ΛΕ
والدتي
تحقق الرؤيا (أ)
القضاة
أصبح "السير شادي لال" رئيس قضاة محكمة لاهور العليا عام ۱۹۱۹ ، وقد كان ماهرًا جدًا وبعيد النظر أقنعتني بعض المؤشرات أنه مصمّم على عرقلة حياتي المهنية قدر استطاعته. وفي بداية ربيع عام ۱۹۳۰ أخبرني السير فضل حسين أن الحاكم، السير جيفري دي مونتمورينسي بذل كل جهده لإقناع السير شادي لال رئيس ليوصي بتعييني في هيئة المحكمة العليا، ولكنه لم يوافق. وفي الوقت نفسه تقريبا كتب لي أخي أسد الله خان الذي كان يدرس الاختصاص في القانون في إنجلترا، أن السيد جستيس هاريسون وهو واحد من كبار القضاة في محكمة لاهور العليا وكان في إجازة في إنجلترا، قال له إن
السير شادي لال لن يوصي بتعييني في مقعد هيئة المحكمة العليا. عين السير شادي لال عضوًا في اللجنة القضائية التابعة لمجلس الملكة السري في ربيع ١٩٣٤ ، وكان عليه مغادرة المحكمة العليا في أيار/ مايو من ذلك العام. وفي نيسان/إبريل أرسل في طلبي، وكان هناك في ذلك الوقت مكان شاغر في هيئة المحكمة العليا، وشعرت أن رئيس المحكمة العليا يميل الآن للتوصية بتعييني فيه، وأكد لي هذا تشودري شهاب الدين، وحثني على أن أمرّ على السير شادي لال الذي كان يتوق إلى رؤيتي، فقلت له إني لم أعد مهتمًا بمقعد الهيئة، وطلبتُ منه أن يخبر
والدته
٨٥
رئيس المحكمة العليا بذلك.
عين السير دوغلاس يونغ، وهو قاض من المحكمة العليا في "إله أباد"، رئيس قضاة محكمة لاهور العليا خلفًا للسير شادي لال، وعند أول يوم أحد عقب توليه منصبه أرسل في طلبي، وبادرني مباشرة بعد أن ألقيت عليه التحية بالقول: حضرة تشودري لماذا لا تأتي وتكون معي في الهيئة؟ فشكرته على عرضه اللطيف، وأخبرته أني لا أقدر على قبوله. فقال : إذا غيّرت رأيك، فأعلمني، وسأوصي بتعيينك في أول مقعد شاغر يُتاح. وكان من اليوم الأول لطيفا للغاية، ولم أخسر قضية في
محكمته .
معي
في أيار/مايو عام ۱۹٣٥ خلفتُ السير فضل حسين في عضوية المجلس التنفيذي للحاكم العام، وكانت مدة العضوية خمس سنوات، وعند انتهاء هذه الفترة في أيار / مايو عام ١٩٤٠ أعيد تعييني لفترة ولاية كاملة بموجب أمر ملكي جديد ولم يحدث مثل هذا الأمر من قبل في خلال السنوات المائة والثلاث والستين من الحكم البريطاني.
في آذار / مارس عام ١٩٤١ توفي السير شاه سليمان القاضي المسلم في المحكمة الفيدرالية (العليا لاحقا) في الهند، وأخبر السير جوير موريس رئيس قضاة المحكمة الفيدرالية الحاكم العام أنني المسلم الوحيد الذي يوصي به لملء المنصب الشاغر ، فقال الحاكم العام، اللورد لينليثجو، إنه لا يرغب بذلك ويريد استبقائي. وبما أن خلافهما لم يحلّ على الفور، فقد عُيّن السيرُ جون بيومونت رئيس قضاة المحكمة العليا في مومباي،
٨٦
والدتي
قاضيًا بالنيابة وبصفة مؤقتة في المحكمة الاتحادية، ولم أكن على علم بالخلاف الحاصل بين الحاكم العام ورئيس القضاة.
