التخطي إلى المحتوى الرئيسي

  





الفصل السادس:
النبوءات الإعجازية في أحاديث سيدنا رسول الله عن خروج المسيح الدجال:

تبين معنا في الفصول السابقة أنّ القرآن الكريم قد أشار إلى خروج الدجال باعتباره آية من آيات الله عز وجل، حيث قال تعالى:
يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا ﴾ . الأنعام: 159.

وفسّر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم معنى : بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ، فِي
هذه الآية الكريمة، بأنّ منها الدجّال، فقال:
(ثلاث إذا خرجن، لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا : طلوع الشمس من مغربها والدجّال ودابة الأرض). / مسلم.
فإذا كان خروج الدجال من آيات الله، فلا بد أن يكون فيه دلالات إيمانية إعجازية تؤكد صدق محمد صلى الله عليه وآله وسلم وتؤيّده، لذا، فإنّ علينا أن نتفكر في هذا البحث، ونعمل على أن نعقله ونفهمه بالشكل الذي يؤيّد صدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وينصر دينه ودعوته؛ خاصة، وأنه هو ذاته عليه الصلاة والسلام قد أمرنا قائلاً:
 إنّما أحدثكم هذا، لتعقلوه وتفهموه وتفقهوه وتعوه فاعملوا عليه، وحدثوا به من خلفكم، وليحدّث الآخرُ الآخر، فإنّه أشدّ الفِتَن). / أخرجه نعيم بن حماد في كتاب الفتن / كنز العمّال.

ولسوف يندهش العالم أجمع حين يدرك عظمة الحقائق الإعجازية في أحاديث سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن خروج الدجال، وسيجد فيها ما يثبت صدقه في رسالته ودعوته وأنه خاتم النبيين، الذي جاء بدين الله الإسلام رحمةً من الله إلى العالمين، مصداقاً لقوله تعالى :
وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾. الأنبياء : 108.

وتبياناً لهذه الآيات والحقائق الإعجازية العظيمة، لا بد من أن نتناول أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم عن ظهور الدّجال بالشرح والتفصيل على ضوء التعليم القرآني العظيم المتعلق بفهم النبوءات المستقبلية التي يُطلع الله تعالى عليها أنبياءه، لينذروا الناس أو يبشروهم بأحداث مستقبلية هامة، فيتأكد بها صدقهم وصدق من يأتي بعدهم.
ونبدأ قبل كل شيء ، بتحقيق الألفاظ الرئيسة الهامة في هذا البحث، فقد جاء في معاجم اللغة العربية المعاني التالية لكلمة (الدجّال) في:

(لسان العرب):
" الدجال : المموّه الكذاب، وبه سمي الدجال.
الدجال يخرج في آخر هذه الأمة، سمي بذلك لأنّه يدجل الحق بالباطل؛ وقيل : بل لأنه يغطي الأرض بكثرة جموعه. وقيل لأنه يُغطي على الناس بكفـره ... ويُقال: دجلـت السيف : أي موهته وطليته بماء الذهب.
والدجّال : الذهب، ويُقال لماء الذهب أيضاً دجّال، وبه شُبّه الدجال، لأنّه يُظهر خلاف ما يُضمر .

الدجال : المموّه، فعّال من أبنية المبالغة ، أي يكثر منه الكذب والتلبيس. وقيل: سمى بذلك، لأنه يستر الحق بكذبه.

والدجّال والدجّالة: الرفقة العظيمة، تُغطي الأرض بكثرة أهلها؛ وقيل: هي الرفقة تحمل المتاع للتجارة.

قال أبو العباس: سمي الدجال دجالاً ، لضربه في الأرض، وقطعه أكثر نواحيها، وقال: سمي دجالاً لتمويهه وتلبيسه وتزيينه الباطل. ودجل البعير طلاه بالقطران. ودجل الشيء: غطاه ". 

وجاء في قاموس :(المنجد):
" الدجال: أيضاً الكذاب الذي سيظهر في آخر الزمان.
الدجّالة: الرفقة العظيمة، تغطي الأرض".

 وجاء في:أقرب الموارد):
الدجال : .. الرفقة العظيمة.

نجد من هذه المعاني اللغوية أنّ لفظة الدجّال تنطبق على العدد العظيم من الناس كما تنطبق على الفرد، وسنجد في بحثنا أن أحاديث سيدنا رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم تؤيّد هذا المعنى، وتُشير إليه في مواضع كثيرة. كما تؤيد ذلك تفاسير القرآن الكريم التي تشير إلى أن المقصود بكلمة "الناس" هو الدجال، كما جاء في تفسير معالم التنزيل) و (لباب العقول في أسباب النزول لجلال الدين السيوطي، وذلك في قوله تعالى:
لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ ) . غافر 58.

ومما يؤكد بوضوح - من القرآن الكريم - أنّ كلمة (الدجال) في هذه النبوءات إنما تشير إلى أمّة من الناس هو حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي يقول فيه:
(من حفظ عشر آيات من أوّل سورة الكهف، عُصم من فتنة الدجال) صحيح مسلم.

وفي هذا الحديث، إشارة إلى أنّ ذكر الدجّال وحقيقته يمكن أن يُعرفا من خلال قراءة هذه الآيات العشر من أوّل سورة الكهف؛ فماذا في هذه الآيات؟ 
يقول تعالى :
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا . قَيِّمًا. لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا. مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا . وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا.
 الكهف: 4.1
تبيّن هذه الآيات الكريمة ، أنّ بأس الله الشديد (أشدّ الفِتَن) يتعلّق بالذين قالوا: { اتَّخذ الله ولداً } وأنّهم، بحسب إشارة حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، هم (الدجّال) المبيَّن في أوائل سورة الكهف.
 فمن هم الذين قالوا : اتخذ الله ولداً ؟
 يقول تعالى في القرآن الكريم:
وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنِ اللَّهِ ﴾. سورة التوبة : 10.

نجد إذن من هذا الحديث الشريف والآية الكريمة أن لفظة (الدجّال) الواردة في الأحاديث الشريفة ، إنّما تُشير أساساً إلى أمة اليهود -رغم العلاقة الوثيقة بين اليهود والدجّال، وكونهم يتبعونه ويدخلون في كيانه وأساسه .. إلا أنه لا بدّ من الانتباه إلى أنّ خروج وانتشار الدجال كأمة طاغية تُسيطر على البلاد والعباد بقواها المادية المختلفة ودجلها بأشكاله وأنواعه الكثيرة لا يكون من اليهود ذاتهم، لأنّ اليهود بحسب القرآن الكريم قد ضرب الله عليهم الذلة والمسكنة. فهم لن يكون لهم عزّ دنيوي ولا مجد مادّي قوي، بل إنّ ذلك سيتمثل بالأمم المسيحية الطاغية بقواها المادية الهائلة وبدجلها الكهنوتي والسياسي الذي لا علاقة له بالمسيحية الحقة.- والنصارى، حيث زعم كلاهما أنّ الله اتخذ ولداً . هذا الزعم الباطل الذي وصفه الله وصفاً لم يصف به زعماً وافتراء أشد خطورة منه، فقال:
وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا . لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِذَا . تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدا . أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا . وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا . مريم : 89 - 92.

فأي فتنة أعظم من أن تتفطر السموات منها، وتنشق الأرض، وتخرّ الجبال هداً؟! ونجد بالإضافة إلى هذا البيان الواضح أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد أشار بوضوح كامل إلى أن المقصود بالدجّال في أحاديثه هم أمة من الناس وليس فرداً واحداً، يقول:
لتُقاتِلُنَ المشركين ، حتى يُقاتِل بقيتكم الدجّالَ على نهر الأردن أنتم شرقية ، وهم غربيه). 
أورده الطبراني في " المعجم الكبير "، وخرجه السيوطي.

