التخطي إلى المحتوى الرئيسي

لا بد من التقوى من أجل الفتح:
وما دام الأمر هكذا، فاعلموا أن التقوى ضرورية للمرء لكي تنفتح عليه أبواب الحقائق والمعارف فاتقوا الله ، لأن الله تعالى يقول: ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) (النحل (۱۲۹) . ولا أستطيع أن أحصي لكم كم مرة تلقيت هذه الآية في الوحي، إذ أوحيت إلي مرات كثيرة جدا.
لو أننا اكتفينا بالأقوال دون الأفعال، فاعلموا أن لا جدوى من ذلك. إن النصر يتطلب التقوى، فكونوا متقين إن أردتم النصر.



ضرورة التضحيات المالية لنشر الإسلام
أرى أن نساء الهندوس والنصارى أيضا يوصين بعقارات كبيرة وأموال طائلة لنشر دعوتهم، ولكن لا نجد نظير ذلك في المسلمين في هذه الأيام.
إن أكبر مشكلتنا هي الحاجة إلى النصرة المالية لنشر الإسلام. اعلموا أن الله تعالى هو الذي أراد تأسيس هذه الجماعة بيده وسوف يكون حاميها وناصرها، ولكنه يريد أن يؤتي عباده الأجر والثواب، ومن أجل ذلك قد اضطر الأنبياء لطلب المساعدة المالية. لقد طلب رسول الله النصرة المالية ، وعلى نفس المنهاج ، الذي هو منهاج النبوة، نذكر أحبابنا بحاجات الجماعة من حين لآخر. ومع ذلك أقول: إننا مهما جمعنا من الأموال لنشر الإسلام إلا أنه ليس بوسعنا كما هو بديهي- جمعها بقدر أموال القساوسة. وحتى لو جمعناها بمقدار أموالهم، إلا أنني أؤمن أن النصر يحالف من كان الله راضيا عنه.

ضرورة الارتقاء خلقا وعملا
فلزام علينا أن نطور أخلاقنا وأعمالنا، ونتحلى بالتقوى، لكي نفوز بفيوض نصرة الله ومحبته. وبعد الفوز بنصرة الله يجب على كل واحد منا أن يبذل كل ما في وسعه في الرد على هذه الهجمات ولا يفرّط في ذلك أبدا. غير أن الواجب أن تكون نيتنا في الرد أن يظهر بذلك جلال الله تعالى.
الحكم، مجلده 5، عدد ٢٢،يوم ١١/٦/١٧ ص ١-٢ .

يناير ۱۸۹۸
الحث على المجيء إلى المركز
قال المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام يضع الناس أيديهم في يدي ويعاهدونني على إيثار الدين على الدنيا، ولكنهم ينسون هذا العهد بعد الذهاب من هنا، فماذا عسى أن ينتفعوا إن لم يأتوا هنا؟ لقد أسرتهم الدنيا في قيدها، إذ لو كانوا يؤثرون الدين على الدنيا حقًا لتفرغوا من مشاغلها وأتوا هنا.
بدر، مجلد ۱۱ عدد ٤ - ٥ يوم ١١/١٦/ ١٩١١ ص ٣.

الأول من فبراير ١٨٩٨
قبل ثلاثة أيام نزل الإلهام : "يوم تأتيك الغاشية. يومَ تنجو كل نفس بما كسبت". أي أن وقتًا مخيفا يغمي الناس ويحيط بهم من كل حدب وصوب لقادم، وعندها سينجو كل إنسان نتيجة أعماله، وسنجزي الجميع بحسب أعمالهم.

بعد تلقي هذه الإلهامات أوصى المسيح الموعود جماعته بشدّة بأن يعدوا عُدتهم، ويخشعوا في صلواتهم، ويواظبوا على صلاة التهجد ويدعوا فيها باكين، لأن الله لا يضيع المتضرعين المتقين.

يوصينا إمامنا الهمام مرة بعد أخرى بأن تكون جماعته من المتقين، وأن يعتادوا الخشوع والابتهال في الصلوات. ذات يوم قال حضرته بحرقة شديدة: عليكم الصلاح والتقوى مخافة أن تكونوا عائقًا في سبيلي.
مقتبس من رسالة المولوي عبد الكريم السيالكوتي المؤرخة في ١٨٩٨/٢/٤، والمنشورة في "الحكم" مجلد ۲، عدد ٢
يوم ١٨٩٨/٣/٦ ص ۱۰.

نصائح للذاهبين إلى البلاد الأجنبية:
توجّه إلى حضرة المسيح الموعود السيد بابو محمد أفضل بمناسبة ذهابه من الهند إلى أفريقيا ثانية فقال: "كنتُ جئتُ من الأماكن التي تكثر فيها الغفلة نتيجة سيل من الشكوك والشبهات وظلمات النفس، وها إني عائد إليها الآن ثانية، فأرجو الدعاء لي". فوصف له حضرته الأمور الأربعة التالية كعلاج لهذه المشاكل: 
١ - المواظبة على تلاوة القرآن الكريم، 
۲- تذكُرُ الموت، 
٣- تسجيل أحوال السفر، -
4، إرسال رسالة إليه الليل يوميا بشرط الاستطاعة.
الحكم، مجلد ۲، عدد ٧-٨ يوم -13 الى  ١٨٩٨/٤/٢٠ ص ١٢.


دعاء للمسيح الموعود

فيما يلي كلمات دعاء خرجت من الشفاه المباركة للمسيح الموعود عليه الصلاة والسلام
يا ربَّ العالمين، لا أستطيع الشكر على مننك، فأنت رحيم وكريم جدا، ولك عليّ منن لا تعد ولا تُحصى، فاغفر لي ذنوبي لئلا أَهلَكَ، وأَلْقِ في قلبي حُبَّك الخالص لأنال الحياة، واستُرْني وأوزعني أن أعمل صالحا ترضاه . أعوذ بوجهك الكريم من أن يحل علي غضبك. ارحمني وتجني من بلايا الدنيا والآخرة، لأن الفضل والخير كله بيدك. آمين ثم آمين.
الحكم، مجلد ۲ عدد ١ يوم ۱۸۹۸/۲/۲۰ ص ۹.





 





٢٤-٢-١٨٩٨

أقوال طيبة للمسيح الموعود


العلاقة بين المريد والمرشد
قال المسيح الموعود:
العلاقة بين المريد والمرشد تبلغ من القوة بحيث يكون المريد أشد حبا لمرشده من الوالدين لولدهما. الوالدان يسعيان لتربية الولد وتعليمه جسديا وماديا، أما المرشد فيكون سببًا في ولادة روحانية لمريده ، ويكون مسؤولا عن تربيته وتعليمه الروحاني. هذا إذا كان المرشد تقيَّا، أما إذا كان مرائيًا وخداعا فهو أسوأ من العدو.
جريدة "الحكم"، مجلد 3 عدد ٢٠ يوم ١٨٩٩/٦/٩ ص ۱.

فبراير ۱۸۹۸
تعدد الزوجات
لقد وردت كلمات "مثنى وثلاث ورباع، صراحةً في القرآن الكريم عن تعدد الزوجات، ولكن في نفس هذه الآية جاء الأمر بالاعتدال أيضا. فإن لم يكن لدى المرء القدرة على الاعتدال ومالَ إلى إحداهن حبًّا لها، أو كان دخله قليلا، أو كانت قوته الرجولية ضعيفة، فعليه ألا يتجاوز واحدة، والأفضل عندي ألا يلقى المرء نفسه في الابتلاء، لأن الله تعالى يقول : إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (المائدة: (۸۸). فلا تركزوا على الأمر الحلال بحيث تصبحوا عَبدةً للنفوس. باختصار، إذا صار المرء مولعا بالنساء بحجة أنه أمر حلال، فهو مخطئ. ليس بوسع كل إنسان معرفة المشيئة الإلهية. إن الله لا يريد أن يحب المرء النساء حبًّا يجعله عابد نفسه، كما أنه تعالى لا
يريد أن تترهبنوا ، بل يريد أن تكونوا معتدلين ولا تتصرفوا تصرفات غير لائقة. وإذا كان الله تعالى يجعل للأنبياء خصوصية ما، فيعترض قليلو البصيرة على ذلك جهلاً وخطاً منهم.. فمثلا: وردت في التوراة خصوصيات لفئة الكهنة، كما توجد خصوصيات لبراهمة الهندوس. فمن الجهل الطعنُ في خصوصيات الأنبياء. إن أكبر خصوصياتهم أنهم أنبياء، وهي خصوصية لا توجد عند غيرهم.



إلغاء الله وعيده رحمة:
 إن إلغاء الله تعالى وعيدًا له أيضا رحمة. انظروا كيف أن الله تعالى أخبر بعذاب قوم يونس بوحي قطعي، ولكنهم لما بدأوا الصراخ والعويل، ألغى عنهم العذاب ونظر إليهم برحمته. ففي تغيير الله وعده أيضا لطف خاص، ولكن لا يحظى به إلا الذين يبكون أمامه ويتضرعون. إنني أتعجب مرارا بأن الناس يتملقون لبشر مثلهم، ولكنهم لا يتضرعون أمام الله تعالى.



التأخير في استجابة الدعاء مدعاة للنجاح:
اعلموا أنه إذا جاء جواب الدعاء سريعًا فلا يكون خيرا على العموم. فلا تقنطوا في الدعاء. إذا طال دعاؤكم ولم يأتكم جوابه في الظاهر، فاسجدوا شكرًا لله فرحين لأن في ذلك خيرا وبركة. إن التأخر في استجابة الدعاء مدعاة للنجاح.



سبب إلغاء العذاب عن قوم يونس:
 الدعاء جُنّة عظيمة لإحراز النجاح. لقد نجا قوم يونس من عذاب آت نتيجة التضرع والبكاء. أرى أن المحاوتة هي المغاضبة، والحوت هو السمك، والنونُ هو التسرع والسمك أيضا، فحالة يونس تلك كانت مغاضبة. الواقع أنه عندما لم ينزل العذاب على القوم ، خطر ببال يونس خاطرُ الشكوى، بأن نبوءته ودعاءه ذهبا سدًى، وأن قوله لم يتحقق، وهذه كانت حالة مغاضبته. وفي ذلك درس بأن الله تعالى قد يغيّر قدره، وأن التضرع والابتهال والصدقات تلغي عقوبة الجريمة الثابتة. ومن هنا ، استمد مبدأ إخراج الصدقات. وهذه الطرق ترضي الله تعالى. المال هو الكَبِدُ في علم الرؤى، فإخراج الصدقات هو بمنزلة الفداء بالنفس، فعندما يدفع المرء الصدقات، يؤكد صدقه وثباته أيما تأكيد. والحق أن الكلام لا ينفع المرء شيئا ما لم يؤكده بعمله. وإنما تسمى الصدقة صدقةً لأنها تضع العلامة على الصادقين. ورد في "الدر المنثور" في سوانح يونس أنه قال الله تعالى: كنتُ أعلم سلفًا أنه إذا جاءك أحد ستترحم عليه، وهو يماثل الحديث القدسي:
این مشت خاک را گر نه بخشم چه کنم
أي: إنْ لم أغفر لهذه الحفنة من التراب ، فماذا أفعل؟



تأويل أداء صلاة العيد في المدينة:
قال المسيح الموعود في بيان تأويل رؤيا رآها منشي رستم علي، مفتش المحاكم بدلهي : إن أداء صلاة العيد في المدينة هو فوز عظيم.


