إقامة والدتي معي:
كانت رغبة والدي أن تعيش والدتي معي بعد وفاته، وأثناء مرضه الأخير، أبلغ أمي بذلك ؛ وكانت هذه رغبتها أيضًا؛ أما أنا فلم يخطر ببالي أي احتمال آخر ؛ فلقد كنا قريبين على الدوام، وقد زادتنا وفاة والدي قربا. وهكذا اعتبرتُ نفسي محظوظًا جدًا لأني سأتمكن من خدمتها حتى يوم في حياتها. كانت زوجتي مخلصة لها بقدر إخلاصي، ولم يحدث في أي وقت أدنى خلاف بينهما. كان جميع إخواني يعرفون جيدا أنه لن تطيق أمي ولا أنا الانفصال، وأنها ستكون أسعد ما يمكن بصحبتي، ولم يشعر أي منهم بالغيرة مني حيال ذلك أبدًا. وكان كل واحد منهم يرحب بها دائما في منزله إذا ما اختارت زيارة أحدهم، وكانت تزورهم كثيرًا؛ وكانت ترحب بهم وبزوجاتهم وأطفالهم عندما يأتون لزيارتها، لقد كان ذلك ترتيبًا مناسبًا بفضل الله تعالى.
في ذلك الوقت كنت قد بنيتُ منزلاً في منطقة "مودل تاؤن"، على بعد أميال من لاهور. كان لوالدتي غرفة خاصة بها مع حمام، وحيث إنني كنت أمضي معظم وقتي في مكتبي الذي كان في المدينة، فقد اعتدتُ قضاء جزء من المساء معها في غرفتها، حتى في المناسبات التي كنت أضطر أن أتأخر فيها عن البيت بسبب عشاء أو مشاركة أخرى في المدينة.
بعد عدة سنوات عندما تأهّل شقيقي الأصغر، أسد الله خان، للعمل محاميا وبدأ يعمل عندي متدربا، رتب ليعيش مع أسرته في شقة فوق مكاتبنا، وسُرَّت أمي بذلك جدًا، فكانت تذهب معي إلى المدينة في الصباح، فتمضي يومها مع أسرة أسد الله خان وتعود معي في المساء، وهكذا شعرتُ بأنها قريبة مني دائما .
قالت لي إنها عندما تراقبني من نافذة غرفتها أمشي إلى المحكمة، تدعو لي أن أعود إلى المكتب مكلّلاً بالنجاح والشرف. لقد اهتمت بعملي كثيرا، وكان زبائني الذين يقومون بتوكيلي يطلبون منها الدعاء لهم، وهكذا فقد استفادوا من وجودها أيضًا. لا يساورني أدنى شك في أن ما من نجاح سريع في عملي كان بفضل دعائها. كان وجودها معنا نعمة كبرى، وكانت معطاءة للخير على نطاق واسع ودون أي تمييز. لقد أنير منزلنا بوجودها المبارك، واستفدنا نحن الذين كنا على مقربة منها من دعائها في كل الأوقات. كانت ذكية جدا وحساسة القلب. وكنت مقصرًا بحقها جدًا، لكنها كانت تسامحني بسرعة، وتكافئني على إخلاصي لها بالدعاء المتواصل. كانت هذه سمتها المميزة التي يلاحظها كل من يتواصل معها، وكانت تسارع لإعطاء الخير بسخاء. في إحدى المرات قالت لي إنها كثيرًا ما تفكر لماذا أطيعها في كل شيء، وأتوق لأن أحقق لها أدنى رغباتها. قلت لها وهي متوقعةً ردي:
لأنك أمي أولاً، والله تعالى أوجب علي طاعتك، وثانيا: بسبب حبك غير المحدود لي، وثالثا:لأنني آمل أن تقولي لوالدي حين تجتمعين به أنني كنتُ مطيعا لك تمامًا وأنك كنت سعيدة معي. فوضعت يدها على قلبها وقالت: هذا ما سأقوله بكل تأكيد.
