التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الوسوسة الثانية:
والوسوسة الثانية التي قاموا بإثارتها على الإنترنت هي: 
إن الخلفاء الأحمديين قد فسروا نبوة سيدنا أحمد تفسيرًا مخالفا لما أراده هو نفسه، لأنهم اعتبروه نبيًّا مستقلا، وكفّروا المسلمين الآخرين، واعتبروا أنفسهم أمة مستقلة منفصلة عن المسلمين الآخرين، ومع ذلك يقولون للناس خداعًا ، أننا لم نعتبره نبيًّا مستقلاً ولا نكفّر إلا من كفِّرَنا أوّلاً. والدليل على أنهم يعتبرون أنفسهم أمة مستقلة ويعتبرون المسلمين الآخرين كفارا، هو أنهم قطعوا كل صلة معهم، حيث لا يصلّون وراءهم، ولا يصلّون على موتاهم، ولا يتزاوجون معهم؟ 
وأضافوا قائلين: سيقول لك القاديانيون إن المسيح الموعود نفسه قد نهى عن الصلاة وراء المسلمين غير الأحمديين، ولكن الواقع أنه نهى عن الصلاة وراءهم في ظروف معينة، بمعنى أنه منع من الصلاة وراء المكفّرين فقط، أما الذين لا يؤمنون بالمسيح الموعود ولا يكفرونه، فلم ير بأسًا في أداء الصلاة وراءهم؟

الجواب:
الحق أن الخلفاء الكرام لم يحرّفوا مفهوم نبوة سيدنا أحمد ، فلم يعتبروه نبيًّا مستقلا، ولم يكفّروا المسلمين الآخرين، ولم يفصلوا الأحمدية عن الأمة الإسلامية أبدًا، وإنما اتبعوا تعاليم سيدنارأحمد العالم كلها نصا وروحا . وكشفًا لهذه الحقائق نتناول الآن – بعون الله تعالى - هذه القضايا وفقًا للترتيب التالي: قضية التكفير، وقضية الصلاة، وقضية الجنازة، وقضية الزواج. 




خَلْفية هذه التعليمات:
ولكن قبل تسجيل هذه التعليمات الصريحة نود أن نوضح هنا خلفيتها. الحق أن المشايخ أنفسهم كانوا قد بدءوا بإصدار فتاوى التكفير ضد مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية وأتباعه، ونهوا المسلمين الآخرين عن التزاوج مع الأحمديين، والصلاة وراءهم، ومن ناحية أخرى منعوا الأحمديين قسرا أن يصلوا وراءهم، وأخرجوهم من مساجدهم بل انتزعوا من الأحمديين مساجدهم التي بناها آباؤهم، وأجبروهم على أن يبنوا مساجد أخرى، وأن يدفنوا موتاهم بعيدا عن مقابر المسلمين الآخرين. وإليكم بعضا من هذه الفتاوى على سبيل المثال لا الحصر.
 لقد أفتى المولوي عبد الصمد الغزنوي ضد الإمام المهدي والمسيح الموعود قائلا: "إنه مُضلَّ، مرتد متستّر، بل هو أضل من شيطانه الذي يعبث به، ولو مات على اعتقاده هذا، فيجب ألا تصلى عليه صلاة الجنازة، ولا يُدفن في مقابر المسلمين حتى لا يتأذى منه أصحابُ القبور". 
(إشاعة السنة ج ۱۳ رقم ٧ عام ۱۸۹۰م صفحة ۱۰۱)

وأفتى المولوي ميان نذير حسين الدهلوي المسمى ب: "شيخ الكل" عن حضرته: 
"إنه خارج عن أهل السنة، ومسلكه مسلك الملاحدة الباطنية وأهل الضلال. فبناء على ادعائه وإشاعته الأكاذيب ومسلكه الملحد يمكن تسميته دجالا من الدجالين الثلاثين الوارد ذكرهم في الحديث. أتباعه وندماؤهم ذُرّية الدجال. إنـــه مفتـــر علـــى الله، وتأويلاته إلحاد وتحريف. إنه يكذب ويدلّس... وكل ما قلناه ردًّا على سؤال السائل وما أصدرناه من الفتوى بحق القادياني هـو صحيح... والآن يجب على المسلمين أن يتجنبوا هــذا الكاذب الدجال، وألا يتعاملوا معه معاملات دينية مثلما تكون بين أهــل الإسلام، وألا ينشئوا علاقات الحب معه، وألا يبدؤوه بالسلام، وألا يدعوه في وليمة مسنونة، وألا يقبلوا دعوته، وألا يصلّوا وراءه، وألا يصلّوا عليه صلاة الجنازة ..." (إشاعة السنة النبوية، ج ١٣ رقم ٧ ص ٤٠-٤١-٨٥ عام ١٨٩٠م)

وقال القاضي عبيد الله المدراسي في فتواه:
"الذي يتبعه هو الآخر كافر ومرتد. ونكاح المرتد يفسخ شرعًا، تحرم عليه امرأته، وإذا جامَعَ امرأته فقد زنا، وأولاده في هذه الحالة يكونون أولاد الزنا، ولو مات المرتد مثله بغير التوبة، فلا تصلوا عليه صلاة الجنازة، ولا تدفنوه في مقابر المسلمين، بل ارموا به في الحفرة مثل الكلاب بغير غسل وكفن . "
فتوی در تكفير منكر عروج جسمي ونزول عيسى. أي: الفتوى في تكفير من أنكر صعود عيسى الجسدي ونزوله، الطبعة الأولى ٦٦-٦٧ عام ۱۳۱۱ الهجري، المطبعة المحمدية مدراس بالهند.


و لم يقتصر هؤلاء على نشر هذه الفتاوى القاسية على نطاق واسع عبر الجرائد والكتب فقط، بل عملوا بحسبها على صعيد الواقع، وأجبروا عامة الناس على تطبيقها، ثم تباهوا بذلك أيمــا مباهاة، حيث قال المولوي عبد الأحد الخانبوري: 
"عندما أُهينت الطائفة المرزائية، يقصد بها الأحمدية) في مدينة أمر تسار، وطُردوا من صلاة الجمعة والجماعة، وأُخرجوا بالإهانة المتناهية من المسجد الذي كانوا يجتمعون فيه للصلوات، كما منعوا قسرًا من حديقة "القيصري"، حيث كانوا يصلون الجمعة، عندها طلبوا مضطرين اضطرارا شديدا الإذن من الميرزا القادياني لبناء مسجد جديد. عندها قال الميرزا لأتباعه: اصبروا إنني سأحاول الصلح معهم، فإذا تم الصلح، فلا حاجة لبناء مسجد جديد. فواجَهَ الأحمديون أنواعًا من الإهانة وانقطع التعامل والعشرة مع المسلمين، وأعيدت نساؤهم المنكوحات والمخطوبات إلى أهلهن بسبب الميرزائية (يقصد بها الأحمدية). ورُمي بموتاهم في الحفَر دون غسل وكفن ودون صلاة عليهم، وهكذا دواليك." 
(إظهار مخادعة مسيلمة القادياني، ردًّا على إعلان مصالحة البولوس الثاني، الملقب بـ كشف الغطــاء عـــن أبصار أهل العمى عام ١٩٠١م)


إذن، فهذا هو الواقع الذي يخفيه اليوم المشايخ المتعصبون عن عامة المسلمين، ومع ذلك لا يملون من القول بأن الأحمدية هي التي بدأت بفتاوى التكفير وانفصلت عن السواد الأعظم من المسلمين.
لاحظوا مدى التحمل والصبر العظيم لسيدنا الإمام المهدي ، إذ يقول في هذه الظروف القاسية أيضا، بأنني سأحاول الصلح، وإذا تم الصلح فلا حاجة لبناء المساجد على حدة.

وطبعا ما كان هؤلاء المشايخ المتعصبون ليتصالحوا معه، فاضطر حضرته - منعًا للفساد ولحكم أخرى – لأن يعطي أتباعه التعليمات، فلما اتهمه الأشرار بأنه هو أول من بدأ بإصدار مثل هذه التعليمات والفتاوى، وجّه حضرته إليهم تحديًا. قال حضرته:
"هل يستطيع أحد من المشايخ أو المعارضين أو أصحاب الخانقات أن يثبت بأننا سبقنا في تكفير هؤلاء الناس. فإذا صدرت منا - قبل صدور فتوى الكفر من قبلهم - ورقة أو إعلان أو مجلة كفرنا فيها المسلمين المعارضين فليقدموها لنا، وإلا فلينظروا إلى هذه الخيانة الكبيرة التي يرتكبونها، حيث أفتوا بكفرنـــا أولاً، ثم يتهموننا وكأننا أفتينا بكفر جميع المسلمين."
 (حقيقة الوحي، الخزائن الروحانية ج ۲۲ ص ۱۲۳)

بعد بيان هذه الخلفية، نورد الآن بعض التعليمات التي اضطر حضرته لإعطائها أتباعه.