في العاشر من يونيو/ حزيران رأيت في الرؤيا أني كنت أعمل في مكتبي في إقامتي الرسمية في "شمله" عندما فتح أخو زوجتي، واسمه عناية الله، الباب المطل على الشرفة فجأةً ودخل بابتسامة عريضة تعلو وجهه. كانت الرؤيا قوية جدا للغاية وقد تركت في داخلي انطباعًا عميقا بحيث أني سارعت في تحضيراتي في الصباح تحسبًا للقائه على الفطور، وعندما استعددت لذلك أدركت أنني رأيته فقط في منامي وأنه لم يصل بجسده. وبعد يومين التقيت بصديقي إنعام الله في الرؤيا. وقد تأثرت بتسلسل هاتين الرؤيتين، وكان لدي شعور بأنهما بشير خير. وفي الرابع عشر من حزيران/يونيو، التقيت في الرؤيا برجل يحمل نفس ظفر الله. وقد
اسمي
أصبحت بعد هذه الرؤيا على يقين من حدوث تغيير ما،
الله
يعني
واستعد عقلي لقبول هذه التغييرات والترحيب بها بوصفها نعمة إلهية ووسيلة للنجاح، ذلك أن عناية الله تعني العناية الإلهية، وإنعام النعمة الإلهية، وظفر الله يعني وسائل النجاح أو النصر الذي يمنحه الله.
أحمد
وصل شيخ إعجاز أحمد وتشودري بشير من دلهي يوم الأحد الخامس عشر من حزيران / يونيو القضاء عشرة أيام من العطلة الصيفية وقلت لهما إن تغيرًا كبيرًا سيحدث قريبا في حياتي المهنية. فسألاني عما الاثنين
إذا كنتُ قد شاهدت رؤيا فرويت لهما الرؤى الثلاث. كان يوم
موعد لقائي الأسبوعي مع الحاكم العام، وقلت لسكرتيره الخاص
عبر
والدتي
AV
الهاتف إنني لا أنوي القدوم اليوم إذ ليس لدي ما أقدمه أو أبحثه سعادته. فقال لي إن سعادته يرغب في التحدث معك. وعندما وصلتُ إليه ذكر لي الخلاف الذي نشأ بينه وبين رئيس المحكمة العليا حول التعيين في المقعد الشاغر في المحكمة الفيدرالية، وأضاف: وأخيرا، اتفقنا على ترك الخيار لك؛ فإذا كنت ترغب في البقاء معي كما آمل- فعلى رئيس المحكمة أن يبحث في مكان آخر عن زميل لملء المقعد الشاغر. فإذا كنت ترغب في الذهاب إلى المحكمة فلا بد لي أن أعود نفسي على تحمّل هذه الخسارة؛ ففكّر مليا في الأمر، وأخبرني بقرارك عندما تأتي لمقابلتي في الأسبوع القادم.
الآن.
- سيدي، لا حاجة لي للتفكير مدة أسبوع، أستطيع أن أخبركم
آه أنا سعيد جدًا، لا ترغب في الذهاب؟!
لا، يا سيدي، بل أود أن أذهب.
أشعر بخيبة أمل كبيرة جدًا، لكني قد أعطيتُ كلمتي لرئيس المحكمة ولا بد أن أفي بوعدي، فهلاً وثقت بي؟ لا يزال لديك من فترة ولايتك الثانية في المجلس حوالي أربع سنوات، ويمكنك أن تتطلع إلى أي شيء ترغبه في ظل التقدم الجوهري الذي أحرزته في مجال السلطة التنفيذية وفي هذا السن، فهل لي أن أعرف سبب رغبتك في الذهاب في الموضع الخلفي المنعزل للمحكمة ودفن نفسك؟
۸۸
ربما هي
والدتي
مسألة مزاج عندما أعمل القانون أشعر مع
أنني في منزلي أكثر مما أشعر به عندما أعمل مع الإدارة. كما يحلو لك، ولكن أرجو أن لا تسرع في تركنا. المحكمة في إجازة الآن، وسوف تعود للعمل في بداية
تشرين الأول/ أكتوبر، وسأكون سعيدا في البقاء هنا حتى نهاية
أيلول/ سبتمبر.
-
هذا يشعرني ببعض الراحة.
كان اللورد لينليثجو رئيسًا للجنة الاختيار المشتركة بين كل من مجلسي البرلمان التي أنشئت عام ۱۹۳۳ من أجل النظر في تقرير الكتاب الأبيض الذي قدّم للبرلمان والذي يتضمن مقترحات بشأن الإصلاحات الدستورية في الهند، وقد كنتُ عضوًا في الوفد الهندي الذي كان مرتبطاً بلجنة الاختيار المشتركة خلال مرحلة استجواب الشهود، وعرفتُ أن الرئيس يقدر مساهمتي في عمل اللجنة. خلف اللورد لينليثجو اللورد ولنغدن في منصبي نائب الملك والحاكم العام للهند عام ١٩٣٦، وكنت آنذاك عضوًا في المجلس التنفيذي للحاكم العام الذي كان لطيفا دائما، وقد شجعني ومنحني ثقته. لم
معي
أكن أحب تخييب أمله في الذهاب للمحكمة الفيدرالية، لكني كنت على قناعة بأن الرؤى الثلاث كانت توجيهًا إلهيًّا وأن على الامتثال له. وعلى الرغم من خيبة أمله الحقيقية، إلا أنه لم يسحب ثقته مني. وقد تم توسيع المجلس التنفيذي والوزارتين اللتين لي علاقة بهما ؛ وزارة القانون ووزارة
والدتي
التموين
۸۹
امتثالا لاقتراحي، ليديرهما عضوان وطلب مني الحاكم العام أن أقترح الأسماء المناسبة لخلافتي في منصبي والذين يقبلون أيضًا باقتراحاتي،
ثم أوعز لي أن أدبر قبولهم بسرية، وهذا ما قمت به.
