بقدر ما أستطيع لما قدماه لي من رعاية، ولكن مكافأتهما الحقيقية تُمنَح لهما من قبل الله تعالى فقط.
أدعو الله تعالى أن يجزي كل من قدم أقل خدمة لوالدتي أثناء مرضها أحسن الجزاء، آمين.
عندما انتهى الجميع من الترحيب بي ، وهدأت ضجة وصولي ، وكنت مع والدتي وحدنا، قالت لي: والآن إذا ...
قاطعتها على عجل : الآن بإذن الله تعالى وفضله، ستستعيدين عافيتك،
حيث يقول الدكتور لطيف: إنك في حالة أفضل بكثير اليوم مما كنت عليه اليومين السابقين.

كنت على وشك أن أقول لك الآن أن تأخذني إلى قادیان.
لكن التسهيلات الطبية اللازمة لن تكون متوفرة في قاديان.

ابتسمت بإذعان ولم تواصل طلبها.
في ذلك اليوم، كانت مرتاحة بالمقارنة مع الأيام السابقة، ولم تشعر
بالغثيان، وكان ذلك تحسنًا واضحًا ، مما أثار الأمل في أن تتحسن بشكل كامل.

تقرر أن تعود أختي وزوجات أخواتي إلى منازلهن مساء اليوم التالي، وسيغادر إخواني مساء يوم الأحد، وأنا يجب أن أعود إلى "شمله" في نفس الوقت.

يوم السبت، ١٤ مايو، لم يكن هناك أي تغيير، دعي الجميع إلى الغداء من قبل تشودري بشير أحمد، وبقيتُ وزوجتي مع والدتي، وفي حوالي الساعة الثانية كنت أتوضأ للصلاة عندما طرق أحدهم باب الحمام، وقال لي إن والدتي تريدني. فذهبت إلى غرفتها، ورأيتها تضع يدها على نبضها، ابتسمت لي وقالت : تعال حبيبي، دعنا نتحدث آخر حديث؛ وأرسل في طلب الآخرين، حيث سيكونون قد انتهوا الآن من غدائهم. كان الدكتور لطيف في الغرفة يحضر الحقنة ، نظرتُ إليه مستفسراً، فقال لي بالإنجليزية: هي أذكى مني، لقد أرسلت في طلبي ، وقالت لي إن نبضها قد توقف. قلبها في حالة سيئة، لكني لم أخبرها بهذا، وأنا أجهز الحقنة، آمل أنها ستساعدها .
أعطاها الحقنة ووضع أصابعه على نبضها، وبعد دقائق قليلة قال : لها إن نبضها أصبح طبيعيًا. أحست نبضها بنفسها، وقالت: إنه ليس طبيعيا، لقد عاد لكنه ضعيف.
اتصل لطيف هاتفيًا بالجراح ليأتي.
وعاد الذين ذهبوا لتناول الغداء، وبعد فترة قصيرة، جاء شيخ إعجاز أحمد وتشودري بشير أحمد، ثم تحدثت أمي إلينا بلطف وهدوء وقالت: سوف نواجه جميعًا هذه الساعة ، فراق الأهل مؤلم، وأنا، مع ذلك، راضية بمشيئة الله تعالى، وأنا ذاهبة إليه وأنا سعيدة للغاية، وأود أن آخذ إذنكم جميعا، وأتمنى أن لا تحدثوا أي ضجة، سواء الآن أو بعد رحيلي. ثم همست بشيء في أُذُن ابنتها التي ردّت عليها بهمس أيضًا. ثم قامت بتوديع الجميع، الواحد تلو الآخر مع الدعاء لهم: أبنائها، وكناتها، وبشير أحمد وزوجته أحمدة بيغم، وإعجاز أحمد، والدكتور لطيف وزوجته أمينة بيغم، التي قدمت لها أمي إكليلا من الذهب الأشرفي، وغلام نبي، الابن الأكبر لشقيقتها المتوفية، وعزيز أحمد، الابن الأوسط لأخيها الوحيد، وتشودري فضل داد، الكاتب المخلص الذي كان يعمل معي خلال االسنوات التي كنت أمارس فيها مهنة المحاماة. ثم أرسلت في طلب أمة الحي، وقبلتها قبلة الوداع. ثم طلبت سيد عبد الكريم، السائق، وشكرته. كان غلام نبي حزينا جدًا، فواسته وقالت لي : إذا أخطأ في بعض الأحيان ، فتذكر هذه اللحظة وتغاض عن تقصيره. ثم سألت زوجة شكر الله خان: هل جلبت لي صندوقي؟ فاستغربت زوجة شكر الله خان وتساءلت: أي صندوق؟ فأوضحت لها: الصندوق الذي يحتوي على الملاءات التي سأستخدمها ككفن. فبرّرت كنتها موقفها بالقول: لم يكن لدي فكرة أن الصندوق في دسكه، بالإضافة إلى أننا غادرنا على عجل ، و لم نفكر في أي شيء آخر.
أخبرتني زوجتي قبل وصولي إلى دلهي، أن والدتي أعطتها تعليمات أنه ينبغي ألا تؤخذ إلى جناحها في الطابق الأول في المنزل في قاديان، بل في الطابق الأرضي حيث يجب أن يغسل جسدها. وكررت الآن هذه التعليمات لي، وعندها أشارت زوجتي أن المكان صغير جدا ومكشوف، فقالت أمي: قبل أن أغادر قاديان ، قمت بجولة تفقدية، فهذا مكان مناسب جدا، وليس صغيرًا جدًا ولا مكشوفا، بل منعزل تماما، وهو يكفي لهذا الغرض. 

