كلمة الناشر
هذا الكتاب ليس مجرد سيرة والدة رئيس محكمة العدل الدولية ورئيس دورة للجمعية العامة للأمم المتحدة ووزير خارجية، بل هو سيرة مؤمنة بالله إيمانا قلما نجد له نظيرا. إنها سيرة مؤمنة يوحي الله إليها. إنها سيرة لا بد من معرفتها لتفسير هذا التأييد الرباني الذي حظي به ابنها، الذي كان لإيمانها وأدعيتها دور كبير في إنجازاته بلا أدنى شك. ومن أهم أحداث هذه السيرة محاربة هذه المؤمنة للشرك، وتصديها للشعوذة، وإيمانها الراسخ بأن القدرة لله وحده لا شريك له.. إنها قصتها مع المشعوذة الهندوسية.. إنها قصة انتصارها رغم موت ابنيها بعد تهديد المشعوذة.
عرب الكتاب الأخت ريم الشريقي، وقام بمراجعة الترجمة تميم أبو دقة وهاني طاهر وخالد عزام وعبد المجيد عامر، كما شارك في إخراج هذا الكتاب: السادة محمد طاهر نديم، محمد أحمد نعيم، وعبد المؤمن طاهر. فجزاهم الله أحسن الجزاء.
ندعو الله تعالى أن يكون هذا الكتاب سببا لهداية من يقرؤه، ولتقوية إيمانه وانتصاره على الشرك بكل أنواعه. آمين.
الناشر
مقدمة المؤلف:
"توفيت والدتي في السادس من أيار / مايو عام ١٩٣٨، وبحلول نهاية العام الأول من وفاتها قمت بنشر كتيب موجز عن سيرتها باللغة الأردية، مقدمة كتبها المرحوم صاحبزادة ميرزا بشير أحمد صاحب جاء فيها:
إن ما قام به تشودري -"تشودري" هو اسم العائلة ويطلق عادة على كبار مُلاك الأراضي في الفنجاب بالهند. الناشر- محمد ظفر الله خان من نشر لأحداث حياة والدته ضمن هذا الكتيب لم يكن فقط مجرد طريقة ممتازة لأداء واجب الابن تجاه أمه، بل قدم أيضًا خدمة جليلة للجماعة الإسلامية الأحمدية؛ فمثل هذا الكتاب يمكن أن يساهم في تعزيز المثل الأخلاقية والروحية للجماعة بفضل الله تعالى، ولأجل ذلك فأنا على ثقة بأن جميع أصدقائنا سوف يقرؤونه وسيحثون أفراد أسرهم على قراءته أيضا، بحيث تتملكهم جميعًا الرغبة في إنشاء علاقة حقيقية وصادقة مع الله تعالى للبرهنة عمليًا على أنهم آباء أو أبناء جيدون،
وهذه هي الصفة البارزة لهذا الكتيب.
رحمها الله ورحم زوجها الراحل، ومكن ذريتهم وإيانا جميعا من
تكريس حياتنا للفوز برضا الله تعالى بخدمة دينه وخلقه، آمين".
لقد نال الكتيب شعبية كبيرة وكان لا بد من طباعته عدة مرات. والجدير بالذكر أن نسخة من هذا الكتيب قد وصلت صدفةً إلى زعيم على الحدود الأفغانية، لا يرغب في أن يُذكر اسمه، وقد ترك الكتيب لديه انطباعًا عميقًا، فقام بطباعة ألف نسخة منه على حسابه لتوزيعها مجانا، وألحق بالكتيب المقدمة التالية:
"حصلت على كتيب "والدتي" في كراتشي حين أعارني صديق نسخة منه، ولقد سحرت بهذا الكتيب، فقرأته مرارا، وعزمت على أن لا أتخلى عنه. لكن صديقي أصرّ على استعادته، فأعدته إليه على مضض. ثم أخذت بالبحث عن هذا الكتيب عاما كاملا، إلى أن أعارني صديق آخر نسخةً منه، فقمت بطباعة ألف نسخة منه، فأعطيتُ صديقي ثلاثمائة نسخة منها مقابل تلك التي أعارني إياها، حتى يتمكن من إعطاء نسخة مجانية إلى أي من أصدقائه ممن يرغبون بقراءته.
تكريس حياتنا للفوز برضا الله تعالى بخدمة دينه وخلقه، آمين".
لقد نال الكتيب شعبية كبيرة وكان لا بد من طباعته عدة مرات. والجدير بالذكر أن نسخة من هذا الكتيب قد وصلت صدفةً إلى زعيم على الحدود الأفغانية، لا يرغب في أن يُذكر اسمه، وقد ترك الكتيب لديه انطباعًا عميقًا، فقام بطباعة ألف نسخة منه على حسابه لتوزيعها مجانا، وألحق بالكتيب المقدمة التالية:
"حصلت على كتيب "والدتي" في كراتشي حين أعارني صديق نسخة منه، ولقد سحرت بهذا الكتيب، فقرأته مرارا، وعزمت على أن لا أتخلى عنه. لكن صديقي أصرّ على استعادته، فأعدته إليه على مضض. ثم أخذت بالبحث عن هذا الكتيب عاما كاملا، إلى أن أعارني صديق آخر نسخةً منه، فقمت بطباعة ألف نسخة منه، فأعطيتُ صديقي ثلاثمائة نسخة منها مقابل تلك التي أعارني إياها، حتى يتمكن من إعطاء نسخة مجانية إلى أي من أصدقائه ممن يرغبون بقراءته.
ولما كان غرضي الوحيد أن أجعل الكتيب متاحا مجانًا لأجل المنفعة العامة، لا للتجارة، لذا لم أرَ ضروريًا الحصول على إذن صاحب الكتيب لأطبعه وأنشره، مع أنه يجب الحصول على هذا الإذن لإعادة النشر عادة. وحيث إني لا أسعى لإرضاء الطائفة الأحمدية، ولا أريد أن تُساء سمعتي بين غير الأحمديين، لهذا فإنني لا أريد إظهار اسمي.
النسخة المطبوعة من هذا الكتيب هي طبق الأصل تماما، وقد قمت بتذييل مقدمة موجزة عن الكاتب والكتيب فقط. لقد قدم تشودري محمد ظفر الله خان، وزير خارجية باكستان في هذا الكتيب المعنون باسم "والدتي" نبذة ممتازة عن حياة والدته، ومع أنه ليس لدي علم ولا قدرة على تقييم هذا الكتيب، بيد أني قرأته مراراً، ووددت أن أسجل الانطباعات التي تركها في داخلي.