قضية الزواج:
قال المسيح الموعود في شأن التزاوج مع المسلمين غير الأحمديين:
۱ - "لا حرج في الزواج من فتاة غير أحمدية حيث إن الزواج - من كتابية أيضًا جائز . بل في الزواج معها منفعة وخير، إذ يتسبب في هداية شخص آخر. ولكن يجب ألا تنكحوا الآخرين بناتكم. إذا أعطيتم بنتا من قبلهم فلا حرج في قبولها، أما أن تعطوا فتياتكم للآخرين فهذه معصية. 
(جريدة الحكم مجلد ۱۲ عدد ۲۷ ص ۱ - ۳ يوم ١٤ أبريل / نيسان ۱۹۰۸ ، الملفوظات ج ۱۰ ص ۲۳۰)
فقوله: "إذ يتسبب هذا في هداية شخص آخر"، يوضح الحكمة وراء سماحه بالزواج مع بنات غير الأحمديين، كما يكشف لنا الحكمة وراء نهيه عن تزويج الأحمديات مع غير الأحمديين؛ مع ذلك أن المرأة أكثر تأثرًا من الرجل وأقل تأثيرًا فيه؛ فإذا تزوج الأحمدي بفتاة غير أحمدية، فعلى الأغلب أنها ستتأثر منه، وستنضم إلى الأحمدية في آخر المطاف. ولكن الفتاة الأحمدية لو تزوجت بغير أحمدي، فسوف يؤثر فيها ، فتخرج من الجماعة. وهذا ما أكده الواقع وتاريخ الجماعة كله.

٢- وقال في إعلان نشره خصيصا بشأن قضية الزواج: 
" من المستحيل أن تنشئ جماعتنا قرابات جديدة مع القوم الذين بلغوا - تحت تأثير المشايخ المعارضين – أقصى حدود التعصب والعناد والبخل والعداء، اللهم إلا أن يتوب هؤلاء ويدخلوا في جماعتنا ...
لا حاجة بنا أبدا أن ننشئ صلات جديدة مع الذين يكفّروننا، ويسموننا دجاجلة، أو مع الذين لا يفعلون هذا بأنفسهم، ولكنهم يثنون على من يفعل ذلك ويتبعونهم. تذكروا جيدا بأن الذي لا يستطيع أن يترك مثل هؤلاء القوم، فلا يستحق الدخول في جماعتنا. فما لم يترك الأخ أخاه من أجل الطهارة والصدق، وما لم ينفصل الأب عن ابنه، فليس مني في شيء. فاسمعوا وعُوا كلكم يا جماعتي، أنه لا بد لكل امرئ صالح من أن يعمل بهذه الشروط". (مجموعة الإعلانات، ج 3 ص ٥٠ - ٥١، بعنوان: إعلان هام لجماعتنا، المؤرخ في ٧ يونيو/ حزيران (۱۸۹۸)

٣- ومرة سأل أحد الإخوة سيدنا أحمد، أن أختي مخطوبة منذ فترة طويلة إلى شخص غير أحمدي، فهل نفسخ خطبتها؟

فأجاب عليه حضرته قائلا:
"لا بد من فسخ الوعد الفاسد وإصلاح ما فسد. مرة حلف النبي أنه لن يتناول العسل، فأمره الله تعالى أن يحلل مثل هذه اليمين. ثم إن الخطبة إنما هدفها أن يطلع الإنسان خلال هذه الفترة على محاسن الطرف الآخر وعيوبه، وليست الخطبة عقد قران، يصبح فسخها مأثمة " .
 (جريدة "بدر" مجلد ٦ عدد ٢٦ ص ٧ يوم ٧ يونيو/ حزيران ۱۹۰۷ ، الملفوظات ج ۹ ص ۳۰۰ – ۳۰۱) 

٤- وكتب أحد الإخوة إلى سيدنا أحمد أن أختي ليست بأحمدية تطلب ،وهي تطلب مني لابنها غير الأحمدي يد بنتي، فماذا أفعل؟ فأمر حضرته صحابيه الجليل حضرة المفتي محمد صادق قائلا: اكتب له: هذا وقت اختبارك على المرء أن يُؤثر دينه على دنياه. لقد قتل الصحابةُ آباءهم وأبناءهم في سبيل الدين، ألا تستطيع أن تُسخط أختك من أجل الدين؟ إن أختك وابنها عاقلان بالغان، وإنهما لمجرمان عند الله تعالى لأنهما لا يدخلان في هذه الجماعة الإلهية. فعليك بنصحهما، فإن استجابا لنصحك فبها ونعمت، وإلا فإن الله تعالى غني ولا يبالي بأحد. اعلم أن تزويج البنت مع غير أحمدي معصية، وإنه لحكم قطعي". 
(مكتوب سيدنا أحمد إلى المولوي فضل الرحمن، القاطن في قرية هيلان، في
محافظة كجرات)



قضية صلاة الجنازة:
وفيما يخص الصلاة على موتى غير الأحمديين، فإن الجماعة الإسلامية الأحمدية التابعة للخلافة تعمل تماما بحسب ما أفتى به سيدنا أحمد. وإليكم فتاواه في هذا الصدد.

۱ - قال حضرته مرة:
"لقد منح رسول الله صلى الله عليه وسلم قميصه لأحد المنافقين، وصلّى عليه الجنازة، إذ من الممكن أن يكون قد تاب في ساعة الغرغرة. على أن يحسن الظن، ومن أجل ذلك سمح بأداء الجنازة على كل واحد. ولكن إذا كان المتوفّى من المعاندين الشديدين، أو كان هناك خطر الشجار والخصومة، فيجب ألا تصلوا عليه عندئذ. ثم إن الصلاة على موتى غير الأحمديين ليست فرضًا على جماعتنا، وإنما يجوز لأفرادها أن يصلّوا عليهم على سبيل المنّة والإحسان فحسب. 
(جريدة "بدر" مجلد ۱ عدد ٣ ص ١٨ – ١٩ يوم ١٤ نوفمبر/ تشرين الثاني ،۱۹۰۲ ، الملفوظات ج ٤ ص ١٥٤) 

٢- وفي مناسبة أخرى سأل أحد الإخوة سيدنا أحمد قائلا: 
لقد تفشى الطاعون في قريتنا، ويموت به كثير من المخالفين المكذبين، فهل نصلى عليهم الجنازة؟ فرد عليه حضرته قائلا: "هذا الأمر فرض الكفاية، فلو اشترك فيه فرد واحد من العائلة لكفى. ولكن الأمر هنا مختلف، فهو أوّلا مات بالطاعون، وقد نهى الله عن الاقتراب من مثله، وثانيًا إنه معارض، لذا، فلا يجوز التدخل في أمره دونما داع. إن الله تعالى يقول: اتركوا مثل هؤلاء القوم كلية، ولو شاء الله لجعلهم أصدقاء لكم، أي سوف يصبحون مسلمين. إن الله تعالى قد أسس هذه الجماعة على منهاج النبوة، فلن تنفعكم المداهنة أبدًا، وإنما تضيعون بها نصيبكم من الإيمان" .
 
جريدة "بدر" مجلد ۲ عدد ۱۷ ص ۱۲۹، ۱۳۰. ١٥ مايو/ أيار يوم ۱۹۰۳، الملفوظات ج ٥ ص ٤٠٥)

3: وسأله سائل: هل يجوز أداء صلاة الجنازة على من لم يكن من جماعتنا؟ فأجاب عليه قائلا:
"إذا كان معارضًا لهذه الجماعة، ويقول السوء في حقنا، ويظن بنا سوءًا، فلا تصلّوا عليه الجنازة. أما إذا كان من الذين لزموا الصمت وكان بين هؤلاء وهؤلاء، فلا بأس في الصلاة عليه، شريطة أن يكون الإمام منكم. وإلا فلا حاجة لذلك. 

وأضاف قائلا:
"إذا لم يكن (المتوفى منكم، وكان ثمة مصلون والإمام من غيركم، وكرهوا أن يؤمّ أحد منكم صلاة الجنازة، وكان هناك خطر الشجار والجدال، فابتعدوا عن مثل هذه المناسبات، واشتغلوا بدلاً منها - بعمل صالح آخر.
(جريدة "الحكم" مجلد ٦ عدد ١٦ ص 7 يوم ٣٠ أبريل/ نيسان ۱۹۰۲ ، الملفوظات ج ٣ ص ٢٧٦ – ٢٧٧)

٤ - وقال أيضا في مناسبة أخرى:
إذا لم يكن المتوفَّى من المكفّرين والمكذبين لنا جهرا، فلا حرج من أداء صلاة جنازته، لأن الله تعالى هو علام الغيوب. أما الذين يكفروننا ويسبّوننا صراحةً، فلا تسلّموا عليهم، ولا تأكلوا معهم، غير أنه يجوز لكم أن تتعاملوا معهم بالبيع والشراء، إذ ليس لأحد في ذلك منة على الآخر.

