المودودية ذات المكيالين:
المودودية ذات المكيالين:
المودودية ذات المكيالين:
وأخيرًا أقدم لكم مقارنة بين أفكار سيدنا الإمام المهدي عليه السلام عن الجهاد وأفكار المودودي. الأمر الأول هو أن لأفكار هؤلاء المشايخ وجهين. كانت آراؤهم أيام الحكم الإنجليزي في الهند مختلفة عـــن الــتي تبنوها بعده، وكأن لديهم ميزانين مختلفين لكل شيء. إنهم ينسبون إلى سيدنا المصطفى صلى الله عليه وسلم تصوراً مخيفا للجهاد لدرجة يصيب كل مسلم غيور بأذى شديد بسماعه. إن تصورهم للجهاد محطم للأعصاب. يتسابقون اليوم في توجيه التهم والطعن إلى سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود عليه السلام، ولكنني قبل أن أقرأ عليكم ما قاله المودودي عن الجهاد الإسلامي زمن النبي صلى الله عليه وسلم، أقرأ أمامكم ما كتبه ميجور أوسبرن أحد المستشرقين في كتابه: Islam under the Arab rule
يقول المستشرق عن الفترة التي كان النبي يتعرض فيها لأنواع الأذى على يد أعداءه:
"كان من المبادئ التي وضعها محمد (صلى الله عليه وسلم) مبدأ "لا إكراه في الدين. ولكن نشوة النجاح الذي أحرزه محمد كبتت قبل فترة طويلة – والعياذ بالله. صوت أفكاره الحسنة هذه، فأصدر أمرًا بالحرب بشكل عام. فهَبَّ العرب حاملين القرآن في يد والسيف في يد أخرى، ونشروا دينهم بين مدن ملتهبة وصيحات عائلات منهوبة مدمرة.
(Islam under the Arab Rule, By Major Ausburn p46)
تصوراتهم عن انتصار الإسلام:
ما أبشَعَها وأنحَسَها من صورة لانتصارات الإسلام يقدمها هــذا المستشرق عدو الإسلام! ولكن الأدهى والأمرّ من ذلك أن نفس الصورة المشوهة القبيحة للغاية يقدمها المودودي في كلماته المعسولة وكأنه يقدم حصيلة فصاحته المزورة في قطعة من حرير قائلا: "لقد دعا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم العرب إلى الإسلام ثلاثة عشر عاما، واتخــــذ معهم كل أسلوب ممكن للتذكير والموعظة وساق إليهم أدلة قوية وحججا واضحة، وهيَّج القلوب بفصاحته وقوته الخطابية، وأظهر من الله معجزات مذهلة، وقدم لهم أسوة حسنة للحسنى بأخلاقه الحسنة وسيرته الطيبة. ولم يترك طريقا كان من شأنه أن يفيد لإظهار الحق وإثباته. ولكن قومه رفضوا دعوته رغم أن صدقه تجلى لهم بكل وضوح، وحصحص لهم الحق بكل جلاء، ورأوا رأي العين أن الطريق الذي يدعوهم إليه هاديهم هو الصراط المستقيم. ولكن الأمر الوحيد الذي منعهم من قبوله هو عدم رغبتهم في ترك تلك الملذات التي كانت متاحة لهم في حياتهم الكافرة والخليعة. ولكن حينما فشلت جميع وسائل التذكير والموعظة....". يقول: فشل النبي صلى الله عليه وسلم في الموعظة والتذكير، والعياذ بالله !!
تعليم الإسلام وهراء المودودي:
ما أجهل وما أبشَعَ وما أفدَحَ هذه الأفكار التي يقدمها المودودي غير خائف من الله تعالى! اسمعوا الآن ما يقول الله عز وجل في القرآن مخاطبا نبيــــه صلى الله عليه وسلم: "فذكر إن نفعت الذكرى * سيذكرُ من يخشى (سورة الأعلى: ١٠- ١١).
ويقول أيضا: فذكر إنما أنت مذكر * لست عليهم بمصيطر * إلا من تَولَّى وكفر * فيعذبه الله العذاب الأكبر (سورة الغاشية: ٢٢ - ٢٥).