إن استعمال الرسول الكريم - في هذا الحديث - الضمير (هم) في وصف الدجال، ليدلّ دلالة صريحة وبكل وضوح إلى أنّه يتحدّث عن أمة من الناس؛ ومن الواضح أنّ المقصود هنا هم اليهود أيضاً الذين هم الآن موجودون فعلاً في الجانب الغربي من نهر الأردن. وبذلك يكون قد تحقق في تواجدهم الحالي غربي نهر الأردن نبأ رسول الله العظيم الذي أخبر به أمته قبل ما يزيد على أربعة عشر قرناً.
ونجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كذلك يستخدم لفظة (الدجّال) ، مشيراً بذلك إلى أمةٍ وبلاد ، وذلك في حديثه الصحيح الذي يذكر فيه عدداً من النبوءات، تحققت جميعها وبقي آخرها، يقول:
(تغزون جزيرة العرب فيفتحها الله، ثم تغزون فارس فيفتحها الله، ثم تغزون الروم فيفتحها الله، ثم تغزون الدجال فيفتحها الله).
 صحيح مسلم.

نلاحظ هنا أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد استخدم فعل "يفتحها" عن الدجّال - وفي رواية أخرى "يفتحه" – وفي هذا إشارة إلى أنّ المقصود بالدجال هنا هو بلاد وأمم.
وهكذا نجد من وقائع اللغة والحديث والقرآن الكريم أن لفظة الدجّال تشير إلى الأمة العظيمة العدد التي تُغطي الأرض بكثرة أهلها، وتحمل المتاع للتجارة ، وأنها تموّه الحق بالباطل، وتزيّنه للناس، وتنشر دجلها بينهم، وتغطي به الأرض. كما نجد أنّ هذه الأمة هي أمة اليهود والنصارى الذين ينشرون، باطلاً ودجلاً، في الأرض عقيدة أنّ الله تعالى قد اتخذ ولداً) سبحانه.
وعلى ضوء هذا التحقيق، نستطيع الآن العودة إلى أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لنفهم فتن الدجّال وشروره وأخطاره، فنعقلهـا ونفهمها ونفقهها ونعيها، لكي نتمكن من العمل عليها، وأن نحدّث بها من خلفنا، وأن يحدث الواحد منا الآخر تحذيراً من أشدّ الفِتَن، كما أمَرَنا ووصانا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن نفعل.
والآن، قد برهنا لكم من خلال تعليم القرآن الكريم أنه لا بد من تأويل رؤى الأنبياء المتعلقة بالمستقبل كما علمنا من سورة يوسف. وهكذا نستطيع الآن أن نبحث في علم التأويل، لنفهم رؤى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المتعلقة بخروج الدجال.

ورد في أحاديث رسول الله عليه الصلاة والسلام أنّه رأى الدجال في رؤياه شاباً قططاً (جعد الشعر)، أعور العين اليمني.
 فماذا يعني ذلك في علم التعبير :
جاء في كتاب تأويل الرؤى الشهير " تعطير الأنام ":
"الشاب في المنام عدو الرجل ، والشاب مكر وخديعة، أو عدوّ مكروه".
وأما عن شعر الرأس ، فقد جاء:
شعر الرأس : هو في المنام مال وطول عمر، وإن رأى أن شعره جعد، فإنّه يُشرف ويُعز، وينال سيادة وعزاً ".



عين الدجال العوراء:
وأما عن عمى العين اليمنى، فإن الجانب الأيمن في علم التأويل يرمز إلى الدين، في حين يرمز الجانب الأيسر إلى الدنيا،
 قال تعالى:
إلا أصحاب اليمين * في جنّات يتساءلون)
 المدثر : 41.40.

وقال تعالى :
وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (91) فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ ﴾
الواقعة: 92.

وأما عن أصحاب الشمال، فيقول تعالى:
وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ  فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ * وَظِلَّ مِنْ
 يَحْمُومِ لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيم.
 الواقعة : 45.42.

ويقول تعالى :
فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا * وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا . 
الانشقاق : 10.8.

وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرٍ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ.
 الحاقة: 28.26.

وهكذا ، فإن لليمين والشمال دلالتين قرآنيتين واضحتين ، تساعداننا في فهـم معنى أن عين الدجّال اليمنى عوراء أو أنّه أعمى العين اليمنى.

وأما عن عين الإنسان ، فقد جاء في علم التعبير ما يلي:
"عين الإنسان في المنام: دين الرجل وبصيرته التي يُبصر بها الهدى والضلال ".
وجاء أيضاً:
"عين الآدمي: دينه ، ومن رأى أنه يُداوي عينه، فإنه يُصلح دينه ".

وأما عن العور ، فقد جاء ما يلي:
(عور): من رأى في المنام أنّه أعور العين، أصاب إثماً كبيراً عظيماً ".

وجاء في العمى:
(عمى) هو في المنام ضلالة في الدين، والعمى أيضاً غني. فمن رأى أنّه أعمى استغنى". 
كتاب (تعطير الأنام).

وهكذا فإنّ أوصاف الدجّال في الأحاديث الشريفة تُشير إلى عدوّ ذي ثراء كبير وعزّ دنيوي، وعينه اليسرى - التي ترمز إلى الدنيا – قوية وكبيرة كأنها كوكب دري -وهو في بعض الروايات عن سعيد عند أحمد، وذكره الإمام أبو الحسن محمد بن عبيد الله الكسائي في قصص الأنبياء، وأورده المقدسي في كتابه " عقد الدرر في أخبار المنتظر " ص 275 ، كما أورده البرزنجي في الإشاعة، ص: 124.-. وهذا يشير إلى تقدّمه المادّي الهائل، في حين أنّه أعمى من الناحية الروحية الدينية، إذ أنّ عينه اليمنى عوراء طافئة ، كما جاء في الأحاديث. وأمّا الحديث الذي يذكر أنّ عينه اليسرى أيضاً عوراء، فهذا يشير
أيضاً إلى أنّ وسائل كسبه الدنيوي أيضاً تكون حراماً ومخالفة لدين الله وشرعه. وهكذا ، فبدلاً من أن ينشأ تناقض بسبب الحرفية، فإنّ التأويل يضيف إلى معرفتنا معارف يقينية أوسع.

فالدجال إذن عدوّ ؛ وهو أمة دجالة ضالة كثيرة العدد، تزعم دجلاً ، أن الله قد اتخذ ولداً، وهي أمة ثرية كثيرة المال ذات تقدم مادي دنيوي هائل تفتَن به الناس، في حين أنها عمياء من الناحية الدينية الروحية، وهي على ضلال مبين.

وأما عن التقدّم المادي الهائل لهذه الأمة الدجّالة، فقد جاء في الأحاديث بيان إعجازي شامل يحدوا بعقلاء العالم إلى الإيمان بصدق دعوة سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ودينه الإسلام.

وإليكم البيان بالتفصيل:

نبدأ أولاً، بـ : (حمار الدجّال):
جاء في حديث لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن الناس سيتركون ركوب الجمال ، فلا يسعون عليها. في حين كانت في زمنه صلى الله عليه وأله وسلم من أهم وسائط النقل التي لا يمكن التفكير بالاستغناء عنها، قال:
ولتُتركن القلاص، فلا يُسعى عليها . صحيح مسلم.

ويؤيد القرآن هذه النبوءة، حيث يقول الله تعالى:
وَإِذَا الْعِشَارُ عُطَّلَتْ . التكوير : 5.

ويقول أيضاً:
وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ )
 النحل : 9.

أي أنّه سيأتي يوم يتوقف فيه الإنسان عن استخدام الجمال ذات الأشهر العشر من العمر – والتي كانت تُشكّل أهم ركوب للنقل – وذلك بسبب وسائط النقل الحديثة المتطوّرة، التي يكون الله قد مكنه من اختراعها واستخدامها في المستقبل، بحيث يستغني بها عن ركوب الحيوانات كوسائط للنقل.

وهكذا ، عندما تحدّث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسـلـم عـن (حمار) (الدجّال العجيب، فقد كان ينقل إلينا عبر أمته، نبوءته المتعلقة باستخدام وسائط النقل السريعة التي تخترعها وتستخدمها أمة الدجّال ذات التقدم المادّي الهائل، ولكنّه عبّر عن ذلك لقومه حينذاك باستخدامه لفظة (الحمار)، ولكن أي حمار!
بين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن هذا (الحمار) يعمل بالطاقة النارية، وذلك في حديثه:
يوشك أن يخرج من جس سيل نار ، تسير سيراً بمطية الإبل.
کنز العمال الجزء السابع.
أي سوف تكون نارٌ تُسيّر المطايا ، كما تسير الإبل كواسطة نقل.