أما الذي يظهر بسلوكه أنه لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، فإنه أيضًا مكذب لنا في الحقيقة، وأما الذي لا يصدقنا ويقول عني أني أراه صالحا، فإنه أيضًا معارض لنا في الواقع. والحق أن هؤلاء منافقون بطبعهم، وإنما دأبهم كدأب الذين يقولون "الله الله"، حين يكونون عند المسلمين، ويقولون رام" رام" حين يكونون لدى الهندوس -رام أو راما هو إله من آلهة الهندوس (المترجم)-. والحق أن لا علاقة لهؤلاء مع الله تعالى. يقولون في الظاهر: إننا لا نريد تجريح مشاعر أحد. ولكن تذكروا أنه حينما ينضم أحد إلى أحد الفريقين، فلا مناص من أن تُجرح مشاعر البعض. 
(جريدة "بدر" ج ۲ عدد ١٤ ص ١٠٥ يوم ٢٤ أبريل/ نيسان ١٩٠٣،
الملفوظات ج ۵ ص ٥ ص ٢٩٤ )

٥- ومرة اشترك أحد الأحمديين، وهو السيد سيد محمد علي شاه، في صلاة الجنازة لأحد معارفه الذي كان من المعارضين الشديدين، ثم ندم وتأسف على ما فعل، وكتب إلى حضرته رسالة التوبة التالية:
"لقد صلّيتُ خطأً جنازة المرزا إمام الدين الذي تُوُفِّيَ في ٦ يوليو/ تموز، والذي أعلن في كتبه ارتداده عن الأحمدية. وبهذا المنشور أعلن توبتي عما فعلت وأتبرأ من إمام الدين ومن الذين اشتركوا في جنازته، وأسحب دعاء الجنازة الذي قمت به في حقه، وأستغفر الله تعالى من هذه المعصية".
العبد المتواضع محمد علي شاه.
فقال سيدنا أحمد ال معلقا على ذلك:
"ينبغي ألا يزهو أحد بشيء. إن الفطرة لا تنفصل عن الإنسان، إذ لا يمكن للإنسان أن يتخلى عن الفطرة التي اتبعها في أول الأمر. إنه مقام خوف عظيم. يجب على كل واحد أن يدعو لحسن عاقبته. لا ضمان للحياة. يجب أن تؤثروا دينكم على كل شيء... لا بد للعاقل أن يتجهز للموت. أنا أيضًا أعيش منفصلا عن عشيرتي منذ فترة طويلة، فما هو الضرر الذي ألحقوه بي. يجب ألا تتخذوا أحدًا إلها من دون الله تعالى.
إن عيادة غير المؤمن ومواساة أهله عند وفاته هما من حسن الخلق، ولكن أداء الشعائر الإسلامية من أجله معصية. يجب ألا يُعطَى حق المؤمن للكافر، كما يجب ألا يسير الإنسان سيرة النفاق".
 (جريدة "الحكم" مجلد ۷ عدد ٢٦ ص ١٠,١١ يوم ١٧ يوليو/ تموز ۱۹۰۳، الملفوظات ج ٦ ص ٤٤ - ٤٦)


والجماعة الإسلامية الأحمدية التابعة للخلافة تعمل بحسب هذه الوصايا تمامًا، فتتجنب عمومًا الصلاة على موتى غير الأحمديين، ولكن في حالات استثنائية ، تصلي جنازتهم إذا كان الإمام من الأحمديين. فمثلا: في عهد الخليفة الثالث رحمه الله تعالى تُوفّى شخص غير أحمدي في إحدى الدول الأوروبية، ولم يكن وَرَثْتُه هناك ليصلوا عليه، فاستشار الأحمديون خليفتهم في أمره، فأمرهم أن يصلّوا عليه الجنازة، ذلك أنه لا يجوز دفن المسلم من دون أن تصلى عليه صلاة الجنازة.



مسألة التكفير:
فيما يخص مسألة التكفير، نورد هنا القول التالي فقط لسيدنا أحمد، منبهين أعضاء الجمعية الأحمدية اللاهورية إلى قراءته بإمعان وتأن.
في معرض الرد على اعتراضات أحد الطاعنين، سجل حضرته في كتابه "حقيقة الوحي" اعتراضا ثم رد عليه.

الاعتراض:
"لقد كتب حضرتك في آلاف الأماكن أن تكفير الناطقين بالشهادة وأهل القبلة لا يجوز بحال من الأحوال. وهذا يكشف بكل جلاء أن أحدًا من المؤمنين لا يصير كافرًا بمجرد عدم تصديقه لك، إلا الذي يصبح بنفسه كافرًا بتكفيره لك. ولكنك كتبت إلى "عبد الحكيم خان" أن كل من بلغته دعوتي فلم يصدقني فليس بمسلم.
فهناك تناقض بين ما قلت هنا وما قلت في الكتب السابقة..
أعني، لقد سبق أن كتبت في "ترياق القلوب" وغيره أن أحدًا لا يصير كافرًا بعدم إيمانه بك، وتقول الآن إنه بإنكاره لك كافرًا" .
 (حقيقة الوحى، الخزائن الروحانية ج ٢٢ ص ١٦٧)

جواب المسيح الموعود:
الغريب أنك تفرّق بين المكفّر وبين من لا يؤمن، وتعتبرهما من نوعين مختلفين مع أنهما عند الله تعالى من نوع واحد. ذلك أن الذي لا يصدّقني فلا يفعل ذلك إلا لأنه يراني مفتريا ...... ثم إن الذي لا يؤمن بي، فإنه لا يؤمن بالله ورسوله أيضا، ذلك أن هناك أنباءً من الله ورسوله في حقي.. أعني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخبر أن المسيح الموعود سيأتي في آخر الزمان من أمتي.... فما دام قد كفرني مئتان من المشايخ، وحُرّرت ضدي فتوى التكفير، وما دامت فتواهم أنفسهم، تؤكد أن الذي يكفّر مؤمنًا يصبح بنفسه كافرًا، وأن الذي يعتبر الكافر مؤمنًا فهو الآخر يصبح كافرا، فأمامهم هناك طريق سهل لحسم هذا الأمر، فإذا كان هؤلاء الآخرون (أي المترددون في تصديقي) يتحلون حقا بشيء من الصدق والإيمان وليسوا منافقين، فلينشروا إعلانًا مفصلا، وليذكروا فيه اسم كل واحد من هؤلاء المشايخ صراحة، ثم ليعلنوا أن هؤلاء المشايخ (المكفرين) كلهم كافرون، لأنهم قد كفّروا مسلما. وعندئذ سوف أعتبرهم أيضًا مسلمين، شريطة ألا تكون فيهم شائبة من النفاق، أو ألا يكذبوا معجزات الله الصريحة. وإلا، فإن الله تعالى قد أعلن: إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار. كم ورد في الحديث الشريف: "ما زنا زان وهو مؤمن، وما سرق سارق وهو مؤمن".. أي أن الزاني لا يبقى مؤمنًا في حالة الزنا، وأن السارق لا يبقى مؤمنًا في حالة السرقة.
وما دام الأمر هكذا، فكيف يظل المنافق مؤمنًا في حالة النفاق؟"
 حقيقة الوحي الخزائن الروحانية ج ٢٢ ص ١٦٧ – ١٦٩)



قضية الصلاة:
إن ما يزعمه هؤلاء بأن سيدنا أحمد لم ينه عن الصلاة إلا وراء المكفّرين فحسب، لهو زعم عار من الصحة والصدق أصلاً. والدليل على صحة ما نقول: التعليمات التالية الصريحة لسيدنا أحمد.


تعليم عام عن إمام الصلاة:
قال حضرته موضحًا أهمية الصلاة وحساسية الدور الذي يلعبه الإمام فيها:
١ - إن الصلاة وراء شخص ورع تؤدي إلى غفران ذنوب الإنسان. إن الصلاة مفتاح كافة البركات، وفي الصلاة يستجاب الدعاء، والإمام إنما هو بمنزلة وكيل، ولو كان هو نفسه أسود القلب. فكيف يجلب البركة للآخرين.
 جريدة "الحكم" ج ٥ عدد ٢٨ ص ٣ - ٤ يوم ٣١ يوليو / تموز ۱۹۰۱ ، الملفوظات ج ۲ ص ۳۱۸) 

٢ - "الصلاة وثيقة الصلة بالدعاء والإخلاص. ولا يمكن أن يجتمع الحقد مع المؤمن،  فينبغي أن لا تفسدوا صلاتكم بأدائها وراء شخص غير تقي .
 جريدة "الحكم" ج ٥ عدد ۱۰ ص ٩ يوم ۱۷ مارس/ آذار ۱۹۰۱، الملفوظات ج ۲ ص ٢٢٥)


الصلاة وراء غير أحمدي:
١ - بايع شخص على يده، وبعدها سأل قائلا: ورد في جريدة "الحكم": 
لا تصلوا وراء غير الأحمديين. فما رأيكم فيه؟ فأجاب المسيح الموعود :
"نعم، هذا صحيح. إذا كان المسجد للآخرين، فعليك أن تصلّي وحدك في بيتك، ولا حرج في ذلك . الأمر يتطلب بعض الصبر فحسب. 
(جريدة "بدر" مجلد ١ عدد ٥ و ٦ ص ٣٧ يوم ٢٨ نوفمبر/ تشرين الثاني وه ديسمبر/ كانون الأول ۱۹۰۲ ، الملفوظات ٤ ص ٢٤٠ - ٢٤١) 