المراد من "أبي لهب" و"حمالة الحطب":
 لكلمة "أبي لهب" الواردة في القرآن الكريم مفهوم عام وليس خاصا، ویراد به کل من فيه صفة الاضطرام والاشتعال. كذلك يراد ب: حَمَّالَةَ الخَطَبِ)) (المسد: (٥) المرأة الجالبة للحطب، الواشية، المؤججة نار الفتن، المغتابة التي تبت الشر بين الرجال.
قال سعدي:
سخن چیں بد بخت ہیزم کش است
أي أن الواشي الشقي حمّال للحطب.


دحض اعتراض على سورة المسد
قال عليه السلام لدى سماع اعتراض على سورة "المسد":
إن ثروة الدنيا وسلطنتها ليست محل الاغتباط، بل الدعاء هو محل الاغتباط. لقد دعوتُ اليوم لأحبابي الحاضرين وغير الحاضرين ممن تذكرتُ أسماءهم أو صورهم دعاء كثيرا، بحيث لو دعي بتلك الكثرة لخشبِ جافٌ لاخضر. إن هذا آية عظيمة لأحبابنا. 
جزاك الله في الدارين خيرا (المحرر)

شهر رمضان:
لقد انقضى شهر رمضان والحمد لله . لقد شهدنا هذه الأيام بصحة وعافية، ولا ندري من منا سيشهد هذا الشهر العام القادم، ومَن يدري من منا سيكون حيا السنة الآتية. فكم من المؤسف أن ننسى أبناء جماعتنا الذين غادروا هذه الدنيا. علما أنه قد قال هذا الكلام حين إعداد القوائم بأسماء الأحياء.


التمسك بالحرفية يؤدي إلى الضلال:
 الآفة التي حلت باليهود جراء تمسكهم بظاهر الكلمات هي أنهم ظلوا كافرين بالمسيح الله، بل ظلوا يكفرون بنبينا أيضا . لقد ظنوا أن المسيح الآتي سيأتي ملكا، ويجلس على عرش داود بكل عظمة وجلال، وقبل مجيئه، سينزل إيليا من السماء، ولكن لما جاء المسيح ، قال إن يوحنا هو إيليا المزمع نزوله، كما أن المسيح جاء في منتهى التواضع ، حتى لم يجد مكانا لوضع الرأس، دع عنك أن يأتي ملكًا، فما كان لليهود المتمسكين بالحرفية أن يصدّقوه، بل كفروا به بشدة، ولا يزالون يكفرون به. وهذه الآفة نفسها قد حلّت بمشايخ زماننا وعلمائه، حيث ينتظرون مسيحا ومهديا يخوض الحروب، ولكن الله تعالى لم يرد ذلك قط، وقد حسم البخاري هذا الأمر بحديث "يَضَعُ الحربَ". إنهم لا يريدون أن يؤمنوا بمن يريد
السلام والأمن.
الحكم، مجلد ۲ رقم ۲ عدد ١٨٩٨/٣/٦ ص ٢.

فبراير ۱۸۹۸
الناظرون إلى الآخرة مباركون دوما:
أرى أن الناس لا يزالون مصابين بقسوة القلب والعُجب والكبر رغم نزول المصائب تلو المصائب وانتشار الأهوال والكروب في كل طرف وصوب. إلى متى سيعيش الحمقى عيشة الغفلة هذه؟ لن تنكشف هذه البلايا والمصائب عن الناس ما لم يكفّوا عن عنادهم وتصرفاتهم السيئة وما لم يصالحوا الله تعالى. لقد رأيت بإمعان النظر أن الناس لم يرتدعوا مطلقًا نتيجة المصيبة التي حلّت في أيام القحط والمجاعة، إذ كانت دور الخمر عامرة كالمعتاد، وكانت الفواحش والمنكرات تُرتكب كالسابق. في الماضي، عندما كانت فتوى عادية تصدر باسم علماء مكة والمدينة، كان الناس يستشعرون الخوف، وكانت المساجد تصبح عامرة. أما الآن، فإن التجاسر والجرأة قد تجاوزا الحدود، والله يرحم.
 العاقل من يحذر العذاب قبل حلوله، والفطِن من يفكر في النجاة من المصيبة قبل نزولها. على المرء أن يتوب عن المنكرات واضعًا الآخرة في الحسبان، ففي ذلك تكمن السعادة والراحة الحقيقية. لا جرم أن السيئة أو المعصية من أي نوع لا تجلب السعادة الحقيقية للحظة واحدة أبدا، لا يبرح مرتكب المعصية والإثم مهددًا بالافتضاح، فأنى له أن ينعم بأسباب الراحة جراء سوء أعماله؟ 

الناظرون إلى الآخرة مباركون دائما. لله در القائل:
مرد آخر میں مبارک بندہ ایست
أي: أن الذي ينظر إلى العاقبة هو العبد المبارك.

 انظروا إلى أحوال الأمم التي حلّ بهم العذاب في شتى العصور. فلزام على الجميع أن يلوم قلبه إذا وجده قاسيًا، ويعلّمه الخشوع والخضوع، وإذا كان لا يبكي فعليه أن يتباكى، فسوف تجري الدموع من تلقائها.


أحدثوا في أنفسكم تغييرا طيبا
 إن الأهم لجماعتنا أن يُحدِثوا في أنفسهم تغييرا طيبا، فإنهم قد نالوا معرفة طرية غضة. أما من يدّعي نيل المعرفة ثم لا يعمل بها، فليس في جعبته إلا ثرثرة اللسان. يجب أن لا يجعل كسل الآخرين جماعتنا غافلين ولا يجزئهم على التهاون، ويجب أن لا تقسو قلوبهم برؤية قسوة قلوب الآخرين.
يمني المرء نفسه بكثير من الآمال والأماني ، ولكن من ذا الذي يعلم بما يخفيه له القضاء والقدر. لا تسير الحياة وفق الآمال والأماني. إن نظام الآمال هو غير نظام القضاء والقدر، وهذا الأخير هو الحق. إن وقائع الإنسان المكتوبة عند الله تعالى هي الحق، وما يدريه ما هو المكتوب فيها، لذا عليه ألا يبرح يفكر بإيقاظ القلب مرة بعد أخرى.


شعبة من التوحيد
مِن شُعب التوحيد، أن ينسى المرء مصالح نفسه في سبيل حب الله تعالى، ويمحو وجوده في عظمته سبحانه وتعالى.
الحكم، مجلد ۲ عدد ٣ يوم ١٨٩٨/٣/١٣ ص ١.


١٨٩٨/٥/١
قضية مصادرة الكتب المعادية للإسلام
عند انتهاء المولوي عبد الكريم السيالكوتي من قراءة المذكرة التي أعدها حضرة المسيح الموعود لتدارك خطأ المذكرة التي أعدتها "أنجمن حماية إسلام" بشأن كتاب "أمهات المؤمنين"، قال المسيح الموعود بصوت عال:
لأن هذه المذكرة قد كتبتُ دفاعًا عن الإسلام والمسلمين، وتوطيدًا للكرامة الحقة للرسول، وإرساء لعظمة القرآن الكريم، وتقديما للوجه الأطهر والأصفى للإسلام، فليس الهدف من قراءتها على مسامعكم إلا استشارتكم فيما إذا كان إعداد الرد على هذا الكتاب في هذا الوقت ملائما أم أن الأفضل إرسال مذكرة إلى الحكومة مطالبين بمعاقبة كتاب مثل هذا الكتاب والحظر على نشره. فمن كان منكم يريد أن ينتقد فليفعل بكل حرية وشوق. فتكلم من بين الحضور شخص واحد وقال: إذا لم يُحظر هذا الكتاب فسوف يظل يُطبع. فقال المسيح الموعود : إذا لم نوقف نشر ذلك الكتاب فعلاً – وسبيله الوحيد هو إعداد الرد عليه، فلن يتوقف نشره حتى ولو استَعَنَّا بالدولة ألف مرة من أجل فرض الحظر عليه. لو توقفت إشاعة ذلك الكتاب لفترة في ظاهر الأمر، فمع ذلك سيظل يمثل سما قاتلاً لكثير من ذوي الطبائع الضعيفة ولبعض من الأجيال التالية، لأنهم حين يعرفون أن المسلمين لما فشلوا في الرد على الكتاب الفلاني سعوا لحظره من قبل الحكومة، وهذا سيدفعهم إلى سوء الظن بديننا. فالمبدأ الذي ظللت متمسكًا به هو أنه يجب علينا إعداد الرد على ذلك الكتاب، مغتنمين المعونة الحقيقية التي تقدمها لنا الدولة، ألا وهي معونة الحرية الدينية، ويجب أن يكون الرد مفحما دامغا يُشعرهم بالندامة على نشر كتابهم. وذلك كما حصل في القضية التي رفعها الدكتور كلارك ضدي، حيث إنهم لما أدركوا أن قضيتهم ليست فيها القوة، وأن دمية سحرهم المصطنع قد تحطمت، لم يقدموا حتى شهودًا كبارًا مثل زوجة آتهم وصهره أيضا. فهذا هو رأيي، وهذا ما يفتي به قلبي، أعني يجب الرد على هذا الكتاب ردًا قويًّا مسكتا، ولكن بأسلوب هو غاية الرفق واللطف، فلن يجرؤوا على ذلك بعدها إن شاء الله .
رسالة الإنذار لشيخ يعقوب علي عرفاني ص ۳۷-۳۸.