 وتتبين لنا ملامح هذا الحمار العجيب بوضوح أكثر، حين نقـرأ عن شكله وحجمـه وسرعته وأوصـافـه كـمـا مـر معنـا؛ فهو حمـار ضخم هائل، يوصف في رواية أوردها صاحب عقد الدرر في أخبار المنتظر، أن طوله ستون خطوة ، لونه أحمر ، طعامه الحجارة، لا يُدرى قبله من دبرهن يتقدّمه جبل من دخان، له صوت يدوي ما بين الخافقين، يدعو الناس إليه !

نجد أنّ هذه الأوصاف تنطبق أوّل ما تنطبق على القطار البخاري الذي كان من أوّل وسائط النقل الحديثة لأمّة الدجّال في العصر الحديث؛ وقد كان الهنود الحمر يُطلقون عليه اسم الحصان الناري) لأنه وسيلة نقل تعمل بالطاقة النارية التي تُولّد البخار، وتستخدم قوة دفعه.

وتنبأت أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن ظهور شكل آخر لوسيلة نقل الدجّال، حمار الدجّال ، فتصفه بأنّ ما بين حافره إلى حافره مسيرة يوم وليلة ،كنز العمال. وكذلك طول كل خطوة من خطاه ثلاثة أيام ، نزهة المجالس، ويضع خطوة عند منتهى طرفه، الإشاعة ص: 4) ، كما وصفت دابة الدجال هذه بأنها : ذوات السروج والفروج) (بحار الأنوار ج (3) ،كما أنه أقمر أبيض، لا شعر له - إنّ كلمة " أهلب" من كلمات المعاني المتضادّة ، فهي تعني كثير الشعر كما تعني: لا شعر له، ولذلك فإن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عندما وصف الجساسة في حديث تميم الداري، أضاف صفة "كثير الشعر" للبيان، فقال : "فلقينا دابة أهلب كثير الشعر".-، طول كل أذن من أذنيه ثلاثون ذراعاً (كنز العمال عن الإمام علي رضي الله عنه)، وما بين أذنيه أربـعـون ذراعاً (البخاري ومشكاة المصابيح، كما جاء في (الدر المنثور) ، أن أذن حمار الدجال تُظِلّ سبعين ألفاً من اليهود، وهو ذو سرعة خارقة بحيث أنّ الأرض تطوى له منهلاً منهلاً ، ويسبق الشمس إلى مغيبها!

إذا تفكرنا بهذه الأوصاف، وجدنا أنّها تنطبق على الطائرة الحديثة التي هي من اختراع أمة الدجال ، وهي من أهم وسائط نقلها. فهي قمراء بيضاء لا شعر لها، وأجنحتها التي هي بمثابة أذنيها تقارب في بعضها تماماً الأطوال المذكورة، وهي سريعة جداًـ تُطوى لها الأرض منهلاً منهلاً، وتسبق الشمس إلى مغيبها فعلاً، بحيث أنك إذا كنت في باريس ، وكان الوقت عند الغروب والساعة الخامسة مثلاً، وانطلقت بالطائرة إلى لندن في الوقت ذاته، فإنّ سفرك سيستغرق أقل من ساعة، فتصل إلى لندن قبل الغروب ، وقبيل الساعة الخامسة، وذلك بسبب سرعة الطائرة وفارق التوقيت. وإذا انطلقت طبعاً هذه الطائرة (بحافرها) الأوّل من مطار مدينة أو بلـد مـا ، فهي لا تضع حافرها الآخر إلا عند وصولها إلى مطار مدينةٍ أو بلد آخر بعد مسيرة طويلة. وهكذا تنطبق النبوءة العظيمة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تماماً.
وكذلك نقرأ وصفاً عجيباً آخر لحمار الدجّال في أحاديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يصف فيه الطائرة المقاتلة، فيقول عن الدجال في حديث أورده المقدسي صاحب (عقد الدرر في أخبار المنتظر) من حديث ذكره الإمام أبو الحسن بن عبيد الله الكسائي:
يخرج على حمار، مطموس العين ، مكسور الطرف، يخرج منه الحيات محدودب الظهر ، قد صُوّر كلّ السلاح في يديه، حتى الرمح والقوس).
نجد هنا أنه ليس لهذا الحمار الهائل أطراف، كما أن ظهره – خلافاً لشكل الحمار المعروف - محدودب ، وليس مقدَّراً كالحمار العادي، ثم نجد بقية أوصافه تنطبق على الطائرة المقاتلة التي تنطلق منها الصواريخ والقذائف بأشكال مختلفة، فهي مطموسة العين محدودبة الظهر، لا أطراف لها ، ومعها من كل السلاح، وتخرج منها القذائف وقد جاء في رواية، أن اليهود يستظلون بحماية أذني هذا الحمار الهائل؛ وهذا كناية عن احتمائهم بالمظلة الجوية لطائراتهم المقاتلة، إذ يقول في الحديثن أن سبعين ألفاً من اليهود يحتمون بظل أذني هذا الحمار، فكيف يجب أن يكون حجـم أذنيـه حـتى يحتمي ألفاً من اليهود. يقول الحديث:
 يركب - الدجّال - حماراً أبتر ، بين أذنيه أربعون ذراعاً ، يستظل  تحت أذنيه سبعون ألفاً من اليهود..) سنن الداني.
إنّ العدد سبعين أو مضاعفاته في اللغة العربية يمكن أن يستخدم للكثرة لا للحصر؛ قال تعالى: ﴿ إن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ ﴾ (التوبة (80) . وطبعاً هذا لا يعني أن الرسول لو استغفر 71 مرة، فإنّ الله سيغفر لهؤلاء المنافقين المذكورين في الآية.

إنّ كلمة (أبتر) في هذا الحديث، تُلقي الضوء على أنّ هذا الحمار ليس من النوع الذي يتناسل ويكون له ذرية من الحمير كما هي الحال في الحمر العادية، وذلك لأنّ هذا الحمار ما هو إلا شكل من أشكال الآلة البتراء التي لا يمكن أن يكون لها نَسل كوسائط النقل الأخرى من الحيوانات. كما أنّ استظلال اليهود بحمار الدجال يمكن أن يعني هنا أيضاً : المراقبة الرادارية التي تلتقط الأصوات والصور، ويحتمي في ظلّها اليهود وغيرهم. وإلا ، فكيف يكون حجم هذه الأذن التي يستظل بها سبعون ألفـاً مـن اليهود؟! ثم إذا أخذنا حجم أذن الحمار بعين الاعتبار، فكم وكيف يكون حجم هذا الحمار الخارق؟! فإذا كانت أذنه وحدها تغطي قرية أو مدينة، فهل يغطي هو بجسده دولاً وبلاداً؟!

وكذلك نجد في أحاديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أنّ هذا الحمار الهائل يخوض البحر، ولكنه لا يغرق، إذ لا يبلغ الماء أكثر من حقويه : يخوض البحر لا يبلغ حقويه) - كنز العمال.

وينطبق هذا الوصف على السفينة التي تخوض البحر، ولا يُغمر سوى جزء صغير جداً من سطحها السفلي الملامس للماء بحسب دافعة أرخميدس. وبما أنه قد ورد أيضاً أنّ هذا الحمار المائي يعمل بطاقة النار ، ويُطلق جبلاً من دخان يتقدمه، فهذا ينطبق أيضاً على السفن البخارية في بداية عهدها.

وجاء في حديث لـرسـول الله صلى الله عليه وآله وسلم عـن واسـطة نقل عجيبة، أُطلق عليها اسم ( بعير)، يُحشر الناس عليه أو يجتمعون فيه، فقال:
(يُحشر الناس على ثلاثة طرائق راغبين وراهبين واثنان على بعير وثلاثة على بعير وأربعة على بعير. وعشرة على بعير ؛ ويحشر بقيتهم النار، تقيل معهم حيث قالوا، وتبيت معهم حيث باتوا، وتُصبح معهم حيث أصبحوا وتمسي معهم حيث أمسوا) 
الجامع الصغير عن أبي هريرة.

ولا شكّ في أنّ هذا البعير كناية عن السيارات وحافلات النقل، السيارات، الباصات، والقاطرات وغيرها - التي كان يركبها في البدء واحد أو اثنان، ثم تطوّرت في الشكل والحجم، فصار يركبها أكثر وأكثر من الناس ، حتى وصلت إلى شكلها الحالي، بحيث يمكن أن تقل عشرة أو أكثر، ينحشر الناس فيها في عربة واحدة.