۲- مرةً سأل سائل سيدنا أحمد : لماذا منعتم مريديكم من الصلاة وراء من ليسوا من مُريديكم؟ فأجاب حضرته :
 "إن الذين رفضوا هذه الجماعة التي أقامها الله تعالى، لسوء ظنهم مستعجلين وغير حافلين بهذا الكم الهائل من الآيات والمعجزات، ولا مكترثين بالمصائب التي تصب على الإسلام، فإنهم لا يتقون الله، والله تعالى يقول في كتابه الكريم: إنما يتقبل الله من المتقين. (المائدة: (۲۸). ومن أجل ذلك قلنا: لا تصلوا وراء شخص لا يمكن أن تبلغ صلاته درجة القبول والاستجابة".
 (جريدة "الحكم" ج ٥ عدد ١٠ ص ٨ يوم ۱۷ مارس / آذار ۱۹۰۱ ، الملفوظات ج ٢ ص ٢١٥) 
أغامضة هذه العبارة؟

٣- وقال في مناسبة أخرى:
"عليكم بالصبر، ولا تصلّوا وراء من ليس من جماعتنا، فهو خير لكم، وهو العمل الصالح، وفيه نصر لكم وفتح عظيم، وهذا الأمر الذي سيتسبب في رقي هذه الجماعة..... إنما سخطكم لوجه الله تعالى. لو بقيتم مختلطين معهم، فلن ينظر الله إليكم بتلك النظرة الخاصة التي ينظر بها إليكم الآن. إن الجماعة الطاهرة إنما تزدهر ما بقيت منفصلة". 
(جريدة "الحكم" ج ٥ عدد ٢٩ ص ٣-٤ يوم ١٠ أغسطس/ آب ۱۹۰۱ ، الملفوظات ج ۲ ص ۳۲۱) 
صدقت يا سيدنا المسيح الموعود، فالذين عملوا بوصيتك هذه قد بارك الله فيهم، وكان وما زال يكتب لهم النصر تلو النصر والفتح العظيم بعد الفتح العظيم، كما بشرت، ولكن الذين تعاموا عن وصيتك هذه وأصروا على الاختلاط مع الآخرين في شعائرهم الدينية ، فقد نُزعت البركة منهم، ولم يُكتب لهم الرقي والازدهار.



الصلاة وراء مخالف ومعارض:
١ - قال عليه السلام :
لا تصح الصلاة أبدًا وراء معارض. إن الصلاة وراء شخص ورع تؤدي إلى غفران ذنوب الإنسان. إن الصلاة مفتاح لكافة البركات، وفي الصلاة يستجاب الدعاء، والإمام إنما هو بمنزلة وكيل، ولو كان قلبه أسودَ ، فكيف يجلب البركة للآخرين". 
(جريدة "الحكم" ج ٥ عدد ٢٨ ص ٣-٤ يوم ۳۱ يوليو / تموز (۱۹۰۱، الملفوظات ج ۲ ص ۳۱۸



الصلاة وراء مكفر أو مكذِّب:
في ۱۹۰٥ بايع شخصان على يده ، ثم سأله أحدهما: هل يجوز الصلاة وراء غير أحمدي؟ فأجابه حضرته قائلا: "إن هؤلاء يكفّروننا، وإذا لم نكن كافرين يرتد عليهم الكفر ، لأن من يكفّر مسلمًا، فهو نفسه يصبح كافرا، لذا لا تجوز الصلاة وراء مثل هؤلاء".
(جريدة "بدر" ج ۱ عدد ٣٩ ص ٢ يوم ١٥ ديسمبر/ كانون الأول ۱۹۰۵ ، الملفوظات ج ۸ ص ۲۸۲



الصلاة وراء متردد:
لقد زعم صاحب المقال المذكور أن سيدنا أحمد لم ينه عن الصلاة خلف الذين لا يصدقونه ولا يكذبونه. وهذا الزعم أيضًا باطل كمزاعمهم الأخرى، لأن حضرته قد أفتى فيهم أيضًا وقال:

۱ - "أما الذين يلزمون الصمت من بينهم فإنهم أيضًا منهم. ولا تجوز الصلاة وراءهم أيضًا، لأنهم يحملون في قلوبهم مذهبًا مخالفا لنا، لذلك لا ينضمون إلينا علنًا .
 (جريدة "بدر" ج ۱ عدد ٢٩ ص ٢ يوم ١٥ ديسمبر/ كانون الأول ۱۹۰۵ ، الملفوظات ج ۸ ص ۲۸۲) 

2: وسُئل مرة : إذا كان في بلد ما إمام غير مطلع على
أخباركم فهل نصلّي وراءه أم لا؟ فرد عليه قائلا: يجب عليكم أولا أن تخبروه بذلك، فإذا قام بتصديقي فبها ونعمت، وإلا فلا تضيعوا صلاتكم وراءه. وأما إذا لزم أحد الصمت، دون أن يصدق أو يكذب، فهو أيضًا منافق، فلا تصلّوا وراءه" .
 (جريدة "الحكم" مجلد ٦ عدد ١٦ ص ٧ ليوم ٣٠ أبريل/ نيسان ١٩٠٢، الملفوظات ج ۳ ص ۲۷۷

٣- قال حضرته في مناسبة أخرى:
يسأل بعض الناس قائلين: هل نصلي وراء الذين لا يقولون سوءًا (في حقك)، ولا يُبدون أيضًا موقفهم بشكل واضح خوفًا من طعن القوم؟ أقول: كلا، إذ لا يزال في سبيل قبولهم الحق حجرُ عثرة، ولا يزالون غصنًا من تلك الشجرة ذات الثمر السام والفتاك. ولو أنهم لم يعتبروا أهل الدنيا معبودا وقبلةً لهم، لشقوا كلَّ هذه الحجب وخرجوا منها ، و لم يكترثوا أبدًا لطعن الطاعنين، وما خافوا شماتة الشامتين، بل فَروا إلى الله وحده ، فقبل القيام بأي عمل، يجب أن تروا أيرضي الله هذا العمل أم يُرضي الخلق؟ فإن الإنسان لا يزال معرَّضًا للعثار ما لم يصل إلى درجة يصبح رضا المولى فيها هو المقدَّم لديه ولا يقدر أي شيطان أو مُضل على إغوائه" .
 (جريدة "الحكم" ج ٥ عدد ۳۷ ص ١ - ٣ يوم ١٠ أكتوبر/ تشرين الأول ۱۹۰۱، الملفوظات ج ٢ ص ٣٦١) 

٤- بايع أحد العرب، واسمه عبد الله العرب، وحين أراد العودة إلى بلده، جرى الحوار التالي بينه وبين سيدنا أحمد :
 عبد الله: أنوي الآن العودة إلى بلدي، أفأصلي وراء القوم هناك أم لا؟
سيدنا أحمد: لا تصل وراء أحد إلا المصدقين.
الله عبد: إنهم لا يعرفون أخبارك، ولم يتم تبليغهم؟
سيدنا أحمد: عليك أن تبلغهم أولا، فإما مصدقين أو مكذبين.
 عبد الله: إن أهل بلدي متشددون جدًّا، وقومنا من الشيعة؟ 
سيدنا أحمد: عليك أن تكون لله تعالى. من كانت معاملته مع الله تعالى نزيهةً، فإن الله تعالى يتولاه ويتكفله". 
(جريدة "الحكم" ج ه عدد ٣٥ ص ٦ يوم ٢٤ سبتمبر/ أيلول ،۱۹۰۱ ، الملفوظات ج ٢ ص ٣٤٢ - ٣٤٣)


ه - وقال في مناسبة أخرى: "أما الذي يدل سلوكه على أنه لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، فإنه أيضا مكذِّب لنا في الحقيقة. وأما الذي لا يصدقنا، ويكتفي بقوله عنا بأنه رجل صالح، فإنه أيضًا معارض لنا في الواقع. والحق أن هؤلاء منافقون بطبعهم، ودأبهم كدأب الذين يقولون "الله الله" حين يكونون عند المسلمين، ويقولون رام رام" حين يكونون لدى الهندوس. لا علاقة لهؤلاء مع الله تعالى. إنهم يحتجون قائلين: لا نريد تجريح مشاعر أحد. ولكن تذكروا أنه حينما ينضم أحد إلى أحد الفريقين، فلا مناص من أن تُجرح مشاعر البعض". (جريدة "بدر" ج ۲ عدد ١٤ ص ١٠٥ يوم ٢٤ أبريل / نيسان ۱۹۰۳، الملفوظات ج ۵ ص ٢٩٤

٦- وسأل السيد "خان عجب خان" سيدنا أحمد قائلا: إذا كان أهل بلد أناسًا غرباء لا نعرف أمن الجماعة الأحمدية هم أم لا، أنصلّي وراءهم أم لا؟ فأجاب حضرته وقال: "يجب أن تسألوا هذا الإمامَ غير المطلع على أمري، فإن صدقني فصلوا وراءه وإلا فلا. إن الله تعالى يريد أن يؤسس جماعة مستقلة . فلماذا نخالف مشيئته؟ وإن الاختلاط مرةً بعد أخرى مع أولئك الذين يريد الله فصلنا عنهم مخالف للمشيئة الإلهية . "
 (جريدة "بدر" مجلد ۲ عدد ٥ ص ٣٤ .٣٥ يوم ٢٠ فبراير/ شباط ۱۹۰۳ ، الملفوظات ج ٥ ص ٣٨)

 فليحذر هؤلاء الذين يخالفون أمر الله تعالى، إذ يوصينا سيدنا أحمد صراحة أن الله تعالى يريد فصلنا عن الآخرين، ولكن هؤلاء يريدون أن يختلطوا مع القوم مرة أخرى، ظانين أن الأفضل أن نعمل معهم متكاتفين. وإنها الجسارة غريبة منهم إذ يتحدون مشيئة الله تعالى.

