الأم المخلصة
إن العلاقة الرائعة العجيبة بين الأم وطفلها هي نعمة إلهية؛ فرغم انفصالهما الجسدي عند الولادة ، تزداد هذه العلاقة قوة ومتانة بمرور الوقت. إن ابنها يبقى طفلا بالنسبة لها مهما بلغ من العمر ومهما نال من وظيفة أو رتبة. هذه العلاقة تشُدّ حبال قلب الابن حتى من وراء القبر، فعندما تغادر الأم هذه الحياة تمتز جميع أسس حياة الابن وتفقد الحياة لذتها.
العلاقة التي تربطني بوالدتي كانت قوية بصفة خاصة، وقد كانت تمتلك قلبا حساسًا ليّنًا معطاءً، وقد أصبحتُ الهدف الرئيس لحنانها ومحبتها، ويُعزى ذلك إلى خسارتها مواليدها الأوائل وبقائي أنا على قيد الحياة حتى عمر الصبا، كما أني كنت أعاني من بثور شديدة على أجفاني العليا، وهذا ما عانيت منه باستمرار منذ العاشرة حتى السادسة عشر من عمري، وكانت أمي شريكتي في هذه المعاناة. لقد كنت مرغمًا بسبب هذا المرض على قضاء الجزء الأكبر من أيام الصيف في غرفة مظلمة؛ وكانت أمي تشاركني ذلك السجن غالبية الأيام، ثم أصبح مرضي خطيرًا جدا؛ حيث إن الرموش بدأت تنمو تحت أجفاني العليا، وكان لا بد من قطع جزء من كل جفن جراحيا، وكانت أمي تحيطني في تلك الفترة بكثير من الرعاية والعطاء. إن حبها وتضرعاتها الحارة إلى الله تعالى من أجلي أصبحا المصدر الرئيس لعزائي، وإن انفصالنا عن بعضنا كان عذابًا لكلينا.
لقد واصلت الدوام في المدرسة رغم سنوات المعاناة تلك، وكنت أدرس أثناء الأيام الباردة من السنة فقط، وبفضل الله تعالى لم أضيع أي سنة و لم أرسب في أي صف. وفي سن الرابعة عشرة قبلت في فئة المتفوقين، وكنت الأول في مدرستي. فأرسلني والدي إلى كلية لاهور الحكومية لأكمل تعليمي الجامعي، فكان علي أن أعيش بعيدًا عن المنزل لأول مرة، وكان ذلك محنة أليمة لوالدتي التي أصرت أن آتي إلى المنزل كل أسبوع، وأخيرًا رضيت بأن أزورهم كل أسبوعين. وبعد كل زيارة، كنت أكتب لها لأطمئنها عدت آمنًا إلى لاهور.
ولحسن الحظ شفيت عيني في الشتاء الثاني من سنوات كليتي، وأصبحت قادرًا على العمل بجد للتحضير لامتحان الجامعة النصفي الذي نجحت فيه بدرجة جيدة في ربيع عام ۱۹۰۹. إن فترة السنتين اللتين قضيتهما في الكلية منحتني درجةً من الاعتماد على الذات، وجعلت مسألة الانفصال عن أمي أمرًا يمكن تحمله. وأثناء إجازتي الأولى الطويلة، وصلت رسالة إلى والدي من حضرة المولوي نور الدين لله يقترح فيها ضرورة بيعتي على يد المسيح الموعود. أما أنا فقد كنت سلّمت نفسي كليا لحضرته منذ ٣ أيلول / سبتمبر ۱۹۰٤،عندما كان لي شرف رؤيته لأول مرة في لاهور، ثم جاءت رؤى والدتي لتثبت من ولائي له ، ثم إن بيعتي بعد ذلك بستة أسابيع، ثم بيعة أبي بعدها بأسبوع واحد، قد ولَّد لدي انطباعًا أنني أصبحت عضوا رسميًا في الجماعة. الواقع أن اقتراح حضرة المولوي نور الدين كان نتيجةً وعيه بأنه لا بد من المبادرة الشخصية لإنشاء العلاقة الروحية بين المعلم والتابع. كان والدي منذ أن انضم إلى الجماعة يقضي في قاديان معظم أيام شهر أيلول/سبتمبر، أي عندما تكون المحاكم المدنية مغلقة، وكان يحضر الجلسة السنوية للجماعة في الأسبوع الأخير من شهر كانون الأول/ديسمبر، وقد كان يصطحبني معه في هذه المناسبات. وعملاً باقتراح حضرة المولوي نور الدين، توسلت إلى المسيح الموعود بعد صلاة ظهر يوم ١٦ أيلول / سبتمبر من عام ١٩٠٧ أن يقبل بيعتي، وقد تكرّم علي بقبولها وهكذا سمح لي، أنا العبد الفقير، أن أحظى بصحبته المقدسة بفضل من الله تعالى، التي كان والداي قد سبق ودخلا فيها قبل ثلاث سنوات. أشعر بعميق الامتنان لحضرة المولوي نور الدين الذي اقترح علي البيعة في الوقت المناسب؛ وإلا لخسرتُ شرف البيعة على يد المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام؛ حيث توفي بعد ذلك بأشهر قليلة. فقد وصل إلى لاهور للزيارة في أواخر نيسان / إبريل ۱۹۰۸ وكان الوحي الذي تلقاه من الله تعالى يشير تدريجيًا إلى دنو أجله، ولكنه بقي مشغولا بجد بنشر الرسالة الإلهية التي عهدها الله تعالى إليه حتى نهاية اليوم الأخير من حياته، إذ مرض ليلة ٢٥ أيار/مايو، وتوفي بعد ذلك بوقت قصير، إذ كانت وفاته عند الساعة العاشرة من صباح يوم السادس والعشرين. وقد وقع خبر وفاته كصاعقة على أعضاء جماعته، ولكنهم سلّموا أمرهم لإرادة الله بسكينة وثبات وخشوع رغم حزنهم. وقد نُقل جثمانه الطاهر إلى قاديان، وكنت ممن حضر الجنازة. وبعد ظهر يوم السابع والعشرين من أيار/ مايو، تجمع حوالي ۱۲۰۰ من أبناء الجماعة الأحمدية في قاديان وبايعوا حضرة المولوي نور الدين خليفة للمسيح الموعود، وأقسموا على الولاء له على النحو نفسه، ثم أمّ حضرته صلاة الجنازة ووري الجثمان الطاهر
الثرى.
لقد كانت فترة العامين الأخيرين في الكلية ۱۹۰۹-۱۹۱۱ فترة سعيدة جدا لي؛ فلم تعد مشكلة عيوني تعوّقني، وتمتعت بصحة جيدة، مما مكنني من اتباع خطة جيدة وبرنامج منظم للدراسة، وسرعان ما جعلني ذلك، الأول في الصف، وأبدى أساتذتي رضاهم عن تقدمي
هذه هي المرة، و تمتعت بودهم. وفي أيلول / سبتمبر ۱۹۰۹ ذهب والدي إلى مصيف "مري" ليقضي جزءاً من إجازته الصيفية هناك واصطحبني معه ، وكانت الأولى التي أشاهد فيها الجبال، وقد تمتعت كثيرًا بهذه الرحلة. رتبتُ مع زميل لي لقضاء العطلة الصيفية لعام ١٩١٠ في مصيف أيبت آباد ، وعدتُ إلى "سيالكوت" عند نهاية الإجازة كي أحضّر لامتحان التخرج، وكان شهر رمضان قد حلّ، فأخبرتني والدتي أن والدي يتساءل عما إذا كنت قد صُمت في "أيبت آباد"، أما هي، فقد كانت على ثقة بأني لم أهمل واجباتي الدينية، فأكدتُ لها أن ثقتها بمحلّها، وأنني صائم حتى في ذلك اليوم، لأني نسيت بأن الصيام ليس واجبًا أثناء السفر.
وفي نهاية العام الدراسي ، حزت الدرجة الأولى في جميع المواد، ونجحت بامتحان الجامعة بالدرجة الأولى مع مرتبة الشرف في اللغة العربية، وحصلت على منحة دراسية لدراسة الماجستير في اللغة العربية لأصبح مدرسًا للغة العربية، ولكني لم أستفد من هذه المنحة؛ لأن أبي كان يطمح لأكثر من ذلك؛ فقد طلب مني الذهاب إلى إنجلترا لدراسة القانون وحيث إن عمري كان ثمانية عشر عامًا فقط، فقد كان لدي متسع من الوقت لأنتسب لنقابة المحامين ولألتحق بالخدمة المدنية الهندية. وافق حضرة الخليفة الأول للمسيح الموعود على سفري، وبسبب إذنه الكريم سويت المسألة. لم تحتمل أمي هذا القرار بسهولة، بل كانت في حالة هلع من فكرة أن يطول فراقنا فترة طويلة؛ ولكنها التمست العزاء بالثبات والدعاء، ومع ذلك قهرها الفراق حين حانت ساعة الرحيل.
رافقني والدي إلى مومباي لتوديعي، فمنحني ذلك راحة كبيرة؛ حيث إني لم سافر إلى أبعد من بيشاور من جهة، وقاديان من الجهة الأخرى. كانت الرحلة إلى مومباي تجربة جديدة بالنسبة إلي وبالنسبة لأبي أيضًا الذي لاحظت أثناء الأسابيع الماضية في المنزل أنه كان أيضا يشعر بضغط عاطفي، لكنه كان يحاول المحافظة على رباطة جأشه، وقد بقينا صامتين أثناء الرحلة الطويلة إلى مومباي معظم الوقت.
في مومباي قام والدي بمرافقتي من الفندق وحتى رصيف السفينة حيث ودعني ملوحا بيده دون أن ينظر إلي مباشرة متمتما بعبارات الوداع التقليدية، وبدا مرتبكا لدرجة أنه لم يقل لي أي عبارة وداع، ولم يقدّم لي أي نصيحة أو توجيه، لكني كنت أعرف أنه يساعدني بالدعاء وأنه سوف يواصل ذلك فيما بعد أيضًا.