وهكذا، نجد من خلال نبوءات الرسول الكريم عن حمار الدجال نبوءاته المدهشة عن جميع وسائط النقل الحديثة المعاصرة كالقطارات والطائرات المدنية والطائرات المقاتلة والسفن والسيارات، بوصف دقيق رائع لا يمكن لأحد أن يأتي به، إلا إذا كان الله ذاته قد أطلعه عليه، وأظهره على غيبه، فجعله يرى هذه الصور والأشكال والأحداث المستقبلية منذ ما يزيد على أربعة عشر قرناً من الزمان.


تقارب الزمان:
وتحدث الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً عن تقارب الزمان بسبب تمكن أمّة الدجّال من اختراع وسائط النقل الهائلة السرعة نوالتي أصبح الإنسان، بواسطتها، قادراً على اختصار الزمان، فيقطع في شهر ما كان يقطعه في سنة، ويقطع في أسبوع ما كان يقطعه في شهر، ويقطع في يوم ما كان يقطعه في أسبوع، ويقطع في ساعة ما كان يقطعه في يوم، ثم يقطع في لمح البصر ما كان يقطعه في ساعة ، وهذا من خلال سرعة الصواريخ الفضائية التي وصلت تماماً إلى هذه السرعات المذهلة، حيث ورد عن رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث أنس عند أحمد والترمذي:

 فتكون السنة كالشهر، ويكون الشهر كالجمعة، وتكون الجمعة كاليوم، ويكون اليوم كالساعة، وتكون الساعة كالضرمة بالنار.

وورد كذلك عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن الدجال يحبس الشمس ، فيقول :
(أنا ربّ العالمين ، وهذه الشمس تجري بإذني ، أفتريدونني أن أحبسها لكم، فيحبس الشمس ، حتى يجعل اليوم كالشهر، والجمعة كالسنة، ويقول : أتريدون أن أسيرها، فيجعل اليوم كالساعة) . / رواه نعيم والحاكم عن ابن مسعود.

ومما لاشك فيه أن أطوال اليوم والشهر والسنة تعتمد على حركة النجوم والكواكب في الأفلاك السماوية، فهي تعتمد على سرعة دوران الأرض حول نفسها وسرعتها حول الشمس وهكذا. وقد بيّن لنا القرآن الكريم أن دوران وسرعات هذه الأجسام السماوية في أفلاكها مرتبطة بقوانين محكمة تجعلها تسير في مسارات وحُبك مرسومة محسوبة ومقدّرة بتقدير العزيز العليم، وأنّ الله قد سخر هذه القوانين الفلكية لصالح حياة الإنسان وبقائه، فلا يمكن أن تختل أو تتغير، لأنّ ذلك لو حدث ، فإنه سيؤدّي إلى فساد نظام السماوات والأرض، وبالتالي دمار الحياة والجنس البشري بأكمله، بالإضافة إلى مخالفته لقوانين الطبيعة التي بثها الله وأحكمها في الكون بيديه، يقول تعالى في سورة إبراهيم:

وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ.
 إبراهيم (34).

أي أن الله عز وجل قد ضبط الشمس والقمر والليل والنهار بقوانين مُحكمة، لا يمكن لها أن تُخالفها لأي سبب مـن الأسباب، لأنّ الخروج على هذه القوانين سوف يؤدّي إلى فساد نظام الكون، وبالتالي إلى هلاك الجنس البشري؛ ولذلك فقد جعل الله لكلّ كوكب فلكاً ومساراً خاصاً لا يخرج عنه،

قال تعالى:
لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ
يَسْبَحُونَ. ياسين: 41.

وهذا يعني أنّ الوقت والزمان اللذين سخرهما الله للإنسان - من خلال ضبط حركة الأرض والشمس والقمر بقوانين خاصة قدرها عليها -- لا يمكن أن يخالفا القوانين التي ضبطهما بها الله تعالى، وبالتالي فإنه لا يمكن أن يطول الزمان أو يقصر بشكل مخالف لهذه القوانين الإلهية المحكمة، قال تعالى:
وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ ﴾ 
الرحمن : 7.

أي أنهما ينصاعان بالطاعة التامة للتقدير الذي قدّره الله عليهما ، ولا يمكن أن يخالفـاه أبداً، ولا يستطيع أحد أن يجعلهما يُخالفانه.

 ويبين الله تعالى أنّ جميع الكواكب والنجوم إنّما تسير في السماء في الطرق المحسوبة المحبوكة التي حبكها ورسمها لها، فوصَفَ السماء، بأنها ذات الحبك ، أي ذات الطرق المحدّدة للأفلاك التي تسبح فيها، فقال:
وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ .
الذاريات: 8.

وهذا ما يؤيده العلم الذي أثبت أن لكل نجم وكوكب مساراً خاصاً ، لا يمكن أن يخرج عنه.


فكيف يمكن إذن للمسيح الدجال الأعور الكافر أن يُفسد نظام الكون ومدارات الشمس والقمر والأرض والأفلاك حتى يغيّر الوقت والزمان، فيجعله يقصر أو يطول، أو يوقفه بحبس الشمس؟! 

إنّ هذا لا يمكن أن يكون إلاّ بمعنى تمكنه من اختراع وسائط متطوّرة للنقل، تجعله يجتاز المسافات بسرعات هائلة. فما كان يُقطع في سنة، يمكنه بواسائط نقله أن يقطعه في شهر، ثم مع زيادة السرعات، يمكن اختصار الزمن لمسافات أكبر وأكبر . وبذلك يصير الشهر كالجمعة، والجمعة كاليوم، واليوم كالساعة، والساعة كضرمة النار؛ تماما كما أخبرنا محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منذ ما يزيد على ألف وأربعمئة سنة في أحاديثه ونبوءاته المعجزة عن الدجّال وأيامه. ومن المعروف كذلك، أنّه يمكن للإنسان اليوم أن يظل في وقت الشمس والنهار من خلال السفر من منطقة ذات توقيت سابق في الشرق إلى منطقة أخرى ذات توقيت لاحق في الغرب، فبدلاً من أن تغرب الشمس في موعدها المحدد ، تتأخر لساعة أو ساعات على من يطير في طائرة باتجاه الغرب، وكذلك يكسب فارقاً في التوقيت ، وكأنّ الشمس قد حبست والنهار طال.
كما أنّ حَبْسَ الشمس يمكن أن يعني ما توصل إليه إنسان اليـوم مـن إمكانية حبس الطاقة الشمسية لاستخدامها لأغراض حرارية وتوليد الكهرباء، وغير ذلك مما هو شائع ومعروف ، حتى بات مصطلح (حبس الشمس، اليوم من الأمور الشائعة المألوفة التي يستخدمها الكتاب في مؤلفاتهم ، ويحدثون الناس بها، فقد ورد في كتاب ( حفارو القبور) لمؤلّفه الشهير روجيه غارودي، يتحدّث فيه عن أهمية الطاقة الشمسية بالنسبة إلى أفريقيا، فيقول :
"إن أفريقيا السوداء لا تحتاج إلى البنطال الضيّق أو إلى مزيل الرائحة، بل إنها بحاجة إلى الكثير من الآلات التي تحبس الشمس لتتحكم بمصدر الطاقة الأهم بالنسبة إليها : الشمس."  منشورات عويدات بيروت . باريس طبعة عام 1993 الصفحة 144.

 وهكذا يثبت بأن سيدنا رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم قد نبأ العالم بتوصل الإنسان إلى إمكانية حبس الشمس، قبل تمكنه من ذلك بما يزيد على 1400 سنة.

فمن يقدر على تكذيب هذه النبوءة العظيمة فليفعل! ومن يصدقها فليسأل نفسه: ماذا يعني تحقق هذه النبوءات بالنسبة إلى العالم؟

 
سيطرة الدجّال على السماء والأرض:

مر معنا في أحاديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أن السماء والأرض تأتمران بأمر الدجّال، فقال:

يأتي على القومن فيدعوهم ، فيؤمنون، فيأمر السماء، فتمطر والأرض فتنبت.
صحيح مسلم عن النواس بن سمعان.