وصل الجراح في هذه الأثناء، وكان هناك اثنان من الأطباء للاستشارة، فقلت لهم: إذا كان العلاج المناسب يتطلب من مريضتهم البقاء في دلهي فستبقى، ولكن إذا كان في رأيهم أن الوسائل الطبية قد استنفدت، فأود اصطحابها إلى قاديان حسب رغبتها. فقالوا : حتى الآن يستجب القلب للعلاج، وسيعطونها الآن حقنتين أخريين، وسيُعرف ردّ فعل قلبها للحقنتين بعد ثلاثة أرباع الساعة، وحينها فقط سيتمكنون من الرد على سؤالي. 

انتظرتُ بعد أن أعطيت لها الحقن، وعند حوالي الساعة الخامسة مساء، قال لي الأطباء: إن قلبها لم يستجب، وأنه في رأيهم سوف يتوقف عن العمل في غضون ٣٠ إلى ٤٠ دقيقة.

ذهبتُ إلى أمى ، وقلت لها : إني أرتب لاصطحابها إلى قاديان، فشعرت بالراحة، وقالت بحماس: بارك الله فيك . قلت : يتعين علينا نقلك إلى محطة سكة الحديد في سيارة الإسعاف، ثم ستحملين إلى الصالون، مما قد يسبب لك بعض المتاعب. قالت: يا حبيبي، سترى كيف أن الله تعالى سيحميني من المتاعب. ثم طلبت مني الاتصال هاتفيًا بحماتي "بسم الله بيغم" في لاهور ، والتي كانت أمي تقدرها للغاية، لتلتقي بها في أمرتسار في صباح اليوم التالي عند وصول القطار من دلهي. ثم طلبت من أخي عبد الله خان الاتصال هاتفيًا بشخص في "قصور" ليذهب على الفور بالسيارة إلى دسكه ، ويحضر صندوقها الذي يحتوي على ملاءاتها إلى أمرتسار صباح اليوم التالي. وحيث إنها قد حضرت كل ما كان في ذهنها، فهي جاهزة الآن لتسليم روحها لخالقها الرحمن.
وضعت والدتي في سريرها في الصالون دون أية مشاكل. ومما كان يدعو للاستغراب أنه خلافا لرأي الأطباء، فقد استمر نبض قلب أمة الله هذه المتواضعة المؤمنة بفضل الله تعالى، رغم أن حركته بدأت تزداد ضعفا بالتدريج.
سافر معها إلى قاديان في نفس القطار أفراد الأسرة والخدم، وكذلك الدكتور لطيف، وشيخ إعجاز أحمد وتشودري بشير أحمد، اللذان كانت تحبهما كأبنائها، وبقيتُ وأخي شكر الله خان مع والدتنا في غرفة نومها. ويبدو أنها كانت تنام بسلام لا يشوبه سوى حدوث ارتعاش طفيف لاإرادي أحيانًا. ونحو الساعة الحادية عشرة حثتنا على الذهاب للنوم.