۷- ما قدمته حتى الآن من أقواله في صدد المترددين كان مسجلا في جرائد الجماعة، ولا غرو أنه واضح جلي في مراده، أحد ذلك أقدم الآن فتواه التي سجلها حضرته بيده في ومع كتبه، والتي هي من الصراحة والوضوح بحيث لا يمكن أن يصعب فهمها على أحد، ولا يمكن أن يؤوّلها أحد بحسب أهوائه المغرضة، إلا الذي قد أعماه العناد والحسد والمكابرة كليةً.
كان من الإلهامات التي تلقاها حضرته من الله تعالى الآية القرآنية تبت يدا أبي لهب وتب ، وقد فسر هذا الإلهام قائلا: " والظاهر من هذا الكلام الإلهي أن المكفّرين والمكذبين قوم هالكون، لذا، فليسوا أهلا لأن يصلّي وراءهم أحد من جماعتي. هل يمكن أن يصلي الحي وراء الميت؟ فتذكروا أن الله تعالى قد أخبرني أنه حرام عليكم حرمةً قطعية أن تصلوا وراء أي مكفّر ومكذب أو متردد. وإنما يجب أن يكون إمامكم منكم. وإلى ذلك يشير جزء من حديث البخاري: "وإمامكم منكم".. أي أن المسيح عندما ينزل، فلا بد لكم أن تتركوا بالكلية كلَّ الفرق الأخرى التي تدعي الإسلام، ويجب أن يكون إمامكم منكم. فافعلوا كما تؤمرون تمامًا. أتريدون أن تجعلوا لله عليكم حجةً وأن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون.

إن الذي يصدّقني من القلب فإنه يطيعني أيضًا من القلب، ويتخذني أنا حَكَمًا في كل حال، ويطلب مني الفصل في كل قضية. ولكن الذي لا يصدقني من صميم القلب سترون فيه الزهو والكبر والعُجب والأنانية، فاعلموا أنه ليس مني في شيء، لأنه لا ينظر إلى أوامري - التي تلقيتها من الله تعالى – نظرة تعظيم، لذا فإنه لن ينال في السماء التكريم . 
(الأربعين رقم ٣، الخزائن الروحانية ج ١٧ ص ٤١٧ الهامش)





الوسوسة الثالثة: "الأنجمن * " هي الخليفة!
 علما أن كلمة "الأنجمن" تعني في اللغة الأردية: لجنة أو هيئة أو مؤسسة. وربما أصلها "أنجم "جمع نجم، وكتبت باللغة الأردية بصورة مفككة، واستخدمت بمعنى كوكبة من الناس. (الناشر)
ومن وساوسهم التي بثوها على الإنترنت أن المسيح الموعود قال بنفسه في كتابه "الوصية" إن مؤسسة "الأنجمن هي خليفته، ولا أحد سواها.

الجواب:
مع الأسف الشديد لقد بتر هؤلاء الناس قول هذا أيضا عن سياقه، محرفين الكلم عن مواضعه!
الحق أنه شتان بين الخليفة الراشد و"الأنجمن". والدليل على ذلك أنه قد ذكر في كتيب "الوصية" أمر الخلافة بعد أن ذكر قرب وفاته، وتحت عنوان منفصل، بينما ذكر أعمال "الأنجمن" تحت عنوان آخر وفي مناسبة منفصلة. وإليك بيان ذلك.

 دراسة تحليلة لكتيب "الوصية":
اعلم أن كتيب "الوصية" يشتمل على ٣٤ صحفة فقط، ويمكن تقسيمه إلى ثلاثة أجزاء نظرا إلى عناوينه الثلاثة.
 الجزء الأول منه - وهو الكتيب الأصلي - يحتوي على ٢٤ صفحة. لقد انتهى حضرته من تأليفه يوم ۲۰ ديسمبر/ كانون الأول ۱۹۰۵ ، وتم طبعه في يوم ٢٤ من نفس الشهر. وقد تحدث فيه حضرته أولاً عن اقتراب أجله، مسجلاً بعض الإلهامات في هذا الصدد، ثم عن ظهور القدرة الثانية (أي الخلافة) بعد رحيله. وفي الأخير، أخبر أن الله تعالى قد أراه موضع قبره، وسماه "بهشتي "مقبرة"، أي مقابر أهل الجنة وأن الصلحاء من جماعته سوف يُدفنون في هذه المقابر. وسوف نتناول محتويات هذا الجزء بشيء من التفصيل لاحقا بإذن الله تعالى.
أما الجزء الثاني منه فيحتوي على ۷ صفحات، وعنوانه ضميمة متعلقة برسالة "الوصية"، وقد ألفه حضرته بعد طبع الكتيب الأصلي، كملحق له يوم ٦ يناير/ كانون الثاني ١٩٠٦، وتم نشره في مجلة "ريفيو" باللغة الأردية في نفس الشهر ونفس العام.
في هذا الملحق ، سجل حضرته تعليمات للصلحاء الذين سيدفنون في هذه المقبرة، كما أعطى فيه تعليمات للجنة المشرفة عليها، وقد أطلق عليها اسم "أنجمن كاربرداز مصالح قبرستان" أي اللجنة المشرفة على مصالح هذه المقبرة.
وسوف نتناول بعد قليل بشيء من الإسهاب، ما ورد في هذا الجزء من تعليمات وشروط، بما فيها قوله: إن هذه الأنجمن هي نائبة خليفة الله.
 
أما الجزء الثالث والأخير من كتيب "الوصية" ، فيشتمل على ثلاث صفحات فقط، ويحتوي على أول تقرير عن أول جلسة عقدتها هذه "الأنجمن" يوم ۲۹ /يناير/ كانون الثاني ١٩٠٦، تحت رئاسة سيدنا المولوي نور الدين له.
تعالوا نَرَ ماذا قال حضرته في الجزأين الأول والثاني من هذا الكتيب عن "الخلافة" و"الأنجمن":


ملخص الجزء الأول:
لقد أخبر فيه سيدنا أحمد عن اقتراب أجله، ثم نبأ عن الخلافة بعده قائلا:
"إن الله تعالى يتوفى الأنبياء في وقت يصحبه الخوفُ من الفشل بادي الرأي، فيُفسح بذلك المجال للمعارضين ليسخروا ويستهزئوا ويطعنوا ويشنّعوا . وحينما يكونون قد أخرجوا كل ما في جعبتهم من سخرية واستهزاء يُظهر الله تعالى يد القدرة الثانية، ويهيئ من الأسباب ما تكتمل به الأهداف التي كانت إلى ذلك الحين غير مكتلمة لحد ما.
فالحاصل أنه تعالى يُري قسمين من قدرته: أولاً، يُري يد قدرته على أيدي الأنبياء أنفسهم، وثانيًا، يُري يد قدرته بعد وفاة النبي حين تواجه المحن ويتقوى الأعداء ويظنون أن الأمر الآن قد اختل، ويوقنون أن هذه الجماعة سوف تنمحي، حتى إن أعضاءها أنفسهم يقعون في الحيرة والتردد وتنقصم ظهورهم، بل ويرتد العديد من الأشقياء، عندها يُظهر الله تعالى قدرته القوية ثانية ويُساند الجماعة المنهارة. فالذي يبقى صامدًا صابرًا حتى اللحظة الأخيرة يرى هذه المعجزة الإلهية، كما حصل في عهد سيدنا أبي بكر الصديق ، حيث ظُنَّ أن وفاة الرسول قد سبقت أوانها، وارتد كثير من جهال الأعراب، وأصبح الصحابة من شدة الحزن كالمجانين، عندها أقام الله تعالى سيدنا أبا بكر الصديق ، وأظهر نموذجا لقدرته مرة أخرى، وحمى الإسلام من الانقراض الوشيك. وهكذا أتم عز وجل وعده الذي قال فيه : ولَيُمكننَّ لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليُبدِّلنّهم من بعد خوفهم أمنًا .*.. أي أنه تعالى سوف يثبت أقدامهم بعد الخوف."
 (الوصية، الخزائن الروحانية ج ٢٠ ص ٣٠٤ - ٣٠٥) 
ثم أضاف قائلا:
"فيا أحبائي، ما دامت سنة الله القديمة هي أنه تعالى يُري قدرتين، لكي يحطّم بذلك فرحتين كاذبتين للأعداء.. فمن المستحيل أن يغيّر الله تعالى الآن سنته الأزلية. لذلك فلا تحزنوا لما أخبرتكم به ولا تكتئبوا، إذ لا بد لكم من أن تروا القدرة الثانية أيضًا، وإن مجيئها خير لكم، لأنها دائمة ولن تنقطع إلى يوم القيامة. وإن تلك القدرة الثانية لا يمكن أن تأتيكم ما لم أغادر، ولكن عندما أرحل سوف يرسل الله لكم القدرة الثانية، التي سوف تبقى معكم إلى الأبد.... فمن الضروري أن يأتيكم يوم فراقي ليليه ذلك اليوم الذي هو يوم الوعد الدائم. إن إلهنا إله صادق الوعد ، وفي وصدوق، وسيُحقق لكم كل ما وعدكم به. وبالرغم من أن هذه الأيام هي الأيام الأخيرة من الدنيا، وهناك كثير من البلايا والمصائب التي آن وقوعها، ولكن لا بد أن تظل الدنيا قائمة إلى أن تتحقق جميع تلك الأنباء التي أنبأ الله تعالى بها. لقد بُعثتُ من الله تعالى كمظهر لقدرته ، فأنا قدرة الله المتجسدة وسيأتي من بعدي آخرون، سيكونون مظاهر قدرة الله الثانية. لذلك كونوا منتظرين لقدرة الله الثانية داعين لمجيئها مجتمعين ولتجتمع كل جماعة من الصالحين في كل قطر وليدعوا حتى تنزل القدرة الثانية من السماء، وتُريَكم أن إلهكم إله قادر كل القدرة."
 (المرجع السابق ص ٣٠٥ - ٣٠٦)
يقول حضرته في هذا الجزء نفسه بضرورة إنشاء "الأنجمن" لإدارة أمور المقبرة البهشتية:
 "لقد أعطيتُ أرض هذه المقبرة تبرعًا مني. ولسوف تُشترى لتكميلها أرض أخرى تقدّر قيمتها بألف روبية .... وعليه فالشرط الأول هو أن كل من يرغب في أن يدفن في هذه المقبرة أن يتبرع لهذه المصاريف حسب مقدرته.... وينبغي أن تُجمع هذه التبرعات عمليًّا عند أخي في الله المولوي نور الدين المحترم . وإذا أراد الله فسيظل هذا التعامل جاريًا أيضا حتى بعد موتنا جميعًا. وفي هذه الحالة يستدعي الأمر تأسيس "الأنجمن" التي تتولى إنفاق الأموال التي ستجمع بين حين وآخر،رلإعلاء كلمة الإسلام وإشاعة التوحيد وذلك كما تراه مناسبًا. 