أي يا محمد ! عليك أن تستمر في التذكير ، فتذكيرك لن يفشل، لأن أساليب تذكيرك تتصف بصفة متميزة، ففيها الحسن والرفق والملاحة والملاطفة، مما يترك في القلوب أثراً عظيما. ولكن إذا أعرض عنه شقي من الأشقياء لسوء حظه ورَفَضَه ، فليس لك الحق في إجباره على قبول الحق باستخدام القوة. لأنك لست مسيطراً، أي رقيبا على أعمالهم وأحوالهم، وإنما نحن الذين سوف نحاسبهم ونعذبهم عذابًا أكبر. هذا هو كلام الله تعالى، ولكن المودودي يقول : ".... حينما فشلت كل وسائل التذكير والموعظة - يقول فشل النبي صلى الله عليه وسلم في الموعظة والتذكير، والعياذ بالله !! لا أقدر على قراءة هذه الجملة لشدة ما تثير في قلبي من آلام. - استل النبي صلى الله عليه وسلم سيفه وأعلن:
ألا كل مأثرة أو دم أو مال يُدعى ، فهو تحت قدمي هاتين.
لاحظوا كيف تُقدَّم الأمور من قبل المودودي باللف والدوران!
كلنــا يعرف جيدا أن النبي صلى الله عليه وسلم قام بهذا الإعلان يوم حجة الوداع، وهـو مــن فرامينه الأخيرة. ولكن الشيخ المودودي يحاول تطبيقه على فترة زمنية غيرها ، وهكذا يقلب الحقائق رأسا على عقب. أقول ذلك لأنه ليس من الممكن أن يكون شيخ مثل المودودي جاهلا عن مناسبة قام فيها النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الإعلان، ولكنه يحاول تطبيقه على فترة زمنية مختلفة تماما. يمضي المودودي ويقول: "هكذا ألغى كل الامتيازات المتوارثة، وحطّم كل صنم من شرف تقليدي وسلطة تقليدية وأقام في البلاد حكومة منظمة. كما نفذ بالقوة القوانين الأخلاقية وسلب حريتهم في المعاصي والذنوب التي أخذت ملذاتُها لُبَّهم. فهيَّأ بذلك بيئة آمنة لا بد منها لنمو الفضائل الأخلاقية والمحاسن الإنسانية." (الجهاد في الإسلام، ص ١٤٢).
والأمر نفسه يذكره الأسبرن بكلمات أخرى إذ يقول: "إنهم نشروا دينهم بين مدن ملتهبة وصيحات مؤلمة للأرامل والأيتام. ولا شك أن الباكين يهدؤون بعد ذلك!!" وهذا ما سماه المودودي "بالسكينة" ، أي لم يبق هناك أي صوت معارض ليرتفع من أية ناحية.
يقول المودودي: "ثم بدأ صدأ السيئة والشر يزول من القلوب شيئًا فشيئا، وخرجت من الطبائع المواد الفاسدة تلقائيا، وزالـــــت كثافـــة الأرواح."
موقف المودودي من الجهاد:
يقول المودودي بأنه عندما فشل النبي صلى الله عليه وسلم في التذكير والموعظة الحسنة وخابت آماله من ناحية الأدعية أيضا والعياذ بالله، عندها سل النبي صلى الله عليه وسلم سيفه الذي أنجز كل هذه المهام حسب رأي المودودي.
ثم يقول:
"ليس هذا فحسب، وإنما زالت الأغشية عن الأعين وظهر لهم نور الحق بكل وضوح. أتساءل: ما هي تلك الأغشية؟ يقول القرآن الكريم في هذا الصدد: ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة، ثم يقول : سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون .. مما يعني أن أغشية الظلم والاستبداد لا تزول ولا تنشق، وأن هؤلاء لن يؤمنوا أبدا.