قد يسأل أحد هنا : لماذا أجد لزامًا عليّ إعطاء مزيد من الدعاية لهذه الدرة النادرة؟ إن كل قارئ لهذا الكتيب سيكتشف الإجابة على هذا السؤال بنفسه. هذا الكتيب ليس نبذة عن حياة سيدة أحمدية، أو شخص أحمدي، وإنما هو لؤلؤة لا تقدَّر بثمن للحياة الأسرية لكل مسلم سواء كان أحمديا أو غير أحمدي، وهو في الوقت نفسه، نافع للمتعصبين من غير الأحمديين، وللأحمديين أيضًا، لما فيه من فائدة غير محدودة، مما جعلني أغامر لجعله متاحًا بالمجان لكل الباحثين عن المعرفة.
أنا لا أدعي أي جدارة أدبية، ولكني تجرأت فقط على كتابة دوافعي القلبية بلغة بسيطة؛ فهذا الكتيب هو مرآة للتضحية بالنفس واحترام الذات والشجاعة والنزاهة والثقة بالله تعالى والتمسك بالقيم الإسلامية من قبل سيدة محجبة، وإن كل امرأة مسلمة يمكنها أن تتعلم منها كيفية التصرف.
النساء بصفة عامة عرضة للخرافات وقد حطمت الهندوسيات الرقم القياسي في هذا الصدد، ولا تختلف المرأة المسلمة في الهند وباكستان كثيرًا عنهن في ذلك، وذلك بسبب تأثرهن بهن؛ فمن أجل حرصهن على الفوز بتاج الأمومة، فإنهنَّ يلجأن إلى أنواع الممارسات الوثنية كالسحر والتمائم والطواف بقبور الصالحين وحرق الزبدة مكان زيت المصابيح، والنوم على الأرض دون فراش، وغيرها. وفي هذا الكتيب نقرأ عن موقف والدة ظفر الله خان تجاه امرأة هندوسية اسمها "جي ديوي" تطلق على نفسها اسم الساحرة والتي ادعت أنها أودت بحياة اثنين من أطفال والدة ظفر الله خان الرضع واحدًا تلو الآخر. حاولت "جي ديوي باستمرار ابتزاز هذه الأم، ولكنها كانت ثابتة في رفض كل اقتراح يؤيد الخرافة أو يدل على نقصان في الإيمان بوحدانية الله تعالى. لقد كانت تتمتع بعاطفة إنسانية عميقة؛ ويتضح ذلك من خلال اهتمامها الكبير باثنين من "الأحرار"، وهم جماعة معروفة جدًا بعدائها واضطهادها للأحمديين. وفي إحدى المرات انتقدت بشدة "ميان جمن"، خادم الأسرة المخلص لسعيه إلى ردعها عن تقديم الخير لأحفاد شيخ معاد من حزب الأحرار. وفي حادثة أخرى قام دائن - تنفيذا لقرار المحكمة بمصادرة ماشية فلاح أحراري من معادي الأحمدية، فقامت والدة ظفر الله خان بدفع المال المستحق للدائن وإعادة الماشية للفلاح. إن مثل هذه المواقف هي ما يميز الإسلام عن غيره من الأديان في العالم. باختصار، فإن تعاطفها الصادق تجاوز الخلافات الطائفية والمذهبية والانقسامات ليحوي الإنسانية فقط.
كنت لا أؤمن كثيرًا بالرؤى ولا أعيرها أي أهمية؛ لكن رؤاها الواردة في هذا الكتيب والتي تحققت بشكل ملحوظ اضطرتني إلى إعادة التفكير في موقفي تجاه الرؤى، فصرت على قناعة تامة بأن الله تعالى يمن على الصالحين الذين لهم علاقة وثيقة به سبحانه بعلم أحداث المستقبل من خلال الرؤى الصادقة.
مثال تعاطفها الكبير مع الآخرين، ما جاء في الكتيب، أنها رأت امرأة ريفية تتألم وحاولت معرفة سبب ،ألمها فوجدت أن مسمارا حديديا طويلا قد توغل في قدمها الحافية فانشغلت والدة ظفر الله خان باستخراج المسمار من قدمها، وحرصت أشد الحرص على تحقيق
راحتها.
وفي إحدى المرات تحدثت شخصيًا وبشجاعة كبيرة وثقة عالية بالنفس إلى الحاكم العام في الهند بشأن مسألة هزت قلبها. هذا الحدث يُعتبر بالنسبة لسيدة محجبة لا تحتك بالعالم الخارجي مباشرة، عملاً فذا يتسم بجرأة كبيرة ، ويذكرنا بسلوك المسلمين في بداية عهد الإسلام.
باختصار، هذا الكتيب بكامله عبارة عن عبرة وتوجيه وتحذير وعظة، وكل صفحة فيه هي دعوة يجب أن لا تُقرأ عرضا؛ فهو رسالة لكل امرأة مسلمة، ويجب أن يزيّن طاولة أو رف مكتبة كل شابة مسلمة. وعلى كل أسرة مسلمة أن تقتنيه ، والنساء اللواتي يعرفن القراءة عليهن أن يقرأنه على مسامع النساء الأميات، ومن واجب الرجال الذين يعرفون القراءة قراءته على مسامع نساء أسرهم الأميات، ليبعثوا فيهن الروح التواقة لتعزيز القيم الإسلامية. إن هذا الكتاب هو الشعلة المضيئة لكل امرأة مسلمة تأمل في حمل لواء الأمومة.
إنني أعجب كيف أن الجماعة الأحمدية قانعة بالنشر المحدود لهذه الجوهرة الثمينة باللغة الأردية فقط، وكيف لم تنشرها على نطاق واسع بين الجماعات غير الأحمدية، مما قد يزيل الكثير من سوء التفاهم الحالي بين الأحمديين وغير الأحمديين. يجب أن ينشر هذا الكتيب على نطاق واسع باللغة الأردية والباشتونية والفارسية والعربية.
أنا أعترف بقلة مواردي ومع ذلك فإني قررت نشر ألف نسخة من هذا الكتيب على نفقتي الخاصة بين الجماعات غير الأحمدية. وإذا من الله تعالى علي من فضله بوسائل أخرى، فسأعمل المزيد لنشره مجانًا بين القبائل الحدودية؛ فمقدرتي على ذلك تعتمد على فضل الله تعالى.
الخدمة العظيمة التي قدمها تشودري ظفر الله خان إلى باكستان والعالم الإسلامي سوف تسجل بأحرف من ذهب في تاريخ الإسلام؛ فقد كان يشرح بشمولية وإقناع كل جانب من جوانب أي موضوع يُطرح. ولقد ظلت خطاباته تربك معارضيه وتتركهم عاجزين عن الرد.
يعتقد المفكرون البارزون أنه من المستحيل تحقيق مثل هذه الإنجازات إلا من خلال الدعم الإلهي . وعند قراءة هذا الكتيب أدركتُ أن الطفل الذي تربى في حضن هذه الأم الفاضلة؛ وتغذى من حليبها الطاهر، لا بد أن يمتلك صفات نقيةً؛ فَمَنْ دعمَتْهُ أدعية أمه المبجلة وتضرعاتها المقبولة لا بد أن يتمتع بالدعم الإلهي".