انسحب شكر الله خان، وحين وجدتُ نفسي وحيدا معها، قلت لها: لم تقولي لي أي شيء خاص، فأجابت: لم أقل شيئًا خاصا لأي أحد.
لكني لست أي أحد، نحن أحبة.
نعم، نحن كذلك.
أدركت أنها قد ابتعدت عن كل شيء، وكانت مشغولة كلية بالانتقال من عالم الوهم - وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ آل عمران (١٨٦. إلى عالم الحقيقة: ﴿وَمَا هَذه الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) (العنكبوت (٦٥ . وقد نُقلت إلى قاديان بشكل سهل وهادئ.


لم تشعر بأي ألم خلال فترة مرضها بفضل الله تعالى، ولم تبد أي خوف. وعندما شعرت بأن النداء الإلهي قد حان، أجابت بابتهاج، بل بشغف. وروحها الآن مشغولة بوداع جسدها الذي سكنته خمسة وسبعين عاما، وأثناء ذلك تركتها بسلام.

جاءت "بسم الله بيغم" إلى أمرتسار، وأشارت لها والدتي إيماء أنها ترغب منها أن تكون بمثابة أم لشقيقتنا ،التي كانت في عالم آخر تماما، مكرسة نفسها لعبادة الله تعالى ودفع الصدقات.

وقد قال المبعوث الذي ذهب من "قصور" إلى دسكه لإحضار الصندوق الذي يحتوي على الملاءات أنه لم يكن قادرا على إيجاد الصندوق، فأرسل مرة أخرى مع توجيهات أكثر تحديدا، ووصل
الصندوق إلى قاديان بعد الظهر.
وصل القطار قبل الساعة العاشرة إلى قاديان، وقلت لأمي نحن الآن في قاديان، فرحبت بذلك بالقول: بسم الله ! بسم الله ! 

كان اليوم الأحد، ١٥ أيار / مايو، وهي الفترة الأشدّ حراً في السنة، وكان الصالون مكيفا، فسألتها عما إذا كانت تود البقاء في الصالون، فأعربت عن رغبتها بأن تؤخذ إلى المنزل. فوضع سريرها في غرفة في الطابق الأرضي، فشعرت بالارتياح لأنها وصلت إلى حيث ترغب. لقد حققت الرحمة الإلهية رغباتها؛ قاديان. كانت موطن المسيح الموعود ، وكانت تحظى بنور إلهي ورحمة إلهية، سيسجى جسدها قريبًا إلى مثواه في الأرض عند أقدام رفيق حياتها. لقد كانت روحها جاهزة لدخول المحفة التي ستنقلها إلى عالم الفردوس.

وصل دسكه نبأ وصولها إلى قاديان، فاستمر وصول الأقارب والأصدقاء بأعداد كبيرة خلال الساعات الأخيرة من اليوم، ومع مرور الساعات، بدأ نفسها يصبح أبطأ، ولكن وجهها أخذ يشرق. فأشار بشير أحمد إلى إعجاز أحمد حول هذا الأمر، وتلا بيتًا من الشعر البنجابي:
يُعرف القديس من النور الإلهي على محياه.

جنّ الليل، ويا لها من ليلة مباركة بشكل واضح ، يكاد يُلاحظ
نزول الملائكة.

طلب "ميان جومان" الذي خدم الأسرة كمضيف منذ زمن جدي، ورافق والدي إلى الحج، وكان وفيًا وصديقًا مخلصا أن يسمح له بإلقاء التحية الأخيرة على أمي. كانت قد فقدت الوعي بعض الوقت، وحين عرف نفسه لها وحياها ، رفرفت أجفانها في استجابة. وفي حوالي الساعة الثالثة صباحًا ،فقدت الوعي تماما، وأصبح نفَسُها غير المحسوس تقريبا، المؤشر الوحيد على أنها لا تزال على قيد الحياة انتهت رحلتها الطويلة، و ستنتقل إلى العالم الآخر.

في الساعة الثامنة، دخل السيد "غلام نبي" ، وأشار أن وجبة الإفطار جاهزة، ولكن لم يكن لأحد شهية للأكل. قلت له: أحضر لي كوبًا من الحليب، فعندما يعرف الضيوف بأني أكل، سيتناولون الطعام. فنظرت إلي زوجتي متفاجئة، فذكرتها برؤيا والدتي: "بعد أن يتناول الأولاد وجبة الفطور". وبعد ساعة من ذلك ، أفادنا غلام نبي أن الجميع قد تناول الفطور.. توقف نفَسُها. كُلُّ مَن عليها فان، ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام (الرحمن: ٢٧ و٢٨).