 
١٨٩٨/٥/٢
في يوم العيد بعد صلاة العيد، ألقى سيدنا المسيح الموعود تحت شجرة تين الهند بالجانب الشرقي بقاديان بمناسبة "الجلسة بشأن الطاعون" الخطاب التالي:

 الدنيا فانية:

تعلمون جميعا أن الله تعالى قد بين في القرآن الكريم وكذلك أخبر رسولنا في حديثه الشريف أنه كان هناك زمان لم يوجد فيه أثر لشيء من إنسان ولا حيوان ولا دابة ولا طير ولا أرض ولا سماء ولا ما فيهما، وإنما كان ثمة الله تعالى فقط، ولم يكن معه شيء. هذه عقيدة الإسلام.
لقد أخبرنا الله تعالى في القرآن الكريم والحديث أنه سيأتي عصر آخر حين لا يكون مع الله شيء آخر، وسيكون ذلك العصر خطيرا جدا. وإن الإيمان بمجيء ذلك العصر واجب كل مؤمن ومسلم، ومن لم يؤمن به فهو ليس بمسلم، بل هو کافر لا إيمان له. فكما أننا مأمورون بالإيمان بالجنة والنار والأنبياء والكتب وغيرها، كذلك نحن مأمورون بالإيمان بتلك الساعة التي سوف يُنفخ فيها في الصور، ويقضى على كل شيء، ويصبح الجميع من الهالكين. هذه سنة الله وعادته.



ثلاثة أدلة على الآخرة:
لقد استخدم الله تعالى ثلاثة طرق لتقريب فهم ذلك العصر لنا؛ أولها أنه قد منح الإنسان العقل. فلو استعمل عقله قليلا وتدبر لانكشف عليه بكل جلاء أن حياته القصيرة تقع بين عدمين، وأنها لا يمكن أن تكون أبديةً. يستطيع الإنسان معرفة المجهول بالقياس، فمثلا: لو تدبرنا في مصير آبائنا وفكرنا أين ذهبوا، فلا بد لنا من الاعتراف أن سبيلنا جميعا هو السبيل نفسه الذي سلكه آباؤنا. وغبي الذي لا يتعظ ولا يعقل رغم وجود آلاف المواعظ والنماذج أمامه.

من المعروف المسلم به عموما، أن القبور في كل قرية وفي كل بلدة تزداد كل يوم، أما قبور القدامى، فبعضها خفية وبعضها ظاهرة، وقد رأينا في أحيان كثيرة عند حفر بئر في المدن أن العظام تخرج مع التراب، مما يعني أنه توجد في كل مكان في باطن الأرض عموما قبور، وإن لم تكن بعضها ظاهرة، وتدل على الأناس الذين صاروا ترابا. والدليل الثاني الذي قدمه الله تعالى على وجود الآخرة هو أن الخضرة تخرج من الزرع، وتكون جميلة ، ثم يأتي عليها زمن تصفر وتجفّ فيه تدريجيا، ثم تميل إلى السقوط وتكاد تضيع، فيحصدها الفلاح بنفسه لكي لا تتحطم فتذروها الرياح فتضيع. كذلك فإن هذه الدنيا مزرعة زرعها الله تعالى ، وكما أن الفلاح يحصد زرعه ناضجا في بعض الأحيان وغير ناضج في أحيان أخرى، نظرًا إلى النفع والمآل، كذلك تماما نتربى نحن البشر، ثم نحصد كل في موعد أجله، وفقًا لمشيئة الله وإرادته. على المرء أن يتعظ بفعل الفلاح ويأخذ منه العبرة، لأن هذا هو حال حياة الإنسان. فكما أن بعض البذور لا تنمو أصلا، بل تضيع في باطن الأرض، كذلك تضيع بعض الأجنة داخل الأرحام. ثم من البذور ما يضيع بعد بضعة أيام من النماء، فبحسب هذه القاعدة والقانون تماما يصبح الإنسان وليدا وشابا وشيخا ويحصده منجل إرادة الله في موعده المناسب بحسب المصلحة الإلهية، فأحيانا يموت الأولاد في الصغر، فيقال إنهم ماتوا بمرض يسمى اٹھرا - هو مرض يصيب النساء ، حيث لا تحمل المرأة أصلاً، أو تجهض الجنين، أو يموت الجنين، أو يموت الوليد بعد الولادة بفترة. (المترجم) ، كما يموت الشباب ذوو الأبدان الصحيحة القوية، كما يموت الآخرون أيضا بعد أن يبلغوا سن الشيخوخة والهرم.
باختصار، إن ظاهرة القطع والموت هذه جارية في الدنيا، مذكرةً كل إنسان في كل آن أن هذه الدنيا ليست بدار الخلود. باختصار، إن هذا أيضا أحد الأدلة على الآخرة.

 وهناك دليل ثالث قدمه الله تعالى ليفهمنا حَقِيةَ ذلك الزمن، وهو معجزات الأنبياء القهرية التي قلبت العالم رأسا على عقب في آن واحد ومحت أي أثر للناس. إن الإنسان تحت قبضة قهر الله الذي يمكن أن يبيده متى شاء، وهذا هو الأمر الذي قدمه الله تعالى كدليل ، حيث يتفشى بعض الأمراض تفشيا مخيفا وشديدا، بحيث إن الذين قد رأوا تفشيها، يمكن أن يقولوا إنها تكون نموذجًا للقيامة.
ومن هذه الأمراض المهولة: الطاعون الذي قد تفشى الآن في بلادنا، وقد اجتاح مناطق كراتشي ومومبي إلى حد كبير. كما تصلنا أخبار مخيفة عن تفشيه في المناطق الجبلية في بالمبور، وكذلك في كولكوتا. فهذا خطر كبير جدا يجابهنا الآن، ولذلك فإن هدف خطابي إنما هو البيان أن الإنسان عرضة لابتلاءات كبيرة، كما قال الله تعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ﴾ (البقرة: ١٥٦).


معنى نقص الثمرات
وورد في التفاسير أن من معاني نقص الثمرات ضياع الأولاد. كما أنه يعني ضياع الجهود أيضا. فمثلا: تضيع جهود المرء التي يبذلها في العلم أو التجارة أو الزراعة، وضياعها مصيبة كبيرة. يظن الإنسان دائما أنه سيكون من الناجحين، ولكن علم الله ومصلحته تقتضي أن يفشل الإنسان أو أن لا ينبت زرعه، أو تبور تجارته.


الطاعون آية قهرية
يتضح من هذه الآية أن الله تعالى قد جعل أربعة أنواع من الابتلاء: ١: الخوف، ۲: نقصان الأموال، ۳ نقصان الأنفس، ٤ : نقصان الثمرات. ولكن ما يبعث على الخوف والذعر حقًا أنّه قد اجتمعت هذه الابتلاءات الأربعة معًا في مرض الطاعون، ويدرك المطلعون على الأحداث الحالية ماذا يجري في هذه الأيام وما هي المعاناة التي يمر بها البشر. إنهم يعلمون أنه في حالات الطاعون يتعرض البشر لهذه الابتلاءات الأربعة كلها واحدا بعد الآخر. ليس من معاناة هذا المرض أن الإنسان يموت به، بل أيضا قد أصدرت الدولة الإنجليزية قانونا خاصا بهذا الصدد لحاجة اضطرارية وبناءً على بعض المصالح، شأن الأم الرؤوم التي تواجه مثل هذه المواقف الصعبة عند الاعتناء بأولادها ورعايتهم. ويوجب هذا القانون إخلاء البيت الذي تقع فيه حالة الطاعون من أهله كلهم، بل يأمر عند الضرورة الجيران وأهل الحي كلهم بترك بيوتهم، بل يوجب عند الضرورة القصوى إخلاء القرية كلها، لعزل المرضى عن الأصحاء. ويوجب أن يكون المكان الذي يُسكَن فيه هؤلاء المرضى حيث الهواء الطلق والتهوية الجيدة، ويكون بعيدا عن أرض منخفضة بها الماء، وقريبا من المقابر حتى يدفن من يموت منهم بسرعة وبدون تأخير مخافة أن تنتشر العفونة فتسمّم الهواء أكثر. وهذا الأمر في حد ذاته ابتلاء شديد قد سبّب العثار لسكان مومبي وبونا ومناطق أخرى.

باختصار، إن التدابير التي اتخذتها الدولة بحسن النية فعلاً قد اعتبرها الناس سيئةً. ومن المؤسف جدا أن يعدّ المحسَن إليه إحسان المحسِن سيئة. ومما يزيد الحيرة أكثر أن الدولة لم تتخذ هذه التدابير لاحتواء هذا الوباء من عندها، بل قد أجمع أطباء طب الأعشاب على أنّ الطاعون إذا دخل بيتًا فلا يقضي على أهله فحسب، بل قد يمحو المدن والبلاد كلها أيضا. وقد قدم الأطباء نظائر كثيرة على ذلك، حيث إن وباء الطاعون الفتاك لم يبرح حتى حوّل العمران خرابا. وهذا أمر لا يعرفه كثير من الناس.
ومما يؤسفني أنه رغم تفشي هذا المرض الفتاك بسرعة وتهديده بالقضاء على مناطق واسعة من البلاد، إلا أنني لا أرى الناس قد أصابهم ذلك الهم الذي يقيم المرء ولا يقعده، والذي يدفعه الى التوبة والاستغفار. لا أراهم يبكون أمام الله ويبتهلون ويداومون على أداء الصلوات. وبحسب ما رأيت، فيُرتكب أنواع الظلم وسوء الأخلاق في كل مكان.
من عادة مرض الطاعون أنه ينتشر ويصل كالطير إلى الأماكن الأخرى. ولا يكون في سرعته نظام بحيث يصل من مكان إلى مكان تدريجيا، بل يقفز فجأة من مكان إلى مكان يقع على بعد ٥٠٠ أو ٦٠٠ ميل أو أكثر. ويمكنك إدراك ذلك بالنظر إلى ما حصل في مومباي وجالندهر مثلا، حيث توجد بينهما مسافة بعيدة. فهل يستطيع الإنسان تحديد نظام سرعة هذا المرض للوصول إلى جالندهر؟ باختصار، لا يمكن تحديد سرعة هذا المرض. وإذا مرَّ اليوم بعافية فلا تدري ماذا يخفيه لك الغد. إنه مرض فتاك جدا، وتكون نوباته طويلة جدا، وقد تطول أحيانا ٦٠ سنة. وهذا أمر معروف ومسلم به. إن الطاعون ليس كمرض الهيضة الذي يتفشى في شهري يوليو وأغسطس، وتنتهي نوبته بعد عشرين يوما أو خمسة وعشرين. لقد ألقى الأطباء على هذا المرض القاتل اسم الطاعون، لأن فعله كطعن الرمح. والطاعون صيغة مبالغة، ومعناه المرض الذي لا تطيش سهامه، ويكثر به الموت جدا.
وقد ورد ذكر الطاعون في التوراة أيضا، وقد تفشى في اليهود في زمن موسى. وهو المراد، حيث ذكر الله تعالى عذاب الدمامل والثآليل في التوراة. وقد ذكر القرآن الكريم أيضا إهلاك اليهود بالطاعون لعصيانهم.