يعتقد المفكرون البارزون أنه من المستحيل تحقيق مثل هذه الإنجازات إلا من خلال الدعم الإلهي . وعند قراءة هذا الكتيب أدركتُ أن الطفل الذي تربى في حضن هذه الأم الفاضلة؛ وتغذى من حليبها الطاهر، لا بد أن يمتلك صفات نقيةً؛ فَمَنْ دعمَتْهُ أدعية أمه المبجلة وتضرعاتها المقبولة لا بد أن يتمتع بالدعم الإلهي".
التوقيع: شخص غير أحمدي على الحدود الأفغانية.
إن تأليف كتيب باللغة الأردية قد فرَض علي ضغطا عاطفيًا قويًا، فمرور الزمن - ثلاثة وأربعين عاما - لم يهدأ من وجع القلب ولم يخفّف من وطأة فراق والدتي شيئًا؛ رغم استمتاعي بالتواصل بها بطريقة غريبة. لقد واصل الأصدقاء إلحاحهم علي برغبتهم في تقديم نبذة عن حياة والدتي باللغة الإنجليزية، لكني ترددت عن الشروع بعمل قوامه الحب خوفًا من أنني لن أطيق تأثيره العاطفي. غير أن بعض الحوادث التي وقعت مؤخراً جعلتني أشعر باقتراب موعد لقائي بأمي، كما أني أشعر بحساسية وعاطفة في ردود أفعالي؛ حيث يبدو كأني أصبحت غير قادر على كره أحد، كما أنني أجد لدي حافزا مستمرا لتدفق التعاطف والحب والمودة، وكأحد مظاهر هذا الحافز هو سعيي لعرض صورة أمي على أوسع نطاق بالكتابة عن حياتها باللغة الإنجليزية. أشعر أن ذلك واجب عليّ لم أنجزه حتى الآن لعدم توفر الظروف الملائمة، وأشعر أن والدتي سترضى بأدائي لذلك الواجب وإن جاء متأخرا. أدعو الله تعالى أن تمكنني عنايته الإلهية من تنفيذه على النحو الذي يجعلني أفوز برضاه وقبوله تعالى، آمين.
لا أنوي ترجمة حرفية للكتيب المكتوب باللغة الأردية، ولا أن أتقيد بدقة بأسلوبه، على الرغم من استيعاب جميع محتوياته، فمن المرجح أن تكون النسخة الإنجليزية أكمل نوعا ما، ولكن ليس على نحو ملموس جدا؛ فقد ذكرتُ أمورًا عني وعن والدي على نحو أوسع مما كان يسمح به كتيب اللغة الأردية.
ظفر الله خان
لندن - آب/أغسطس ۱۹۸۱
خلفية عامة
أنحدر من عائلة "ساهي جات" من مدينة "دكه"، في منطقة
سيالكوت في باكستان. وقد أحكمت هذه العائلة في وقت من الأوقات قبضتها على المنطقة المحيطة بساهيوال، واستقر فرع عشيرتنا "ساهي" في "دكه" لعدة أجيال، حتى إن بلدتنا أصبحت تعرف باسم دسكه ساهيان.
كان أجدادنا هندوسيين ومع مرور الوقت اعتنقت بعض الأسر الإسلام وأصبح البعض الآخر من السيخ، وبقيت عائلتان فقط على الديانة الهندوسية. وكانت غالبية الأسر من السيخ، ففي زمن جدي، تشودري اسكندر خان، كان أكثر من اثني عشر جيلا من أسلافنا المسلمين، ولكن من المعروف أن سلالة جميع ملاك الأراضي تنحدر من جد مشترك وبينهم علاقة قرابة بعيدة ، وبقيت الزراعة المصدر الرئيس للرزق حتى زمن والدي، حيث كان هنالك أربع رؤساء بالوراثة؛ وكان جدي واحدا منهم خلفه والدي الذي خلفته أنا، ولكني تنازلتُ عن ذلك لأخي الذي استمر في ذلك حتى وفاته عام ١٩٤٧، ثم خلفه ابنه الأكبر.
توفي والد جدي في شبابه تاركًا أرملته وابنين وابنتين. كان الولدان في سن المراهقة، وكان أكبرهما هو جدي الذي أصبح واحدًا من الرؤساء خلفا لوالده. وقد ازدهرت حياة الأسرة، فعاشت في رغد العيش نسبيا، لكن وفاة والد جدي في سن مبكرة ترك الأسرة عرضة للخطر. كانت والدة جدي امرأة واسعة الحيلة وصمّمت على حماية مصالح أولادها. وبما أن أن الزعيم الكبير كان من السيخ الذين كانوا يحكمون البلاد في ذلك الوقت، فكان يمتلك القوة، فأراد أن يضع حدا للزعيم المسلم، جدي، الذي لم يكن قد بلغ عند ذاك إلا سن المراهقة.
كانت المهمة الرئيسة للزعيم جمع الإيرادات المستحقة من أراضي المزارعين إلى الإدارة ، ودفعها إلى خزانة الحكومة. بدأ الزعيم الكبير بتحريض المزارعين على تأخير دفع إيرادات الأرض مستغلا صغر عُمر جدي وعدم خبرته حتى لا يتمكن جدي من إيداعها في الخزانة في الوقت المحدد؛ وهذا ما كان يعتبر تقصيرًا إلى حد ما، مما سيجعل موظفي الإيرادات يأتونه لمعرفة سبب هذا الإهمال، فيفرضوا عليه دفع ضرائب الحكومة.
اقترح الزعيم الكبير القبض على الزعيم الشاب وضربه أمام أعين والدته، فلم تكن تعدم وسيلة لتلبية متطلبات الحكومة من مواردها الخاصة. وظلت هذه المأساة تتكرر كل ستة أشهر، مما جعل الأم تضطر تدريجيًا لبيع حليها من الذهب والفضة للوفاء بمتطلبات الحكومة، وكان غرض الزعيم الكبير من وراء ذلك أن يجعل الأسرة تضطر لمغادرة أراضيها والانتقال إلى مكان آخر، وقد نجحت خطته جزئيا فقط، حيث اضطرت الأرملة التي لا تقهر إلى بيع جزء كبير من الأراضي، وبالتالي فإن ميراث أبنائها قد تناقص بشكل مؤسف، وخلال ذلك كان ابناها يشبان.. وكان أكبرهما الزعيم، قد بدأت تظهر عليه الصفات الأصيلة؛ فقد كان بعيد النظر صامدًا ولطيفًا، وكان يتمتع بحكمة تفوق سنوات عمره، وكان كرم الضيافة صفته المميزة ولكنهم كانوا يعيشون حياة تقشف لقلة موارد أسرته، ومع هذا فقد ظلوا يعتنون بالضيوف. كان جدي يدخل إلى دار الضيافة خُفية في وقت متأخر من الليل للسهر شخصيًا على راحة الضيوف. كان متعاطفا جدا مع المنكوبين ، ويسعى بكل ما أوتي من وسائل للتخفيف من معاناة الناس. وفي صباح أحد الأيام ، أخبره خادم دار الضيافة أن أحد الضيوف غادر قبل الفجر آخذا معه بطانية السرير، فأرسل الحارس للقبض عليه، فعاد الحارس ومعه الرجل والغطاء تحت ذراعه. ولدى استجوابه، قال إنه من قرية تبعد مسافة ثلاثة أميال وأنه في غاية الفقر ولديه زوجة وطفلان ولا يمتلكون سوى بطانية سرير واحدة لتدفئتهم في ليالي الشتاء الباردة. فلامه الزعيم على ما فعل ، وقال له : كان عليك أن تطلب معونة بدلاً من اللجوء إلى السرقة. ثم أمره أن يحتفظ بالبطانية، وقدّم له ثلاث روبيات والتي قد تكون جميع ما يملك من مال.