إنّ هذا لا يمكن أن يعني كما يزعم أو يفهم البعض – أن الدجال يصرخ آمراً السماء بقوله: "يا سماء أنزلي الغيث والمطر"، فتنصاع بأمره وتنزل الغيث في المكان الذي يحدّده؛ أو أن يأمر الأرض قائلاً: "أنبتي" ، فتخرج ، زروعها وثمارها، منصاعة لكلمته الآمرة من غير حرث ولا زرع! إنّ هذا الفهم لا يمكن أن يكون مقبولاً بأي شكل كان ، فالكون لا يأتمر إلا بكلمة الله وحده، ولا قدرة للدجال أو لغيره على أن يأمر السماء فتطيعه، ولا أن يأمر الأرض فتنصاع طائعة كما يريد. بل إنّ هذه النبوءة في حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تُشير إلى تقدّم أمّة الدجال في ميادين الزراعة واستثمار الأراضي، فيتمكنون من نقل الماء عبر الأنابيب المرتفعة المثقبة التي ترش الماء من علو -جاء في معجم اللغة العربية : كلّ ما علاك فهو سَماك ، وهذا يعني أن أي ارتفاع فوق الأرض مهما كان علوّه يمكن أن يسمّى السماء، وبهذا، يكون الريّ بالأنابيب الضخمة المرتفعة فوق الحقول بمثابة إنزال المطر من السماء. ومن المعلوم أن ثمة بعض الوسائل لإنزال الماء من الغيم المعقود في السماء بواسطة قذائف خاصة، وغير ذلك مما ذكر هذه الأنباء العلمية الحديثة.- أو ترّش الماء والمبيدات بواسطة الطائرات الزراعية بأمره وكلما أراد. وقد جاء في قواميس اللغة العربية أنّ كلّ ما يعلو الأرض مهما كان ارتفاعه يمكن أن يُطلق عليه اسم السماء - راجع مادّة سمو في معاجم اللغة العربية.-، وهكذا ، فإنّ ري الأراضي بواسطة الأنابيب المرفوعة الضخمة الدوّارة التي تروي الحقول المزروعة بواسطة الرش يمكن أن يعدّ بمثابة إنزال المطر من السماء، ولا شكّ في أنّ هذا الشكل من الري يمكن أن يتمّ بأمر ورغبة المزارع الذي يستخدم هذه الطريقة وقتما يشاء، وبهذا نجد أنّ نبوءة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هنا تتعلق بتقدّم الدجّال وقومه في مجال ري الأراضي واستخراج الزروع والثمار بوسائل حديثة متطوّرة تُحيل الصحارى والأراضي البور إلى جنـات وارفة الظلال. وجميعنا يعلم أن هذا متحقق فعلاً.

ويشبه هذا الأمر أيضاً نبوءة رسول الله صلى الله عليه وآله وسـلـم عـن الدجّال بأنه يأمر الأنهار فتُطيعه ، حيث جاء في حديث لـه عليه الصلاة والسلام أنّ الدجال :
(يأتي النهر، فيأمره أن يسيل فيسيل، ثم يأمره أن يرجع فيرجع، ثم يأمره أن ييبس فييبس.
 رواه نعيم بن حماد في حديث أورده الإمام البرزنجي في كتابه: الإشاعة لأشراط الساعة)، ص: 125. كما أورده المقدسي في كتابه: عقد الدرر في أخبار المنتظر).

وهذا لا يمكن أن يعني بأنّ الدجّال يقف على ضفة نهر عظيم، فيصرخ أمراً ماءه قائلاً: "أيها الماء ارجع. فيرجع إلى مصادره ومنابعه، ثم إذا قال له: "أيها الماء اجري". فينصاع له طائعاً أمره فيجري، ثم إذا قال له: "ايبس"، يتوقف عن الجريان، ويجمد يابساً في أرضه.
 إنّ هذا الكلام لا يستطيع قبوله عقل عاقل من الناس؛ بل إنما هي نبوءة عظيمة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، نبأنا فيها عن تمكن الإنسان في المستقبل من السيطرة على مياه الأنهار بواسطة السدود الضخمة الهائلة وبوّاباتها الكبيرة، بحيث يمكن للمهندس المسؤول أن يضغط على زرّ واحد، فيُغلق بوابات السد في مسير ماء النهر فيرتـد بـأمره، ثم إذا أراد فَتَحَ هذه البوابات فيجري المـاء وينساب بأمره.

وأما عن تيبيس الماء، فما هي إلا النبوءة المتعلقة بتمكن الإنسان من تجميد الماء وتحويله إلى جليد في المعامل والبيوت بحسب الرغبة والطلب. وبهذا نجد الكثير والكثير من الكنوز المحمدية في نبوءاته المتعلقة بالدجال وقدراته.


وهكذا فإن هذه النبوءات تتعلّق بتقدّم الإنسان الهائل في مجال الري بواسطة السدود وغيرها، واستصلاح الأراضي واستخراج كنوزها وثرواتها النباتية بأحدث الأساليب العلمية التي تخترعها وتصنعها الحضارة المعاصرة بوسائلها واختراعاتها العلمية الحديثة.

وعوداً إلى النبوءة القائلة بأنّ الدجّال يأمر السماء أن تمطر فتُمطر، فإنني أرى أنّ ألفاظ هذا الحديث لا تتحدّث عن قدرة إنزال الدجّال للماء - حصراً - من السماء، بل هي نبوءة خطيرة تتحدّث عن إنزاله الهلاك على الناس من السماء؛ فكيف يكون ذلك؟

إن نبوءة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم تتحدث عن (المطر) وليس الغيث؛ والمطر في اللغة العربية ومصطلح القرآن الكريم غير الغيث. وإذا ما انتبهنا إلى القرآن الكريم، فإننا نجد أنّه لم يستعمل كلمة "المطر" إلا في حالة السوء والأذى؛ في حين أنّ الغيث فقط هو الكلمة التي تُستعمل للخير، وإليكم البرهان :
وردت كلمة "مطر" في القرآن الكريم أربع مرات، وقد استخدمت جميعها في مجال السوء والأذى، يقول تعالى:
وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ ﴾ . النساء : 103.

نلاحظ هنا وجود الأذى بسبب المطر ، واقتران كلمة الأذى به. ويقول تعالى أيضاً:
وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ ﴾
 الفرقان: 41.

ونلاحظ هنا أيضا اقتران كلمة السوء بكلمة المطر. 

وكذلك نقرأ قوله تعالى:
 وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ )
 الشعراء: 174

وهكذا فإن السوء والأذى يمكن أن يقترنا بكلمة المطر،  وأما الغيث فهو الذي يأتي بالأمل من بعد اليأس، 
يقول تعالى:
وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ
الشورى: 29.

كما يبين لنا القرآن الكريم بأن الله تعالى قد خص نفسه بالقدرة على إنزال الغيث، فلا يجوز أن نشرك بذلك أحداً آخر كالدجال أو غيره. يقول تعالى عن نفسه:
إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ ﴾
لقمان: 35.

يمكننا إذن أن نفهم الآن معنى فتنة الدجال بأنه يأمر السماء فتمطر، ليس فقط بمعنى أنّه ينزل الماء لريّ النبات بل أيضاً بمعنى أنه ينزل الأذى من السماء كالقنابل والقذائف والصواريخ والمتفجرات بمختلف أنواعها كالمطر. ونعلم التعبير المألوف الذي يقول فيه الواصفون للغارات الحربية بأن الطائرات قد أمطرت مدينة كذا أو قرية كذا بوابل من القنابل والصواريخ؛ أو في قولهم: أمطر العدو بوابل من الرصاص، وفي رأيي أنّ هذا هو المعنى الأعم لنبوءة سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم بأنّ الدجّال يأمر السماء فتمطر، أي أنه يأمر طائراته في السماء، فتمطر الناس بالقنابل والنار والبارود تخويفاً وإرهاباً لهم ، ليقبلوا دعوته ، ويؤمنوا به فيتبعونه، وهذا هو الحاصل أيضاً كما تعلمون، هذا بالإضافة إلى ما ذكرنا من تمكّن أمّة الدجال من وسائل الري الهائلة الحديثة التي ترش بواسطتها الماء على زروعها، لتخصب الأراضي الميتة، فتحييها وتحيلها إلى جنات مثمرة وارفة الظلال، والله أعلم.