لم أعلم كيف تحمّلت والدتي بعدي عنها إلا حين عدتُ إلى الوطن بعد أكثر من ثلاث سنوات، كنت خلالها أكتب كل أسبوع رسالة لوالدي ويصلني الرد بانتظام، ولكن المراسلات وإن كانت حميمة ومليئة بالمحبة، إلا أنها لا تُهدِّئ من نار المشاعر والعاطفة.
روت لي والدتي حادثًا قد يكون مثالاً واضحًا على اضطرابها الداخلي أثناء غيابي؛ فبعد ثلاثة أيام من رحيلي عن مومباي مع والدي، قالت جدتي لوالدتي: ما أروعها من لحظة حين أستقبل ابني لدى عودته من مومباي غدًا! وقع هذا التعليق كالصاعقة على أمي، فلم تستطع كبح جماح نفسها من الرد عليها بحسم . سيدتي ابنك لم يذهب إلى ما وراء البحار، ولا يهم كثيرًا إذا عاد غدًا أو بعد غد! ثم شعرت بالندم على ردة فعلها الغاضبة هذه.
أبحرنا من مومباي في الأول من أيلول / سبتمبر. كانت الرياح الموسمية تهب كالعاصفة، وكانت السفينة التي تقلنا س س كويربر من شركة لويد النمساوية، والتي تزن ٤٠٠٠ طن والمتجهة نحو تريست - تترنح بعنف، وبعد مرور ساعة على الإبحار أُصبتُ بدوار البحر الذي استمر أربعة أيام يرافقه ضيق متواصل وعدم راحة. وعندما اجتزنا منطقة الرياح الموسمية أصبحت الرحلة مبهجة، واستمتعت بكل لحظاتها كل الاستمتاع. وقد كانت رحلة القطار من تريست، مرورا بميونخ وفرانكفورت وبروكسل حتى أوستند ممتعة للغاية. ثم عبرنا ميناء دوفر ووصلنا لندن في وقت مبكر من صباح السابع عشر من أيلول/سبتمبر۱۹۱۱.
رغم أن عيني شفيتا من المرض الذي ألم بهما، إلا أنه أثر على عيني اليمنى فأصبحت ضعيفة جدًا، وقد أُخبرتُ أنه حتى لو تم اختياري للخدمة المدنية الهندية، فلن أجتاز الفحص الطبي، مما يعني أنه يجب علي أن أتخلى عن تحقيق هذا الجزء من خطة والدي. التحقت بكلية (King's College) في لندن لدراسة الإجازة في الحقوق، والتحقت بمسكن لنكولن الخاص بطلاب الحقوق، واستدعيت لهيئة القضاء في حزيران/ يونيو عام ۱۹۱٤، واجتزت امتحان الإجازة في الحقوق من جامعة لندن في تشرين الأول / أكتوبر من ذلك العام، وكنت الأول مع مرتبة الشرف.
وقد أمضيت وقتا ممتعا جدًا في إنجلترا باستثناء ما كنت أعانيه من آلام فراق والدي. كانت الحياة بالنسبة لي في إنجلترا قبل الحرب تعليمًا بحد ذاتها، إضافة إلى سفري على نطاق واسع ضمن القارة الأوروبية خلال العطلات، حيث ساهم ذلك في توسيع آفاقي الفكرية. وقد كونت بعض الصداقات التي استمر بعضها خلال الحربين العالميتين ، وانتهت بوفاة أصدقائي، بينما لا يزال اثنان منهم على قيد الحياة؛ أحدهما في إنجلترا والآخر في فنلندا، ونحن على تواصل حتى الآن.
كتبت بانتظام الحضرة الخليفة الأول للمسيح الموعود الله، الذي تكرم بالرد علي برسائل مكتوبة بخط يده وكان ذلك نعمة كبيرة و مصدرًا للتوجيه والراحة.
توفي حضرته يوم الجمعة ١٣ مارس / آذار عام الجمعة ١٣ مارس/آذار عام ١٩١٤، وأُعلن في اليوم التالي أن حضرة صاحبزاده ميرزا بشير الدين محمود أحمد قد انتخب خليفة ثانيا للمسيح الموعود بأغلبية ساحقة من أعضاء الجماعة الموجودين في قاديان آنذاك عدا بعض الاستثناءات الملحوظة. وفي هذه المناسبة أيضًا تلقت أمي التوجيه الرباني من خلال الرؤيا، حيث رأت فيضانا، وكانت المياه ترتفع بسرعة في الشوارع والناسُ يصعدون سطوح منازلهم، ثم سمعت أحدهم يقول إن الأرنب الذي يتكلم يطوف في الشارع. ثم رأت الأرنب يتجه إلى فناء المنزل عائما على لوح خشبي، وكانت حينها في الطابق الأول، فنادت عليه: خواجة، هل تستطيع الكلام؟ فأجابها ،بلی فنبهته ،خواجه، حاذر كي لا تغرق. فردّ عليها: إذا غرقتُ، سأغرقُ الكثيرين معي.
الثرى.
لقد كانت فترة العامين الأخيرين في الكلية ۱۹۰۹-۱۹۱۱ فترة سعيدة جدا لي؛ فلم تعد مشكلة عيوني تعوّقني، وتمتعت بصحة جيدة، مما مكنني من اتباع خطة جيدة وبرنامج منظم للدراسة، وسرعان ما جعلني ذلك، الأول في الصف، وأبدى أساتذتي رضاهم عن تقدمي
هذه هي المرة، و تمتعت بودهم. وفي أيلول / سبتمبر ۱۹۰۹ ذهب والدي إلى مصيف "مري" ليقضي جزءاً من إجازته الصيفية هناك واصطحبني معه ، وكانت الأولى التي أشاهد فيها الجبال، وقد تمتعت كثيرًا بهذه الرحلة. رتبتُ مع زميل لي لقضاء العطلة الصيفية لعام ١٩١٠ في مصيف أيبت آباد ، وعدتُ إلى "سيالكوت" عند نهاية الإجازة كي أحضّر لامتحان التخرج، وكان شهر رمضان قد حلّ، فأخبرتني والدتي أن والدي يتساءل عما إذا كنت قد صُمت في "أيبت آباد"، أما هي، فقد كانت على ثقة بأني لم أهمل واجباتي الدينية، فأكدتُ لها أن ثقتها بمحلّها، وأنني صائم حتى في ذلك اليوم، لأني نسيت بأن الصيام ليس واجبًا أثناء السفر.
وفي نهاية العام الدراسي ، حزت الدرجة الأولى في جميع المواد، ونجحت بامتحان الجامعة بالدرجة الأولى مع مرتبة الشرف في اللغة العربية، وحصلت على منحة دراسية لدراسة الماجستير في اللغة العربية لأصبح مدرسًا للغة العربية، ولكني لم أستفد من هذه المنحة؛ لأن أبي كان يطمح لأكثر من ذلك؛ فقد طلب مني الذهاب إلى إنجلترا لدراسة القانون وحيث إن عمري كان ثمانية عشر عامًا فقط، فقد كان لدي متسع من الوقت لأنتسب لنقابة المحامين ولألتحق بالخدمة المدنية الهندية. وافق حضرة الخليفة الأول للمسيح الموعود على سفري، وبسبب إذنه الكريم سويت المسألة. لم تحتمل أمي هذا القرار بسهولة، بل كانت في حالة هلع من فكرة أن يطول فراقنا فترة طويلة؛ ولكنها التمست العزاء بالثبات والدعاء، ومع ذلك قهرها الفراق حين حانت ساعة الرحيل.
رافقني والدي إلى مومباي لتوديعي، فمنحني ذلك راحة كبيرة؛ حيث إني لم سافر إلى أبعد من بيشاور من جهة، وقاديان من الجهة الأخرى. كانت الرحلة إلى مومباي تجربة جديدة بالنسبة إلي وبالنسبة لأبي أيضًا الذي لاحظت أثناء الأسابيع الماضية في المنزل أنه كان أيضا يشعر بضغط عاطفي، لكنه كان يحاول المحافظة على رباطة جأشه، وقد بقينا صامتين أثناء الرحلة الطويلة إلى مومباي معظم الوقت.
في مومباي قام والدي بمرافقتي من الفندق وحتى رصيف السفينة حيث ودعني ملوحا بيده دون أن ينظر إلي مباشرة متمتما بعبارات الوداع التقليدية، وبدا مرتبكا لدرجة أنه لم يقل لي أي عبارة وداع، ولم يقدّم لي أي نصيحة أو توجيه، لكني كنت أعرف أنه يساعدني بالدعاء وأنه سوف يواصل ذلك فيما بعد أيضًا.
لم أعلم كيف تحمّلت والدتي بعدي عنها إلا حين عدتُ إلى الوطن بعد أكثر من ثلاث سنوات، كنت خلالها أكتب كل أسبوع رسالة لوالدي ويصلني الرد بانتظام، ولكن المراسلات وإن كانت حميمة ومليئة بالمحبة، إلا أنها لا تُهدِّئ من نار المشاعر والعاطفة.
روت لي والدتي حادثًا قد يكون مثالاً واضحًا على اضطرابها الداخلي أثناء غيابي؛ فبعد ثلاثة أيام من رحيلي عن مومباي مع والدي، قالت جدتي لوالدتي: ما أروعها من لحظة حين أستقبل ابني لدى عودته من مومباي غدًا! وقع هذا التعليق كالصاعقة على أمي، فلم تستطع كبح جماح نفسها من الرد عليها بحسم . سيدتي ابنك لم يذهب إلى ما وراء البحار، ولا يهم كثيرًا إذا عاد غدًا أو بعد غد! ثم شعرت بالندم على ردة فعلها الغاضبة هذه.
أبحرنا من مومباي في الأول من أيلول / سبتمبر. كانت الرياح الموسمية تهب كالعاصفة، وكانت السفينة التي تقلنا س س كويربر من شركة لويد النمساوية، والتي تزن ٤٠٠٠ طن والمتجهة نحو تريست - تترنح بعنف، وبعد مرور ساعة على الإبحار أُصبتُ بدوار البحر الذي استمر أربعة أيام يرافقه ضيق متواصل وعدم راحة. وعندما اجتزنا منطقة الرياح الموسمية أصبحت الرحلة مبهجة، واستمتعت بكل لحظاتها كل الاستمتاع. وقد كانت رحلة القطار من تريست، مرورا بميونخ وفرانكفورت وبروكسل حتى أوستند ممتعة للغاية. ثم عبرنا ميناء دوفر ووصلنا لندن في وقت مبكر من صباح السابع عشر من أيلول/سبتمبر۱۹۱۱.