سبب تفشي الطاعون
والتدبر في تلك الأماكن من التوراة والقرآن الكريم يكشف أن مرض الطاعون ذو علاقة بعصيان الناس وفواحشهم، إذ يتضح من سنة الله أن الأمم الغابرة قد هلكت عند عصيانها بهذا المرض نفسه. إن الطاعون آية قهر الله تعالى. وكما بينتُ من قبل إنه ثالث آية على وجود القيامة. إن الطاعون يُحدث قيامة صغرى. لعل الذين يجهلون الأمور يعتبرون ما سأذكره خرافة، ولكن الحق أن هذا المرض لما تفشى في أوروبا وبلاد الشام والعراق والعجم، فكان اتخذ تلك البقاع وطنا له. أما بلادنا، فهذا المرض جديد فيها، لذلك يجهل أهلها صفات هذا المرض وطبيعته. من ناحية، إن هؤلاء غافلون عن الله وغير خائفين منه، لا يتوبون ولا يستغفرون، ومن ناحية أخرى، لا يعملون التدابير الوقائية التي تقترحها الدولة، بل يسيئون بها الظنّ ، ويثيرون
الضجة معارضين.
أقول والحق أقول: ليس دأبنا مدْحَ أحدٍ مداهنة. إن مبدأ العزل بين مرضى الطاعون والأصحاء، وإغلاق مداخل ومخارج القرية المجتاحة بالطاعون، وإسكان المرضى في مكان مفتوح، وإخلاء سكان القرية كلها أحيانًا وكأنهم مطرودون منها، لمبدأُ نافع وضروري جدا.
يتضح من صحفنا والتوراة أيضا، أنّ مادة هذا الطاعون تبدأ من الأرض. يظن الناس أنّ هذا المرض يتفشى بواسطة الفئران، لا جرم أنها أحد أسباب تفشي الطاعون، ولكن الحق أن الأرض التي تصبح ملعونةً بارتكاب الفواحش والظلم، يتولد فيها هذا السّمّ، ويحيط بها العذاب بطرق مريعة جدا. ولكن ، هلا أخبرني أحد، هل أخطأت الدولة حين أمرت بترك البيت الذي يهاجمه الطاعون. العاقل لا يليق به أن يسيء الظن بعمل فيه خيره وصلاحه، وكما قلت آنفا: إن الدولة لو أمرت المطعون بأن لا يخرج من بيته لاستاء الناس من ذلك أكثر من استيائهم إذا ما أُمروا بترك البيت المضروب بالطاعون، ذلك أن الطاعون حين يتفشى في قرية ويموت أهلها ، فلن يطيق أحد البقاء في بيته . ألا ترون أنه إذا خرج الثعبان في بيت خاف أهله الدخول فيه، بل لو قُتل الثعبان فأيضا لا يدخلون في ذلك البيت عند الظلام. هذا هو طبع الإنسان، فمن المحير أن يكون الإنسان مطلعا على خطر في مكان، ثم يسكن فيه مطمئنا مرتاحا . هل يجلس أهل البيت مطمئنين فيه مع موتهم واحدا تلو الآخر؟ كلا، بل سيخرجون منه فورا بأنفسهم ويبتعدون عنه باعتباره بيتًا منحوسا. ولو أن هؤلاء تركوا وشأنهم ولم تتدخل الدولة في أمرهم، لفعلوا بأنفسهم ما تأمرهم به الدولة الآن. الحقيقة أن الناس ليسوا مطلعين على ويلات مرض الطاعون، بل يعدونه مرضًا بسيطا كالرشح والزكام.



الطاعون عذاب:
لقد سماه الله رجزا، ومن معاني الرجز العذاب. وورد في القواميس أن هذا المرض يبدأ في أعلى فخذ البعير ، حيث تتولد هناك دودة تسمى النغف. ونستنتج من هذا أمرًا لطيفا، وهو أن في فطرة البعير نوعًا من التمرد، والإنسان الذي يصاب بالطاعون يكون مصابا بالتمرد، فعندما يصاب الناس بالتمرد يصيبهم هذا العذاب الأليم. ومن معاني الرجز: الدوام ، كما ورد في القواميس ومرضُ الطاعون أيضا يدوم، ولا يخرج من البيت إلا بعد أن يرحل أهله كلهم من الدنيا، وهذا يبين أن هذا البلاء يكنس البيوت ويجعل الأولاد أيتاما ، ويحوّل كثيرا من النساء الضعيفات أرامل.



البيئة غير الصحية أيضا سبب انتشار الطاعون :
ثم إن التدبر في معنى الرجز يبين أن هذا المرض يتولد من الرجس والدنس وعدم الطهارة. والأماكن التي لا تنظّف جيدا وتكون جدرانها سيئة المنظر كالقبور، ولا يدخلها الضوء ولا الهواء، تتولد فيها العفونة السامة، فيتولد مرض الطاعون. ورد في القرآن الكريم : وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (المدثر : (٦) ، والرجز هو الرجس بكل أنواعه، والهجر 
يعني الابتعاد ، مما يبين أن الذين يريدون الطهارة الروحانية، لا بد لهم من النظافة والطهارة الظاهرة أيضا، لأنّ إحدى القوى تؤثر على القوة الأخرى، وأحد الجوانب يؤثر على الجانب الآخر.



تأثير الطهارة الظاهرة على الباطن
للإنسان حالتان، والذين يريدون نيل الطهارة الروحانية يراعون الطهارة الظاهرة أيضا. وقال الله تعالى في آية أخرى: إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) (البقرة: (۲۲۳)، أي أن الله تعالى يحب الذين يريدون الطهارة الروحانية والنظافة الظاهرة أيضا إن النظافة الظاهرة تساعد على الطهارة الروحانية، ولو تركها الإنسان ولم يتطهر بعد التغوط، فلن ينال من الطهارة الروحانية شيئا. تذكروا أن النظافة الظاهرة شرط للطهارة الروحانية، لذلك من واجب المسلم أن يغتسل يوم الجمعة على الأقل، ويتوضأ عند كل صلاة ، ويستخدم الطيب عند صلاة الجماعة. وقد جاء الأمر بالتطيب في العيدين ويوم الجمعة للحكمة نفسها. الواقع أن اجتماع الناس فيه خطر العفونة، والاغتسال ولبس اللباس النظيف والتعطر، كل هذه تحول دون تولد العفونة السامة، وكما أن الله تعالى جعل هذا القانون هنا، فقد جعل لما بعد الموت أيضا قانونا مماثلا.



خواص الكافور
إن من السُنَّة استخدام الكافور عند غسل الميت، ذلك أن الكافور يقتل الديدان الوبائية ويزيل السموم ويسبب البرودة للإنسان، ويحول دون انتشار كثير من الأمراض الناشئة من العفونة، ومن أجل ذلك ، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا ﴾ (الإنسان (٦، وتؤكد البحوث المعاصرة أن الكافور كما هو مفيد في الهيضة، فإنه نافع جدا في الطاعون أيضا. وها إني أخبر جماعتي أن الكافور نافع جدا، وهذا هو إيماني، لأن القرآن الكريم يخبرنا أن الكافور يزيل الحرقة ويُسكّن القلب وينعشه، وقد رغبنا الله تعالى في استعمال الكافور. وقد ثبت منه في هذه الأيام أمر آخر، وهو أن استعمال الكافور مع الكركم الأبيض يكون نافعا جدا. يخلط الكركم الأبيض في الخل، وتصنع أقراص بمقدار اثنين من الرتي -الرتي وحدة ميزانية تساوي ۱۲۲ ميليغرام تقريبا. (المترجم)-، ويؤخذ قرص واحد باللبن الرائب الممزوج بالماء. وإذا استعملت النساء والأولاد هذه الأقراص يوميا نفعتهم نفعًا كبيرا. نحن أيضا نعمل على تركيب دواء للطاعون ، وسوف يكون ناجعا جدا بإذن الله تعالى. الحق أن هذا المرض فتاك جدا ، بحيث إن الاعتماد على  علاج واحد خطأ كبير، إلا أن يشملنا فضل ربنا. ولكن الوقاية أمر جيد ومفيد جدا بحسب الأسباب العامة والمبادئ الصحية، فالأحرى الاحتراز مما فيه العفونة والسُمّية، ومن الأغذية التي تزيد من الدورة الدموية ككثرة اللحم والحلويات، والتعرض الكثير للشمس، وبذل الجهد الشاق. فتجنب هذه الأمور في هذه الأيام أفضل.


لا مانع من الأخذ بالأسباب:
لم يمنع شرعنا الإسلامي من اتخاذ الأسباب. سأل شخص النبي صلى الله عليه وسلم وقال: هل نتداوى؟ فقال: نعم ، عليكم بالتداوي، فإن الله لم يخلق داء إلا وخلق له دواء. غير أنّ الحقيقة أن لا أحد من الأطباء يستطيع الادعاء أن دواء كذا وكذا سوف ينفع حتما. لو كان الأمر كذلك لما مات أحد . فعلى الأطباء أن يكونوا متقين، وعليهم أن يداووا المرضى ويَدعوا لهم أيضا، ويكثروا الدعاء في حالة الانفراد. إن الذين استكبروا أذَلَّهم الله تعالى. ورد أن جالينوس كان يدعي كثيرا بعلاج الإسهال، ومن غرائب قدر الله تعالى أنه مات بالمرض نفسه، كذلك قد مات بعض الأطباء، وبعضهم غادروا هذه الدنيا بمرض الدق أو بمرض الشل.