كان جدي ذا نزعة دينية وعاش حياة تقية.. يخشى الله تعالى، ويتجنب كل أنواع الخرافات والبدع، وكل ما من شأنه أن يُشرِك أَيَّ شيء بالله تعالى ولو من بعيد. ومع مرور الوقت ذاع صيته الطيب في المناطق المجاورة لمنطقته، وأصبح اسم اسكندر خان من دسكه" مرادفا من للاستقامة والتقوى والإحسان.
كانت زوجته من قرية "داته زيدكا" في منطقة "سيالكوت"، وقد ولدت له ابنين وابنتين، وكان والدي نصر الله خان" أكبرهما، حيث ولد عام ١٨٦٣. كان جدي طموحا بمولوده الأول، فأرسله إلى المدرسة المحلية، وبعد أن أنهى دراسته هناك أرسله إلى لاهور المدينة البعيدة لمتابعة دراسته.
لقد كان طالبًا مجتهدا في المدرسة المحلية، فحصل على منحة دراسية؛ وهي روبيتان شهريًا، وقيل له إن عليه أن يعيش في لاهور من المنحة الدراسية ومن كمية محدودة من دقيق القمح يستطيع أن يخبز منها ما يكفي لسد رمقه. وقد سمعته ذات مرة يقول إنه خلال سنوات الدراسة الست في لاهور لم يأكل ما يكفيه من الخبز البتة. كانت محطة سكة الحديد الأقرب لمدينة "دسكه" من أجل السفر إلى لاهور تقع في غوجرانوالا، وهي تبعد عن دسكه ١٤ ميلا. كان والدي في كثير من الأحيان يقطع هذه المسافة ماشيا حاملا معه صرة من الكتب الثقيلة والممتلكات الشخصية، ولكي يوفر فلسا من أجرة القطار، كان يشتري التذكرة من غوجرانوالا إلى "شاهدره"، ثم يمشي الأربعة الأميال الباقية إلى منزله الواقع قرب المسجد الملكي.
تابع دراسته بجد في "مدرسة نارمل" ،ثم في مدرسة القانون والكلية الشرقية، وظلّ يحصل على المنح الدراسية في كل المراحل، وكانت المبالغ ترتفع من مرحلة إلى أخرى من ٤ إلى ٦ و ٨ روبيات شهريًا. لم تكن الإنجليزية تُدرس بعد في المدرسة المحلية، وقد تابع والدي دراسته في لاهور باللغة المحلية؛ وهذا ما فرض عليه عائقا شديدا عندما بدأ بدراسة القانون؛ لأن بعض الكتب المدرسية لم تكن متاحة إلا باللغة الإنجليزية.
وفي إحدى المرات سافر بعيدًا جدًّا إلى مدينة هسار، حيث كان يعيش لاله لاجبت راي" الذي كان محاميًا يجيد اللغة الإنجليزية وكان قد عرض عليه أن يدربه مشكوراً. لم تكن سكة الحديد في ذلك الوقت تصل هسار، ورغم عائق اللغة الإنجليزية قد تصدّر قائمة الناجحين في امتحان القانون في كلتا المرحلتين، وقد فاز بالميدالية الفضية والميدالية الذهبية على التوالي في منافسة مع المرشحين المتوسطين باللغة الإنجليزية. وقد أهلته كفاءته في الامتحان الأول، في إطار النظم السائدة في ذلك الوقت لممارسة القانون في المحاكم التابعة، وبدأ بممارسة القانون في دسكه، وعندما اجتاز امتحان القانون النهائي انتقل إلى سيالكوت واستقر هناك كمحام كامل الأهلية، وفي تلك المرحلة بدأ بتعلم الإنجليزية واكتسب فيها مقدرة كافية مكنته من إنشاء مكتبة من الكتب والتقارير القانونية باللغة الإنجليزية.
وكان والدي قد تزوج بـ حسين بي بي" وهي الابنة البكر لخاله الأصغر تشودري إلهي بخش في "داتا زيدكا" حين كان طالبا في لاهور، وكانا بسن متقاربة ، حيث كانت والدتي تصغره بعشرة أيام. وجرت مراسم الزواج عندما كانا بين السابعة عشرة والثامنة عشرة من عمر كليهما.
كانت والدتي من أسرة تنعم برغد العيش نسبيا. كانت الطفلة الكبرى للشقيق الأصغر لرب الأسرة، فقد كانت المفضلة لدى الجميع، وكانت تتدخل في كل شيء. كان عمّها رب الأسرة، يُقدِّرُها جدا، وكان لديه ابن وابنتان. ولكن ابنة أخيه البكر كانت المفضلة لديه. وقد رزق أهلها بعدها بثلاث بنات ثم ابن ثم ابنة. كانت والدتها امرأة تقية تتمتع بروحانية عالية، وقد هيّأ لها والدها تعليم مبادئ علم علاج أمراض الأطفال عند أحد الأطباء، وقد تعلمت والدتي ذلك إلى حد ما من والدتها.
وقد انتهت بالزواج حياة والدتي السعيدة والرغيدة التي عاشتها في منزل والديها، فقد كان زوجها ما يزال طالبا عندما انتقلت للسكن بمنزل أهله، وكان بعيدا عن المنزل معظم الوقت. فكان والد زوجها يقدرها كثيرا ويدللها ضمن حدود موارده . لكنها كانت مصممة على التأقلم مع حياة تقشف أسرة زوجها من كل النواحي، فلم تطلب أي شيء لنفسها، وحتى عندما عرضت عليها والدة زوجها شيئا قائلة هل تريدين بعضا من هذا؟ رفضت بأدب قائلة: "لا، سيدتي، لا يهمني كثيرًا". رغم أنها لو أعطتها ذلك الشيء دون طرح السؤال لقبلته بامتنان.