 
النار التي تصاحب الناس في كل مكان:
جاء في حديث لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نبوءة عن نار عجيبة، تصحب الناس وتجمعهم في كل مكان ، وهم ينامون ويبيتون معها مطمئنين، قال:
(يُحشر الناس على ثلاث طرائق ، راغبين وراهبين، واثنان على بعير، وثلاثة على بعير، وأربعة على بعير ، وعشرة على بعير ؛ ويحشر بقيتهم النار ، تقيل معهم حيث قالوا ، وتبيت معهم حيث باتوا ، وتُصبح معهم حيث أصبحوا ، وتُمسي معهم حيث أمسوا) 
عن أبي هريرة في الجامع الصغير.

يبين هذا الحديث نبوءةً عن المناسبات التي يجتمع فيها الناس ويُحشرون، فهم يجتمعون في وسائط النقل (البعير) التي يمكن أن تحمل اثنين أو ثلاثة أو أربعة أو عشرة أو أكثر ؛ وهذا ما نراه اليوم من اجتماع الناس في وسائط النقل الحديثة كالسيارات والباصات والقطارات وغيرها. كما أنّ الناس يجتمعون ويُحشرون في القرى والمدن التي تكون فيها الكهرباء متوفرة لضرورتها في الإنارة والتدفئة والتبريد وضخ الماء وتشغيل الأجهزة وغير ذلك من الاستعمالات الكثيرة. ويمكن اعتبار الكهرباء، كما هو معلوم، شكلاً من أشكال النار. ولكنها النار التي يمكن للناس أن يقيموا معها ويبيتوا معها ويصبحوا معها ويمسوا معها، تماماً كما تنبأ الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم؛ وإلا، فكيف يمكننا أن نقبل فكرة أن ينام الناس ويبيتون مع النار بالمعنى الحرفي فلا تحرقهم! بل هي نبوءة عظيمة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن استخدام الكهرباء التي تجمع الناس في البيوت والقرى والمدن، بحيث لم يعد بالإمكان تخيّل مكان ينحشر فيه الناس ويجتمعون دون أن تتوفر فيه الكهرباء، التي هي شكل من أشكال النار.


* استخدام الطاقة الشمسية:
جاء في حديث لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصف الدجال، قال:
.. ويتناول الطير من الجو ويشويه في الشمس شيّاً). 
( الإشاعة لأشراط الساعة) ص: 127 ، ورواه الحاكم وابن عساكر عن ابن عمرو.

 نجد في هذا الحديث نبوءة عن تمكن الإنسان من اختراع بنادق الصيد المتطوّرة التي تُمكِّنُ مُستخدمها من اصطياد الطير وهـو طـائر في السماء. وكذلك نجد في هذا الحديث نبوءة عن تمكن الإنسان من استخدام الطاقة الشمسية لأغراض حرارية، حيث يستطيع أن يشوي بالشمس، أو بالطاقة الشمسية ما يصطاد من طير أو غيره؛ وهذا معروف اليوم ، إذ قد تم اختراع مواقد حرارية تحوّل الطاقة الشمسية إلى طاقة حرارية، يمكن استخدامها في طهي الطعام والإنارة والتدفئة وغيرها، كما هو معلوم.
.
كما عبّر الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم في نبوءته عن الاستفادة من تخزين الطاقة الشمسية بقوله : إن الدجّال يحبس الشمس، كما بينا آنفاً، وقد روى نعيم والحاكم عن ابن مسعود أنّ رسول الله عليه الصلاة والسلام قد روى في حديث له أنّ الدجّال يقول:
(أنا رب العالمين، وهـذه الشمس تجري بإذني، أفتريدونني أن أحبسها لكـم، فيحبس الشمس).
وهكذا نجد أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد تنبأ بتوصل الإنسان إلى استخدام الطاقة الشمسية منذ ما يزيد على ألف وأربعمئة سنة!

كما أن حبس الشمس يمكن أن يعني القدرة على مواجهتها بشكل  أطول من المعهود أو بشكل مستمر ودون غياب عنها، وذلك من خلال السفر بسفن فضائية ، تطير بسرعة خاصة، بحيث تبقى في مواجه مستمرة مع الشمس التي لا تغيب عن مثل هذه المركبة السريعة ومن فيها، فتبدو وكأنها قد حبست فلا تغرب أبداً!



 
إخراج كنوز الأرض بأمر الدجّال:
وجاء في حديث لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصف فيه الدجال، فقال :
 ويمر بالخربة فيقول لها : أخرجي كنوزك، فتتبعه كيعاسيب النحل).
مسلم والترمذي.

لا يمكن طبعاً أن يكون المقصود من هذا الحديث أنّ الدجّال يقف في الخرائب ، ويصرخ آمراً إيّاها : "أخرجي كنوزك"، فترتعد فرائص الأرض، وتدفع كنوزها من الذهب والفضة والجواهر وغيرها بين يدي الدجال، ثم تطير هذه الكنوز وراءه في خط مستقيم إلى حيث يشاء، وإنما المقصود هنا ، اختراع أمة الدجال وسائل حديثة متطوّرة تمكنهم من استخراج كنوز الأرض مثل النفط والذهب والفضة والحـديـد والألمـاس وغيرهـا مـن كـنـوز الأرض وثرواتهـا الدفينة، بحيث لا يعجزون عن استخراج أية كنوز في عمق الأرض وفي أي بلاد تكون. ومن الملفت أنّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد بيّن بنبوءته العظيمة أنّ هذه الكنوز لا تبقى في أراضيها التي تُستخرج منها، وإنمـا تـشـحـن خـارج بلادها وأراضيها وراء أمم الدجال الذين يسرقونها إما بالاستعمار أو بالتجارة، فيحملونها على سفنهم وطائراتهم ، فتتبعهم إلى بلادهم لتزيد في ثرواتهم وقوتهم على حساب البلاد الفقيرة التي يسرقون منها ثرواتها وكنوزها بالقوة أو بأبخسالأثمان.


وأما تشبيه رسول الله صلى الله للشحن الجوي بطيران يعاسيب النحل، ففيه إعجاز آخر، إذ أن يعاسيب النحل تطير في خط ثابت مستقيم كما تطير الطائرات .



 
التقدّم في علوم الطب والجراحة:
وجاء في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الدجال: 
(ثم يدعو رجلاً ممتلئاً شباباً ، فيضربه بالسيف، فيقطعه جزلتين رمية الغرض، ثم يدعوه، فيُقبل ويتهلل وجهه يضحك).
 مسلم والترمذي ومسند أحمد.

مع الإيمان بأن أحداً لا يقدر على أن يحيي الميت أو يبعثه من الموت إلاّ الله ؛ فإنّ هذا الحديث يشير إلى تقدّم الإنسان في مجال الطب والعمليات الجراحية الخطيرة، حيث يمكن اليوم لأطباء العالم الغربي ومن تعلّم عندهم أن يجري عمليات جراحية خطيرة على مستوى استبدال قلب الإنسان المعطوب بقلب صناعي أو قلب إنسان آخر، كما هو معلوم، حيث يقوم الأطباء – بعد تخدير المريض الذي يصير كالميت تماماً لا يُحسّ ولا يشعر – بشق صدر المريض نصفين، ونشر عظامه بالمنشار ، ثم فتح صدره إلى العمق ، ونزع قلبه المعلول، واستخراجه من صدره، وبذلك يكون الطبيب قد شق صدر المريض شقين رمية الغرض المقصود، ثم يستبدل القلب القديم السقيم بقلب آخر، ثم يعود، فيغلق صدره المشقوق ، ويلمّ جرحه، ثم ينعشه من التخدير ، وكأنما يبعثه من الموت، فيصحو المريض متهلّلاً، ويضحك فرحاً بنجاح العملية، ونجاته من الموت، تماماً على الصورة التي بينها الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم في نبوءته العظيمة.