رغم أن عيني شفيتا من المرض الذي ألم بهما، إلا أنه أثر على عيني اليمنى فأصبحت ضعيفة جدًا، وقد أُخبرتُ أنه حتى لو تم اختياري للخدمة المدنية الهندية، فلن أجتاز الفحص الطبي، مما يعني أنه يجب علي أن أتخلى عن تحقيق هذا الجزء من خطة والدي. التحقت بكلية (King's College) في لندن لدراسة الإجازة في الحقوق، والتحقت بمسكن لنكولن الخاص بطلاب الحقوق، واستدعيت لهيئة القضاء في حزيران/ يونيو عام ۱۹۱٤، واجتزت امتحان الإجازة في الحقوق من جامعة لندن في تشرين الأول / أكتوبر من ذلك العام، وكنت الأول مع مرتبة الشرف.
وقد أمضيت وقتا ممتعا جدًا في إنجلترا باستثناء ما كنت أعانيه من آلام فراق والدي. كانت الحياة بالنسبة لي في إنجلترا قبل الحرب تعليمًا بحد ذاتها، إضافة إلى سفري على نطاق واسع ضمن القارة الأوروبية خلال العطلات، حيث ساهم ذلك في توسيع آفاقي الفكرية. وقد كونت بعض الصداقات التي استمر بعضها خلال الحربين العالميتين ، وانتهت بوفاة أصدقائي، بينما لا يزال اثنان منهم على قيد الحياة؛ أحدهما في إنجلترا والآخر في فنلندا، ونحن على تواصل حتى الآن.
كتبت بانتظام الحضرة الخليفة الأول للمسيح الموعود الله، الذي تكرم بالرد علي برسائل مكتوبة بخط يده وكان ذلك نعمة كبيرة و مصدرًا للتوجيه والراحة.
توفي حضرته يوم الجمعة ١٣ مارس / آذار عام الجمعة ١٣ مارس/آذار عام ١٩١٤، وأُعلن في اليوم التالي أن حضرة صاحبزاده ميرزا بشير الدين محمود أحمد قد انتخب خليفة ثانيا للمسيح الموعود بأغلبية ساحقة من أعضاء الجماعة الموجودين في قاديان آنذاك عدا بعض الاستثناءات الملحوظة. وفي هذه المناسبة أيضًا تلقت أمي التوجيه الرباني من خلال الرؤيا، حيث رأت فيضانا، وكانت المياه ترتفع بسرعة في الشوارع والناسُ يصعدون سطوح منازلهم، ثم سمعت أحدهم يقول إن الأرنب الذي يتكلم يطوف في الشارع. ثم رأت الأرنب يتجه إلى فناء المنزل عائما على لوح خشبي، وكانت حينها في الطابق الأول، فنادت عليه: خواجة، هل تستطيع الكلام؟ فأجابها ،بلی فنبهته ،خواجه، حاذر كي لا تغرق. فردّ عليها: إذا غرقتُ، سأغرقُ الكثيرين معي.
وبعد بضعة أيام رأت عددًا كبيرًا من الناس تجمعوا وسط سهل واسع، وكان يبدو أنهم ينتظرون حدثًا هاما ثم أشرق نور من الأرض على شكل مصباح كهربائي هائل، وبدأ يصعد ببطء نحو السماء، كما لو أنه كان يُدفع من الأسفل بواسطة آلة، وبمجرد ظهور هذا النور بدأ معظم الناس بالتوجه نحوه وبدؤوا يتقدمون باتجاهه لرؤيته عن كثب. فذهبت أمي نحوه أيضًا، ونادت على والدي ليأتي بسرعة ويرى النور وهو لا يزال قريبا من الأرض، حيث ستكون رؤيته عن قرب أكثر إبهاجًا من رؤيته وهو مرتفع فسارع أبي خطاه نحو النور الذي واصل الارتفاع بشكل مطرد حتى وصل السماء وأضاء السهل كله بشكل ساطع. لاحظت أمي مجموعة من الناس يرتدون المعاطف والقبعات التركية ويقفون على مسافة من ضفة القناة، ولا يعيرون النور أي اهتمام، فسألت زوجها: ماذا يفعل أولئك الناس ولماذا لا يشاهدون مشهد النور المنعش للروح؟ فأجابها أنهم مشغولون بمشاهدة تدفّق المياه في القناة.
رفض قلة قليلة من أبناء الجماعة البيعة على يد حضرة صاحبزاده ميرزا بشير الدين محمود أحمد خليفةً للمسيح الموعود بعد وفاة حضرة الخليفة الأول. وقد كتب لي والدي أن هذه المسألة من مسائل الإيمان، وينبغي عليك التماس التوجيه الإلهي في شأنها من خلال الدعاء الجاد، ثم تتخذ القرار بنفسك. أما أمي، فبايعت حضرة الخليفة الثاني للمسيح الموعود، وحثثني على أن أحذو حذوها على الفور.
رفض قلة قليلة من أبناء الجماعة البيعة على يد حضرة صاحبزاده ميرزا بشير الدين محمود أحمد خليفةً للمسيح الموعود بعد وفاة حضرة الخليفة الأول. وقد كتب لي والدي أن هذه المسألة من مسائل الإيمان، وينبغي عليك التماس التوجيه الإلهي في شأنها من خلال الدعاء الجاد، ثم تتخذ القرار بنفسك. أما أمي، فبايعت حضرة الخليفة الثاني للمسيح الموعود، وحثثني على أن أحذو حذوها على الفور.
كان الخواجه كمال الدين، وهو عضو بارز في الجماعة، قد وصل إلى إنجلترا في خريف عام ۱۹۱۲ ، وكان من وقت لآخر يحدثني بشأن مسألة الخلافة، وذكر لي أيضًا اثنتين من رؤاه، قد اقتنعت من كل ذلك أن موقفه من مسألة سلطة الخليفة كانت بسبب خلاف في وجهات
النظر مع حضرة الخليفة الأول للمسيح الموعود بشأن هذا الموضوع الذي كان يُجيب عليه الخليفة مرارا وتكرارًا بشكل قاطع. وهكذا لم أتردد في الامتثال لنصيحة أمي بشكل عاجل، وقام والدي بمبايعة حضرة الخليفة الثاني للمسيح الموعود بعد أسبوع من التفكير العميق والدعاء الجاد لالتماس التوجيه الإلهي. حدث هذا كله قبل ثلثي قرن - ألف هذا الكتاب بالإنجليزية عام ١٩٨١. (الناشر) - من الزمان، ويشهد بزوغ فجر كل يوم على الدعم والتأييد الإلهي للخلافة.
زاد فراقُ والدي من شعوري بمحبتهما لي أثناء وجودي في إنجلترا، مما ولّد في قلبي حبًّا مخلصا لهما من جديد، وصممت أن أبذل قصارى جهدي عندما أعود لدياري لكسب صداقة والدي، إضافةً لحبه الأبوي، حتى يقتنع بأنه ليس لديه ابن مطيع فحسب، بل صديق ورفيق مخلص أيضًا. وكتبتُ لأمي أني سوف أحضر لها محيطا لا حدود له من الحب الذي يظل يتسع ويكبر. وبفضل الله المحض ، حققت كلا الأمرين. دعيت إلى نقابة المحامين في حزيران/ يونيو ١٩١٤، و كان على البقاء في لندن حتى تشرين الأول/ أكتوبر لامتحان الإجازة في الحقوق. ثم بدأت الحرب العالمية الأولى في بداية آب / أغسطس، فخضع كل شيء للمجهود الحربي. كان من بين الأشياء التي تضررت أثناء الحرب نقلُ البريد بين بريطانيا والهند؛ فقد كانت الطريقة العادية لنقل البريد الخارجي من لندن إلى مارسيليا برا عبر فرنسا كل أسبوع، ثم ينقل البريد من هناك في سفينة بخارية إلى مومباي، ويُتَّبع نفس النظام في الاتجاه المعاكس. ومع اندلاع الحرب بدأ البريد، يُنقل عن طريق البحر على طول الطريق بين لندن ومومباي، مما أخر في إيصال البريد إلى الجهتين أسبوعًا. وعندما تأخرت رسالتي الأسبوعية أول مرة، وأعلم ساعي البريد أمي أن البريد تعطّل من جراء الحرب، سقطت مغشيا عليها. وبعد انقضاء أسبوع التأخير ، وصلتها رسائلي المعتادة مما طمأنها من جديد وجلب لها الراحة.
وقد بدّد جميع مخاوفها وصولي الآمنُ إلى الوطن في نهاية الأسبوع الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر، وأصبحت غُصة الفراق مجرد ذكرى كابوس.
كنت قد غادرت لندن فور انتهاء امتحاني، ولما وصلتُ لاهور، شعرت أن واجبي الأول هو تقديم نفسي لحضرة خليفة المسيح في قاديان، وأن أؤكد له البيعة شفويًّا بدلاً من أن أذهب مباشرة إلى سيالكوت، وهذا ما قمت به.