وقد ساعدت في الأعمال المنزلية بشغف ولم تتهرب أو تتملص من شيء، فكانت تنهض مبكرًا في الجزء الأخير من الليل وتطحن الذرة على رحى يدوية مدة ساعتين قبل أن يُسمع أذان الفجر من المسجد.
كانت تزور والديها لفترات قصيرة عندما كانا يدعوانها، ولكنها لم تكن تمكث عندهما طويلا، رغم أن الحياة معهما كانت فاخرة مقارنة مع حياتها في دسكه. لكنها كانت تعرف واجبها،
وكانت راضية بذلك.
اختبار الإيمان:
ملأ قدوم مولود ذكر جميل قلب أُمِّي فرحًا، ففاض بالامتنان الكبير لله تعالى مانح الخيرات والنعم كلها؛ فقد جعل مولودها الفترات الطويلة من غياب زوجها عن البيت أمرًا يُحتمل بسهولة أكبر، وقوى العلاقة بينهما، وسُمِّيَ المولود "ظفر" الذي احتلّ من أول يوم المقام الأول في قلب جده المبتهج.
لقد كان ظفر نور عيني والديه، وقد ملأ حياتهما بأشعة الشمس المشرقة، رغم أن أحدهما ظل بعيدًا عن الآخر معظم الوقت، فأحدهما في لاهور، والآخر (هي) تضع ظفر في حضنها.
اختبار الإيمان:
ملأ قدوم مولود ذكر جميل قلب أُمِّي فرحًا، ففاض بالامتنان الكبير لله تعالى مانح الخيرات والنعم كلها؛ فقد جعل مولودها الفترات الطويلة من غياب زوجها عن البيت أمرًا يُحتمل بسهولة أكبر، وقوى العلاقة بينهما، وسُمِّيَ المولود "ظفر" الذي احتلّ من أول يوم المقام الأول في قلب جده المبتهج.
لقد كان ظفر نور عيني والديه، وقد ملأ حياتهما بأشعة الشمس المشرقة، رغم أن أحدهما ظل بعيدًا عن الآخر معظم الوقت، فأحدهما في لاهور، والآخر (هي) تضع ظفر في حضنها.
كان عمر ظفر أشهرا قليلة عندما ذهبت والدته لزيارة والديها في داته زيدكا"، ففرح والداها اللذان أولعا بحفيدهما الصغير الجميل. وكان في القرية أرملة هندوسية تدعى "جي ديوي"، وكانت مشهورة بأنها ساحرة، وقد استغلت هذه السمعة السيئة لابتزاز النساء الجاهلات اللواتي يؤمن بالخرافة. وبعد يوم أو يومين من وصول والدة ظفر، مرّت بها "جي ديوي" مرحبةً بها وطلبت منها بعض الملابس والمؤن بلهجة فيها تهديد. فردت عليها والدتي: أنت أرملة فقيرة فإن كنت تسألين صدقةً أو برا فسأكون سعيدة بمساعدتك قدر وسعي، ولكني لا أؤمن بالسحر أو الشعوذة، إنما أؤمن بأن الله وحده هو مالك الحياة والموت، ولا أعترف بمن سواه، وأعتبر مثل هذه الادعاءات تجديفًا ممقوتًا، ولستُ مستعدة لأعطيك أي شيء على هذا الأساس. فردت جي ديوي: الأفضل لك أن تفكري مرة أخرى، فإذا كنت ترغبين أن يعيش طفلك، فعليك الامتثال لطلبي.
وبعد أيام قليلة، كانت والدتي تغسل ظفرًا، فجاءت "جي ديوي" وقالت مشيرةً إلى الطفل: هل هذا هو "الأمير من أسرة "الساهي" إذًا؟ فأجابت والدته: نعم. فكررت جي ديوي طلبها السابق، ولكنها تلقت نفس الإجابة من والدتي، فشعرت بشيء من الإهانة وقالت: حسنًا، إذا بقى طفلك على قيد الحياة فأنا لست بساحرة إذا. ثم غادرت والغضب يتطاير منها. فأكدت لها والدة ظفر : لن يكون إلا ما شاء الله. ولم تكد جي ديوي" تصل الباب الخارجي حتى بدأ ظفر الذي كان لا يزال يغتسل بالتقيؤ وتبرز الدم، وفقد وعيه في غضون دقائق، ثم توفي بعد ساعات. فتضرعت والدته إلى الله تعالى : اللهم لا مانع لما أعطيت ولا مُعطي لما منعت إنا لله وإنا إليه راجعون. لا حول ولا قوة إلا بالله. اللهم ألهمني الصبر. ثم عادت إلى "دكه" ثكلى. بعد سنة أو سنتين من ذلك الحدث رُزقت أُمّي مولودها الثاني، رفيق، الذي كان أحلى وأجمل من ظفر . فقال جده لوالدته: ليس من أن تزوري "داته زيدكا" إلى أن يكبر رفيق قليلا ويستطيع الانفصال عنك. فبقيت في "دسكه" حتى بلغ رفيق سنتين من العمر تقريبًا، فتوفي أحد أقاربها، فكان عليها الذهاب إلى "داته زيدكا" لواجب التعزية، فاقترح جد رفيق ألا تأخذه معها ، ولكنها لم تطق البعد عنه، فسمح لها بأخذه معها، شريطة أن لا تطول زيارتها أكثر من أسبوع أو عشرة أيام.
بعد يومين من وصولها إلى "داته" "زيدكا" جاءتها "جي ديوي" وكررت طلبها، ولكن والدة رفيق ردت عليها بنفس الرد، فاحتج والدها على ذلك، وحتّها على الامتثال لطلب "جي ديوي"، حيث إن المسألة لا تتعدى إعطاءها أشياء لا تزيد عن روبيات، وإن لم تكن قادرة على ذلك ، فسيقوم والدها بذلك. فقالت : ليست القضية أشياء لا تزيد قيمتها عن بضعة روبيات، ولكن القضية هي صدق إيمانها بالله تعالى، فكيف يمكن لها أن تعترف بأن امرأة عاجزة فقيرة تستطيع التحكم بحياة طفلها؟ إن هذا يكون تجديفا فاحشا؛ فطفلها سيعيش إذا منحه الله الحياة، وإلا فلن يستطيع أحد إبقاءه حيًّا ، وإنها لن تعرّض إيمانها للشبهة سواء أعاش الطفل أو مات.
بعد ثلاثة أو أربعة أيام من ذلك سمعت في منامها صوت امرأة تندب أن "جي ديوي" قتلت طفلها بنزع كبده، وأن أحدا لم يوبخها على جريمتها النكراء، ولو أن هذه المصيبة ألمت بأحد أصحاب المناصب، لطردوا الساحرة من القرية، فنبهتها والدة رفيق في الرؤيا قائلة: إن الحياة والموت بيد الله تعالى وليس لجي ديوي أي علاقة بالأمر، وقد عانى طفلي على نحو مماثل، لكني لم أَلمْ جي ديوي" بشكل من الأشكال.