يجب التوكل الكامل على الله وحده
قصدي من هذا البيان ، أن الله تعالى قد كشف حقيقة دعوى هؤلاء الأطباء وفضحهم فيما تباهوا فيه. لقد لقوا الذل والفشل فيما ادعوه. فثبت أنه لا يليق بالإنسان أن يدّعي بأي شيء. كان والدي المرحوم طبيبًا شهيرا ذا خبرة خمسين سنة، وكان يقول: ليس هناك أية وصفة يقينية. والحق أنه لا يحدث شيء إلا بإذن الله تعالى. فالسعيد من يتوجه إلى الله تعالى، على المرء ألا يغتر بعقله وذكائه عند حلول المصيبة، ولا يعتمد على غير الله تعالى. إن العوارض الخفيفة أيضا تشتدّ في لمح البصر. أحيانا يعالج الطبيب القلب وتقع الآفة على الدماغ، وحينًا يعالج البرد ويصاب المريض بالحرّ. فمن ذا الذي يستطيع أن يتحكم في هذه الأمراض؟ لذا، يجب التوكل على الله توكلا كاملا. متى يقدر الإنسان على إحصاء هذه الجراثيم والسموم المتنوعة ؟ لا يستطيع الإنسان حتى إحصاء الأمراض أيضا. قد ورد أن عدد أمراض العين وحدها نحو ۳۰۰۰ مرض. ومن الأمراض ما يقضي على الإنسان، والطبيب لا يزال يكتب الوصفة له.
لقد رأينا في هذه الأيام أن الناس عائشون في منتهى الغفلة والاستغناء عن الله تعالى. القبور تُحفر، والملائكة تهيئ أسباب الهلاك، والناس يحصدون حصدا، ومع ذلك لا يرعوي الجاهلون. إن وباء الطاعون متفشّ على بعد حوالي مئة ميل من قاديان. ولا شك أنه قد خفت وطأته نتيجة ارتفاع درجة الحرارة، ولكن من يضمن أنه لن يعود في السنة التالية بعد أن خف في أيام الحر ؟ لقد علمتُ بالوحي بضع مراتٍ وأيضا بالرؤيا أن هذا الوباء سوف يتفشى في هذه البلاد بشدة. وقد سبق أن نشرت أن هناك أشجارا سوداء تُزرع ، فسألت الزارعين عنها، فقالوا: إنها أشجار الطاعون. وهذا الأمر خطير جدا.


أنباء الوعيد يمكن إلغاؤها بالتوبة والاستغفار:
كذلك قد أخبرتكم أن أنباء الوعيد يمكن أن تلغى بالتوبة والاستغفار، حتى أن وعيد جهنم أيضا يمكن أن يلغى . لو رجع الناس إلى الله تعالى وأنابوا إليه، فسوف يحفظ هذه البلاد والمنطقة إن شاء. إنه يفعل ما يريد، ولكنه يقول أيضا : قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ)) (الفرقان: ۷۸).. أي: قل للناس: إذا لم تعبدوني، فلماذا أكترث بكم؟ يقول الناس: الأطباء موجودون في كل شارع ومكان والمشافي مفتوحة، وسوف يُشفون بالتداوي والعلاج، ولكنهم لا يدرون أنّ كبار الأطباء أنفسهم في مومبي وكراتشي قد أصيبوا بهذا المرض وماتوا، وأنّ المسؤولين المشرفين على مداواة مرضى الطاعون صاروا فريسة لهذا المرض. هكذا يُري الله تعالى قدرته وسلطانه. إن الاعتماد على الأطباء وعلاجهم ليس عقلا وفطنة. إن الله تعالى يريد بذلك أن يؤمن الناس بعالم الآخرة أيضا. فليغيّر الناس مشيئة الله إن استطاعوا يخطط الإنسان للحصول على شبر من الأرض ويتآمر ويتكبد عناء رفع القضايا وإنفاق الأموال، فليفكّر: هل يجد في نفسه مثل هذا القلق والكرب في سبيل العمل بأحكام الله تعالى؟ كلا، ليس الأمر هكذا.
عندما يصاب الإنسان بأمراض خطيرة ، يدعو ربه، فيمهله الله اختبارًا له، فيعود الإنسان إلى حيله ومكايده مرة أخرى، وكأنه لن يموت. إن موت البعض بأمراض عادية يولّد الآن في قلوب الناس خوفا قليلا جدا يزول بعد يومين أو أربعة، حيث يعودون بعدها لما كانوا فيه من قبل من سخرية واستهزاء وزخرف القول. يذهبون إلى المقابر، ويدفنون موتاهم بأيديهم، ولكنهم لا يفكرون أبدًا أنهم هم أيضا سيموتون ويحضرون لدى الله في يوم من الأيام. ولذلك قد رأى الله تعالى أن حالات الموت القليلة لا تؤثر في الناس شيئا. ربما يموت في أمرتسر ولاهور ستون أو سبعون شخصا كل يوم، وربما يموتون في كولكتا أكثر من ذلك، وهذا المشهد في حد ذاته يبعث على الخوف، ولكن من ذا الذي يفكر في ذلك؟ يقول الإنسان قصير التفكير :إن موت هذا العدد هو نظرًا إلى عدد السكان الكثيرين، لذا، فهو لا يبالي بموتهم مطلقا. فلما رأى الله تعالى أن الناس لا يعتبرون بموت الآخرين شيئا، فقد استخدم الآن وصفة أخرى، وأراد تنبيههم وتحذيرهم بموت الطاعون. لذلك أوصيكم ألا تقولوا لا بد أن يحصل الآن ما هو مقدَّر، مخافة أن تسخطوا الله تعالى بهذا القول، وتخطئوا الدولة أيضا.

ما الفائدة من تشويه سمعة الدولة؟ إنما جاء الطاعون نتيجة سوء أعمالكم أنتم، وقد حلت الآفة بالدولة أيضا بسببكم.

الإجراءات الحكومية في أيام الطاعون صحيحة:
 إذا كانت الدولة لا تواسيكم مواساة صادقة ، فلماذا تنفق هذه الأموال الطائلة احتواء لهذا الوباء؟ ولماذا تفتح المشافي وترسل الأطباء، وتأمر آلاف رجال الشرطة بالإشراف على هذا النظام؟ هل تتحمل كل هذه النفقات الباهظة عبئًا؟ كلا، بل أصبحت الدولة قلقة كالأم الرؤوم برؤية مأساة أهل البلاد.
الحق أن الدولة أيضا من الرعايا. لعل الناس لا يعلمون أنه قد ورد في الحديث الشريف أن الناس سيموتون بالطاعون يوم القيامة. ومع أن أقوال المنجمين ليست ذات بال، لكن المنجمين من الهند وأوروبا يقولون أنه في نوفمبر ١٨٩٩ ستجتمع النجوم وسيأتي وقت مخيف. نحن لا نبالي بما يقول المنجمون مطلقا، ولكن ما يحزنني أن إلهاماتي أيضا تنذر بأيام مخيفة في فصلي الشتاء القادمين، اللهم إلا أن يعود الناس إلى سواء السبيل، ويرجعوا إلى الله تعالى، ويتنكبوا عن سبل المعاصي والفحشاء والسرقة والرشوة وكل نوع من الخداع والسيئات، ويتبعوا سبيل الخير ويجتنبوا المعاصي كليا. وإلا ،فهناك خطر كبير، وينتظرنا مشهد مخيف ومهول جدا. أخبروني الآن ما ذنب الدولة في ذلك؟ لذا أنصحكم وأقول: لا يليق بجماعتنا خطوات الجاهلين وتسلك مسلك الحمقى وقصيري النظر. ها إني أؤكد لكم أن التعليمات التي أصدرتها الدولة نافعة جدا لصحة الناس. لقد ورد في تاريخ الطبري الذي كُتب قبل ألف سنة وغيره من كتب تاريخنا أن وباء الطاعون تفشى في الجيش الإسلامي لما كان في الشام في عهد عمر، واضطر الجيش المسلم للالتجاء إلى الجبال، فثبت من هنا أن هذه الوصفة لم تخترعها حكومتنا فقط، بل هذا ما عمل به أهل الإسلام في السابق. فكما أن الجيش المسلم ترك الأرض السهلة المنخفضة وصعد إلى الجبال، كذلك يجب نقل مرضى الطاعون من البيوت في المناطق المنخفضة ذات الرطوبة العالية إلى السهول المفتوحة. لقد ركز ابن سينا على هذا الأمر فقال: يجب تنظيف البيوت الموبوءة بالطاعون، إذ لن تزول النتيجة ما لم يتم إزالة السبب. ماذا عسى أن يفعله الطبيب؟ غاية ما يفعله أنه يعطي حبة أو حبتين من الدواء، ولكن العفونة التي تدخل في جسم الإنسان عبر التنفس ماذا سيعمل معها الدواء؟ وكيف يمكن مداواة المصاب بالطاعون ما دام يسكن في مثل هذه البيوت. الحق أن الناس لم يروا قوما يموتون بالطاعون، إذ الواقع أن المكان الذي يموت فيه المطعون يمتلئ عفونة، بحيث لا يستطيع الإنسان أن يتنفس فيه نَفَسًا واحدا جراء العفونة الشديدة، فإساءة الظنّ بالتدابير الوقائية التي اتخذتها الدولة فكرة نجسة. إن فكرة الدولة هذه لتفادي مرض الطاعون صحيحة تماما، لذا فمن واجب جماعتنا أن يساعدوا الدولة في هذا الأمر، وينصحوا أصدقاءهم وجيرانهم وغيرهم، سواء من الهندوس أو المسلمين، ويزيلوا ما عندهم من سوء فهم. فقد أشاع البعض أن الدولة إنما أعطت هذه التعليمات لقتل الرعية. ألا يسأل أحد هؤلاء الأغبياء: هل الدولة تنفق هذه الملايين لقتل الناس فقط ؟ وهل هى تحب مكابدة كل هذه النفقات الباهظة؟