ملخص الجزء الثاني:
لقد أشرنا من قبل أنه لا قد ذكر في هذا الجزء من كتيب "الوصية" شروطًا مفصلة لمن يريد من صلحاء الجماعة أن ينسلك في نظام "الوصية"، فيتبرع بعشر ماله وعقاره لإعلاء كلمة الإسلام، ليُدفن في "بهشتي مقبرة". كما سجل فيه حضرته ال تعليمات لـ "الأنجمن" أي للجنة المشرفة على هذه المقبرة والأموال. وكانت ۲۰ شرطًا أو تعليمة، ومنها:

أ- "لا يجوز لهذه الأنجمن التي ستحتفظ بهذه الأموال أن تنفقها في أي مشروع غير مشاريع الجماعة الإسلامية الأحمدية، وأهمها نشر الإسلام" (الوصية، الخزائن الروحانية ج ۲۰ ص ٣٢٥، الشرط التاسع)
ب "يجب أن يكون أعضاء هذه الأنجمن من أفراد الجماعة الإسلامية الأحمدية ويجب أن يكونوا من الصالحين والأمناء. وإذا عُثر في المستقبل على أن أحدا منهم ليس بتقي أو أمين، أو أنه محتال وفيه شيء من الشوائب الدنيوية، فمن واجب الأنجمن أن تفصله من عضويتها على الفور، وتعيّن مكانه شخصا آخر. 
(المرجع السابق، الشرط العاشر) 
ج- "ولما كانت الأنجمن تنوب عن الخليفة الذي استخلفه الله ،لذا عليها أن تظل منزّهة كليًّا عن جميع الشوائب الدنيوية، وأن تكون معاملاتها كلها نزيهة جدا ومبنية على العدل. 
المرجع السابق، الشرط الثالث عشر)
 د "من الضروري جداً أن تظل قاديان هي مركز هذه - الأنجمن على الدوام لأنها مقام بارك الله فيه." 
(المرجع السابق ص ٣٢٦ ، الشرط الخامس عشر)
ه- وقال في آخر هذه التعليمات: "لا أريد أن آخذ منكم أي مال وأحتفظ به، وإنما تسلّمون أموالكم إلى "الأنجمن" من أجل نشر الدين، وتنالون به حياة الجنة. 
(المرجع السابق ص ٣٢٩)



نتائج منطقية:
لقد لخصتُ لكم أهم ما ورد في هذين الجزأين، ولا شك أنهما يحتويان على الأمور التالية:
١ - لقد ألف سيدنا أحمد كتيب "الوصية" الأصلي أولاً، ثم بعد حوالي أسبوعين كتب له ملحقا، كما تدل على ذلك التواريخ المختلفة لكتابتهما وطبعهما. 
٢ - أنه الي قد ذكر في الجزء الأول وصيته الأصلية عن قرب وفاته وظهور القدرة الثانية بعده، كما تحدث في هذا الجزء نفسه أيضًا عن "بهشتي مقبرة"، وعن ضرورة "أنجمن"، أي لجنة للإشراف على أعمال المقبرة وأموالها.

وبرغم أنه لا ذَكَرَ في هذا الجزء اقتراب أجله، إلا أنه لم يقل أبدًا إن "الأنجمن" سوف تخلفه بعده، مع أنه قد ذكر "الأنجمن" في آخر هذا الجزء الأول نفسه.
٤- وعلى النقيض، بشر في بداية هذا الجزء الأول بظهور القدرة الثانية بعد وفاته. ودفعًا لأي لبس وإشكال عما يقصده من القدرة الثانية، وضح حضرته الي الأمر أيما توضيح، بضرب مثال سيدنا أبي بكر، ليبين أن الخلافة بعده تكون فردية، أي أن فردًا واحدًا سيمثل خلافته، فقال: كما أن الله قد أقام أبا بكر خليفة بعد وفاة حبيبه المصطفى، كذلك تماما سيحدث بعد رحيلي، وسوف يقيم الله تعالى - مثل أبي بكر – فردًا واحدا يمثل خلافتي، وليس لجنة أو "أنجمن" مكونة من عدة أفراد.
5: إن "الأنجمن" لا يمكن أن تُعتبر "القدرة الثانية" المشابهة لأبي بكر – أو بتعبير آخر – خليفةً له بالمعنى المعروف الشهير، لأن "الأنجمن" لم تظهر و لم تؤسس بعد رحيله، وإنما أسسها هو نفسه في حياته، ولم تزل موجودة وعاملة أمام أعين الجميع حتى وفاته ، وأما القدرة الثانية ، فما كانت لتوجد في حياته ، بل كانت ستظهر بعد وفاته حيث قال: "إن تلك القدرة الثانية لا يمكن أن تأتيكم ما لم أغادر".
٦- لقد أكد على ضرورة القدرة الثانية بعده.. أو بتعبير آخر أكد على ضرورة الخلافة بعده حتما ، حيث أعلن أن ظهور القدرة الثانية بعد الأنبياء هو من سنة الله المستمرة التي لن تتغير: "ومن المستحيل أن يغير الله تعالى الآن سنته الأزلية". وهذا يبطل زعم الجمعية الأحمدية اللاهورية أنه لا حاجة للخلافة في الأحمدية.
6: وأكد على ضرورة استمرار الخلافة الفردية بعده على الدوام، لأنه يبشر: "إن مجيئها خير لكم، لأنها دائمة ولن تنقطع إلى يوم القيامة".  وهذا يدحض زعمهم أن لا داعي الآن لأي خليفة بعد الخليفة الأول مولانا الحكيم نور الدين . 
- وكل ذلك يدل دلالة لا غبار عليها أن قوله : "وبما أن "الأنجمن" هي نائبة خليفة الله"، لا يمكن أن يؤخذ بمعنى أنها ستكون خليفة له بالمعنى المعروف الشهير لكلمة الخليفة، وإنما المراد من قوله هذا أن "الأنجمن" سوف تنوبه في الإشراف على "بهشتي مقبرة" وعلى أموالها. وذلك لأنه اللي عندما تحدث في الجزء الأول عن وفاته وعما يحدث بعدها، لم يذكر أبدا كونَ "الأنجمن" نائبةً له، وإنما ذكر نيابة الأنجمن له في الجزء الثاني - الذي كتبه بعد الكتيب الأصلي بأسبوعين تقريبا – حيث أعطى تعليمات مفصلة للأنجمن تراعيها لدى الإشراف على "بهشتي مقبرة" وعلى أموالها. وهذا يعني أن دائرة عمل الأنجمن كانت منحصرة في الإشراف على "بهشتي مقبرة" وعلى أموالها فحسب، وقد بدأت أعمالها في حياته ، أما القدرة الثانية، فقد ستأتي بعد وفاته ، الأمر الذي دل على أنهما شيئان مختلفان. فشتان بين أن تكون الأنجمن بمثابة هيئة مستشارة مساعدة لحضرته في الإشراف على أعمال "بهشتي مقبرة" وأموالها، وبين أن تصبح خليفة له . 
وفي الأخير يجب أن نذكرهم هنا مرة أخرى، ألا ينسوا أن الأنجمن" - التي كان زعماؤهم يشكلون الأكثرية فيها – هي التي قامت مع باقي الجماعة بانتخاب الخليفة الأول ، ورضيت به خليفةً ، كما أعلنت في جرائد الجماعة أن هذا الانتخاب تم بحسب تعليمات المسيح الموعود المذكورة في كتيب "الوصية". فكيف جاز لزعمائهم لدى انتخاب الخليفة الثاني أن يعترضوا على انتخابه محتجين أن هذا خلاف لتعليمات المسيح الموعود الواردة في كتيب "الوصية"، وأن "الأنجمن" هي الخليفة، ولا حاجة إلى أي خليفة آخر.