وحين أنهت تعليقها هذا لاحظت في رؤياها، كما لو أن نافذة فُتحت
من أحد الجوانب وظهر وجه جي ديوي في النافذة، وقالت لها: إذا بقي طفلك حيًّا هذه المرة أيضًا فلن أكون ابنة "كهَتْري" بل ابنة كنّاس. تقسم الديانة الهندوسية أتباعها على أربع طبقات - البراهمة: وهم الذين خلقهم الإله "براهما" من فمه - كما يزعمون -: منهم المعلّم والكاهن والقاضي، وإليهم يلجأ الجميع في حالات الزواج والوفاة، ولا يجوز تقديم القرابين إلا في حضرتهم.
رفيق قد تقيأ وتبرز الدم وفقد الوعي. فانتابها قلق بالغ بأنه لو توفي بعيدًا عن منزل جده الذي لم يسمح لها بأخذه معها، فلن يغفر لها ذلك أبدا، وستصبح حياتها بائسة في "دسكه"، فتوسلت إلى والدتها أن تُعدَّ الترتيبات اللازمة لسفرها فورًا إلى دسكه التي تبعد مسافة اثنين وعشرين ميلا. وقد تم إسراجُ فرسين للأم وابنتها، وكان رفيق في حضن والدته، وقد رافقهما اثنان من الخدم في هذه الرحلة الحزينة. كان الليل لا يزال مخيما، وعندما بدأ الفجر بالانبثاق لاحظت والدة رفيق أنه لا يوجد فيه أية علامة للحياة، فأدركت أنه يلفظ أنفاسه الأخيرة، ولكنها كانت تؤمن إيمانا راسحًا بأن الله تعالى قادر على منحه المزيد من الحياة، فألقت اللجام على رقبة الجواد ورفعت يديها في ابتهال وتضرع إلى الله تعالى وقالت: اللهم إنك تعلم أن ما يحزنني ليس مشهد وفاة ولدي؛ فأنت من منحته الحياة، وإن جاء أجله، فإليك سيعود، وأنا قانعة تماما بمشيئتك، ولكن ما يحزنني أكثر هو مستقبلي؛ فلو توفي ابني الآن فلن يكون لي بعدها أي مستقبل في "دسكه". ويا أرحم الراحمين، أنت مالك الحياة والموت، فاستجب لابتهالي المتواضع وامنح ابني مهلة عشرة أيام. أتوسل اليك ربي أن تستجيب دعائي هذا حتى يستمتع جده بالمرح معه، وبعد ذلك إذا سرّك استدعاؤه إليك فلن أطلق أي تنهيدة على موته ... واستمرت تدعو بذلك فترة لا تذكر طولها بالضبط ،إلى أن شعرت بابنها "رفيق" يسحب حجابها ويدعوها (ماما) بصوت ينم عن صحة وعافية. فأدركت أن الله تعالى قد استجاب دعاءها، فامتلأ قلبها بالامتنان للخالق.
وحين أنهت تعليقها هذا لاحظت في رؤياها، كما لو أن نافذة فُتحت
من أحد الجوانب وظهر وجه جي ديوي في النافذة، وقالت لها: إذا بقي طفلك حيًّا هذه المرة أيضًا فلن أكون ابنة "كهَتْري" بل ابنة كنّاس. تقسم الديانة الهندوسية أتباعها على أربع طبقات - البراهمة: وهم الذين خلقهم الإله "براهما" من فمه - كما يزعمون -: منهم المعلّم والكاهن والقاضي، وإليهم يلجأ الجميع في حالات الزواج والوفاة، ولا يجوز تقديم القرابين إلا في حضرتهم.
٢- الكاشتر (أو كَهْتري"): وهم الذين خلقهم الإله من ذراعيه : يتعلمون ويقدمون القرابين ويحملون السلاح للدفاع.
٣ الوَيش وهم الذين خلقهم الإله من فخذه: يزرعون ويتاجرون ويجمعون المال وينفقون على المعاهد الدينية.
٤ - الشودر: وهم الذين خلقهم الإله من رجليه، وهم يشكلون طبقة المنبوذين، وعملهم مقصور على خدمة الطوائف الثلاث السابقة الشريفة، ويمتهنون المهن الحقيرة مثل تنظيف الشوارع والمراحيض.
(المترجم).
وقد أرعبها هذا التهديد، فاستيقظت مذعورة، ولاحظت أن المصباح انطفأ عندها. فنادت والدتها، فأتت وأضاءت المصباح. فلاحظت أنرفيق قد تقيأ وتبرز الدم وفقد الوعي. فانتابها قلق بالغ بأنه لو توفي بعيدًا عن منزل جده الذي لم يسمح لها بأخذه معها، فلن يغفر لها ذلك أبدا، وستصبح حياتها بائسة في "دسكه"، فتوسلت إلى والدتها أن تُعدَّ الترتيبات اللازمة لسفرها فورًا إلى دسكه التي تبعد مسافة اثنين وعشرين ميلا. وقد تم إسراجُ فرسين للأم وابنتها، وكان رفيق في حضن والدته، وقد رافقهما اثنان من الخدم في هذه الرحلة الحزينة. كان الليل لا يزال مخيما، وعندما بدأ الفجر بالانبثاق لاحظت والدة رفيق أنه لا يوجد فيه أية علامة للحياة، فأدركت أنه يلفظ أنفاسه الأخيرة، ولكنها كانت تؤمن إيمانا راسحًا بأن الله تعالى قادر على منحه المزيد من الحياة، فألقت اللجام على رقبة الجواد ورفعت يديها في ابتهال وتضرع إلى الله تعالى وقالت: اللهم إنك تعلم أن ما يحزنني ليس مشهد وفاة ولدي؛ فأنت من منحته الحياة، وإن جاء أجله، فإليك سيعود، وأنا قانعة تماما بمشيئتك، ولكن ما يحزنني أكثر هو مستقبلي؛ فلو توفي ابني الآن فلن يكون لي بعدها أي مستقبل في "دسكه". ويا أرحم الراحمين، أنت مالك الحياة والموت، فاستجب لابتهالي المتواضع وامنح ابني مهلة عشرة أيام. أتوسل اليك ربي أن تستجيب دعائي هذا حتى يستمتع جده بالمرح معه، وبعد ذلك إذا سرّك استدعاؤه إليك فلن أطلق أي تنهيدة على موته ... واستمرت تدعو بذلك فترة لا تذكر طولها بالضبط ،إلى أن شعرت بابنها "رفيق" يسحب حجابها ويدعوها (ماما) بصوت ينم عن صحة وعافية. فأدركت أن الله تعالى قد استجاب دعاءها، فامتلأ قلبها بالامتنان للخالق.