لقد كانت صارمة وعنيدة في أمر واحد فقط، وهو أمر الغيرة على دينها؛ فقد اعتاد والدي أن يقرأ كتاب (المثنوي) لمولانا جلال الدين الرومي مع رجل صوفي كبير في السن، حيث كان يزور والدي مرة أو مرتين في الأسبوع، وفي إحدى المرات، نادى على والدي الذي لم يكن في المنزل، فأخبره الخادم أنه قد ذهب إلى قاديان، فتكدر الزائر الصوفي غير الأحمدي وتنهد بانزعاج متمتما بكلمات تنمّ عن عدم احترام لمؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية، فسمعته والدتي التي استشاطت غضبا ونادت على الخادم ارم هذا العجوز المنافق خارج منزلي، وقُلْ له أن لا يطأ عتبة هذا المنزل بعد ذلك وإلا فسيناله مكروه.
بعد أسابيع قليلة من وفاة والدي، انتخبتُ عضوا في مجلس البنجاب التشريعي الذي فتح لي طريق العمل العام، وكان السيد ميان فضل حسين رئيس المجلس، حيث كان محاميًا في القانون، وقد بدأ حياته المهنية في سيالكوت، وكان يعرف والدي ويكنّ لي التقدير الكبير، وكان قد أعطاني رسائل التوصية عندما ذهبتُ إلى إنجلترا للدراسة، وعند عودتي قام بالاهتمام بطلبي المقدم للتسجيل كمحام في المحكمة الرئيسية. وفي عام ۱۹۱۹ عندما كان أمين لجنة كلية القانون، دبّر أمر تعييني محاضرا غير متفرغ في كلية الحقوق، وكان قد عُيّن وزيرا للتربية والتعليم في حكومة البنجاب عام ۱۹۰۲، واستمر بهذا المنصب لمدة خمس سنوات محققا إنجازات كبيرة خدمت مصالح الشعب في المقاطعة. ثم عُيّن عضوا في مؤسسة الإيرادات. ولقد منحني ثقته الكاملة منذ بداية عضويتي في المجلس التشريعي وعاملني كقائم مقام رئيسي له.
في خريف عام ١٩٢٧ ، طلب مني أعضاء المجلس التشريعي المسلمون بناءً على اقتراح من السيد فضل حسين، الذهاب إلى بريطانيا ، ممثلا عنهم في تقديم وجهة نظر المسلمين لقيادة الرأي العام البريطاني حول توقع تعيين لجنة ملكية للإصلاحات الدستورية في الهند، والتي عُرفت لاحقا باسم لجنة سيمون؛ وبناءً على تفويضهم أمضيتُ في لندن نحو ستة أسابيع، حيث أجريت خلالها مقابلات مع عدد من كبار الشخصيات الإنجليزية. لقد كان ذلك بالنسبة لي تعليمًا قيمًا في حد ذاته، وقد سُرِّ السير فضل حسين كثيرًا بتقريري.
في وقت سابق من ذلك العام ذهبت أنا ووالدتي وزوجتي لزيارة والد زوجتي، تشودري شمشاد علي خان في جريديش في مقاطعة بهار، حيث كان يعمل ضابطا في الفرق العسكرية الفرعية، وفي اليوم الأول من زيارتنا رأت أمي في الرؤيا أن زوجتي تحاول قطف فاكهة من شجرة موجودة في حديقة المنزل، وقال لها والدي إن الثمرة لم تنضج بعد، وأنه سوف يجلب لها بنفسه بعض الفاكهة في طبق في موسم الفاكهة. فقالت له أمي: كان علينا أن نسافر ۹۰۰ ميل بالقطار حتى نصل إلى هنا، فكيف وصلت أنت هنا بهذه السرعة؟ فقال لها : لقد رافقتكم طوال الطريق.
كان تشودري شمشاد علي خان يحب الأسرار والغموض، وفي إحدى الليالي، اقترح على أمي أن تشاركه في تمارين التواصل مع أرواح الموتى، فجلست قبالته ، وقالت إنها لا تقتنع بأن أرواح الأموات تستجيب لإشارة ودعوة من يستدعيها للحضور على هواه. وقد شرع والد زوجتي بتجربته، وبعد عدة تجارب دعاها لتأتي وتتواصل مع روح زوجها، ولكنها قالت: أرجوك قُلْ له أن يواصل الانشغال بما قضى له الله من رحمة، فهذا أكثر بركةً له من التواصل معي.