ما هو الطاعون؟
الحق أنّ الطاعون مرض فتاك جدا علينا أن نفهم أولاً ما هو الطاعون؟ إنه نوع من الحمى الشديدة التي يصحبها الإغماء والغثيان والصداع والنسيان والرعدة الشديدة والقلق والخوف. ثم بعد أيام، يظهر دمّل في أصل الفخذ أو في الرقبة أو وراء الأذن، ويكون هذا الدمل صغيرا حينًا وكبيرا حينًا ، ثم يصاب المريض بالسرسام، وفي أغلب الأحيان تظهر هذه العوارض خلال ٢٤ ساعة فقط. وعموما يصعب على الدولة معرفة مثل هؤلاء المرضى، لأن أهل المريض لا يبالون به لمدة ٢٠ أو ٢٢ ساعة ظنَّا منهم أنها حمى عادية، ثم بعد ظهور أعراض الطاعون يحاولون إخفاءها، فلا يطلع مسؤولو الحكومة إلا بعد أن يكون المرض قد بلغ منتهاه. وفي هاتين الساعتين الأخيرتين ماذا سينفع العلاج؟ فلا بد أن يموت بعد أن يصل المشفى. فالحق أن الناس من حمقهم وجهلهم يتهمون الدولة جراء خطئهم .هم. إذا كان هناك خطأ وتقصير من الدولة، فمن حقكم أن تُظهروه، أما اتهامها بخطئهم هم فهذا لا يجوز. مما يدل على عظيم حسن نية الدولة ونصحها للرعايا أنها بنفسها استشارت علية القوم أولاً، ثم اتخذت هذه الإجراءات الوقائية، ولكن أهل بلادنا شبه وحشيين وجهال، فليس منهم إلا الغضب أو سوء الظنّ ورمي الدولة بأخطائهم من دون تفكير. ليت مئات هذه الجمعيات والمؤسسات القائمة في بلادنا في هذه الأيام تهتم بهذا الأمر وتسعى لإزالة سوء الظن بالدولة من قلوب هؤلاء الجهال، ولو فعلوا ذلك لأسدوا للإنسانية معروفا كبيرا.
تنامون غافلين، وليس عندكم خبر بأهل بلادكم المنكوبين الذين يعانون معاناة كبيرة. إن الأموال التي تنفقها الدولة لإنقاذ رعيتها الحبيبة من هذه المصائب لو أمرت الدولة أهل كل قرية بجمع هذه الأموال من عند أنفسهم وإنفاقها على هؤلاء المرضى لما رضي أحد بإنفاق قرش واحد من عنده. لقد بدأت بتركيب دواء للطاعون، وجزى الله شيخ رحمة الله خيرا، الذي قد أنفق لإنجاز هذا العمل الخيري ۲۰۰ روبية عن طيب خاطر. لقد وضعتُ في الحسبان أسباب هذا المرض جيدا لإعداد هذه الوصفة. الحق أنّ لهذا المرض شُعَبًا كثيرة، وعلى الطبيب أن يراعيها كلها. إن الأغذية الرديئة والرياح السامة تساعد على تفشي هذا المرض وتحوله خطيرا. تهب من الأراضي المنخفضة رياح مسمومة تدخل في الإنسان عبر التنفس أو الغذاء ، وتولّد في دمه السم والعفونة.
البحوث المعاصرة تؤيد الإسلام. لقد أثبتت البحوث المعاصرة أنّ الطاعون يبدأ من ديدان أو جراثيم. وإنني أحب هذه البحوث، لأنها تدل على عظمة الرسول وصدق الإسلام. حيثما ذكر الطاعون في الحديث الشريف سمي النغف، والنغف دودة تخرج من أنف الماعز والبعير ، وسميت طاعونا . يتباهى الناس بالبحوث المعاصرة كثيرا، ولكن كم يستمتع من قد قرأ الكلام المقدس لمؤسس الإسلام المقدس حين يرى أن ما خرج من شفاه هذا الرجل المباركة قبل ۱۳ قرنا قد تحقق، والقرآن أيضا قد سمى الطاعون دودة.
فيا أيها المتباهون بالبحوث الجديدة، أنصفوا الله ،وبينوا، كيف يكون من افتراء البشر الدينُ الذي بيّنَ في الماضي مثل هذه الحقائق التي توصل إليها الناس بعد ١٣ قرنا بعد تكبد العناء وبذل جهود مضنية وبحوث حثيثة دؤوبة؟ هذه هي المعجزات العقلية للقرآن الكريم والنبي .

ثم انظروا الى شيء آخر، أعني القلب. القلب هو ذلك العضو المعروف، كما القلب الشيء الذي يقلّب غيره أي يُدَوّره. ودوران الدم متوقف على القلب. لقد اكتشفت البحوث المعاصرة نظام دوران الدم بعد مدة طويلة ببذل جهود مضنية ومعاناة كبيرة، ولكن الإسلام قد ركز على هذه الحقيقة وحفظها قبل ۱۳ قرنا من
اليوم بتسمية هذا العضو قلبًا.


أسباب الطاعون
أعود ثانيةً إلى الموضوع الأساس، وأقول: إن السبب الثاني هو عدم النظافة، والسبب الثالث السُّمِّية، والرابع الحمّى والخامس الدمامل. وهناك اختلاف فيما إذا كانت الدمامل هي السبب الأصلي للطاعون أم الحمى؟ يرى عامة الأطباء أن الحمى هي السبب الأصلي، ولكن علماء طب الأعشاب يرون أن الدمامل هي السبب الحقيقي. وأرى أن الرأي الأخير هو الأصح، لأن التوراة أيضا تذكر الدمامل والثآليل. غير أنّ الحمى أيضا متلازمة. أحيانا يصاب المريض بالحمّى، وأحيانا لا يصاب بها، بل يموت قبلها. باختصار، إن أصل هذا المرض ليس الحمى، بل الدمامل ، ولو شُقَّت وأخرج منها القيح، لخفت الحمّى وتماثل المريض للشفاء.

المهم ، إن الطاعون مرض مهلك ومخيف جدا، لذلك لا مناص من أن تكون التدابير الوقائية منه أيضا قوية وصارمة جدا، ولكن لما اتخذتها الدولة نتيجة مواساتها وعطفها الصادقين على الرعية ، تعرضت للتشويه ، ومن منطلق حسن نيتي وصدق مواساتي التي ألقى الله في قلبي للإنسانية، قد تدبرتُ في جميع التعليمات والاقتراحات التي نشرتها الدولة لمرضى الطاعون، فوجدتها كلها جيدة ونافعة جدا، وأقول هذا غير خائف من لومة لائم. وهذه التعليمات هي أن يتم إخلاء البيت، بل الحي كله عند الضرورة، وفصل المريض عن الآخرين. وهذا عين الصواب ومناسب جدا. أما الذين يقولون أنه لو فصل الولد المصاب بالطاعون عن والديه طبقا لهذه التعليمات فسيموت حتمًا، فليعلموا أن الآباء يمكن أن يعيشوا مع هذا الولد المريض، إلا أنهم سوف يخضعون لكل القيود التي تفرض على المرضى باعتبارهم من المرضى. وإنما الأعمال بالنيات، ونية الدولة في هذه الحالة حسنة تماما ، وهي لا تريد فصل الناس بعضهم عن بعض من دون مبرر.



طاعة أولي الأمر
لا أفهم، ما هي الفائدة التي يمكن أن تجنيها الدولة بفصل المرضى عن أهليهم! ليس هذا إلا سوء الظن بالدولة. قال الله تعالى في القرآن الكريم : أَطِيعُوا الله وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ)) (النساء: (٦٠) ، حيث أمرنا صراحة بطاعة أولي الأمر. وإن قال قائل بأن الدولة لا تدخل في (مِنْكُمْ) ، فهذا خطأ صريح منه. الأمر الذي تأمر به الدولة بحسب الشرع يُدخله الله في "منكم". مثلا : إن الذي لا يعارضنا هو مندرج في "منكم". والثابت من القرآن الكريم إشارة نص أن على المرء طاعة الدولة والعمل بأوامرها. كان لزاما على المسلمين عامةً أن يبعثوا بمذكرات شكر للدولة على الإجراءات التي اتخذتها للوقاية من الطاعون، ولكنهم للأسف ينكرون الجميل بدل الشكر عليه ، لا نرى هناك أي سبب معقول لسخطهم على ما فعلته الدولة، إلا قولهم أن الأطباء يجسّون نبض النساء. وأقول في الجواب: أولا: قد تداركت الدولة هذا الأمر، وقد عينت الممرضات اللواتي يفحصن النساء. وثانيا: حتى لو لم تتخذ الدولة هذه الخطوة الاحتياطية، فلا مجال للاعتراض على ذلك، إذ لا يجوز الإفراط في الحجاب لهذه الدرجة في هذا الوضع الذي ينزل فيه القهر الإلهي ، ويموت آلاف الناس. يقال أن زوجة أحد الملوك ماتت ذات مرة، ولم تكن هناك نسوة لرفع جثمانها من البيت، وتقول القاعدة الشهيرة "الضرورات تبيح المحظورات"، فرفع الرجال جثمانها، إذ لا حجاب في هذه الحالة. وورد في الحديث الشريف أن الرجل يمكن أن يساعد المرأة في الولادة عند الضرورة. الحق أنه لا حرج ولا مضايقة في دين الإسلام. إن الذي يريد أن يأتي بالحرج من دون داع فإنما يخترع شرعا جديدا من عنده .

ثم إن الدولة أيضا لم تجعل حرجا فيما يتعلق بالحجاب، بل قد وضعت قواعد سهلة جدا. فهي تستمع لكل ما يقدمه الناس من اقتراحات وتعديلات وتدرسها بحسب المقتضى والمصلحة ، هلا أخبرني أحد أين جاء النهي عن جس نبض المرأة وهي في الحجاب!


اسلكوا سبل السعادة والخير
على المرء أن يتوجه إلى الصلاح والتقوى، ويسلك سبل السعادة والخير، وعندها يمكن أن يصلح الأمر. إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ (الرعد: (۱۲). إن سوء الظن بغير حق والإفراط في الأمر سخيف جدا. إنما الأحرى بالقوم أن يرجعوا إلى الله تعالى ويصلُّوا ويؤدوا الزكاة ويتجنبوا هضم الحقوق وارتكاب الفواحش من المؤكد تماما أنّ ارتكاب الشخص الواحد السيئة يؤدي أحيانا إلى هلاك كل البيت وكل المدينة. فاجتنبوا السيئات، لأنها هي سبب الهلاك. هناك في محافظتي جالندهر وهوشیاربور قرى عديدة قد ضربها الطاعون الآن، فلماذا تتهاونون في الحذر من هذا المرض؟ لا تسيئوا الظنّ بالدولة جهلاً منكم، وإذا كان بعض جيرانكم يسيء بها الظن فاسعوا لرفع سوء ظنه وانصحوه. حَتّامَ يبقى الإنسان في الغفلة ويتمادى فيها؟ خافوا ذلك اليوم الذي يحل فيه هذا الوباء دفعةً واحدة ويُهلك الجميع. ورد في الحديث الشريف أن الدعاء قبل نزول المصيبة مجاب، أما بعد وقوعها ، فكل إنسان يدعو ويرجع إلى الله تعالى. إنما سعادة المرء أن يدعو الله تعالى في حالة الأمن، عليه أن يتعظ بالذين قد أحدق بهم هذا الخطر. هذا المرض متفشّ في قرية قريبة جدا من هنا، ويمكن أن يتخذ كل إنسان العبرة بمعرفة أحوالها. لقد تفاقم هذا الوباء في جالندهر إلى حد كبير، ولكنه أخف نسبيا في محافظة هوشياربور، إلا أنني لا أرى أنه سوف يزول نهائيا.