أعرب والد زوجها عن سعادته بعودتها المبكرة أكثر مما توقع، وبدأ بمداعبة حفيده الصغير بابتهاج ومرت الأيام بسعادة وهي تراقب طفلها يمرح ويلعب مع جده، فابتسمت مدركة أن هذا تجل لنعمة الله، حيث منح ابنها مهلة قصيرة من الحياة، وعند انقضاء الأيام العشرة ظهرت على "رفيق" نفس الأعراض فجأة، ووافته المنية في غضون ساعات قليلة.
وتحملت الأم الثكلى هذه الخسارة مرتين بثبات، خاضعة لإرادة الله تعالى بإذعان كامل، ممتنة له على استجابته تضرعاتها.
لقد حار بعض قراء الكتيب بالأردية بهذين الحادثين المؤثرين وعاقبتهما حيرة كبيرة، وقد تبدو محاولة تفسير ذلك بكلمة مغامرة؛ فالحقيقة الأساسية الثابتة هي أن الله تعالى وحده مالك الحياة والموت، تماما كما مالك كل شيء آخر، كما قال الله تعالى في القرآن الكريم: والله يُحْيِي وَيُمِيتُ. (آل عمران: ١٥٧)؛ وقال: ﴿وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إلا بِإِذْنِ اللهِ. ( آل عمران : ١٤٦).
وتحملت الأم الثكلى هذه الخسارة مرتين بثبات، خاضعة لإرادة الله تعالى بإذعان كامل، ممتنة له على استجابته تضرعاتها.
لقد حار بعض قراء الكتيب بالأردية بهذين الحادثين المؤثرين وعاقبتهما حيرة كبيرة، وقد تبدو محاولة تفسير ذلك بكلمة مغامرة؛ فالحقيقة الأساسية الثابتة هي أن الله تعالى وحده مالك الحياة والموت، تماما كما مالك كل شيء آخر، كما قال الله تعالى في القرآن الكريم: والله يُحْيِي وَيُمِيتُ. (آل عمران: ١٥٧)؛ وقال: ﴿وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إلا بِإِذْنِ اللهِ. ( آل عمران : ١٤٦).
لقد كان إيمان والدتي "حسين بي بي ثابتا كالجذر في الصخور، وكانت لا تطيق أي استثناء أو نكوص في ذلك، وكل ما في الأمر أن المؤمن قد يتعرض للمحن حتى يتعزز ثباته ويتألق إيمانه أكثر فأكثر بواقع الحياة المؤلم لا بثرثرة اللسان فقط. فقد جاء في القرآن الكريم: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) (البقرة : ١٥٦ - ١٥٨)
لقد امتحنت مرارًا وبشدة ، ولكن قلبها كان ثابتًا دائما ، وكان فضل الله ورحمته يزيدان من قوة إيمانها. بعض عناصر هذه الدراما الإنسانية يجب أن تُدرك بشكل واضح، فدور جي ديوي" في جزء من هذه الأحداث لم يكن إلا من قبيل الصدفة؛ صحيح أنها ظهرت في حالتي ظفر ورفيق، وكانت تنذر وتهدد بمس سلامتهما، ولكن التحدي كان واضحا في حالة رفيق كما ظهر في سياق هذا السرد. كما أن كل الإعلانات الأخيرة - مهما كان طابعها - كانت تُنقل إلى الأم عبر الرؤى وليس عبر "جي ديوي" التي لم تُمنَع من الزيارة، وكانت تمر على "حسين بي بي" من وقت لآخر، كلما عرفت أنها قد جاءت إلى "داته زيدكا"، ولم يكن هنالك في أية مناسبة أي تلميح أو إشارة خفية منها شخصيًا . في المرة الثانية هي لم تهدد بل جاءت تطلب المعونة، ولكن والدة المؤلف لم تستجب لها كيلا يظن أحد أنها تخشاها خصوصا أن والدها كان خائفا على ما يبدو- وحثها على أن تقدم لها شيئا. الناشر.
وفيما يتعلق بالرؤى ، فيجب أن نتذكر أنه لا يمكن لأي إنسان أن يجد وسيلة للظهور في رؤيا الآخر، وهكذا، فمن المستحيل لجي ديوي أن تظهر في رؤى "حسين بي بي"، ولكن هذا لا يحل اللغز. إن ظهور "جي ديوي، في رؤاها كان منذرًا لها دائمًا؛ ويبدو أنها كانت تعاني من نوع ما من مرض جسدي معروف بين أطباء التوليد باسم Athra ، والذي تسبب في وفاة أطفالها في سن مبكر. وصدفةً بدأ ظفر يعاني من أعراض الموت في غضون بضعة دقائق من وقوع عيني "جي ديوي" عليه متوعدة، أضف إلى ذلك سمعتها السيئة.. كل ذلك شكل لدى الأمعقدة، ونتيجة لذلك، فإن اقتراب بداية مرض Athra على الطفل، انعكس على عقل الأم في صورة جي ديوي.
لقد امتحنت مرارًا وبشدة ، ولكن قلبها كان ثابتًا دائما ، وكان فضل الله ورحمته يزيدان من قوة إيمانها. بعض عناصر هذه الدراما الإنسانية يجب أن تُدرك بشكل واضح، فدور جي ديوي" في جزء من هذه الأحداث لم يكن إلا من قبيل الصدفة؛ صحيح أنها ظهرت في حالتي ظفر ورفيق، وكانت تنذر وتهدد بمس سلامتهما، ولكن التحدي كان واضحا في حالة رفيق كما ظهر في سياق هذا السرد. كما أن كل الإعلانات الأخيرة - مهما كان طابعها - كانت تُنقل إلى الأم عبر الرؤى وليس عبر "جي ديوي" التي لم تُمنَع من الزيارة، وكانت تمر على "حسين بي بي" من وقت لآخر، كلما عرفت أنها قد جاءت إلى "داته زيدكا"، ولم يكن هنالك في أية مناسبة أي تلميح أو إشارة خفية منها شخصيًا . في المرة الثانية هي لم تهدد بل جاءت تطلب المعونة، ولكن والدة المؤلف لم تستجب لها كيلا يظن أحد أنها تخشاها خصوصا أن والدها كان خائفا على ما يبدو- وحثها على أن تقدم لها شيئا. الناشر.
وفيما يتعلق بالرؤى ، فيجب أن نتذكر أنه لا يمكن لأي إنسان أن يجد وسيلة للظهور في رؤيا الآخر، وهكذا، فمن المستحيل لجي ديوي أن تظهر في رؤى "حسين بي بي"، ولكن هذا لا يحل اللغز. إن ظهور "جي ديوي، في رؤاها كان منذرًا لها دائمًا؛ ويبدو أنها كانت تعاني من نوع ما من مرض جسدي معروف بين أطباء التوليد باسم Athra ، والذي تسبب في وفاة أطفالها في سن مبكر. وصدفةً بدأ ظفر يعاني من أعراض الموت في غضون بضعة دقائق من وقوع عيني "جي ديوي" عليه متوعدة، أضف إلى ذلك سمعتها السيئة.. كل ذلك شكل لدى الأمعقدة، ونتيجة لذلك، فإن اقتراب بداية مرض Athra على الطفل، انعكس على عقل الأم في صورة جي ديوي.