في دلهي، قدّر الأطباء أن قلبها لن يعمل أكثر من أربعين دقيقة، ولكن
الرحمة الإلهية التي تمنح أربعين دقيقة منحتها أربعين ساعة!
سُجِّي جسدها تحت إشراف السيدة "بسم الله بيغم"، وعندما تم تجهيز كل شيء، جئت لألقي النظرة الأخيرة على أحب وأغلى وجه. وجدته جميلا بشكل لا يوصف. لم تكن تبدو بعمر أكبر من خمسة وعشرين سنة. لم يكن هناك سوى خصلة صغيرة من الشعر الأبيض على طرف جبهتها ، كانت شفتاها منفرجتين قليلا بابتسامة يبدو عليها الاسترخاء التام والسكون. لم أستطع تحمل رؤية كل ذلك المجد لأكثر من ثانية ، وانسحبت على عجل.
وفي ظهر يوم الاثنين السادس عشر من أيار / مايو، دُفن رفاتها في مقبرة أهل الجنة، حيث ووريت الثرى عند أقدام زوجها.

صاحبزادة ميرزا بشير أحمد ، وصاحبزادة ميرزا شريف أحمد، وغيرهما من أفراد أسرة المسيح الموعود كانوا من بين المعزّين، أما حضرة الخليفة الثاني، فقد كان في السند، فبعث البيان التالي لينشر في جريدة الفضل: "لقد وردثنا أخبار وفاة والدة تشودري ظفر الله خان، ويؤسفني أنني بعيد جدا عن قاديان، ويبدو من غير المرجح أن أتمكن من المشاركة في صلاة جنازتها، الأمر الذي يحزنني.
عندما وصلني الخبر المحزن ، أرسلت رجلاً بالسيارة إلى "ميربورخاص" لمعرفة ما إذا كان يمكنني أن أصل إلى قاديان في الوقت المناسب، فلو كان ذلك ممكنا فسأكون قادرًا على تحقيق رغبتي بإمامة صلاة الجنازة عليها والمشاركة في دفنها، وإلا فسأرضى بمشيئة الله تعالى. زوجها تشودري نصر الله خان ، كان من أخلص الأحمديين. كان أول شخص لبى دعوتي، وكرس نفسه لخدمة الدين، حيث انتقل إلى قاديان، وبدأ مساعدتي، ولذلك تستحق زوجته مني الكثير، كما تستحق الكثير من الجماعة أيضًا. ثم إن تشودري ظفر الله خان، الذي أظهر منذ سنواته الأولى صفات الذكاء والنجاح، أعلن منذ بداية خلافتي عن حبه وتفانيه، والمتوفاة هي والدته، ولذلك أيضًا تستحق مني الكثير. وبالرغم من أن علاقة معظم النساء مع الجماعة تكون بالنيابة، أي من خلال الأب أو الابن أو الشقيق، إلا أنها كانت واحدة من النساء الاستثنائيات التي كان لها علاقة مباشرة مع الجماعة. لقد انضمت إلى الجماعة قبل زوجها، وحين حصل الانشقاق في الجماعة ، أقسمت على الولاء للخليفة قبل زوجها أيضًا. لقد كانت تقدم دائمًا دليلا قويًا على تفانيها وغيرتها على دينها. وكانت السباقة إلى دفع التبرعات وإلى رعاية المحتاجين والفقراء، وبسبب استعانتها الدائمة بالدعاء قد شرّفها الله تعالى بالرؤى الصالحة المتتالية، وقد وُجهت إلى الانضمام إلى الجماعة من خلال الرؤى، وكان من نتيجة الرؤى أيضًا ، أنها أقسمت الولاء للخلافة.
لا أستطيع نسيان الحادثة التالية، التي يمكن أن تكون مثالا يحتذى لكثير من الناس؛ ففي ذروة تحريض الأحرار ضد الجماعة، قام شخص أحراري بالاعتداء على ميان شريف أحمد بالعصا، وعندما علمت بذلك أصيبت بالحزن العميق، وأخبرت تشودري ظفر الله خان مرارا وتكرارًا أنها لا تشعر بالأسى لذلك فحسب، بل إن فكرة عذاب حضرة أم المؤمنين لا يمكنها احتمالها، فقالت له: في أحد الأيام: لقد أعلنت السيدة ولينغدن أنها تُكنّ عاطفة كبيرة لي ، فهل يمكنك أن ترتب لي لقاءها عندما يكون نائب الملك حاضرًا أيضًا كي أحدثها بشعوري؟ فقال لها: لن يكون هناك صعوبة في ذلك، ولكن ما تريد قوله يجب أن تقوله بنفسها. فأكدت له أن لا داعي للقلق، فالله تعالى سوف يوجهها. لم يكن مراعاة الحجاب في سنها يشكل أي صعوبة بحسب القرآن الكريم. تم اللقاء حسب رغبتها، وكان تشودري ظفر الله خان ،المترجم، والسيدة ولينغدن كانت في الجوار.