واظبوا على الصلوات بدون انقطاع:
 إن فصل الشتاء على الأبواب، فيجب أن تلوذوا بملاذ الله منذ الآن، وواظبوا على الصلوات بلا انقطاع ، إن بعض الناس يصلون صلاة واحدة ، عليهم أن يتذكروا أن لا أحد يُعفى من الصلوات، حتى إن الأنبياء لا يعفون منها. ورد في الحديث الشريف أن نفرًا حديثي عهد بالإسلام جاءوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله، أَعْفِنا من الصلاة، فقال : لا خير في دين لا عمل فيه. فتذكروا هذا الأمر جيدا، واعملوا بأحكام الله تعالى. لقد قال الله تعالى إن من آياته أن السماوات والأرض قائمة بأمره، أحيانا يقول الذين يميلون إلى الطبيعيات أنّ المذهب الطبيعي هو الأحق بالاتباع ، إذ ما الجدوى من التقوى والطهارة إذا لم يعمل الناس بمبادئ الصحة؟ فليكن واضحا أنّ من آيات الله تعالى أن الأدوية لا تجدي شيئا في بعض الأحيان، كما لا تنفع مبادئ الصحة أحيانا، فلا الدواء ينفع ولا الطبيب الحاذق يغيث عندها، ولكن ، إذا كان هناك أمر من الله تعالى يصلح ما فسد أيضا.

اختبار إبراهيم
انظروا إلى اختبار إبراهيم ، إذ أمر بأن يأخذ ابنه وزوجته بعيدا من كنعان ويتركهما هناك. كان مكانا خرابا يبابا غير ذي زرع ولا ماء، وعندما وصل إليه إبراهيم، دعا الله تعالى قائلا: رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ (إبراهيم (۳۸) كانت سارة تريد أن يموت إسماعيل، فقالت لإبراهيم أن يتركه في مكان غير ذي زرع، فاستاء إبراهيم من قولها، ولكن الله تعالى قال لإبراهيم، عليك أن تنفذ ما تقول سارة، ولم يقل الله ذلك احتراما لقولها. وكانت سارة قد أخرجت هاجر من البيت من قبل أيضا، وكان ملاك الله قد تكلم مع هاجر في تلك المرة أيضا، لأن الله تعالى يكلم غير الأنبياء أيضا بواسطة الملك. فالحق أن الله تعالى قد تكلم مع هاجر مرتين . باختصار، نفّذ إبراهيم أمر الله تعالى وأخذ معه هاجر وابنها وشيئا من الماء والتمر، وتركهما في ذلك المكان الذي فيه مكة الآن. وبعد أيام، نفذ التمر والماء، وأخذ إسماعيل يضطرب من شدة العطش. لم ترد هاجر أن ترى ابنها يموت أمام عينيها هذه الميتة الأليمة، فجرت هنا وهناك في ذلك الجبل عدة مرات لعلها ترى قافلة تمر من هناك، فصعدت الجبل وأخذت تبكي وتستصرخ. كان لها ابن واحد فقط في ذلك الوقت، ولم يكن معها زوجها حتى تأمل في ابن آخر، وكأنها كانت كالأرملة. فناداها الملاك عند بكائها وصراخها وقال : هاجر هاجر. فنظرت يمنة ويسرة فلم تر شيئا. فرجعت إلى الوليد فرأت عين ماء تجري بجانبه، وكأن الله تعالى أحياه من الموت ثانية. وقال النبي : لولا أن الله تعالى منع ماء تلك العين من الانتشار لملأ البلاد كلها.
قصدي من ذكر هذه الواقعة هو أن الله تعالى يري آيات قدرته على هذا النحو في أماكن لا أكل فيها ولا ماء، فآية خروج الماء هذه أحيث إسماعيل، أما الماء الذي نشره الله تعالى على يد النبي ، فقد وصفه الله بقوله: ﴿اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا (الحديد: ۱۸)، مما يعني أن ذلك الماء أحيا العالم. إنما قصدي من سرد هذه القصة أن أبين أن الله تعالى قد هيّأ سبيلاً للنجاة في مكان لم توجد فيه أسباب الحياة في الظاهر، والله تعالى يعلن بأن السماوات والأرض قائمة بأمره. ففكّروا كيف جعل الله في تلك البرية التي كان يشتد فيها القيظ جدا، ولم يوجد فيها أثر للبشر - بركةً عظيمة، حتى إن ملايين الناس يفدون إليها، ويوجد فيها أناس من كل قطر وشعب، وميدان الحج الذي يحتشد فيه الناس هو ذلك المكان الذي كان غير ذي زرع ولا ماء. أحدثوا تغييرا في حياتكم. الحق أن الله يفعل ما يريد، ويحوّل الخراب عمرانا والعمران خرابا. ماذا فعل الله ببابل؟ المكان الذي أراد الإنسان أن يكون عامرا ، حوَّله الله خرابا يزعق فيه البوم، أما المكان الذي أراد الإنسان أن يكون خرابا فجعله الله مرجعا للناس. فتذكروا جيدا أن الاتكال على الدواء والتدبير بدون الاستعانة بالله حماقة. غيّروا حياتكم حتى تبدو حياةً جديدة، واستغفروا كثيرا. إن الذين تشغلهم أعمال الدنيا كثيرا عليهم أن يخافوا أكثر. يقصر أصحاب الوظائف في أداء أكثر فرائض الله، لذلك يجوز لهم في حالة الاضطرار أداء صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء جمعًا، ولكني أعلم أنّ المرء لو استأذن المسؤول، فإنه سيأذن له بأداء الصلاة. وقد صدرت بهذا الصدد تعليمات من قبل كبار المسؤولين إلى مَن هم دونهم رتبة. فتقديم مثل هذه الأعذار الواهية من أجل ترك الصلاة ليس إلا ضعفًا في النفس لا تظلموا ولا تقصروا في حقوق الله وحقوق العباد أدُّوا الواجبات في وظائفكم بكل أمانة. لا تسيئوا للدولة لحظة واحدة ، ألا تعلمون ما جرى في عهد حكم السيخ، حين أُلغي الأذان من المساجد ، وكان المسلمون يتعرضون للعقوبات القاسية والظلم  الشديد إذا أصاب البقر أدنى أذى بأيديهم؟ لقد جاء الله تعالى بهذه الدولة من مكان بعيد لينقذكم من هذه المصائب. لقد انتفعنا بهذه الدولة، وبدأنا نؤدي فرائضنا الدينية بأمن وسلام. فكم بالحري بنا أن نكون شاكرين لهذه الدولة! اعلموا أن من لا يشكر الناس لا يشكر الله تعالى. القاعدة أن الإنسان إذا لم يستعمل عضوا من أعضائه أعضائه لفترة تعطّل. يقال أن العين لو ظلت مغلقةً أربعين يوما صارت عمياء. فلذلك أوصيكم بكل تأكيد وشدّة وأقول : إن للدولة مننا عظيمة علينا. انظروا كيف توفرت لنا كتب كثيرة مليئة بالحقائق والمعارف، حيث تصلنا من بلاد نائية جدا. لقد انتفعنا كثيرا من الحرية الدينية التي منحتها لنا هذه الدولة. كان ديننا قد تعرّضَ للهجمات وغيرها من المصاعب ، فترون كيف دافعنا عنه بحرية. وقد كشف الله تعالى أنواع المعارف تحقيقًا لوعده : وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا (العنكبوت (۷۰، فنشرناها بين القاصي والداني. والحق أن الحرية الدينية التي تمنحها الدولة هي أيضا أحد أسباب انكشاف هذه المعارف والحقائق علينا. وأخيرا أريد أن أقول: أنشئوا مع الله صلة صادقة، ولا تسيئوا الظن بالدولة، بل اعملوا بتعليماتها وأعينوها.
رسالة الإنذار ، لشيخ يعقوب علي عرفاني ص ٥٤-٧٣.



١٨٩٨/٥/١٦
ادخلوا في أحباء الله تعالى
إن هذه الأيام خطيرة جدا، فليخش الجميع غضب الله تعالى. إن الله لا يبالي إلا بعباده الصالحين. فتآخوا وتحابوا، واتركوا الهمجية والخلافات. وتنكبوا كل أنواع الهزل والسخرية كلية، لأن السخرية تلقي القلب عن الصدق بعيدًا جدًّا. وليحترم بعضكم بعضا ، وليؤثر أحدكم راحةً أخيه على راحته. اعقدوا مع الله صلحًا صادقا، وارجعوا إلى طاعته. إن غضب الله نازل على الأرض، ولن ينجو منه إلا الذين يرجعون إليه رجوعا كاملا، تائبين عن ذنوبهم كلها.

 اعلموا أنكم لو أطعتم أحكام الله تعالى وسعيتم لحماية دينه، لأزال عن طريقكم كافة العوائق وأصبحتم من الناجحين ألم تروا أن الفلاح يقتلع من زرعه الطفيليات من أجل النباتات الجيدة، ويزين زرعه بالأشجار الجميلة المثمرة، ويحفظها ويحميها من كل ضرر، أما النباتات والأشجار التي لا تحمل ثمرا، وتبدأ بالجفاف والتآكل، فإنه لا يبالي بأن تأتي بعض الحيوانات وتأكلها أو يقطعها بعض الحطابين ويلقوها في التنور حطبا . فتذكروا أنكم لو كنتم صادقين عند الله تعالى، فلن تضركم أية معارضة شيئا، ولكن إذا لم تصلحوا أنفسكم ولم تعاهدوا الله على الطاعة بصدق، فاعلموا أن الله تعالى لا يعبأ بأحد. فإن آلاف الشياه والمعز تُذبح كل يوم ، ولا يرحمها أحد، ولكن حين يقتل شخص واحد، فكم يُسأل الناس عن قتله، فلو صرتم غير نافعين وغير مكترثين كالوحوش، فهكذا سيُفعَل بكم. يجب أن تدخلوا في الذين هم أعزّة على الله لكي لا يجرؤ وباء ولا آفة على الهجوم عليكم، إذ لا يحدث شيء في الأرض إلا بأمر الله تعالى. تَخلّوا عن كل خصومة وثائرة نفس وعداوة فيما بينكم، فقد آن الأوان لكي تُعرضوا عن هذه الأمور التافهة كلها، وتشتغلوا بالمهام العظيمة. سيعارضكم الناس وسوف يسخط عليكم مسؤولو "الأنجمن" ، ولكن يجب أن تنصحوا برفق ولطف ولا تثوروا أبدا. هذه وصيتي لكم، فاحفظوها مني كوصية، فلا تلجأوا إلى القسوة والشدة أبدا، بل انصحوا كل واحد برفق وهدوء وحسن خلق، وبينوا لأعضاء "الأنجمن" جيدا أن مثل هذه المذكرة - في عام ١٨٩٨ كان المتنصر المدعو أحمد شاه أعد كتابا قذرا بعنوان "أمهات المؤمنين" ، وطبعه وأرسل ألف نسخة منه مجانًا إلى مشاهير المسلمين في الهند، وكانت "أنجمن حماية الإسلام" بلاهور بعثت إلى الحكومة بمذكرة ثبت عدم جدواها، وهذه العبارة إشارة في تلك المذكرة (الناشر)- تضر بالدين في الواقع، ولم نعارضها إلا لأنها تصيب الدين بصدمة.
الحكم، مجلد ۲ عدد ۱۲-۱۳ يوم ۲۰ إلى ١٨٩٨/٥/٢٧ ص ١٠.