تلقيتُ بعد بضعة أيام نتيجة امتحان إجازة الحقوق، والمذهل أني كنتُ الأول مع مرتبة الشرف. سُجّلت محاميًا في المحكمة الرئيسة في البنجاب، وحصلت على ترخيص لممارسة القانون. بدأت بممارسة القانون في سيالكوت كمحام متدرب لدى والدي، وكان حينها الأول في القانون المدني في سيالكوت. وقد حافظ على مستوى من القيم المهنية العالية، وكان ذائع الصيت. لقد كنت محظوظًا جدًا حيث تمتعت بالقرب من هذا الموجه والمعلم. كان ذا شخصية محافظة. ومع أن حياته اتسمت ومع بالتقوى المثالية والزهد والتقشف، إلا أنه حتني على الاهتمام براحتي، فقد كان بيتنا كبيرا وكانت غرفتي واسعة ومريحة تماما. لقد أشعرني والدي بأنه يثق بي ثقة تامة، فبدلاً من أن يخصص لي جزءا من دخله، جعلني أنا من أتلقاه وأديره، ولم يسألني يوما عن الحساب، فأعطاني الصلاحية بأن أصرف على نفسي كيفما أشاء. وكان هذا سخاء كبيرا، لكني حرصت على إنفاق المال فيما هو ضروري فقط. وكانت والدتي راضية تماما عن هذا الترتيب، وحين انتقلتُ إلى لاهور ، تقاعد والدي عن ممارسة المحاماة ليستقر في قاديان، وأحال دخله من ممتلكاته إلي، وكان يطلب مني ما يحتاجه لتلبية احتياجاته والتزاماته، ولم يسألني مطلقا الحساب، لكني احتفظت بالحساب ولم أنتفع بأي جزء من المدخرات في تلبية احتياجاتي الشخصية. وفي إحدى المرات سألني والدي لماذا لم أشتر سيارة، لأنه كان متأكدًا أني أستطيع دفع ثمنها بسهولة، مما يعني بإمكاني الاستفادة من الاحتياطي لهذا الغرض، فاشتريت سيارة جيدة جدًا لإرضائه، وبفضل الله تعالى لم أعتمد على مدخراته التي حسبت بعد وفاته كجزء من تركته. تقدمتُ كثيرًا تحت إرشادات والدي في ممارسة القانون، وكان مسرورًا بإطراءات القضاة على أدائي في المحكمة، ولكني لم أكن راضيًا كليا عن أداء المحاكم المحلية، وشعرتُ أنها تفتقر إلى أمر ما؛ وربما لم يكن هناك ما يكفي من التحدي الفكري. وأيا كان السبب، فقد استغللت الفرصة التي عرضت نفسها عليَّ للانتقال إلى لاهور في نهاية آب / أغسطس عام ١٩١٦ وهي وظيفة مساعد محرر جريدة "الدعاوى الهندية"، وكانت في ذلك الوقت الصحيفة الوحيدة التي تكتب عن أحكام مختارة من المحكمة الهندية العليا، ومن أحكام اللجنة القضائية التابعة لمجلس الاستئناف السري في الهند.
وقد بدّد جميع مخاوفها وصولي الآمنُ إلى الوطن في نهاية الأسبوع الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر، وأصبحت غُصة الفراق مجرد ذكرى كابوس.
كنت قد غادرت لندن فور انتهاء امتحاني، ولما وصلتُ لاهور، شعرت أن واجبي الأول هو تقديم نفسي لحضرة خليفة المسيح في قاديان، وأن أؤكد له البيعة شفويًّا بدلاً من أن أذهب مباشرة إلى سيالكوت، وهذا ما قمت به.
تلقيتُ بعد بضعة أيام نتيجة امتحان إجازة الحقوق، والمذهل أني كنتُ الأول مع مرتبة الشرف. سُجّلت محاميًا في المحكمة الرئيسة في البنجاب، وحصلت على ترخيص لممارسة القانون. بدأت بممارسة القانون في سيالكوت كمحام متدرب لدى والدي، وكان حينها الأول في القانون المدني في سيالكوت. وقد حافظ على مستوى من القيم المهنية العالية، وكان ذائع الصيت. لقد كنت محظوظًا جدًا حيث تمتعت بالقرب من هذا الموجه والمعلم. كان ذا شخصية محافظة. ومع أن حياته اتسمت ومع بالتقوى المثالية والزهد والتقشف، إلا أنه حتني على الاهتمام براحتي، فقد كان بيتنا كبيرا وكانت غرفتي واسعة ومريحة تماما. لقد أشعرني والدي بأنه يثق بي ثقة تامة، فبدلاً من أن يخصص لي جزءا من دخله، جعلني أنا من أتلقاه وأديره، ولم يسألني يوما عن الحساب، فأعطاني الصلاحية بأن أصرف على نفسي كيفما أشاء. وكان هذا سخاء كبيرا، لكني حرصت على إنفاق المال فيما هو ضروري فقط. وكانت والدتي راضية تماما عن هذا الترتيب، وحين انتقلتُ إلى لاهور ، تقاعد والدي عن ممارسة المحاماة ليستقر في قاديان، وأحال دخله من ممتلكاته إلي، وكان يطلب مني ما يحتاجه لتلبية احتياجاته والتزاماته، ولم يسألني مطلقا الحساب، لكني احتفظت بالحساب ولم أنتفع بأي جزء من المدخرات في تلبية احتياجاتي الشخصية. وفي إحدى المرات سألني والدي لماذا لم أشتر سيارة، لأنه كان متأكدًا أني أستطيع دفع ثمنها بسهولة، مما يعني بإمكاني الاستفادة من الاحتياطي لهذا الغرض، فاشتريت سيارة جيدة جدًا لإرضائه، وبفضل الله تعالى لم أعتمد على مدخراته التي حسبت بعد وفاته كجزء من تركته. تقدمتُ كثيرًا تحت إرشادات والدي في ممارسة القانون، وكان مسرورًا بإطراءات القضاة على أدائي في المحكمة، ولكني لم أكن راضيًا كليا عن أداء المحاكم المحلية، وشعرتُ أنها تفتقر إلى أمر ما؛ وربما لم يكن هناك ما يكفي من التحدي الفكري. وأيا كان السبب، فقد استغللت الفرصة التي عرضت نفسها عليَّ للانتقال إلى لاهور في نهاية آب / أغسطس عام ١٩١٦ وهي وظيفة مساعد محرر جريدة "الدعاوى الهندية"، وكانت في ذلك الوقت الصحيفة الوحيدة التي تكتب عن أحكام مختارة من المحكمة الهندية العليا، ومن أحكام اللجنة القضائية التابعة لمجلس الاستئناف السري في الهند.
قرّر والدي أن يترك ممارسة المهنة، فقررتُ أن أقضي نصف كل أسبوع في سيالكوت لمساعدته في إنجاز ما عليه من قضايا ومسؤوليات مهنية)، إلى أن انتقل إلى قاديان ونذر حياته لخدمة الدين.
أقامت أمي في منزل أجدادي في "دسكه"، لكنها قسمت وقتها بين قاديان ولاهور ودسكه. وكانت تعتقد أن من واجبها كسيدة البيت أن تنفق الجزء الأكبر من وقتها في دسكه. وبسبب جهودها أُنشئت الجماعة
الأحمدية في دسكه، وكان والدي يقضي شهر رمضان في دسكه أيضًا. كان هناك معارضة بسيطة ضد الجماعة في دسكه، وكانت العقبة الرئيسة هي اللامبالاة تجاه القيم الروحية ، ولكن مثالية أمي وأعمالها الخيرية مع الجميع ساهمت في اهتمام الناس بالجماعة. أما الشيخ المورث يحصل على لقب شيخ بالوراثة المتعصب عن جهل لدينه، فقد رأى أن من واجبه تشويه تعاليم الجماعة ومبادئها، لكنه مع ذلك لم يُحرم تعاطفها وإحسانها؛ ففي إحدى المرات رآها خادم الأسرة منهمكة في تحضير ملابس للأطفال، فسألها لمن هذه الملابس؟ فأخبرته أنها لحفدة الشيخ فلان؛ فاستغرب وقال: لكنك تعرفين يقينًا أن الشيخ عدونا. فأجابته: الله صديقي، وليس لي في الدنيا أي عدو، كيف أطيق رؤية هؤلاء الأطفال الفقراء يركضون شبه عراة ولا تكسوهم إلا خرق ممزقة؟ عندما تجهز هذه الملابس عليك أن تسلّمهم للشيخ، ولكن عليك أن تأخذها إليه ليلا حتى لا يخجل من قبول الإحسان منا.
وفي إحدى المرات - وتنفيذا لقرار المحكمة- صودرت ماشية فلاح غير أحمدي من قبل دائنه الذي كان مرابيا هندوسيا. ومن بين الماشية المصادرة عجل كان مفضلا لدى الابن الصغير للفلاح، وقد تألم لخسارته جدا، واجتذبت صرخاته المثيرة للشفقة اهتمام والدتي، فاستدعت خادم الأسرة وطلبت منه الذهاب لتسوية الأمر نيابة عنها مع المرابي بدفع رأس مال الدين، وإرجاء دفع الفوائد مقابل إفراجه عن الماشية. واقتنع المرابي بهذا الاتفاق، فدفع المبلغ في الحال، واستعاد ابن الفلاح عجله المفضل في حضورها؛ فأدخلت ابتسامته المفعمة بالارتياح الفرح إلى قلبها. لقد كان تعاطفها الإنساني كبيرًا جدًا، وكانت على استعداد للتخفيف من معاناة الناس بكل ما أوتيت من قوة.
السنوات الأخيرة من حياة والدي:
عندما بايع والدي المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام ، أكد لحضرته أنه أثناء ممارسة القانون تنشأ أحيانًا حالات يصعب فيها المحافظة على أعلى معايير الصدق، والتمس منه التوجيهات فيما إذا كان عليه التخلي عن ممارسة القانون ، وتكريس حياته لخدمة دينه، لكن حضرة المسيح الموعود نصحه بالاستمرار في ممارسة مهنته وأن يلتمس التوجيه الإلهي من خلال الثبات والدعاء وإعطاء الصدقات وأن يبذل قصارى جهده في تقديم مثال يحتذى في الاستقامة والنزاهة في المهنة. فسعى دوما للعمل بهذه النصيحة. وبعد وفاة المسيح الموعود الليل يلتمس التوجيه من حضرة الخليفة الأول للمسيح الموعود، فنصح بمواصلة العمل بنصيحة المسيح الموعود . ولكي يتمكن من العمل بتلك النصيحة على النحو الأفضل، أضاف أبي مهمة حفظ القرآن الكريم إلى تدريباته الروحانية، وعندما تمكن من تحقيق ذلك، أخبر حضرة خليفة المسيح الموعود بذلك، فعبر حضرته عن سعادته بقوله بين الناس: إن "نصر الله خان" تواق للفوز بحبي لدرجة أنه قد غرس محبوبي (أي القرآنالكريم، في قلبه.