قالت لنائب الملك: أنا امرأة ريفية ، أعرف القليل عن الحكومات وسياساتها. لقد قال لنا حضرة المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام إن البريطانيين جيدون، لذلك، فقد كنت أدعو للبريطانيين من قلبي. عندما ابتلي البريطانيون بالمحنة، كنت أتضرع لله تعالى والدموع في عيني قائلة: يا رب، احرسهم وساعدهم ونَجِّهم من تلك المحنة، ورغم ذلك ، فإن جماعتنا اليوم، ولا سيما في قاديان، تُعامل معاملة سيئة، ومع ذلك، لا أزال أدعو لبريطانيا بسبب تعليمات حضرة المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام، غير أن دعائي لا يخرج من قلبي لأن قلبي غير راض. ماذا فعلنا حتى تساء معاملتنا؟ تأثرت السيدة ولينغدن بهذه الكلمات البسيطة ،لدرجة أنها سحبت المتكلمة قريبًا منها وحاولت مواساتها، وطلبت من نائب الملك أن يعير هذه المسألة اهتماما خاصا. 
كم من الرجال الذين يستطيعون التعبيرعن سخطهم باسم الجماعة بتلك الشجاعة!
 أدعو الله تعالى أن يتغمد روح الفقيدة برحمته، وأن يمن عليها بنعمته. آمين.


أحبّت تشودري ظفر الله خان أكثر من بقية أبنائها، وكثيرا ما كانت تقول: إن الله تعالى شرّفه أكثر من الآخرين، وكان هو يجلّها أكثر من البقية. وقد أتت معه بمناسبة اجتماع مجلس الشورى، والتقت بي مرتين أو ثلاث مرات، كانت في غاية الابتهاج ، لكنها قالت إنها تشعر بالفراغ داخلها. أُخبرت في الرؤيا أنها سوف تموت في نيسان/ إبريل، ولكن الأحلام تخضع للتفسير، يبدو أن مرضها القاتل قد بدأ في نيسان/ إبريل، فوفاتها بعد وقت قصير من إبريل دليل صادق على أن رؤياها كانت حقيقية.

قبل سنة أو سنتين ، رأيتُ في المنام ، أني أجلس في غرفة مكتبي، وتشودري ظفر الله خان مستلق أمامي، وكان يبدو أنه يبلغ من العمر أحد عشر أو اثني عشر عاما، وكان يسند رأسه بكف ذراع مرفوعة وكان على أحد جانبيه يجلس شقيقه عبد الله خان، وعلى الجانب الآخر شقيقه أسد الله خان، وكانا يبدوان في عمر ثمان أو تسع سنوات، وكان الثلاثة قبالتي ، ويتحدثون معي، وشعرتُ بأنهم أبنائي، وكانوا يُصغون إلى باهتمام ومشاعر عميقة، فتحدثتُ إليهم بحميمية كما يتحدث الأب لأبنائه في المنزل براحة. من الممكن أن هذه الرؤيا كانت نذير وفاة والدتهم، لأن القانون الإلهي يقتضي أنه حين يموت أحد الوالدين يحل آخر مكانه. والدها كان أحمديًا. وكذلك كان شقيقها تشودري عبد الله خان من مدينة "داته زيدكا" أحمديًا مخلصًا ومتحمسا، وهو أمير الجماعة في تلك المنطقة. ومنذ عهد خليفة المسيح الأول، كان صديقا مخلصا لي، وكان في كافة المناسبات السبّاق في التعبير العملي لحماسه.
 أدعو الله تعالى أن يرضى عن المرحومة ، وأن ينعم عليها بقربه، وأن لا يحرم أبناء أسرتها من بركة دعائها ، وأن تستمر بركة تضرعاتها من أجلهم حتى بعد وفاتها.