ولكن المودودي يقول إن الله تعالى لا يعرف شيئا، أنا أعرف بأن الأغشية بقيت على حالها ما لم يُستخدم السيف. ثم يقول المودودي: "بل لم تعد في الرقاب تلك الغلظة ولا في الرؤوس تلك النخوة التي تمنع الإنسان من الانصياع أمام الحق رغم ظهوره. وحقق الإسلام في البلاد الأخرى أيضا علاوة على الجزيرة العربية انتشارا سريعا، حتى إنه في مدى قرن واحد من الزمان دخل في الإسلام ربع أهل الأرض. والسبب في ذلك هو أن سيف الإسلام مزق الحجب التي كانت علـــى القلوب." (الجهاد في الإسلام ص ١٤١، ١٤٢).
القوة القدسية والأدعية المستجابة للنبي صلى الله عليه وسلم أحدثت ثورة .
الحق أنه لا يمكن أن يتفوه بمثل هذا القول إلا الذي ليس لديه أدنى إلمام بالتاريخ. إنه لإعلان يكذب كل حرف منه كل مسلم يسكن في إندونيسيا، كما تُبطل كل حرف منه أقاليم الصين الأربعة التي اعتنقت الإسلام بكاملها. إذ لم يصل سيف الإسلام المزعوم إلى إندونيسيا ولا إلى ماليزيا ولا إلى الصين . فالمسلمون كلهم صغارا وكبارا، رجالا ونساء، شبابا وشيوخا في تلك البقاع يشهدون على كذب كـــلام المودودي ويعلنون بلسان حالهم وبصوت جهوري وحلفا بالله أن الأسوة الحسنة لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هي التي جذبتهم إليه وليس سيفه. ويشهدون أيضا أن أسوته الحسنه وقوته القدسية قد فتحتا قلوبهم. ولكن كيف حصل هـذا الانقلاب؟ وأي جهاد حقق لرسول الله صلى الله عليه وسلم الانتصار والغلبة؟ يقول سيدنا الإمام المهدي عليه السلام: إن الانقلاب الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم كان نتيجـــة لأدعيته المستجابة. فيقول حضرته عليه السلام: إن ذلك الحادث العجيب الذي جرى في بادية العرب.. حيث بعث مئات الألوف من الموتى في أيام معدودات وتحلى بالأخلاق الإلهيــة أولئك الذين فسدت أخلاقهم على مرّ الأجيال، وأصبح العمي يبصرون، والبكم بالمعارف الإلهية ينطقون.. وحدث في العالم انقلاب لم تره عـــين، و لم تسمع به أذن قط.. هل تعرفون كيف حدث ذلك؟ إن تلك الدعوات هي التي أحدثت التي دعا بها في جوف ليال حالكة.. عبد متفان في الله .. ضجة في الدنيا، وأظهرت العجائب التي يبدو صدورها مستحيلا على يد ذلك الأُمِّيِّ الضعيف الحيلة. اللهم صلّ وسلم وبارك عليه وآله.. بعدد همه وغمه وحزنه لهذه الأمة، وأنزل عليه أنوار رحمتك إلى الأبد." (بركــات الدعاء، الخزائن الروحانية ج٦ ص ١٠ - ١١).
والآن قارنوا كلام سيدنا الإمام المهدي عليه السلام مع كلام المودودي، ستجدون بينهما فرقا بينا وكأنه بعد المشرقين. إذ إن كلام الإمام المهدي عليه السلام ينطق بروح الحق والإسلام، تلك الروح التي تجلت علــى القلــب الطاهر لحضرته عليه السلام، وجرت على لسانه الطاهر بصورة الكلام المطهر. هذا هو الصوت الذي هدانا إلى مصدر القوة الحقيقية لانتصار الإسلام وروى غليل أرواحنا المتعطشة، والذي أخبرنا بحقيقة أزلية وأبدية أن ســـــر انتصار النبي صلى الله عليه وسلم وغلبته وعظمته وشرفه العظيم كان كامنا في قوته القدسية التي صعدت إلى السماء بصورة الأدعية المستجابة كالغيوم التي تحمل غيثا، وأخمدت كلَّ نار للمعارضة التى أُججت في بريــة العــرب، وسقى البرّ والعمران، وحوّلت الصحارى إلى الحدائق، والخراب إلى البساتين، وأحيت الأرض الميتة.