و في شباط / فبراير عام ١٩٤٢ قام الرئيس الصيني تشينغ كاي شيك، بزيارة رسمية لنيودلهي ومن بين المسائل التي اتفق عليها مع نائب الملك إنشاء علاقات دبلوماسية مباشرة بين الدولتين. وفي آذار/ مارس كتب لي اللورد لينليثجو رسالة طويلة بخط يده يحثني فيها على الذهاب إلى "تشنغ كينغ" مدة ستة أشهر بتفويض من المحكمة، لافتتاح مركز دبلوماسي هندي هناك، حيث كانت الصين قد اضطرت إلى نقل عاصمتها إلى "تشنغ كينغ" نتيجة ضغط الهجمات اليابانية.
أخذ
زوجتي وابنتي
وصفت رسالته بشيء من التفصيل كل الأمور التي تنطوي عليها هذه المهمة. فكانت تشنغ كينغ هدفًا لقصف عنيف من قبل اليابانيين خلال الصيف وكانت معرضة لخطر كبير، فلا أقدر على معي، وحيث إن راتبي باعتباري قاضيًا أكثر من راتب وعلاوات السفير البريطاني في تشنغ كينغ فلن أتلقى أي علاوات وسأكون برتبة سفير بلقب مفوّض عام؛ ومع كل ذلك أعرب اللورد لينليثجو عن أمله في أن أقبل المهمة المقترحة، لأنه على قناعة بأن أحدًا لن يستطيع الاضطلاع بمسؤوليات هذه المهمة مثلي.
أقلقتني رسالته بشكل كبير. فقد كنت عضوا في الحكومة أعمل تحت ضغط كبير منذ عام ۱۹۳٥ حتى ١٩٤١ ، وكنت أتطلع وقتها إلى أخذ
9.
والدتي
أول إجازة في سبع سنوات وكنت قد استأجرت وعائلتي بيتًا صغيرًا في جُلْمَرْج" في كشمير وأثثناه بما يتناسب مع متطلبات إجازتنا الصيفية. أما حالة "تشنغ كينغ" ومناخها المرهق وحرمانها القاسي نقيضا لافتًا لحال "جلمرج"، فلم يكن هناك شيء يجذبني في المهمة المقترحة؛ فقد نفرت من كل جانب من جوانبها.
كانت دعوة اللورد لينليثجو تدل على ثقة كبيرة. لقد كان يشعر بخيبة أمل من أنني اخترتُ الذهاب إلى المحكمة فانتهزت الفرصة لأؤكد له تقديري لثقته وبموافقتي.
كان الجزء الأكبر من غيابي في تشنغ كينغ خلال عطلة المحكمة، وعند عودتي كانت هناك مسألة واحدة صغيرة فقط جاهزة للنظر فيها، وعندما سُويَ أمرها طلب مني أن أقود الوفد الهندي إلى مؤتمر العلاقات السلمية المزمع عقده في مونت ،ترمبلانت وهو منتجع للتزلج في جبال لورينتيان في مقاطعة كيبيك في كندا كانت الرحلة عبارة عن أسفار طويلة نظراً لظروف الحرب. لقد كانت محنة لحد ما، حيث ذهبت من كراتشي إلى القاهرة (ثلاثة أيام، ثم إلى وادي حلفا، فالخرطوم، فجينجا (في أوغندا)، ثم ستانليفيل (في الكونغو) ليوبولدفيل – لاغوس (ثلاثة أيام أكرا (يومين) - ناتال (البرازيل) - جورج تاون (غينيا البريطانية) -
-
- ميامي - نيويورك أربعة أيام - مونتريال ثم مونت ترمبلانت. تلقيت بعد المؤتمر الأول طلبًا من أمين الدولة لشؤون الهند، السير إيميري أن أذهب إلى لندن لإجراء مشاورات حول التغييرات الدستورية
والدتي
۹۱
في الهند. كانت هذه الرحلة بطائرة عسكرية من مونتريال إلى غلاسكو،
وقد احتجزنا في مونتريال مدة ثمانية أيام بسبب عاصفة ثلجية عنيفة. وصلت لندن في ٥ كانون الثاني / يناير عام ١٩٤٣. كانت الحياة في
لندن بسبب الحرب خاضعة للقيود و لم تكن مريحة.