فرارهم من المكان المبارك:
لقد من الله عليهم إذ متعهم بقرب المسيح الموعود، الذي شرفهم باختياره لهم ليكونوا عونًا له في الأمور الدينية المختلفة، غير أنهم كفروا بأنعم الله وغادروا القرية المباركة للمسيح الموعود، واصطنعوا "أنجمن أخرى"، في مدينة لاهور، متناسين تعليمات صريحة له بأن تبقى قاديان مركزا لهذه "الأنجمن" على الدوام، لأنها مكان قد بورك فيه. أما الجماعة الإسلامية الأحمدية التابعة للخلفاء الكرام - التي يسميها هؤلاء "القاديانية"، كما يفعل معارضو المسيح الموعود - فلم تبرح هذا المقام المبارك، صامدةً بكل شجاعة في وجه الكثير من المحن والعوائق وخاصة في المجازر الهائلة التي حصلت عند انقسام الهند، ولا تزال تدير نفس الأنجمن التي أسسها المسيح الموعود، متخذةً "قاديان" مركزا لها بحسب وصيته .


ولادة المسيح:

وبالمناسبة فليكن معلومًا أن قضية النبوة والخلافة ليست وحدها التي انحرف فيها المولوي محمد علي عن تعليمات صريحة وعقائد واضحة لسيدنا أحمد ، بل قد زلّت قدمه في مواطن أخرى أيضًا. خذوا مثلا قضية ولادة المسيح عيسى بن مريم عليهما السلام، فقد أكد سيدنا أحمد مرارًا على صحة عقيدة جمهور المسلمين المبنية على القرآن الكريم بأن عيسى ولد بدون أب، إذ كانت ولادته نتيجة قول الله تعالى "كُن"، و لم يكن لبشر تدخل اليهود الأشقياء، حيث يقول : "إن ما يتأكد بدراسة القرآن المجيد إنما هو أن المسيحقد ولد بدون أب. ولا يمكن الاعتراض على ذلك. وقد قال الله تعالى إن مثل عيسى كمثل آدم ، مما يوضح أن في ولادته أعجوبة من قدرة الله تعالى. ولذلك قال : مثله كمثل آدم.
 الملفوظات مجلد ٩ ص ٢٨٤-٢٨٥) 
وقال أيضا: "إنما إيماننا وعقيدتنا هي أن المسيح كان بدون أب، وأن الله تعالى يملك القدرة كلها. وأما الطبيعيون الذين يحاولون أن يثبتوا أن المسيح كان له أب، فقد ارتكبوا خطأ كبيرًا، وإله مثل هؤلاء إله ميت، ولا يمكن أن يُستجاب دعاء القوم الذين يظنون أن الله تعالى لا يقدر على أن يخلق أحدا بدون أب، وإن هؤلاء عندنا خارجون عن الإسلام" 
جريدة "الحكم" ٢٤ يونيو/ حزيران ۱۹۰۱


وكان المولوي محمد علي أيضًا يحمل نفس العقيدة تماما قبل الانفصال، حيث كتب خلال الردّ على أحد معارضي الإسلام في مجلة الأحمدية "ريفيو" آف ريليجنز" التي كان محررا لها: "لقد كانت ولادة المسيح بحيث لم يكن فيها دخل لأب، ولذلك سمي "كلمة". فبما أنه لم يدخل في بطن أمه على الطريقة العادية نتيجة نطفة أب، ولم تحمل هي بهذا الأسلوب العادي، بل حملت نتيجة قول الله "كُن"، ولذلك سُمِّي كلمة". 
(ريفيو آف ريليجنـــز مجلد ۷ عدد ١ ص ١٤)


ولكن بعد الانفصال ترك هذه العقيدة الصحيحة أيضًا وكتب خلافها، وقال في ترجمته وتفسيره للقرآن الكريم: إن المسيح كان في الحقيقة من نطفة أبيه يوسف النجار. 
كما قال في موضعآخر ما تعريبه:
لو كان المراد من الولادة المعجزة أن المسيح ولد بدون أب، فهذا لم يُذكر في أي موضع من القرآن الكريم. وأما لو قيل: إن هذه هي عقيدة أهل الإسلام، فإنها دعوى لم يقدم عليها دليل من القرآن الكريم. و لم يرد في القرآن الكريم قط أن المسيح ولد بدون أب. وليس هذا فحسب، بل ليس هناك أية رواية في الحديث بهذا المعنى". 
(حقيقة المسيح ص ٨)
الغريب أن سيدنا المسيح الموعود الذي بعثه الله حَكَمًا وعَدْلاً للفصل بين قضايا المسلمين والذي بايع المولوي محمد علي على يده ، يعلن أن ما يتأكد بدراسة القرآن المجيد ، إنما هو أن المسيح قد ولد بدون أب ، ولكن المولوي محمد علي بدأ بعد الانفصال يتحدى حُكم المسيح الموعود حيث يقول بكل جسارة:
كلا ، لم يرد في القرآن الكريم قط أن المسيح ولد بدون أب".



وقفة تأمل:
لقد فرغنا الآن بعون الله تعالى من الرد على الشبهات التي أثيرت من قبل الجمعية اللاهورية على "الإنترنت". والله أعلم أنني لم أرد تجريح مشاعر أحد، وإنما كان هدفي بذلك أمرين: الأول: أداء واجب الدفاع عن الحق بقول الحق. والثاني: محاولة إنقاذ من يمكن إنقاذه ممن ينتمون بشكل من الأشكال إلى منقذ هذا العصر سيدنا المسيح الموعود، ولذلك قد حاولت شرح الموضوع بشيء من الإسهاب.
وبما أن الذكرى تنفع المؤمنين، فإنني أناشد أفراد الجمعية الأحمدية اللاهورية أن يقوموا لوجه الله بشيء واحد، وهو أن يقفوا مع ضمائرهم مليًّا، ويتأملوا في الأمر الواقع بهدوء، أعني في شهادة الله الفعلية والمعاملة الإلهية معهم ومع جماعة المبايعين، ليعلموا قبل فوات الأوان مَن هو الذي على الحق، فيتبعوه، فإن الحق أحق أن يُتَّبع. ذلك أن القرآن الكريم يؤكد مرة بعد أخرى أنه كلما يحدث الصدام بين الحق والباطل ، فمن المستحيل أن يخذل االله أهل الحق وينصر أهل الباطل. لا يمكن أن يقف الفريقان في المعركة وجها لوجه، ثم يتركهم الله على ما هم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب، وإلا لعمّت الفوضى، واشتبه الأمر، ولبقى الخلق في غياهب الكفر، والله لا يرضى لعباده الكفر، ولانتشر في الأرض الفساد، والله لا يحب الفساد. إنه أحكم وأرحم من أن يترك عباده المساكين حيارى تائهين.