 
بقاء الدجال حيّاً في الأرض وعلمه للغيب:
قد مرّ معنا في قصة تميم الداري المروية في حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في صحيح مسلم أنّ الدجال قد تنبأ بالغيب نبوءات صادقة، وأنه كان حيّاً مقيداً في دير منذ الزمن السابق لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . ولا شكّ أنّ في هذا - عدا عن مخالفته للعقل والمنطـق الـسـليـم – يُخالف أيضاً القرآن وأسس الإيمان والتوحيد في الإسلام كما هو معلوم للمسلمين أو العارفين بالإسلام.
ونظراً للأهمية الخاصة المتعلّقة ببعض المعتقدات الخاطئة التي بنيت على المفهوم الخاطئ لهذا الحديث، نجد أنّ من الضروري البرهان على أنّه لم يكن إلا رؤيا تتعلق بنبوءة غيبية يصح فهمها بالتأويل المبني على التعليم القرآني الحكيم، في حين يضل المصرّ على الأخذ بحرفيتها ، ويصير أسير عقائد خاطئة ليست من الإسلام في شيء، بل يصير نهباً للخرافة والخيال، وقابلاً للشرك باسم الدين، وإليكم البيان:
جمع سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الناس ذات يوم ، وهو يتهلل وجه ، وقال:
(يا أيها الناس.. أتدرون لم جمعتكم؟ ... لأن تميماً الداري كان رجلاً نصرانياً ، فجاء ، فبايع وأسلم، وحدثني حديثاً وافق الذي كنت أحدثكم عن المسيح الدجال. حدثني أنه ركب في سفينة بحرية مع ثلاثين رجلاً من لخم وجذام، فلعب بهم الموج شهراً في البحر، ثم أرفاًوا إلى جزيرة في البحر حتى مغرب الشمس ، فجلسوا في أقرب السفينة، فدخلوا الجزيرة ، فلقيتهم دابة أهلب كثير الشعر ، لا يدرون ما قبله من دبره من كثرة الشعر . 
فقالوا : ويلك ، ما أنت ؟ 
فقالت: أنا الجساسة،
 قالت: يا أيها القوم، انطلقوا إلى هذا الرجل في الدير) - فإنه إلى خبركم بالأشواق.
 قال: لما سمت لنا رجلاً ، فرقنا منها أن تكون شيطانة. 
قال : فانطلقنا سراعاً حتى دخلنا (الدير) - لاحظ علاقة الدير بالمسيح الدجال في هذا الحديث، فهو مكان إقامته ومنطلقه!-، فإذا فيه أعظم إنسان رأيناه قط خلقاً ، وأشدّه وثاقاً، مجموعة يداه إلى عنقه، ما بين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد.
قلنا : ويلك، ما أنت؟ 
قال: قد قدرتم على خبري ، فأخبروني أنتم .
قالوا : نحن أناس من العرب، ركبنا في سفينة بحرية ، فصادفنا البحر حين اغتلم، فلعب بنا الموج شهراً، ثم أرفأنا إلى جزيرتك هذه، فجلسنا في أقربها ، فدخلنا الجزيرة.... 
فقال: أخبروني عن نخل بيسان.
 قلنا : عن أي شأنها تستخبر ؟
 قال : أسألكم عن نخلها ، هل يثمر ؟ 
قلنا له: نعم.
 قال: أما إنها يوشك ألا تُثمر. 
قال: أخبروني عن بحيرة طبريا،
قلنا: عن أي شأنها تستخبر ؟
 قال : هل فيها ماء؟
 قالوا : هي كثيرة الماء. 
قال: أما إنّ ماءها يوشك أن يذهب.
 قال: أخبروني عن عين زغر ، 
قالوا :عن أي شأنها تستخبر؟
 قال : هل في العين ماء ؟ وهل يزرع أهلها بماء العين؟
 قلنا له: نعم ، هي كثيرة الماء، وأهلها يزرعون من مائها. 
قال: أخبروني عن نبي الأميين، ما فعل؟
 قالوا : قد خرج من مكة ، ونزل يثرب .
 قال: أقاتله العرب؟ قلنا نعم.
 قال : كيف صنع بهم؟ 
فأخبرناه أنه قد ظهر على من يليه من العرب وأطاعوه، 
قال: قد كان ذلك؟ 
قلنا: نعم. 
قال : أما إنّ ذلك خير لهم أن يُطيعوه. وإني مُخبركم عني، إني أنا المسيح الدجال ، وإني أوشك أن يؤذن لي بالخروج، فأخرج، فأسير في الأرض ، فلا أدع أرضاً ، إلا هبطتها في أربعين ليلة ، غير مكة وطيبة، فهما محرمتان علي.
صحيح مسلم.

يبدو للمتفكر بكل وضوح أنّ هذا الحديث الشريف إنما يتحدّث عن رؤيا وافقت رؤى صادقة أخرى، وليس عن قصة واقعية حقيقة؛ والبرهان كما يلي:

 أوّلاً، البرهان اللغوي:
يتبين من البيان اللغوي لبعض مفردات هذا الحديث، أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، إنما كان يحدّث أصحابه عن رؤيا قصها عليه تميم الداري، وقد جاءت موافقة لرؤى صادقة، تتعلق بالدجال، كان قد رآها هو صلى الله عليه وآله وسلم ذاته، ففرح بتأكيد هذه النبوءة، وقال:
(أتدرون لم جمعتكم؟... لأن تميماً الداري... حدثني حديثاً وافق الذي كنتُ أحدثكم عن المسيح الدجال.)

نجد في هذا المقطع من الحديث الشريف كلمة "حديث" وكلمة "وافق"، وهما كلتاهما تُستخدمان في اللغة العربية للتعبير عن الرؤيا؛ فكلمة "حديث" هي المفرد من "أحاديث، التي تعني أيضا الرؤى، كما في قوله تعالى في سورة يوسف :

كَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ﴾ 
الآية 7.

ثم نجد لفظة " وافق" ، التي تُشير هنا بكل وضوح إلى أن لفظة: "حديثاً" في هذا الحديث الشريف ، تعني: "رؤيا"، أي أنّ تميماً الداري قد حدث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن رؤيا صادقة رآهان وجاءت موافقة لرؤى الرسول الكريم محمّد صلى الله عليه وآله وسلم عن الدجال التي كان يحدّث بها قومه.


 ثانياً، البراهين والدلائل من عناصر القصة ذاتها:

إذا أمعنا النظر في قصة تميم الداري لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نجد أنها تحتوي على مجموعة عناصر لا يمكن أن تكون مقبولة إلا إذا كانت رؤيا تستلزم التأويل، ومنها :

1) أنها تحتوي على أنباء غيبية تتعلّق بالرسول وقومـه وحـروب وبـلاد ومواقف ذكرها المسيح الدجال ، وهي نبوءات ثبت صدقها؛ وبما أنه لا يمكن أن يعلم الغيب إلا الله تعالى، أو من ارتضى من رسول بوحي منه عزّ وجل، فإنّه لا يصح الاعتقاد بأن كافراً كذاباً دجالاً يعلم الغيب كالله أو كأنه نبي صادق من عند الله !

2) نجد أن الدجال في هذه الرواية يعدّ طاعة النبي الكريم محمد خيراً وينصح بها، وذلك بقوله: (أما إنّ ذلك خير لهم أن يطيعوه، وهو في كلامه هذا يُعدّ صادقاً ولا يُعدّ دجّالاً، وهذا يُناقض دعواه وفتنته!

(3) نجد في هذه الرواية أنّ الحيوان (الجساسة) تكلّم الناس بكلام فصيح مبين يفهمه الناس، وهذا أمر مُحال في الواقع واليقظة ، كما هو معلوم. ثم إنّ لفظة الجساسة ، تُشير إلى التجسّس الذي هو سمة بارزة لدى أمم الحضارة الغربية بسبب تركيبتها العدوانية الحربية.

(4) يقول تميم الداري نفسه في هذه الرواية أنّه قد ركب السفينة مع ثلاثين رجلاً من لخم وجذام، ولم يَرِدْ في السيرة والتاريخ أن أحداً من الرجال من القبيلتين المذكورتين قد ذكر شيئاً عن هذه القصة أو أيدها!