استغرقت المحادثات وقتًا أطول من المتوقع، فغادرت لندن في بداية آذار / مارس. كانت رحلة العودة عن طريق بول – شانون – لشبونة – باثوريست (غامبيا) - لاغوس ) توقفت فيها ثلاثة أيام وضعتُ خلالها حجر الأساس لمسجد أحمدي ليوبولدفيل- إليزابيثفيل
جينجا
الخرطوم حيث توقفت يومين) - القاهرة ثم كراتشي في ربيع عام ١٩٤٥ قمت بصفتي رئيس المعهد الهندي للشؤون الدولية بقيادة الوفد الهندي إلى مؤتمر علاقات الكومنولث الذي عقد في تشاثام هاوس، ساحة سانت جيمس، في لندن. قدمت في الجلسة الافتتاحية مناشدة عاطفية لاستقلال الهند والتي طورتها في خطابي في المأدبة التى أقيمت مساء اليوم نفسه. هذان الخطابان كانا بداية المرحلة
الأخيرة من العملية التي بلغت ذروتها في تقسيم الهند وإنشاء باكستان. أعلن السيد أتلي، رئيس وزراء بريطانيا العظمى، مخطط التقسيم يوم حزيران/ يونيو ١٩٤٧. وقد واجهت فجأةً مشكلةً في اختيار ما إذا كنت سأبقى في الهند أم لا بعد تقسيمها؛ فقد كنت كبير قضاة المحكمة الاتحادية وحققت سمعة طيبة بسبب وجهات نظري حول الاستقلال. وقد كانت كل الظروف تشير إلى أني سأكون أول رئيس قضاة
۹۲
والدتي
للمحكمة العليا في الهند إذا قررتُ البقاء في الهند بعد التقسيم، ولكني قررتُ بلا أدنى تردد أن لا أقيم في الهند بعد التقسيم، فاستقلت من
المحكمة في نفس اليوم، بحيث يسري تنفيذ الاستقالة بعد أسبوع. كان صاحب السمو نواب حميد الله خان، حاكم بهوبال، قاضي قضاة هيئة الأمراء، وكنا نعرف بعضنا البعض منذ عام ۱۹۳۰، وقد طلب مني الذهاب إلى بهو بال مستشارا له في الأمور الدستورية خلال الأيام الصعبة المقبلة، فذهبتُ إلى بهو بال وبدأت الأمور تتحرك بسرعة. في تموز/يوليو
أن
اتصل بي في دلهي السيد محمد علي جناح (القائد الأعظم وطلب مني أقدم قضية حزب المؤتمر الإسلامي (Muslim League) في لجنة تحديد حدود البنجاب في لاهور، وقد قمت بذلك. وفي بداية أيلول/ سبتمبر
دعاني إلى كراتشي وطلب مني قيادة وفد باكستان في الدورة السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة. وأصرَّ عند عودتي أن أنتقل إلى باكستان، و خيرت بين رئيس المحكمة العليا أو وزير الشؤون الخارجية، فاخترت الخيار الأخير. وقد تكرم صاحب السمو (نواب حميد الله خان) بالموافقة على إعفائي من منصبي الحالي. فأديت قَسَم منصبي الجديد في ٢٤ كانون الأول/ ديسمبر عام ١٩٤٧.