شناعة أفكار المودودي:
إذن فهذا هو صوت روح الحق وروح الإسلام. وفي ناحية ثانية هناك المودودية التي تنطق بكلمات المودودي وتسفر عن أفكار منكرة مبنية على الظلم والجور. إنه يقدم ملخص مجهوداته التي بذلها في سبيل دراسة روح الإسلام إذ يقول ما معناه: عندما فشلت القوة القدسية النبوية والتذكير والوعظ والدعوات.... لا نملك هنا إلا أن نقول: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم !! هل يمكن أن يكون هذا الصــوت صــوت العارف بالأخلاق النبوية والشمائل المحمدية الحسنة؟ كلا! والله لا!! بــل هذا الصوت يشبه صوت معاندي الإسلام ومعارضي النبي صلى الله عليه وسلم. إنه لصوت شبيه بصوت المستشرق ميجور أوسبرن والذي كان يجري في دمه بصورة نار الضغينة. إنها لنار ملتهبة ونجسة جعلت ألوفا مؤلفة من معاندي الإسلام يحترقون في نار الحسد ضد رسول الله؟ بقراءة هذه العبارة يقشعر جسمي ويغلي دمي، إنها ليست كلمات وإنما هي أحجار قاسية. إنها ليست بألفاظ بل هي خناجر حادة تجرح قلب كل عاشق لرسول الله. لا شك أنها خناجر جروحها عميقة ومؤلمة للغاية. أتساءل: هل هذا هو صوت العارف بشمائل الرسول صلى الله عليه وسلم. لا والله لا!! بل هــو صــوت سبرن میجور والقس عماد الدين، الذي يدمى قلب كل مسلم. بــالله عليكم لا تسمّوها روح الإسلام بل سموها روح المودودية. وويل للذين يعتبرون هذا الصوت روح الإسلام . أين أفكار المودودي المنكرة والمتنكرة هذه من أفكار سيدنا المهدي الموعود عليه السلام المفعمة بالمعرفة الكاملة عن تصور غلبة الإسلام وأفكاره القيمة عن الجهاد؟ إن أفكار المودودي لا يمكن أن تخفي سمومها رغم كونها ملتفة في الحجب، بل تهاجم خناجرها قلوبنا خارقة تلك الحجب .
لا علاقة لأفكار المودودي بتصور الجهاد الإسلامي:
إذن، فأفكار المودودي هذه تمثل أبشع أنواع التهم على سيدنا محمــد المصطفى وعلى الإسلام، فكيف نقبل هذه الأفكار عن الجهاد؟ إنهــا لأفكار جديرة بالشجب والاستنكار ولا يمكن نسبتها إلى سيدنا ومولانا محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم بحال من الأحوال ولا للحظة واحدة، كما لا نستطيع تقبلها بأي شكل من الأشكال.
إن تصرفات المشايخ وأعمالهم هذه تجعل الإنسان يقشعر من هولها. إنني أستغرب كيف أن هؤلاء الظالمين الذين يجهلون روح الإسلام كليًّا ينكرون أصواتهم عند مهاجمتهم عباد الله الأطهار، ولا ينتبهون إلى ما يقولون وما يفعلون، ولا يأخذهم أدنى خوف من الله.
أما فيما يتعلق بالجزء المتبقي للموضوع الذي نحن بصدده أنه كلمــا حلت بالعالم الإسلامي مصائب، فمن الذي تصدى لهذه المصائب دفاعا عن حياض الإسلام وتلقى هذه السهام على صدره؟ ألمسلمون الأحمديون أم هؤلاء المشايخ الذين استغلوا سذاجة المسلمين دائما ولا يزالون يستغلونها إلى اليوم؟
وبما أن الوقت المحدد لخطبة اليوم قد انتهى. لذا سوف ألقي الضوء على هذا الموضوع في الخطبة القادمة بإذن الله.
ألقيت بتاريخ ١٥ شباط / فبراير ۱۹۸۵ في مسجد "الفضل" بلندن)
تعليقات
إرسال تعليق