أقامت أمي في منزل أجدادي في "دسكه"، لكنها قسمت وقتها بين قاديان ولاهور ودسكه. وكانت تعتقد أن من واجبها كسيدة البيت أن تنفق الجزء الأكبر من وقتها في دسكه. وبسبب جهودها أُنشئت الجماعة
الأحمدية في دسكه، وكان والدي يقضي شهر رمضان في دسكه أيضًا. كان هناك معارضة بسيطة ضد الجماعة في دسكه، وكانت العقبة الرئيسة هي اللامبالاة تجاه القيم الروحية ، ولكن مثالية أمي وأعمالها الخيرية مع الجميع ساهمت في اهتمام الناس بالجماعة. أما الشيخ المورث يحصل على لقب شيخ بالوراثة المتعصب عن جهل لدينه، فقد رأى أن من واجبه تشويه تعاليم الجماعة ومبادئها، لكنه مع ذلك لم يُحرم تعاطفها وإحسانها؛ ففي إحدى المرات رآها خادم الأسرة منهمكة في تحضير ملابس للأطفال، فسألها لمن هذه الملابس؟ فأخبرته أنها لحفدة الشيخ فلان؛ فاستغرب وقال: لكنك تعرفين يقينًا أن الشيخ عدونا. فأجابته: الله صديقي، وليس لي في الدنيا أي عدو، كيف أطيق رؤية هؤلاء الأطفال الفقراء يركضون شبه عراة ولا تكسوهم إلا خرق ممزقة؟ عندما تجهز هذه الملابس عليك أن تسلّمهم للشيخ، ولكن عليك أن تأخذها إليه ليلا حتى لا يخجل من قبول الإحسان منا.
وفي إحدى المرات - وتنفيذا لقرار المحكمة- صودرت ماشية فلاح غير أحمدي من قبل دائنه الذي كان مرابيا هندوسيا. ومن بين الماشية المصادرة عجل كان مفضلا لدى الابن الصغير للفلاح، وقد تألم لخسارته جدا، واجتذبت صرخاته المثيرة للشفقة اهتمام والدتي، فاستدعت خادم الأسرة وطلبت منه الذهاب لتسوية الأمر نيابة عنها مع المرابي بدفع رأس مال الدين، وإرجاء دفع الفوائد مقابل إفراجه عن الماشية. واقتنع المرابي بهذا الاتفاق، فدفع المبلغ في الحال، واستعاد ابن الفلاح عجله المفضل في حضورها؛ فأدخلت ابتسامته المفعمة بالارتياح الفرح إلى قلبها. لقد كان تعاطفها الإنساني كبيرًا جدًا، وكانت على استعداد للتخفيف من معاناة الناس بكل ما أوتيت من قوة.
السنوات الأخيرة من حياة والدي:
عندما بايع والدي المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام ، أكد لحضرته أنه أثناء ممارسة القانون تنشأ أحيانًا حالات يصعب فيها المحافظة على أعلى معايير الصدق، والتمس منه التوجيهات فيما إذا كان عليه التخلي عن ممارسة القانون ، وتكريس حياته لخدمة دينه، لكن حضرة المسيح الموعود نصحه بالاستمرار في ممارسة مهنته وأن يلتمس التوجيه الإلهي من خلال الثبات والدعاء وإعطاء الصدقات وأن يبذل قصارى جهده في تقديم مثال يحتذى في الاستقامة والنزاهة في المهنة. فسعى دوما للعمل بهذه النصيحة. وبعد وفاة المسيح الموعود الليل يلتمس التوجيه من حضرة الخليفة الأول للمسيح الموعود، فنصح بمواصلة العمل بنصيحة المسيح الموعود . ولكي يتمكن من العمل بتلك النصيحة على النحو الأفضل، أضاف أبي مهمة حفظ القرآن الكريم إلى تدريباته الروحانية، وعندما تمكن من تحقيق ذلك، أخبر حضرة خليفة المسيح الموعود بذلك، فعبر حضرته عن سعادته بقوله بين الناس: إن "نصر الله خان" تواق للفوز بحبي لدرجة أنه قد غرس محبوبي (أي القرآنالكريم، في قلبه.
في وقت مبكر من خلافته ، اقترح حضرة الخليفة الثاني للمسيح الموعود على والدي أن يكرّس نفسه لخدمة الدين، فأجاب أنه كان يتوق لذلك منذ انضمامه للجماعة، فعمل الترتيبات اللازمة للاستقالة من عمله، وحضر إلى قاديان في نيسان / إبريل عام ١٩١٧ حيث عُيّن أمينًا عاما لمكتب حضرة الخليفة، وأمينًا لإدارة مقبرة بهشتي".-معناها مقبرة أهل الجنة، أسسها المسيح الموعود بناء على رؤيا رأى فيها مقبرة، وقيل له إنها مقبرة أهل الجنة، فسماها بهذا الاسم. ثم وضع شروطا لمن يدفن فيهـا: أبرزها - بعد تحليه بالتقوى وتجنبه المحرمات وأعمال الوثنية والبدعة- أن يقدم من عُشر إلى ثلث دخله من أجل نشر الإسلام، وتبليغ أحكام القرآن أثناء حياته، ويوصـــي بـــأن يُدفع بعد وفاته عشر تركته على الأقل للجماعة للغرض نفسه. (المترجم)-.
وقد كرّس لياليه لإعداد فهارس لأعمال المسيح الموعود، وكان عمله هذا كله نابعا من الحب؛ ولم يكن يسعى مقابل هذا الجهد إلا إلى مرضاة الله تعالى .
في صيف عام ۱۹۲٤، ذهب والداي إلى بيت الله الحرام للحج، وأخذا معهما "ميان جومان، خادم الأسرة. وقد كانت الرحلة البحرية ذهابا وإيابا أثناء هبوب الرياح الموسمية، فعانى والدي كثيرا من دوار البحر، ولكن أمي تمتعت كليًّا بكل لحظة. وكان هناك ندرة كبيرة في مياه الشرب في تلك السنة في كل من منى وعرفات، وعانى الحجاج كثيرًا ومات الآلاف عطشا، وقد أقلقتني هذه الأخبار جدا، ولم يهنأ لي بال حتى عادوا بالسلامة. وقد أخذت أمي معها ملاءات وغسلتها بماء زمزم لتُستخدم ككفن لها ولوالدي حين يفارقان الحياة. استخدم والدي الملاءة الخاصة به بعد عامين من ذلك، أما أمي فاستخدمتها بعد اثنی عشر عاما. فقد أثرت رحلة الحج على صحة والدي وبدأت تتدهور
تدريجيا.
في آب/أغسطس عام ۱۹۲٥، قررتُ ووالداي زيارة كشمير، ورافقنا تشودري بشير أحمد. توقفنا قليلا في "مري" حيث مرض والدي مرضا، اتخذ منحى خطيرًا، فقامت أمي مع بشير أحمد بالعناية التامة به لكنه لم يتماثل للشفاء إلا بعد عدة أسابيع، ولم نستطع استئناف رحلتنا إلى کشمير قبل منتصف أيلول/سبتمبر، وفي ذلك الوقت من السنة كان الوادي الشهير عالميًا في أفضل حالاته، واستمتعنا كثيرًا بإقامتنا هناك نحو أسبوعين.
في صيف عام ۱۹۲٤، ذهب والداي إلى بيت الله الحرام للحج، وأخذا معهما "ميان جومان، خادم الأسرة. وقد كانت الرحلة البحرية ذهابا وإيابا أثناء هبوب الرياح الموسمية، فعانى والدي كثيرا من دوار البحر، ولكن أمي تمتعت كليًّا بكل لحظة. وكان هناك ندرة كبيرة في مياه الشرب في تلك السنة في كل من منى وعرفات، وعانى الحجاج كثيرًا ومات الآلاف عطشا، وقد أقلقتني هذه الأخبار جدا، ولم يهنأ لي بال حتى عادوا بالسلامة. وقد أخذت أمي معها ملاءات وغسلتها بماء زمزم لتُستخدم ككفن لها ولوالدي حين يفارقان الحياة. استخدم والدي الملاءة الخاصة به بعد عامين من ذلك، أما أمي فاستخدمتها بعد اثنی عشر عاما. فقد أثرت رحلة الحج على صحة والدي وبدأت تتدهور
تدريجيا.
في آب/أغسطس عام ۱۹۲٥، قررتُ ووالداي زيارة كشمير، ورافقنا تشودري بشير أحمد. توقفنا قليلا في "مري" حيث مرض والدي مرضا، اتخذ منحى خطيرًا، فقامت أمي مع بشير أحمد بالعناية التامة به لكنه لم يتماثل للشفاء إلا بعد عدة أسابيع، ولم نستطع استئناف رحلتنا إلى کشمير قبل منتصف أيلول/سبتمبر، وفي ذلك الوقت من السنة كان الوادي الشهير عالميًا في أفضل حالاته، واستمتعنا كثيرًا بإقامتنا هناك نحو أسبوعين.
في أواخر تموز/يوليو ١٩٢٦ ، كان علي الذهاب إلى سيالكوت لأكون محامي الجماعة في الدعوى المدنية المقامة من قبل معارضي الأحمدية حول مسجدها الرئيسي هناك. حضر والدي إلى سيالكوت أيضا حيث استدعي بصفة شاهد في القضية، وقد كان منهكا ومتعبا بسبب السعال. وقد أدرك المدّعون أن القضية ستنقلب عليهم بسبب أدلتهم الباطلة، فسحبوا الدعوى.