١٨٩٨/٧/٢٥
خير رد على الشتائم
أرسل المولوي محمد حسين البطالوي إلى المسيح الموعود مجلته "إشاعة "السنة" العدد الخامس إلى العدد الثاني عشر المجلد الثامن عشر سنة ١٨٩٥، بيد السيد محمد بن جوغطه من قبيلة أعوان، القاطن بـ "همون غكهر" في محافظة سيالكوت، وكان البطالوي قد شنَّ فيها هجمات شنيعة جدا على المسيح الموعود. وفي ١٨٩٨/٧/٢٥ بعد الظهر، كتب المسيح الموعود على رأس الصفحة الأولى من المجلة المرسلة إليه العبارة التالية وسلمها إلى من جاء بها إليه: رَبِّ، إن كان هذا الرجل صادقًا في قوله فأَكْرِمْه، وإنْ كان كاذبا فخُذْه. آمين".
الحكم، مجلد ۲ عدد ۲۰ ۲۱ ، يوم ٢٠-١٨٩٨/٧/٢٧

۱۸۹۸/۸/۱
قال سيدنا المسيح الموعود بعد صلاة الفجر:
سقوط السن من اليد في المنام منذر
رأيت في المنام أن جزءا من ضرسي المتآكل أخرجتُه من فمي، وكان نظيفا جدا، وأبقيتُه في يدي.
ثم قال: إذا رأى المرء في المنام أنه يُسقط سنا له من يده، فهو منام منذر، وإلا فمبشر .
بعد ذلك، حكى السيد محمد صادق منامين له حيث رأى في أحدهما أنه قد أُعطي ثيابا من نور، ورأى في الآخر أنه كتب بخط جميل مقالا أعطاه المسيح الموعود للكتابة. فأوّلهما المسيح الموعود بنيل المقاصد.
ثم قال المسيح الموعود :

نزول المعارف على القلب بتأييد رباني:

إن من التأييدات الإلهية ما يتحقق بصورة ظاهرة بيّنة، ويمكن أن يراها عامة الناس، ولكن بعض التأييدات يكون من الخفاء بحيث لا يخطر ببالي طريقة أُري بها عامة الناس هذه التأييدات الخفية. خذوا مثلاً هذه التأليفات العربية؛ فإنني أعلم جيدا مدى كفاءتي المحدودة في الأدب العربي، ولكني عندما أبدأ الكتابة، فلا تزال تلقى عليَّ الكلمات في محلها وموقعها بالضبط. فأخبروني الآن كيف أستطيع أن أُري أحدا هذا التأييد الإلهي، وكيف أن الله تعالى يلقي في صدري هذه الكلمات. ثم خذوا مثلاً كتابي "أيام الصلح هذا، فمعظم المواضيع الواردة فيه لا أثر لها في مصنفاتي السابقة ، والله يعلم جيدا أنها لم تخطر ببالي من قبل قطُّ، ولكنها نزلت  على قلبي الآن بطريقة لا يمكن إدراكها ما لم يشمل المرء التأييد الإلهي بنفسه ، ويجعل قادرا على استيعاب ذلك، وهذا فضل الله يؤتيه من عباده الذين يريد إنجاز مهمة على أيديهم ومن الحقائق أيضا أنّ عمل التأليف والكتابة، لا يتم إلا بالصحة والفراغ، وهذا الفضل الإلهي لا يتيسر إلا للذين يريد الله أن ينجز على أيديهم مهمة، فيجمع الله لهم كل هذه الأسباب الضرورية من أجل التأليف والكتابة. 


ضرورة الأخذ بالأسباب:
في يوم ۱۸۹۸/۷/۳۱ كان حضرة مولانا المولوي نور الدين مريضا بوجع البطن، فبعث المسيح الموعود إليه أحدًا ليأتي بخبره. ولما سمع المسيح الموعود أنه يشعر بتحسن، حمد الله تعالى وقال:
إن المولوي المحترم في سن التراجع والضعف الآن، لذا،  هناك حاجة ماسة لأخذ الحيطة القصوى، بحيث لا بد له من اتخاذ كل خطوة بحذر شديد. لا شك أن الحياة والموت بيد الله تعالى، ولكن لا يليق بالإنسان أن يهمل الأخذ بالأسباب.
 ثم قال: الحق أن زمن تراجع السن يبدأ بعد الثلاثين. وفي هذه السن فإن الإفراط والتفريط لا يحمد عقباه. لقد رأيت بعض الناس يأكلون ويشربون بمقدار قليل جدا، وبعضهم يُفرطون في الأكل والشرب بدون حدود. وكلا الأمرين خطأ. وكما قلتُ إن زمن الشباب يكون حتى الثلاثين، شريطة أن يكون الجسم قويا صحيحا، وإلا فإن بعض الشباب يشابهون الشيوخ الكبار.

الحكم،مجلد2،عدد22-23، ص16، يوم 6 - 13 أوت 1898 ص16.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الزمان يدعو مصلحا سماويا:

الزمان يدعو مصلحا سماويا: الزمان يدعو مصلحا سماويا: الزمان يدعو مصلحا سماويا: وفيما يتعلق بكون القرآن غير مبدل وغير محرف فنؤمن نحن الأحمديين بذلك إيمانا أقوى من غيرنا. أما قولهم بأنه لا حاجة إلى مصلح إطلاقا بسبب كون القرآن غير مبدّل فهذا ما يرفضه القرآن بنفسه رفضا باتا. يقول الله : وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ  مَهْجُورًا . (الفرقان: ۳۱)  كم هي  أليمة الشكوى التي يرفعها النبي الى الله تعالى عن  الذين  يأتون في أمته لاحقا إذ يقول: يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا.   كم هي موجعة هذه الشكوى التي يشكوها النبي من قومه!  والمعلوم قطعا من هذه الآية أن النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه الذي هو سيد البشر وأفضل الأنبياء يشكوا إلى الله ولا فيما يتعلق بهذا الكتاب الكامل. ما المراد من هذه الآية، وكيف سيهجر الناسُ القرآن الكريم؟  يوضح  النبي  هذا الأمر أيضا بنفسه فيقول: يأتي على الناس زمان لا يبقى من الإسلام إلا اسمه، ولا من القرآن إلا رسمه . "  (مشكاة المصابيح كتاب العلم الفصل الثالث، ورواه البيهقي في شعب الإيمان، وكنز العمال ج ۱۱ باب تتمة الفتن من
تهمة تحالف الأحمدية مع الصهيونية والماسونية: بالإضافة إلى التهمة الكبرى أن الأحمدية والبهائية حليفتان وشريكتان في عدائهما للإسلام.. هناك تهمة حديثة جدا لا بد أن نتطرق إليها ،ونحن نتحدث عن الفتنة القائمة. هذا الاتهام الجديد لم يلوح به أعداء الأحمدية في شعاراتهم السابقة حين أقاموا الدنيا وأقعدوها بأن الأحمدية غراس الإنجليز. ولكن الأيام مرت ومن ورائها السنون أيضًا، وارتحل الاستعمار البريطاني عن البلدان الإسلامية واضمحلت معه هذه التهمة، وظلت الأحمدية بعد ارتحاله أيضا ثابتة  راسخة ماضية في جهادها المقدس ومن نصر إلى نصر، و لم يزل نفوذها يتسع ويقوى يوما بعد يوم. فأذهل ذلك أعداء الأحمدية ، حتى فقدوا كل الضوابط العقلية والفكرية، فراحوا يضربون الأحمدية بكل سهم متاح وبكل حجر ممكن، ويتهمونها بكل التهم، دون أن يكلّفوا أنفسهم أدنى حد من عناء التحقيق والتأكد من صحة هذه التهم، كما يأمر الله سبحانه وتعالى قائلاً: يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين. سورة الحجرات:   يحاولون أن يزجوا بالأحمدية في مجالات غريبة عليها، بعيدة كل البعد عن أهدافها وغ
۳۰ دیسمبر ۱۸۹۷ الخطاب الثالث  لسيدنا المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام  بمناسبة الجلسة السنوية.   شفقته ومواساته لأحبابه: قال عليه السلام: الواقع أن علاقة أصحابنا بنا هي  كعلاقة الأعضاء بالجسد كله. ومن  تجاربنا  اليومية أنه إذا اشتكى عضو صغير كالأصبع مثلاً من الجسد تداعى له الجسد كله. والله يعلم جيدا أنني أظل دائم التفكير والقلق على هذا النحو تماما، راجيا بأن  ينعم  أحبابنا بكل أنواع الراحة والرخاء ، وليس في هذه الشفقة والمواساة ذرة من  التكلف  والاصطناع، بل أجد في قلبي لوعة ومواساة تجاه أحبابي ولوجه الله تعالى، كالأم الرؤوم التي لا تبرح قلقة وساهرة على راحة وخير كل واحد من أولادها مهما كثروا. وإن مواساتي هذه اضطرارية حتى إنني عندما أقرأ في رسالة بعض أحبابي أنه مصاب بأذى أو مرض، فأفقد الراحة والقرار ويلازمني الهم والغم، وكلما كثر أحبابي عددًا  كثرت همومي، حتى لا يخلو وقت من أوقاتي من حزن وهم من أجلهم، لأن الطبيعي أن يكون البعض من أحبابي الذين عددهم كثير مصابا بهم وأذى، وعندما يبلغني خبره يصاب قلبي بالقلق وأفقد الراحة، ولا أستطيع أن أخبركم كم أقضي أوقاتي في الهموم. وبما أنه ليس هناك سو