 لقد أخبرنا الله مرارًا في القرآن الكريم بسنته المستمرة هذه، مؤكدًا على أنه لا بد أن يمنح المتقين الفرقان الذي يميز بينهم وبين خصمهم، وأن حزبه هم الغالبون، فقال في موضع: إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا. (غافر: ٥٢)، وفي موضع ثان: كتب الله لأغلبن أنا ورسلي. (المجادلة: (٢٢)، وفي موضع آخر ، وجه أنظار الكفار إلى ما يحدث على أرض الواقع قائلا: أفلا يرون أنا نأتي الأرضَ نَنقصها من أطرافها أفهم الغالبون . (الأنبياء: ٤٥). 
وليس هذا فحسب، بل قد وعد الله المسيح الموعود خاصةً بزيادة محبيه المخلصين عددًا ونفسا ومالاً، حيث قال له: 
وكل أولئك الذين يفكرون في أن يُذلوك ويُفشلوك ويقضوا عليك، سوف يفشلون هم أنفسهم ويموتون بالخيبة والخسران، ولكن الله تعالى سوف يجعلك ناجحًا بكل معنى الكلمة، ويؤتيك كل ما تمنيت. كما سأزيد حزب محبيك المخلصين والصادقين، وسأبارك في نفوسهم وأموالهم، وأهب لهم الكثرة، ولسوف يكونون إلى يوم القيامة غالبين على حزب المسلمين الآخر، الذي هو حزب الحاسدين والمعاندين. لن ينساهم الله تعالى، وسينالون
جميعًا أجرهم بحسب إخلاصهم."
 (مجموعة الإعلانات مجلد ١ ص ١٠٣)
 ألم يأن لهؤلاء القوم أن تخشع قلوبهم لذكر الله؟ ألم يأن لهم أن يفكروا في الأمر بجدية أكثر، واضعين في الاعتبار أنهم ماثلون أمام الله لا محالة يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم؟
 أناشدهم الله تعالى أن يروا أي الفريقين يحالفه من عند الله النصر بعد النصر، والفتح تلو الفتح، والبركة بعد البركة، والازدهار بعد الازدهار؟ 
ألم يروا أن الذين كانوا أهل الحق - في رأي زعمائهم - قد نزعت منهم البركة، ومُنوا بنكسة بعد نكسة، ولَقُوا ضربة تلو ضربة، وهزموا مرة بعد أخرى، وحُرموا من الازدهار والكثرة حتى أصبحوا لا يُرى آثارهم إلا بعد بحث مضن؟
 أما الفريق الآخر الذي رأوه على الباطل فحدث عن انتصاراتهم ولا حرج. فقد كتب الله لهم الفتح في كل موطن، وبارك فيهم، وكثرهم حتى انتشروا في كل أنحاء العالم، وقد تجاوز عددهم اليوم عشرات الملايين.
مما لا شك فيه أن الغلبة العددية ليست الأمر الفيصل، ولكن ما أود التركيز عليه هو أن ينظروا ويفكروا في نتيجة هذه المواجهة بين الحق والباطل. 
هل يُعقل أن يكون النصر عند مواجهة الفريقين حليفا لأهل الباطل، وتكون الهزيمة من نصيب أهل الحق؟ كلا، العقل ينكره، والقرآن يرفضه، وتاريخ الأديان يعارضه. ألم تروا، يا إخوان، أن الفريق الذي كان على الباطل في رأيكم، وضعيفًا في أعينكم، لم يزل في النمو والازدهار والإثمار، كزرع أخرجَ شَطْأَهُ فَآزَرَه فاستغلظ فاستوى على سوقه ، يُعجب الزُّرّاعَ ليغيظ بهم الكُفَّارَ، أو كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، تؤتي أُكلها كل حين بإذن ربها. أما الفريق الذي كان على الحق والصواب في نظر أكابر هؤلاء، وكان في بداية الأمر يملك القوة والكثرة، بقي عرضة للانحطاط والزوال إلى أن صار كشجرة خبيثة أجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار. ما برح الله يطوي صفوفهم صفا صفا، وينقص أرضهم شيئًا فشيئًا، فإذا هم خامدون. لا يُذكرون بعزة ولا احترام، لا عند الأهل ولا الأغيار، وإنما استبقى الله تعالى بعضًا منهم عبرةً لأولي الأبصار. 



الحق المر: 
وأخيرًا أود أن ألفت نظرهم إلى حقيقة أخرى سيجدونها، ولكن لا بد من ذكرها عسى أن يهتدي بها بعض بها بعض أصحاب الفطرة الطاهرة. لقد أوحى الله تعالى إلى سيدنا المسيح الموعود : "إني معك ومع أهلك". والغريب أنه بالرغم من تعثر بعض كبار الجماعة لدى انتخاب الخليفة الثاني ، إلا أنه لم ينضم أحد من أفراد عائلة المسيح الموعود إلى صف الجمعية الأحمدية اللاهورية، لا في ذلك الوقت ولا بعده حتى اليوم. لقد حاول هؤلاء المنشقون لذلك جاهدين، ولكن الله ثبطهم وأفشلهم. 
لقد قال سيدنا مرزا طاهر أحمد رحمه الله تعالى – الخليفة الرابع للإمام المهدي والمسيح الموعود في مناسبات عديدة إن بعض أعضاء الجمعية اللاهورية قد حاولوا إغواءه هو الآخر زمن دراسته في لاهور، حيث كان أحدهم يزوره ويناقشه عبثا، وظل يحاول إقناعه لمدة طويلة حتى قال له ذات يوم: لماذا لا تتركني؟ فأجاب : لأني أريد أن يكون معنا ولو واحد من عائلة المسيح الموعود، ولكن المؤسف أنه لا ينضم إلينا أحد منهم.

ليت أبناء الجمعية الأحمدية اللاهورية يتذكرون هذا الوعد الإلهي للمسيح الموعود ، ويعودون إلى الجماعة التي فيها أهله الذين الله معهم!!
وما علينا إلا البلاغ المبين. والحمد لله رب العالمين.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الردود على الأسئلة التي يطرحها الناس عادة السؤال ١: أين يثبت موت المسيح ابن مريم من القرآن الكريم؟ بل إن قوله تعالى: ﴿رَافِعُكَ إِلَيَّ" و"بَل رَّفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ" يدلّ على أن المسيح رفع إلى السماء بجسده. وكذلك الآية: ﴿وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ ؟ تدل على أن المسيح لم يُقتل ولم يمت على الصليب. الجواب: فليتضح أن معنى الرفع إلى الله هو الموت، كذلك إن لقول الله : ارْجِعِي إِلَى رَبِّك"، وقوله: ﴿إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ" المعنى  نفسه. إضافة إلى ذلك إن الوضوح والجلاء والتفصيل الذي ورد به ذكر موت المسيح في القرآن الكريم لا يتصور أكثر منه؛ لأن الله قد بين وفاة المسيح بوجه عام وبوجه خاص أيضا، كما يقول مثلا على وجه العموم: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ " . إن هذه الآية التي قدّمتُها للاستدلال تدل بصراحة متناهية أن الموت قد  أصاب  جميع الرُّسُل، سواء أكان بالموت الطبيعي أو بالقتل، ولم يسلم من الموت نبي من الأنبياء السابقي...

شرح وتفسير: "وكان عرشه على الماء".

 شرح وتفسير: "وكان عرشه على الماء". النقاش عن كون العرش مخلوقا أو غير مخلوق عبث:  فقال عليه السلام:  الناس يتفننون في آرائهم حول هذا الموضوع، بعضهم يصفونه بالمخلوق وبعضهم يصفونه بغير المخلوق، ولكن لو لم نصفه بغير المخلوق لبطل الاستواء. لا شك في أن النقاش حول كون العرش مخلوقا أو غير مخلوق عبث أصلا، هذه استعارة، حيث بين الله فيه رفعته العالية، أي هو مقام منزه عن كل جسم ونقص، ويقابله هذه الدنيا وهذا العالم كله. وليس للإنسان اطلاع كامل عليه. هذا المقام يمكن أن يسمى قديم، فالناس يستغربون من ذلك ويحسبونه شيئًا ماديا. وانطلاقا من القدم يرد الاعتراض على ورود الحرف "ثم". فالحقيقة أن القدم يشمل "ثم" أيضًا. كما عندما يكون القلم بيد الإنسان فتتحرك اليد أيضًا حيثما يتحرك القلم، لكن يكون التقدُّم لليد. يعترض الآريون على المسلمين عن قدم الله، ويقولون إن إله المسلمين موجود منذ ستة أو سبعة آلاف سنة. وهذا خطؤهم، فمن الغباوة أن يقدر عمر الله بالنظر إلى هذا المخلوق. فلا نعلم ما الذي كان قبل آدم ومن أي نوع كان ذلك المخلوق. والله الله أعلم بذلك الوقت: كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْ...
لا بد من التقوى من أجل الفتح: وما دام الأمر هكذا، فاعلموا أن التقوى ضرورية للمرء لكي تنفتح عليه أبواب الحقائق والمعارف فاتقوا الله ، لأن الله تعالى يقول: ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) (النحل (۱۲۹) . ولا أستطيع أن أحصي لكم كم مرة تلقيت هذه الآية في الوحي، إذ أوحيت إلي مرات كثيرة جدا. لو أننا اكتفينا بالأقوال دون الأفعال، فاعلموا أن لا جدوى من ذلك. إن النصر  يتطلب التقوى، فكونوا متقين إن أردتم النصر. ضرورة التضحيات المالية لنشر الإسلام أرى أن نساء الهندوس والنصارى أيضا يوصين بعقارات كبيرة وأموال طائلة لنشر  دعوتهم، ولكن لا نجد نظير ذلك في المسلمين في هذه الأيام. إن أكبر مشكلتنا  هي  الحاجة إلى النصرة المالية لنشر الإسلام. اعلموا أن الله  تعالى هو الذي أراد تأسيس هذه الجماعة بيده وسوف يكون حاميها وناصرها، ولكنه يريد أن يؤتي عباده الأجر والثواب، ومن أجل ذلك قد اضطر الأنبياء لطلب المساعدة المالية. لقد طلب رسول الله النصرة المالية ، وعلى نفس المنهاج ، الذي هو منهاج النبوة، نذكر أحبابنا بحاجات الجماعة من حين لآخر. ومع ذلك أقول: إ...