عدت إلى لاهور، وقرر والدي زيارة "دسكه" بضعة أيام قبل أن يعود إلى قاديان في ۱۲ آب / أغسطس، علمتُ أنه مريض، وذهبت إلى "دسكه" وأحضرته ووالدتي إلى لاهور. تبين بعد الفحص أنه مصاب بمرض ذات الرئة، وفي اليوم التالي استخرجت المياه من الرئة، مما أشعره براحة كبيرة، فبدأت حالته بالتحسن. كان والدي نفسه ضليعا بمبادئ الطب إلى حد ما، وقد أدرك خطورة تلك الأعراض، وبعد يومين أو ثلاثة قال لي: الحياة والموت بيد الله وحده، وإني أشعر بتحسن ، وسأتعافى بإذن الله، ولكن نظرا لطبيعة مرضي وبسبب كبر سني، أود أن أُملي عليك بعض التوجيهات. ولما كان موضوع تنظيم ممتلكاته يقلقه؛ فقد كتب وصيته قبل عدة سنوات، ثم أخذ يملي أوامره علي حول بعض الأشياء التي كان من بينها أن أطلب من حضرة الخليفة الثاني، الذي كان حينها في مصيف "دلْهَوزي"، أن يؤمّ صلاة الجنازة عليه بعد وفاته. وبعد ذلك لم يشعر بالقلق من أي شيء.
استمرت حالته بالتحسن، وكان قادرًا على المشي وتناول الطعام بنفسه. وقد ذكرتُ له يومًا أني تلقيتُ رسالة من حضرة خليفة المسيح الموعود يحتني فيها على زيارته في دلهوزي. ولأني لم أكن قد زرتُ دلهوزي من قبل، فقال والدي بشغف : هذا ممتع، سنذهب كلنا إلى دلهوزي. فقالت أمي وماذا عن صحتك؟! فقال: من يعلم؟ ربما يهبني الله تعالى الصحة.
وقد بدأ يشعر بضغط على رئته في نهاية ذلك الشهر، وكان على طبيبه مغادرة لاهور، فحوّل حالته إلى زميل له مختص، والذي أشار أن المياه تجمعت في قاعدة الرئة مرة أخرى وينبغي استخراجها. تردد والدي بعض الشيء، لكنه وافق بناء على طلبي وطلب والداتي. وفي اليوم التالي، الأحد ۲۹ آب / أغسطس، جلب الطبيب مساعدًا معه واستخرجا المياه. انسحبت أمي أثناء ذلك إلى الغرفة المجاورة تتضرع إلى الله تعالى. وحين انتهت العملية أخبرتها بذلك، فعادت إلى الغرفة التي فيها والدي، ورأت ظهري الطبيبن وهما يغادران غرفة الانتظار، أربكتها رؤيتهما فصرخت: الله يبعث الخير؛ ثم ذكرت لي رؤيا رأتها منذ بضعة أيام أن رجلين في لباس أوروبي كانا يغادران غرفة الانتظار، وبدا ظهراهما تماما كظهري هذين الطبيبين، وأشار أحدهم إليهما قائلاً: هذان قاما بذبح السيد تشودري.
شعر والدي ببعض الراحة بعد العملية ، لكن بعد الظهر أصبح يتنفس بصعوبة وشعر ببعض الألم، وبحلول صباح اليوم الثلاثين، خف الألم ولكنه استمر يتنفس بصعوبة، وبدأت حالته تتدهور تدريجيًا، وأدرك أنه قد دخل المرحلة الأخيرة من مرضه، لكنه لم يُظهر أي انزعاج ولم يُبْدِ قلقًا، بل التزم الهدوء مع تناول العلاج الموصوف. وفي وقت مبكر من صباح يوم الثلاثاء، ۳۱ آب / أغسطس، تركته وذهبت إلى غرفتي لأصلي الفجر، فسمع صوتي أتضرع بألم، فحث والدتي على الذهاب إلي فورًا لطمأنتي، فجاءت إلي وانتظرتني حتى انتهيت من الصلاة. ثم طلبت مني الثبات، لأن والدي سيُتوفّى ليلة الخميس. فسألتها عما إذا كانت قد رأت رؤيا بذلك. قالت: نعم رأيت (في المنام) أباك مشغولاً بكتابة شيء ما كما لو أنه كان يكمل مهمة عاجلة، حيث كانت هناك امرأة شابة تجلس في الغرفة على الأريكة، فطلب شكر الله خان (أخي) من أبيك قائلا: إذا كنت ذاهبًا فخُذْ هذه الشابة معك. فنظر والدك من فوق كتفه، دون أن يتحرك عن كرسيه وقال: يا عزيزي، سيُفرج عني يوم الجمعة. وإن استخدامه تعبير الإفراج إشارة إلى أنه سوف يغادر في وقت مبكر من يوم الجمعة؛ لذا عليك أن تبقى صامدًا لقبول ما قرره الله تعالى برحمته مهما قال الأطباء، وعليك أن تعمل الترتيبات اللازمة لنقل جثمانه في الساعات الأولى من صباح الجمعة إلى قاديان حيث سيدفن، وأرسل رسالة إلى إخوانك في "دسكه" وأخبرهم أنه ينبغي لاثنين منهم أن يأتيا فورًا وأن يحضرا معهما ملاءات الكفن ؛ وعلى أخيك الثالث أن يذهب ليأتي بأختك، وينبغي أن لا يتأخرا أكثر من بعد ظهر يوم الخميس، وحذرهم جميعًا أن يقوموا بكل ذلك بسرية تامة، وإلا، فإن الجميع سيأتي إلى لاهور. وأضافت، اطلب من أحدهم تحضير تابوت لوالدك حيث ينبغي أن يكون جاهزا بعيد ظهر الخميس، كما أن عليك ترتيب وسائل النقل اللازمة للرحلة إلى قاديان التي ينبغي أن تكون جاهزة عند الساعة الثانية من صباح يوم الجمعة.
لم تظهر على والدي أي اضطرابات باستثناء صعوبة طفيفة في التنفس. لقد كان في كامل قواه وكان يعي تماما ما يجري، وكان يتحدث إلينا، و لم تبدأ حالته بالتراجع إلا صباح يوم الأربعاء، الأول من أيلول/سبتمبر. وحين وجدتُ نفسي وحيدًا معه ، قلت له: أنا واثق أنك لن تشعر بالوحدة، فالفراق لن يكون طويلا، سوف نجتمع قريبا؟ فأجابني: أنا راض تماما بما يرضى به ربي.
وفي فترة ما بعد الظهر، اقترحت أمي علي تلاوة سورة ياسين، وسألته ما إذا كان يرغب في الاستماع إلى التلاوة،
عدت إلى لاهور، وقرر والدي زيارة "دسكه" بضعة أيام قبل أن يعود إلى قاديان في ۱۲ آب / أغسطس، علمتُ أنه مريض، وذهبت إلى "دسكه" وأحضرته ووالدتي إلى لاهور. تبين بعد الفحص أنه مصاب بمرض ذات الرئة، وفي اليوم التالي استخرجت المياه من الرئة، مما أشعره براحة كبيرة، فبدأت حالته بالتحسن. كان والدي نفسه ضليعا بمبادئ الطب إلى حد ما، وقد أدرك خطورة تلك الأعراض، وبعد يومين أو ثلاثة قال لي: الحياة والموت بيد الله وحده، وإني أشعر بتحسن ، وسأتعافى بإذن الله، ولكن نظرا لطبيعة مرضي وبسبب كبر سني، أود أن أُملي عليك بعض التوجيهات. ولما كان موضوع تنظيم ممتلكاته يقلقه؛ فقد كتب وصيته قبل عدة سنوات، ثم أخذ يملي أوامره علي حول بعض الأشياء التي كان من بينها أن أطلب من حضرة الخليفة الثاني، الذي كان حينها في مصيف "دلْهَوزي"، أن يؤمّ صلاة الجنازة عليه بعد وفاته. وبعد ذلك لم يشعر بالقلق من أي شيء.
استمرت حالته بالتحسن، وكان قادرًا على المشي وتناول الطعام بنفسه. وقد ذكرتُ له يومًا أني تلقيتُ رسالة من حضرة خليفة المسيح الموعود يحتني فيها على زيارته في دلهوزي. ولأني لم أكن قد زرتُ دلهوزي من قبل، فقال والدي بشغف : هذا ممتع، سنذهب كلنا إلى دلهوزي. فقالت أمي وماذا عن صحتك؟! فقال: من يعلم؟ ربما يهبني الله تعالى الصحة.
وقد بدأ يشعر بضغط على رئته في نهاية ذلك الشهر، وكان على طبيبه مغادرة لاهور، فحوّل حالته إلى زميل له مختص، والذي أشار أن المياه تجمعت في قاعدة الرئة مرة أخرى وينبغي استخراجها. تردد والدي بعض الشيء، لكنه وافق بناء على طلبي وطلب والداتي. وفي اليوم التالي، الأحد ۲۹ آب / أغسطس، جلب الطبيب مساعدًا معه واستخرجا المياه. انسحبت أمي أثناء ذلك إلى الغرفة المجاورة تتضرع إلى الله تعالى. وحين انتهت العملية أخبرتها بذلك، فعادت إلى الغرفة التي فيها والدي، ورأت ظهري الطبيبن وهما يغادران غرفة الانتظار، أربكتها رؤيتهما فصرخت: الله يبعث الخير؛ ثم ذكرت لي رؤيا رأتها منذ بضعة أيام أن رجلين في لباس أوروبي كانا يغادران غرفة الانتظار، وبدا ظهراهما تماما كظهري هذين الطبيبين، وأشار أحدهم إليهما قائلاً: هذان قاما بذبح السيد تشودري.