الإنذار الذي رأته في حُلمها بحصول النوبة المرضية لـ "رفيق" كان عن طريق جي ديوي التي قالت إنها لن تسمح له بأن يعود إلى منزل والده حيا؛ وهذا يعني أن رفيق كان على وشك أن يعاني من نوبة المرض، وهذا ما حصل بالفعل، ومن شأن هذا النوبة المرضية عادةً أن تملكه في غضون ساعات قليلة ، ولكن تضرعاتها الحثيثة إلى الله العلي القدير مالك الحياة والموت استجيبت لإرجاء موته، فوصل إلى المنزل سليما معافى تماما، وكان هذا دليلا واضحا على أن الله تعالى هو الذي يحيي ويميت، ولا تستطيع جي ديوي أن تسبب له أي ضرر، وعندما انقضت فترة إرجاء الموت ، تُوفي رفيق وفقًا لقضاء الله تعالى. وليس لجي ديوي أي علاقة في ذلك.
في وقت لاحق، ظهرت جي ديوي مرة أخرى في رؤى "حسين بي" التي صرخت عندما رأتها، متى ستتوقفين عن ملاحقتي؟ فردت عليها قائلة: سوف آتي بعد ثلاثة عشرة يوما وسبعة عشر يوما ثم لن آتي بعد ذلك. في ذلك الوقت ، كان والدي يعمل مختارًا في "دسكه"، فولدت "حسين بي بي" بعد ثلاثة عشر يوما من حلمها بنتا ، توفيت في اليوم السابع عشر من العمر. ويشير تأكيد جي ديوي" لها بأنها لن تأتي بعد ذلك، إلى أنه مع ولادة الطفلة المنتظرة ووفاتها ، فإن معاناة الأم الطويلة ستنتهي بفضل الله تعالى، وأنها ستلد بعد ذلك أطفالا لن يعانوا نتيجة ذلك.
كان والدي في ذلك الوقت قد عين محامي دفاع وانتقل من دسكه إلى سيالكوت ،وبدأ ممارسة عمله في المحاكم المحلية. وقد أصبح لحسين بي بي بيت خاص بها. كان في بساطته المتناهية، إلا أن حياة التقشف قد انتهت، أما الذي لم ينته بعد، هو ظهور "جي ديوي" في أحلامها، حيث حلمت بها ذات مرة، ولكن في اللحظة التي وطئت بها قدمها عتبة المنزل صرخت بأسى كبير : لقد أهينت البقرة هنا، فيجب أن لا آتي هنا مرة أخرى؛ وتراجعت مسرعة. أصيبت حسين بي بي بالحيرة؛ فمع أن العائلات المسلمة في المناطق الريفية من البنجاب اعتنقت الإسلام منذ أجيال عدة، إلا أنه بسبب أصولهم الهندوسية كانت تسودهم عادات هندوسية مثل الشعور بالاشمئزاز من أكل لحوم البقر؛ وكان تعجب جي ديوي يعني أن أحدهم أكل لحم البقر في المنزل، وبالاستفسار عن الأمر، اكتشفت أنه قد وصل إليهم بعض الضيوف ليلة أمس وقت العشاء وقدمت لهم الوجبة التي كانت معدة للأسرة، وأُرسل الخادم لشراء اللحوم المطهية من المطعم لتقديمه للأسرة، ولما كان الوقت متأخرًا نوعًا ما، فقد كان اللحم المطهي متوفرًا فقط في المطاعم التي تبيع لحوم البقر المنكهة ببهارات الكاري، فاشترى الخادم جزءا منها، وقدمها للأسرة على العشاء، فتناولوه دون أن يدروا أنهم يأكلون لحوم البقر. بعد ذلك، ونتيجة للحلم، بدأ لحم البقر يطهى في المنزل مرة أو مرتين في الشهر، دون أن يعلم بذلك رب الأسرة. ويبدو أنه كان للحوم البقر دور في
شفاء حسين بي بي من المرض الذي كانت تعاني منه.
اقترب موعد ولادة طفل جديد، وعلى الرغم من تناول الأسرة للحوم
اتخاذ البقر مرتين في الشهر ، إلا أن جي ديوي ظهرت مرة أخرى في حلم الأم ، وقالت لها أن طفلاً ذَكَرًا سيصل مساء اليوم التالي، وبأنه ينبغي اتخاذ بعض الاحتياطات للحفاظ على حياته؛ وهي أنه عند ولادته. يجب ثقب أنفه بإبرة، وأن يُدخل من الثقب شعرة جمل ، وأن توضع أيضا فتيلة في زبدية مصنوعة من الدقيق، ومسحوق الكركم والزبدة المذوبة، وأنه ينبغي أن يوضع هذا المزيج في أعلى مكان على سطح المنزل، ويجب أن تشعل الفتيلة عند ولادة الطفل. ذكرت حسين بي بي الحلم لزوجها، وولدت في الموعد المشار إليه في الحلم، وكان ذلك بتاريخ ٦ شباط / فبراير عام ۱۸۹۳. وعندما استعادت الأم السعيدة عافيتها، لاحظت أن مواد وُضعت على الطاولة التي بجانب سريرها، وكانت ابنة عم والدي تعتني بها، فسألتها ما هذه المواد ؟ قالت لها : إنها المواد المذكورة في حلمها. فاحتجت أمي على ذلك. وقالت إنها لا تتعامل مع أي نوع من ذلك الهراء. فقالت لها ابنة عم والدي: ولكن ابن عمي (أي والدي) يعتقد أنه لا ضرر في ذلك. فقالت أمي: كلا بل فيه ضرر كبير، فكل هذه خرافات، والله تعالى هو رب الحياة والموت، وإذا كان يريد أن يمنح الحياة لهذا الإنسان الصغير فسوف يعيش، وإذا كان سيدعوه إليه فلا بد أن يموت. لن أعرّض إيماني للخطر بالتورط في أي عمل أحمق. ثم مدت ذراعها الضعيفة وأزاحت كل المواد السخيفة من على الطاولة. وكانت هذه نهاية "جي ديوي" حسب ما أخبرت والدتي.
امتدت الحياة البائسة لتلك المرأة التافهة جي ديوي عدة سنوات، و كانت منبوذة من الجميع، وعندما كبرت وضعفت لم يكن هناك من يرعاها، وكان يصعب عليها شراء الطعام، وفي أيام الشدة هذه لم تتمكن حتى من الحصول على مياه الشرب. وفي النهاية أشعلت النار في غطاء سريرها فماتت حرقًا.
تعليقات
إرسال تعليق