(5) جاء في هذه الرواية أنه قد كان على ظهر السفينة المذكورة ثلاثون رجلاً، وأن الموج قد لعب بهـا، فـضـلـوا عليها في البحر ثلاثين يوماً دون أن يقصدوا السفر هذه المدّة الطويلة، فكيف كان يمكن لهؤلاء الثلاثين أن يعيشوا على متنها مدة ثلاثين يوماً دون ماء أو طعام كاف طوال هذه المدة الطويلة ، ودون استعداد مسبق؟ ثم كم يجب أن يكون حجم هذه السفينة حتى تتسع لتخزين مؤونة من الماء والطعام وغير ذلك ، تكفي ثلاثين رجلاً ، مدة ثلاثين يوماً ، هذا لو كانوا يعلمون أنهم سيضلون شهراً؟ وهل كانت قبيلتا لخم وجذام تمتلكان مثل هذه السفن الكبيرة؟! وهل ذكرت الكتب والروايات المعنية أسماء هؤلاء الثلاثين أو أحداً منهم؟ مطلقاً!

(6) ثم أين هذه الجزيرة اليوم التي فيها وحوش أو دوابٌ هلـبِ متكلمة كما تتكلم (الجساسة)؟ وأين هذا الدير الذي يوجد فيه هذا الإنسان الخارق المقيد بالحديد حتى اليوم؟ ثم ألم يقدر الجغرافيون والمكتشفون على اكتشافها ومعرفة ما فيها حتى اليوم؟!

إنّ هذه الرواية لا يُمكن أن تؤخذ بحرفيتها - لأنها رؤيا – تُبيّن بأنّ الوحش (المسيح الدجال) الذي كان مقيداً بالحديد في دير في جزيرة في زمن رسول الله ، إنما كان هو الكهنوت المسيحي المتمثل بالتعاليم المخالفة لهدي المسيح الناصري وتعاليمه في التوحيد وعبادة الله الواحد. ولقد كان رجال الدين المسيحي - الذين انطلقوا في الزمن الحديث مبشرين بمسيحيتهم المنحرفة على متن حمار الدجال الناري، (السفينة البخارية، ثم القطار البخاري ، ثم الطائرة بأنواعها، إلى الهند ، في الشرق - وهي جهة خروج الدجال كما في النبوءة النبوية الشريفة.-، وأفريقيا وآسيا وأمريكا ، وغيرهـا مـن بـقـاع استعمارهم - في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، مقيدين في الجزيرة البريطانية ، حامية الكنيسة المسيحية آنئذ، ولم يكونوا قادرين على الانتشار إلى الآفاق التى وصلوا إليها في زمننا الحديث بعد اختراعهم وسائط النقل الخارقة التي رمز إليها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم باسم  الدجال)، فسفكوا الدماء، واحتلوا البلاد، وأذلوا العباد، وفتنوا الناس، ونهبوا الخيرات، تطير وراءهم كيعاسيب النحل!


ولو أردنا إيراد تفصيل كل بيان في نبوءات سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المتعلقة بخروج الدجال لوجدنا أن دقائق وتفاصيل تلك النبوءات تفوق قدرتنا على الإحاطة بجميع ما جاء فيها، وسيتبين لنا أن ثمة نبوءات وآيات لا تزال بانتظار المستقبل ليبينها ويكشفها للناس في حقائق إعجازية جديدة تشهد علـى صـدق رسول الله صلى الله عليـه وآلـه وسـلـم ورسـالـتـه العظيمة، الإسلام وكتاب الله المجيد، وتدفع المفكرين المخلصين الذين يأبون خداع أنفسهم إلى التصديق بمحمد عليه الصلاة والسلام والدخول في دين الله العظيم الإسلام بدليل ما جاء في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من إعجازات علمية متينة سطعت برهاناً عظيماً للعالمين.

ولا نزعم أنّ ما قدمناه هنا هو البيان كلّه ، أو أنه لا يمكن أن يكون ثمة بيان غيره، بل إنّ بحث الدجال كنز من كنوز محمد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ، وستظل البشرية تجد فيه الكثير والكثير من آيات الله الإعجازية الداعية إلى التصديق بمحمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ودين الله الإسلام ن شريطة عدم التمسك بالحرفية الخرافية الأسطورية المنافية لقواعد العقل والمنطق السليم، وعدم المكابرة بالباطل الأعمى بعد إدراك الحقيقة المبصرة !

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الردود على الأسئلة التي يطرحها الناس عادة السؤال ١: أين يثبت موت المسيح ابن مريم من القرآن الكريم؟ بل إن قوله تعالى: ﴿رَافِعُكَ إِلَيَّ" و"بَل رَّفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ" يدلّ على أن المسيح رفع إلى السماء بجسده. وكذلك الآية: ﴿وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ ؟ تدل على أن المسيح لم يُقتل ولم يمت على الصليب. الجواب: فليتضح أن معنى الرفع إلى الله هو الموت، كذلك إن لقول الله : ارْجِعِي إِلَى رَبِّك"، وقوله: ﴿إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ" المعنى  نفسه. إضافة إلى ذلك إن الوضوح والجلاء والتفصيل الذي ورد به ذكر موت المسيح في القرآن الكريم لا يتصور أكثر منه؛ لأن الله قد بين وفاة المسيح بوجه عام وبوجه خاص أيضا، كما يقول مثلا على وجه العموم: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ " . إن هذه الآية التي قدّمتُها للاستدلال تدل بصراحة متناهية أن الموت قد  أصاب  جميع الرُّسُل، سواء أكان بالموت الطبيعي أو بالقتل، ولم يسلم من الموت نبي من الأنبياء السابقي...

شرح وتفسير: "وكان عرشه على الماء".

 شرح وتفسير: "وكان عرشه على الماء". النقاش عن كون العرش مخلوقا أو غير مخلوق عبث:  فقال عليه السلام:  الناس يتفننون في آرائهم حول هذا الموضوع، بعضهم يصفونه بالمخلوق وبعضهم يصفونه بغير المخلوق، ولكن لو لم نصفه بغير المخلوق لبطل الاستواء. لا شك في أن النقاش حول كون العرش مخلوقا أو غير مخلوق عبث أصلا، هذه استعارة، حيث بين الله فيه رفعته العالية، أي هو مقام منزه عن كل جسم ونقص، ويقابله هذه الدنيا وهذا العالم كله. وليس للإنسان اطلاع كامل عليه. هذا المقام يمكن أن يسمى قديم، فالناس يستغربون من ذلك ويحسبونه شيئًا ماديا. وانطلاقا من القدم يرد الاعتراض على ورود الحرف "ثم". فالحقيقة أن القدم يشمل "ثم" أيضًا. كما عندما يكون القلم بيد الإنسان فتتحرك اليد أيضًا حيثما يتحرك القلم، لكن يكون التقدُّم لليد. يعترض الآريون على المسلمين عن قدم الله، ويقولون إن إله المسلمين موجود منذ ستة أو سبعة آلاف سنة. وهذا خطؤهم، فمن الغباوة أن يقدر عمر الله بالنظر إلى هذا المخلوق. فلا نعلم ما الذي كان قبل آدم ومن أي نوع كان ذلك المخلوق. والله الله أعلم بذلك الوقت: كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْ...
لا بد من التقوى من أجل الفتح: وما دام الأمر هكذا، فاعلموا أن التقوى ضرورية للمرء لكي تنفتح عليه أبواب الحقائق والمعارف فاتقوا الله ، لأن الله تعالى يقول: ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) (النحل (۱۲۹) . ولا أستطيع أن أحصي لكم كم مرة تلقيت هذه الآية في الوحي، إذ أوحيت إلي مرات كثيرة جدا. لو أننا اكتفينا بالأقوال دون الأفعال، فاعلموا أن لا جدوى من ذلك. إن النصر  يتطلب التقوى، فكونوا متقين إن أردتم النصر. ضرورة التضحيات المالية لنشر الإسلام أرى أن نساء الهندوس والنصارى أيضا يوصين بعقارات كبيرة وأموال طائلة لنشر  دعوتهم، ولكن لا نجد نظير ذلك في المسلمين في هذه الأيام. إن أكبر مشكلتنا  هي  الحاجة إلى النصرة المالية لنشر الإسلام. اعلموا أن الله  تعالى هو الذي أراد تأسيس هذه الجماعة بيده وسوف يكون حاميها وناصرها، ولكنه يريد أن يؤتي عباده الأجر والثواب، ومن أجل ذلك قد اضطر الأنبياء لطلب المساعدة المالية. لقد طلب رسول الله النصرة المالية ، وعلى نفس المنهاج ، الذي هو منهاج النبوة، نذكر أحبابنا بحاجات الجماعة من حين لآخر. ومع ذلك أقول: إ...