اعتليت ذروة الموج المرتفع من الاحترام الجماهيري لأكثر من خمس سنوات، وخلال ذلك حدث حادثان مأساويان جدا في باكستان؛ فقد توفي القائد الأعظم في أيلول / سبتمبر عام ١٩٤٨، واغتيل رئيس الوزراء لياقت علي خان في تشرين الأول / أكتوبر عام ١٩٥١، فأصبح الخواجه
والدتي
۹۳
ديني
نظام الدين، رئيس وزراء باكستان الشرقية الحاكم العام في باكستان خلفًا للقائد الأعظم، ثم صار رئيس الوزراء خلفًا للياقت علي في تشرين الأول/ أكتوبر عام ١٩٥١. وقد كان لطيفا وورعا، وصاحب فكر فتعاطف بسهولة المتشددين الذين وجدوا بذلك فرصة للتأثير مع على السياسة ودسوا أنفسهم في موقع السلطة. أما الحاكم العام، ملك غلام محمد فكان صاحب عقلية قوية وكان مولعًا بالسلطة، وأصبح الاشتباك أمرًا حتميًا بينه وبين رئيس الوزراء، وكانت النتيجة تنحية الأخير في ربيع عام ١٩٥٣. وبحلول ذلك الحين كنت قد أصبحت شخصا غير مرغوب فيه لدى المشايخ المتعصبين، فجعلوني الهدف الرئيس لعدائهم، فقدم لي رئيس الوزراء الجديد، السيد محمد علي بوغرا وزملائي في مجلس الوزراء، كامل الدعم والثقة، ولكن اثنين من الأعضاء
الأصغر سنًا في حزب المؤتمر الإسلامي أخذا يكيدان المكائد ضدي. وفي صيف عام ١٩٥٤ ، أخذتُ أشعر أن استمراري في منصب وزير الشؤون الخارجية غير مرغوب به لأصحاب النفوذ في باكستان، فقررتُ أن أستقيل، وكان رئيس الوزراء يرفض قبول استقالتي، لكنه اكتشف أن قد اقترح من جانب دولة أخرى لانتخابات محكمة العدل الدولية لشغل المقعد الشاغر الطارئ الذي نشأ نتيجة وفاة السيد بي إن راو، القاضي الهندي في المحكمة في تشرين الثاني / نوفمبر عام ١٩٥٣، فوافق رئيس مجلس الوزراء على أن أشترك في مسابقة شغل المقعد الشاغر، وربما كان يواسي نفسه بالتفكير أن اسم مرشح هندي كان قد اقترح
اسمي
٩٤
والدتي
لشغل المقعد الشاغر قبل عدة أشهر من اقتراح اسمي. وكان الاتجاه العام في الأمم المتحدة أنه إذا توفي قاض في تلك المحكمة فينبغي شغل المنصب الشاغر الناتج عن وفاته بانتخاب شخص من بلد المتوفى، لذلك كانت فرصة انتخابي ضئيلة، ولكني انتخبت وأصبحت عضوا في المحكمة اعتبارًا من يوم الانتخاب، ۷ تشرين الأول / أكتوبر عام ١٩٥٤. وقد كانت فترة استلامي لهذا المنصب هي ما تبقى من فترة ولاية السيد بي إن راو، التي كانت ستنتهي في ٥ شباط/فبراير عام ١٩٦١. انتخبتُ نائبا لرئيس المحكمة في ربيع عام ١٩٥٨، وانتخب القاضي هيلج كلايستاد (من النرويج رئيسا لها. لقد كان نزيها جدا، وكان متعاطفا فائق الحساسية، وحين وجدني معه منحني ثقته الكاملة وأصرّ على أن أؤدي بعض المهام التي تخص رئيس المحكمة بموجب النظام الداخلي لها، وعند اقتراب نهاية فترة ولايتنا رئيسا ونائبا للرئيس، كان يحوّل لي المهام وكأني سأكون خليفته في منصب الرئيس. فذكرتُه أن فترة ولايتي قاضيًا ستنتهي في الأسبوع الأول من شباط/فبراير عام ١٩٦١ ، فلن يكون هناك أي إمكانية في خلافتي له في رئاسة المحكمة إلا إذا انتخبت ثانية في المحكمة فعلق بقوله : لا يوجد شك في ذلك، ومن غير الوارد أن لا يُعاد انتخابك. ولكن حدث ما اعتبره بسبب نقاء قلبه أمرا غير وارد. وعندما جاءت نتيجة الانتخابات أتى إلى مكتبي نائب أمين السجل في المحكمة ويعلو وجهه بعض الاضطراب وقال: لدي
أخبار سيئة لك، حيث لم يُنتخب أي من القضاة ثانية.
۹۵
والدتي
حتى تلك اللحظة لم يساورني قلق من أن هذه الأنباء سيئة، فطالما أنها مشيئة الله فلا بد أن أتمكن من خدمته تعالى في مجال آخر، فكنت قانعا
تماما بما جرى.
كنت قد طلبت من السيدة عزيزة والترز وهي سيدة واعية مسلمة ومتدينة جدا، الدعاء لأفوز في الانتخابات، فاتصلت بها عبر الهاتف وأخبرتها أني لم انتخب ثانيةً، فكانت إجابتها الفورية، ودون أي تعليق، أن تلت هذه الآيات من القرآن الكريم: مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى
وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأُولَى * وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى
*
(الضحى: ٤-٦) وفي اليوم التالي قالت لي منذ أن أخبرتني بنتيجة الانتخابات قد سيطرت على ذهني فكرة واحدة؛ هي أن الله تعالى قد هيّأ لك وظيفة
أعلى.
تعليقات
إرسال تعليق