شعر والدي ببعض الراحة بعد العملية ، لكن بعد الظهر أصبح يتنفس بصعوبة وشعر ببعض الألم، وبحلول صباح اليوم الثلاثين، خف الألم ولكنه استمر يتنفس بصعوبة، وبدأت حالته تتدهور تدريجيًا، وأدرك أنه قد دخل المرحلة الأخيرة من مرضه، لكنه لم يُظهر أي انزعاج ولم يُبْدِ قلقًا، بل التزم الهدوء مع تناول العلاج الموصوف. وفي وقت مبكر من صباح يوم الثلاثاء، ۳۱ آب / أغسطس، تركته وذهبت إلى غرفتي لأصلي الفجر، فسمع صوتي أتضرع بألم، فحث والدتي على الذهاب إلي فورًا لطمأنتي، فجاءت إلي وانتظرتني حتى انتهيت من الصلاة. ثم طلبت مني الثبات، لأن والدي سيُتوفّى ليلة الخميس. فسألتها عما إذا كانت قد رأت رؤيا بذلك. قالت: نعم رأيت (في المنام) أباك مشغولاً بكتابة شيء ما كما لو أنه كان يكمل مهمة عاجلة، حيث كانت هناك امرأة شابة تجلس في الغرفة على الأريكة، فطلب شكر الله خان (أخي) من أبيك قائلا: إذا كنت ذاهبًا فخُذْ هذه الشابة معك. فنظر والدك من فوق كتفه، دون أن يتحرك عن كرسيه وقال: يا عزيزي، سيُفرج عني يوم الجمعة. وإن استخدامه تعبير الإفراج إشارة إلى أنه سوف يغادر في وقت مبكر من يوم الجمعة؛ لذا عليك أن تبقى صامدًا لقبول ما قرره الله تعالى برحمته مهما قال الأطباء، وعليك أن تعمل الترتيبات اللازمة لنقل جثمانه في الساعات الأولى من صباح الجمعة إلى قاديان حيث سيدفن، وأرسل رسالة إلى إخوانك في "دسكه" وأخبرهم أنه ينبغي لاثنين منهم أن يأتيا فورًا وأن يحضرا معهما ملاءات الكفن ؛ وعلى أخيك الثالث أن يذهب ليأتي بأختك، وينبغي أن لا يتأخرا أكثر من بعد ظهر يوم الخميس، وحذرهم جميعًا أن يقوموا بكل ذلك بسرية تامة، وإلا، فإن الجميع سيأتي إلى لاهور. وأضافت، اطلب من أحدهم تحضير تابوت لوالدك حيث ينبغي أن يكون جاهزا بعيد ظهر الخميس، كما أن عليك ترتيب وسائل النقل اللازمة للرحلة إلى قاديان التي ينبغي أن تكون جاهزة عند الساعة الثانية من صباح يوم الجمعة.
لم تظهر على والدي أي اضطرابات باستثناء صعوبة طفيفة في التنفس. لقد كان في كامل قواه وكان يعي تماما ما يجري، وكان يتحدث إلينا، و لم تبدأ حالته بالتراجع إلا صباح يوم الأربعاء، الأول من أيلول/سبتمبر. وحين وجدتُ نفسي وحيدًا معه ، قلت له: أنا واثق أنك لن تشعر بالوحدة، فالفراق لن يكون طويلا، سوف نجتمع قريبا؟ فأجابني: أنا راض تماما بما يرضى به ربي.
وفي فترة ما بعد الظهر، اقترحت أمي علي تلاوة سورة ياسين، وسألته ما إذا كان يرغب في الاستماع إلى التلاوة،
فأشار إلي بالموافقة.
وبعد أن انتهيت من تلاوة القرآن ، سألته إذا ما كان يرغب في أن أتلو عليه أي جزء آخر، فقال: أجد صعوبة في التركيز.
وصل أخواي، شكر الله خان وأسد الله خان مع بعض الأقارب في أواخر ذلك اليوم.
أصبح تنفس والدي يوم الخميس، الثاني من أيلول/سبتمبر، طبيعيًا، ومع أن والدي كان يزداد ضعفًا، لكنه كان في كامل وعيه، وكان يغفو أحيانًا. وقال لأمي أنه يشعر براحة تامة، وعندما غفا رأى أن الغرفة كانت مليئة بالورود ذات العبير الفواح أعطاه الطبيب حقنا على فترات قصيرة لتقوية القلب، ولم يعترض على ذلك مع أنه لم يكن يعتقد بجدواها. وقد قال محاولا مواساتي لما لاحظ حزني: لا يمكن تجنب هذا الأمر.
وبعد أن انتهيت من تلاوة القرآن ، سألته إذا ما كان يرغب في أن أتلو عليه أي جزء آخر، فقال: أجد صعوبة في التركيز.
وصل أخواي، شكر الله خان وأسد الله خان مع بعض الأقارب في أواخر ذلك اليوم.
أصبح تنفس والدي يوم الخميس، الثاني من أيلول/سبتمبر، طبيعيًا، ومع أن والدي كان يزداد ضعفًا، لكنه كان في كامل وعيه، وكان يغفو أحيانًا. وقال لأمي أنه يشعر براحة تامة، وعندما غفا رأى أن الغرفة كانت مليئة بالورود ذات العبير الفواح أعطاه الطبيب حقنا على فترات قصيرة لتقوية القلب، ولم يعترض على ذلك مع أنه لم يكن يعتقد بجدواها. وقد قال محاولا مواساتي لما لاحظ حزني: لا يمكن تجنب هذا الأمر.
مر علي بعد الظهر بابو عبد الحميد ، مراجع حسابات السكة الحديدية، الذي كنت طلبتُ منه إجراء الترتيبات اللازمة، فأخبرني أن النعش بات جاهزا، وأن السيارات ستصل في الساعة الثانية، وسأل عن والدي, فقلت له: إني كنت أتحدث معه عندما وصل.
وصل أخي عبد الله خان مع شقيقتنا، وقد صافح والدي، وأبقى يده بين يديه لبرهة، فسحب والدي يده ، ووضعها على ركبتي، وقال لعبد عزيزي، أفضل أن أريح يدي هنا. كنت أعرف على أساس رؤيا والدتي أن الوقت المتبقي لرحيله بدأ ينفذ بسرعة، وكان قلبي يتوق إلى البقاء على اتصال معه، فهمست في أذنه: أحبّك لدرجة أتمنى لو كنتُ مكانك لأحمل عنك الألم. فوضع ذراعه حول عنقي، وسحب وجهي إليه ، وهمس في أذني : هذه الرغبة لا تتفق مع إرادة الله تعالى، فلكل أجل كتاب.
سألته بعد دقائق، هل تعرف من القائل:
كنت السواد لناظري، فعمي عليك الناظر.
مَن شَاء بعدك فليمت، فعليك كنت أحاذرُ.
فأجابني حسان بن ثابت، قالها في رثاء النبي في رثاء النبي الكريم . أعلن أن العشاء جاهز، ولم يرغب أحد بتناول الطعام، ولكن أبي أصرّ أنه لا ينبغي أن ندع الخدم ينتتظرون، فقمت بمرافقة الضيوف الى غرفة الطعام، وبقيت بضع دقائق فقط، ثم عدت بسرعة إلى جانب والدي.
وصل أخي عبد الله خان مع شقيقتنا، وقد صافح والدي، وأبقى يده بين يديه لبرهة، فسحب والدي يده ، ووضعها على ركبتي، وقال لعبد عزيزي، أفضل أن أريح يدي هنا. كنت أعرف على أساس رؤيا والدتي أن الوقت المتبقي لرحيله بدأ ينفذ بسرعة، وكان قلبي يتوق إلى البقاء على اتصال معه، فهمست في أذنه: أحبّك لدرجة أتمنى لو كنتُ مكانك لأحمل عنك الألم. فوضع ذراعه حول عنقي، وسحب وجهي إليه ، وهمس في أذني : هذه الرغبة لا تتفق مع إرادة الله تعالى، فلكل أجل كتاب.
سألته بعد دقائق، هل تعرف من القائل:
كنت السواد لناظري، فعمي عليك الناظر.
مَن شَاء بعدك فليمت، فعليك كنت أحاذرُ.
فأجابني حسان بن ثابت، قالها في رثاء النبي في رثاء النبي الكريم . أعلن أن العشاء جاهز، ولم يرغب أحد بتناول الطعام، ولكن أبي أصرّ أنه لا ينبغي أن ندع الخدم ينتتظرون، فقمت بمرافقة الضيوف الى غرفة الطعام، وبقيت بضع دقائق فقط، ثم عدت بسرعة إلى جانب والدي.
كانت الليلة شديدة الحرارة والرطوبة، فاقترحت أمي نقل سرير والدي إلى الفناء الأكبر حيث بعض النسيم. فسألتُ والدي، فوافق، فأعطيتُ التوجيهات لذلك. ثم سألته مرة أخرى: هل تفضّل أن تكون هناك؟ فقالت أمي : لقد توفي ثم تلت أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، إنا لله وإنا إليه راجعون. ثم تضرعت لله تعالى: يا رب تغمّده برحمتك الواسعة ، واحشره في زمرة المصطفى وعند قدمي المسيح الموعود .
وعندما كانت آخر الترتيبات تُعَدّ ، مشيتُ مرتين على أطراف أصابع قدمي إلى باب غرفة أمي لأرى حالها؛ لقد كانت تحاول تحمل صدمة الخسارة الفادحة كانت جالسة بين النساء تصف في هدوء مراحل مرضه. وعندما أصبح كل شيء جاهزا، أُعدت مراسم الجنازة التي انضمت إليها أمي مع النساء. وعندما كان النعش على وشك أن يوضع في العربة، رافقتها إلى النعش لتودّعه، فقالت: أودعتك الله تعالى، لقد كانت حياتي معك في غاية السعادة، وقد حققت حتى أبسط رغباتي لقد كان قلبي معك مسرورًا دائما، ولا أذكر أي مناسبة شعرتُ فيها بالشكوى أو الضيم معك، ولكن لو حدث ذلك، فأنا أسامحك في سبيل الله، أما من ناحيتي ،فقد كنتُ مقصرةً في كثير من الأمور، وسأسعى لالتماس المغفرة من الله تعالى عليها. أدعو الله تعالى أن يتغمدك برحمته، بلغ سلامي إلى والدك، وإذا أمكن، فأخبرنا كيف صارت حالتك. ربما انفلتت الكلمات القليلة الأخيرة من شفتيها لا إراديا، أما ما عداها، فقد قبلت مشيئة الله تعالى بثبات وابتهاج أيضًا، ولم تعبّر عن حزنها حتى بتنهيدة على انتهاء الرفقة المحبة والمخلصة التي امتدت على مدى أكثر من نصف قرن، وكانت مثالاً لكل من شهدها. هي وحدها تعلم مدى معاناة قلبها ، لكن ذلك كان سرّها المقدس، الذي لن تسرّ به لأحد. كان الله تعالى وحده المؤتمن على أسرارها والمعزّي لقلبها وكانت مكتفيةً به تعالى.