وكتب حضرة خليفة المسيح الكلام التالي لينقش على قبرها:
زوجة تشودري نصر الله خان -رحمه الله- وأم تشودري ظفر الله خان، أطال الله في عمره. كانت ترى الرؤى الصالحة، ومن خلال الرؤى، تعرفت على المسيح الموعود وبايعته قبل زوجها. وقد وُجهت من خلال الرؤى إلى الصواب فيما يتعلق بمسألة الخلافة، و بايعت الخليفة قبل زوجها أيضًا. كان لديها غيرة كبيرة على دينها. كانت لا تخاف من بيان الحق. كانت تهتم برعاية المعوزين، وتعيش حياة بسيطة متقشفة. كانت زوجة فاضلة وأما محبة. 
أدعو الله تعالى أن يرحمها ويرحم زوجها الذي كان خادمًا مخلصًا للجماعة، وأن ينزلهما منزلا قريبا منه تعالى ، وأن يحمي ذريتهم، آمين.

في سياق رسالة التعزية كتب نائب الملك، اللورد لينليثجو: أي نوع من العزاء أستطيع تقديمه لك يا من تملك الإيمان الصادق. ربما يمكنك أن تشعر بالراحة من التفكير، كيف كانت تبذل كل ما في وسعها لتراك تحتل أعلى منصب في الدولة.
في لندن، بعد ثمانية عشر شهرًا من وفاة والدتي، قالت السيدة ولنغدن لأنور أحمد كاهلون: لا بد أن وفاة والدته جعلته يشعر بالوحدة الكبيرة. لقد كانا مخلصين جدًا بعضهما للبعض. بعد سنوات من ذلك، قام صديق عزيز جدًا علي بزيارة قبر والدتي، الدكتور إيتالو تشيوسي، وهو من أبناء الجماعة المخلصين، الذي لم يكن يعرف أمي، ولكنه عَلمَ بالرابط القوي بيننا. وبينما كان واقفا يدعو لها ولوالدي، لاحظ أن بقعة صغيرة من التراب على الجانب الآخر من التلة التي فوق قبرها من ناحية القدمين تبدو وكأنها أصبحت رطبة، ثم توسعت البقعة وبدأت المياه تخرج منها، وخلال دقائق تحول إلى تيار سريع من المياه الصافية الشفافة ، وحين أنهى دعاءه . توقف الماء. 

كنت في الخامسة والأربعين عندما توفيت، ومضى على وفاتها الآن ثلاثة وأربعين عاما. رغم أن حياتي مليئة بالمشاغل بفضل الله تعالى، إلا أن الحنين نحو والدتي وذكرياتها لا تزال تتدفق بقوة كالسابق. إن حنان الأم يؤثر بي دائما، وقلة اهتمام الأبناء بالأمهات تجرح أعماقي. في خضم اضطرابات الحياة الملهية، ألتمس العزاء من خلال الأمل باجتماع الشمل مع والدي وجميع الصالحين ، وأستمد هذا الأمل من الوعد الإلهي: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانِ ألحقنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلَّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينُ ﴾ (الطور:
(۲۲

رَبِّ أَنْزِل على قبر والدي بركات رحمتك، وأدخلهما بفضلك
العظيم في جنات النعيم، آمين.




المؤلف

حضرة شودري محمد ظفر الله خان ري الله عنه
(۱۹۸۵ - ۱۸۹۳)
وزير خارجية باكستان (١٩٤٧ - ١٩٥٤).
قاض في محكمة العدل الدولية في لاهاي (١٩٥٤ - ١٩٦١)،
ونائب الرئيس لها (١٩٥٨ - ١٩٦١)
رئيس الدورة السابعة عشرة للجمعية العامة في الأمم المتحدة
(١٩٦٢-١٩٦٣)
قاض في محكمة العدل الدولية (١٩٦٤ - ١٩٧٣).
رئيس محكمة العدل الدولية (۱۹۷۰ - ۱۹۷۳).