وعندما كانت آخر الترتيبات تُعَدّ ، مشيتُ مرتين على أطراف أصابع قدمي إلى باب غرفة أمي لأرى حالها؛ لقد كانت تحاول تحمل صدمة الخسارة الفادحة كانت جالسة بين النساء تصف في هدوء مراحل مرضه. وعندما أصبح كل شيء جاهزا، أُعدت مراسم الجنازة التي انضمت إليها أمي مع النساء. وعندما كان النعش على وشك أن يوضع في العربة، رافقتها إلى النعش لتودّعه، فقالت: أودعتك الله تعالى، لقد كانت حياتي معك في غاية السعادة، وقد حققت حتى أبسط رغباتي لقد كان قلبي معك مسرورًا دائما، ولا أذكر أي مناسبة شعرتُ فيها بالشكوى أو الضيم معك، ولكن لو حدث ذلك، فأنا أسامحك في سبيل الله، أما من ناحيتي ،فقد كنتُ مقصرةً في كثير من الأمور، وسأسعى لالتماس المغفرة من الله تعالى عليها. أدعو الله تعالى أن يتغمدك برحمته، بلغ سلامي إلى والدك، وإذا أمكن، فأخبرنا كيف صارت حالتك. ربما انفلتت الكلمات القليلة الأخيرة من شفتيها لا إراديا، أما ما عداها، فقد قبلت مشيئة الله تعالى بثبات وابتهاج أيضًا، ولم تعبّر عن حزنها حتى بتنهيدة على انتهاء الرفقة المحبة والمخلصة التي امتدت على مدى أكثر من نصف قرن، وكانت مثالاً لكل من شهدها. هي وحدها تعلم مدى معاناة قلبها ، لكن ذلك كان سرّها المقدس، الذي لن تسرّ به لأحد. كان الله تعالى وحده المؤتمن على أسرارها والمعزّي لقلبها وكانت مكتفيةً به تعالى.
أرسلت برقية لحضرة خليفة المسيح في دلهوزي ، تنقل إليه خبر وفاة أمين مكتبه العام. وقد غادرنا لاهور في الساعات الأولى من الصباح ومعنا جثمان خادم الله المخلص، ووصلنا قاديان بعد وقت قصير من شروق شمس يوم الجمعة الثالث من أيلول/سبتمبر. وقد أرسل إلينا حضرة خليفة المسيح أنه قادم في الطريق ، وأنه سوف يؤم بنفسه صلاة الجنازة. كان المطر غزيرا فغمرت المياه الطرق، فلم يتمكن الخليفة ومن معه من الوصول إلى قاديان إلا بعد منتصف الليل، فأمّ حضرته صلاة الجنازة في الساعة التاسعة من صباح يوم السبت الرابع من أيلول/سبتمبر. ثم أذن بدفنه في قطعة الأرض المحفوظة لصحابة المسيح الموعود البارزين إلى الغرب تماما من القطعة التي دفن فيها المسيح الموعود. وفي اللحظة التي انتهى فيها الدفن ، هطلت فجأةً رشة من المطر، حيث لم يبق هناك حاجة للمياه لتشكيل تلة من التراب فوق القبر.
وقد كتب حضرة خليفة المسيح بنفسه تذكاره ليحفر على شاهد القبر
وكان على النحو التالي: بسم الله الرحمن الرحيم، نحمده ونصلي على
نبيه الكريم وعلى خادمه المسيح الموعود. تشودري نصر الله خان، محام من سيالكوت، بايع المسيح الموعودعام ١٩٠٤ في سيالكوت خلال زيارة المسيح الموعود لها. كان يميل إلى ذلك بإخلاص قبل البيعة بفترة طويلة سبقته زوجته في الانضمام إلى الجماعة بناء على بعض الرؤى. لقد كان نبيلاً جدا، وجديًّا وصادقًا، وقد تقدم بسرعة فائقة في الإخلاص، وحفظ القرآن الكريم وهو متقدم في السن، وفي نهاية المطاف، وبناء على اقتراح مني، توقف عن ممارسة القانون وكرّس حياته لخدمة دينه وبسبب حماسه المتزايد جاء واستقر في قاديان، وقمتُ بتعيينه أمينًا عامًا لمكتبي، فأدى واجباته بمنتهى الحرص والتفاني. أدى فريضة الحج أيضًا ، وأثناء تأدية مهامه لم يكن يرغب إلا بالفوز بمرضاة الله تعالى، وكسب مودتي، ولما فيه صالح إخواننا الأحمديين. وحيث إنني معه عملت عن كب، فقد وجدته بعيد النظر، يُقدّر الأشياء حق قدرها، وكان يعمل بإرادة قوية بحيث امتلأ قلبي بالمودة والامتنان له، إن ذكراه تشعل قلبي. أدعو الله تعالى أن يرفعه وأن يمكن أولاده من التقدم والارتقاء بنفس العزيمة، وأن يهيئ لجماعتنا أعدادًا كبيرة من الناس يسيرون على خطى هذا الرجل المخلص، آمين.
وقد كتب حضرة خليفة المسيح بنفسه تذكاره ليحفر على شاهد القبر
وكان على النحو التالي: بسم الله الرحمن الرحيم، نحمده ونصلي على
نبيه الكريم وعلى خادمه المسيح الموعود. تشودري نصر الله خان، محام من سيالكوت، بايع المسيح الموعودعام ١٩٠٤ في سيالكوت خلال زيارة المسيح الموعود لها. كان يميل إلى ذلك بإخلاص قبل البيعة بفترة طويلة سبقته زوجته في الانضمام إلى الجماعة بناء على بعض الرؤى. لقد كان نبيلاً جدا، وجديًّا وصادقًا، وقد تقدم بسرعة فائقة في الإخلاص، وحفظ القرآن الكريم وهو متقدم في السن، وفي نهاية المطاف، وبناء على اقتراح مني، توقف عن ممارسة القانون وكرّس حياته لخدمة دينه وبسبب حماسه المتزايد جاء واستقر في قاديان، وقمتُ بتعيينه أمينًا عامًا لمكتبي، فأدى واجباته بمنتهى الحرص والتفاني. أدى فريضة الحج أيضًا ، وأثناء تأدية مهامه لم يكن يرغب إلا بالفوز بمرضاة الله تعالى، وكسب مودتي، ولما فيه صالح إخواننا الأحمديين. وحيث إنني معه عملت عن كب، فقد وجدته بعيد النظر، يُقدّر الأشياء حق قدرها، وكان يعمل بإرادة قوية بحيث امتلأ قلبي بالمودة والامتنان له، إن ذكراه تشعل قلبي. أدعو الله تعالى أن يرفعه وأن يمكن أولاده من التقدم والارتقاء بنفس العزيمة، وأن يهيئ لجماعتنا أعدادًا كبيرة من الناس يسيرون على خطى هذا الرجل المخلص، آمين.
غادرنا قاديان في الخامس من أيلول / سبتمبر ووصلنا "دسكه" بعد نصل دسکه عند صلاة الظهر حتى الظهر. وقد قالت أمي أنه أن ينبغي
تستطيع أن تشغل نفسها في الصلاة فور وصولها بحيث لا يتسنى للنساء اللواتي قد يصلن للتعزية أي فرصة أو عذر للانغماس في أية أمور لا حاجة لها. وقد قالت إحدى النساء غير الأحمديات لوالدتي، إنها أصيبت بحمى في اليوم السابق ، وفقدت الوعي فرأت في الحلم أن "ميان جمن" خادم أسرتنا يقول لها: تعالي دعيني أخذك إلى قاديان، فخرجا معا، ثم أشار "ميان جمن" إلى الأمام ، وقال: انظري هناك قاديان. ثم دخلا حديقة كبيرة وشاهدا قصرًا يجلس أبي في غرفته الأمامية على أريكة يقرأ القرآن الكريم، بينما تحرّك شابة جميلة المروحة له، وكان في الغرفة جميع أنواع الفواكه، فطلب والدي منهما الجلوس، وقال لها : قولي لوالدة ظفر الله خان إني سعيد جدًا. ثم استعادت وعيها فجأة ، وشعرت أن الحمى قد زالت عنها.
سرت أمي بما روته المرأة، لكنها تساءلت عن معنى الشابة الجميلة التي رأتها المرأة في منامها وهي فاقدة الوعي.
في اليوم التالي، وصلت إحدى خالاتي لزيارة والدتي وروت لها تقريبا نفس الرؤيا مع فرق طفيف، وهي أن والدي قال لها: قولي لأختك إني سعيد جدًا، وقد عيّنت هذه المرأة الشابة لخدمتي فقط.
تستطيع أن تشغل نفسها في الصلاة فور وصولها بحيث لا يتسنى للنساء اللواتي قد يصلن للتعزية أي فرصة أو عذر للانغماس في أية أمور لا حاجة لها. وقد قالت إحدى النساء غير الأحمديات لوالدتي، إنها أصيبت بحمى في اليوم السابق ، وفقدت الوعي فرأت في الحلم أن "ميان جمن" خادم أسرتنا يقول لها: تعالي دعيني أخذك إلى قاديان، فخرجا معا، ثم أشار "ميان جمن" إلى الأمام ، وقال: انظري هناك قاديان. ثم دخلا حديقة كبيرة وشاهدا قصرًا يجلس أبي في غرفته الأمامية على أريكة يقرأ القرآن الكريم، بينما تحرّك شابة جميلة المروحة له، وكان في الغرفة جميع أنواع الفواكه، فطلب والدي منهما الجلوس، وقال لها : قولي لوالدة ظفر الله خان إني سعيد جدًا. ثم استعادت وعيها فجأة ، وشعرت أن الحمى قد زالت عنها.
سرت أمي بما روته المرأة، لكنها تساءلت عن معنى الشابة الجميلة التي رأتها المرأة في منامها وهي فاقدة الوعي.
في اليوم التالي، وصلت إحدى خالاتي لزيارة والدتي وروت لها تقريبا نفس الرؤيا مع فرق طفيف، وهي أن والدي قال لها: قولي لأختك إني سعيد جدًا، وقد عيّنت هذه المرأة الشابة لخدمتي فقط.
تعليقات
إرسال تعليق