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الردود على الأسئلة التي يطرحها الناس عادة السؤال ١: أين يثبت موت المسيح ابن مريم من القرآن الكريم؟ بل إن قوله تعالى: ﴿رَافِعُكَ إِلَيَّ" و"بَل رَّفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ" يدلّ على أن المسيح رفع إلى السماء بجسده. وكذلك الآية: ﴿وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ ؟ تدل على أن المسيح لم يُقتل ولم يمت على الصليب. الجواب: فليتضح أن معنى الرفع إلى الله هو الموت، كذلك إن لقول الله : ارْجِعِي إِلَى رَبِّك"، وقوله: ﴿إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ" المعنى  نفسه. إضافة إلى ذلك إن الوضوح والجلاء والتفصيل الذي ورد به ذكر موت المسيح في القرآن الكريم لا يتصور أكثر منه؛ لأن الله قد بين وفاة المسيح بوجه عام وبوجه خاص أيضا، كما يقول مثلا على وجه العموم: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ " . إن هذه الآية التي قدّمتُها للاستدلال تدل بصراحة متناهية أن الموت قد  أصاب  جميع الرُّسُل، سواء أكان بالموت الطبيعي أو بالقتل، ولم يسلم من الموت نبي من الأنبياء السابقي...

شرح وتفسير: "وكان عرشه على الماء".

 شرح وتفسير: "وكان عرشه على الماء". النقاش عن كون العرش مخلوقا أو غير مخلوق عبث:  فقال عليه السلام:  الناس يتفننون في آرائهم حول هذا الموضوع، بعضهم يصفونه بالمخلوق وبعضهم يصفونه بغير المخلوق، ولكن لو لم نصفه بغير المخلوق لبطل الاستواء. لا شك في أن النقاش حول كون العرش مخلوقا أو غير مخلوق عبث أصلا، هذه استعارة، حيث بين الله فيه رفعته العالية، أي هو مقام منزه عن كل جسم ونقص، ويقابله هذه الدنيا وهذا العالم كله. وليس للإنسان اطلاع كامل عليه. هذا المقام يمكن أن يسمى قديم، فالناس يستغربون من ذلك ويحسبونه شيئًا ماديا. وانطلاقا من القدم يرد الاعتراض على ورود الحرف "ثم". فالحقيقة أن القدم يشمل "ثم" أيضًا. كما عندما يكون القلم بيد الإنسان فتتحرك اليد أيضًا حيثما يتحرك القلم، لكن يكون التقدُّم لليد. يعترض الآريون على المسلمين عن قدم الله، ويقولون إن إله المسلمين موجود منذ ستة أو سبعة آلاف سنة. وهذا خطؤهم، فمن الغباوة أن يقدر عمر الله بالنظر إلى هذا المخلوق. فلا نعلم ما الذي كان قبل آدم ومن أي نوع كان ذلك المخلوق. والله الله أعلم بذلك الوقت: كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْ...
لا بد من التقوى من أجل الفتح: وما دام الأمر هكذا، فاعلموا أن التقوى ضرورية للمرء لكي تنفتح عليه أبواب الحقائق والمعارف فاتقوا الله ، لأن الله تعالى يقول: ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) (النحل (۱۲۹) . ولا أستطيع أن أحصي لكم كم مرة تلقيت هذه الآية في الوحي، إذ أوحيت إلي مرات كثيرة جدا. لو أننا اكتفينا بالأقوال دون الأفعال، فاعلموا أن لا جدوى من ذلك. إن النصر  يتطلب التقوى، فكونوا متقين إن أردتم النصر. ضرورة التضحيات المالية لنشر الإسلام أرى أن نساء الهندوس والنصارى أيضا يوصين بعقارات كبيرة وأموال طائلة لنشر  دعوتهم، ولكن لا نجد نظير ذلك في المسلمين في هذه الأيام. إن أكبر مشكلتنا  هي  الحاجة إلى النصرة المالية لنشر الإسلام. اعلموا أن الله  تعالى هو الذي أراد تأسيس هذه الجماعة بيده وسوف يكون حاميها وناصرها، ولكنه يريد أن يؤتي عباده الأجر والثواب، ومن أجل ذلك قد اضطر الأنبياء لطلب المساعدة المالية. لقد طلب رسول الله النصرة المالية ، وعلى نفس المنهاج ، الذي هو منهاج النبوة، نذكر أحبابنا بحاجات الجماعة من حين لآخر. ومع ذلك أقول: إ...