في وقت سابق من ذلك العام ذهبت أنا ووالدتي وزوجتي لزيارة والد زوجتي، تشودري شمشاد علي خان في جريديش في مقاطعة بهار، حيث كان يعمل ضابطا في الفرق العسكرية الفرعية، وفي اليوم الأول من زيارتنا رأت أمي في الرؤيا أن زوجتي تحاول قطف فاكهة من شجرة موجودة في حديقة المنزل، وقال لها والدي إن الثمرة لم تنضج بعد، وأنه سوف يجلب لها بنفسه بعض الفاكهة في طبق في موسم الفاكهة. فقالت له أمي: كان علينا أن نسافر ۹۰۰ ميل بالقطار حتى نصل إلى هنا، فكيف وصلت أنت هنا بهذه السرعة؟ فقال لها : لقد رافقتكم طوال الطريق.
كان تشودري شمشاد علي خان يحب الأسرار والغموض، وفي إحدى الليالي، اقترح على أمي أن تشاركه في تمارين التواصل مع أرواح الموتى، فجلست قبالته ، وقالت إنها لا تقتنع بأن أرواح الأموات تستجيب لإشارة ودعوة من يستدعيها للحضور على هواه. وقد شرع والد زوجتي بتجربته، وبعد عدة تجارب دعاها لتأتي وتتواصل مع روح زوجها، ولكنها قالت: أرجوك قُلْ له أن يواصل الانشغال بما قضى له الله من رحمة، فهذا أكثر بركةً له من التواصل معي.
كانت مولعة بالسفر والتمتع بمشاهد جمال الطبيعة. وفي صيف عام ۱۹۲۸ ذهب حضرة خليفة المسيح إلى كشمير وأقام مع مرافقيه في المراكب الراسية في نهر جهلُم هناك. وخلال عطلة المحكمة العليا ذهبنا نحن أيضًا إلى كشمير وأقمنا في مركب راس قبالة مركب حضرته و مرافقيه وكان معنا تشودري شاه نواز أيضًا. وكنت حينها قد رُشحت لعضوية لجنة المجلس التشريعي، واستدعيت لاجتماع اللجنة. وأثناء غيابي، فاضت مياه النهر مدة ثلاثة أيام وارتفع منسوب المياه إلى مستوى خطير، ومرت إحدى الليالي في قلق شديد. وقد أخبرتني أمي عند عودتي أنها أمضت الليلة كلها تدعو الله تعالى من أجل سلامة حضرة الخليفة وجميع مرافقيه. وفي إحدى المرات انزلقت مرساة قارب صاحبزادة ميرزا بشير أحمد ، وشعر الجميع بالهلع. خلد السيد "شاه نواز" للنوم في وقت مبكر، وتركته أمي ينام أثناء كل ذلك و لم تزعجه أبدا، وكانت تذهب إلى باب حجرته بين الفينة والأخرى لتتأكد من أنه ينام بسلام، وتضرعت إلى الله العلي القدير: يا رب، إنه نعمتك التي وهبتها برحمتك لوالده على الكبر، فأرجوك يا رب أن تحميه برحمتك، أما أنا فلست خائفةً على نفسي. لقد كانت تشعر بالأمان بجوار حضرة خليفة المسيح.
بينما كنا في كشمير ، دار الحديث بيننا عن تقدم الجماعة، وقد شعرت بالذهول عندما رأيت الناس لا يتأثرون من الحجج والمناقشات التي أجريتها معهم، بينما يتأثر بكلام أمي كثيرا كل من يتكلم معها، فسألتها أن تكشف لي هذا السر فقالت : تعرف جيدًا بأني أمية، وإذا كان هناك أي سر فيجب أن يكون حب الله وخوفه الذي في قلبي. فأدركتُ حينها أن هذا هو أعلى وأفضل مستوى من التعليم.
ربيع عام ١٩٣٠ ، عين السير فضل حسين عضوا في المجلس التنفيذي للحاكم العام بالهند ، فهنّأته على منصبه الجديد، وقلت له: إني سأفتقده كثيرًا في المقاطعة، فقال : لم أكن متحمسا جدًا لمغادرة المقاطعة، ولكن كان هنالك سببان؛
أولهما: أن الحاكم العام (اللورد إيروين، وفيما بعد اللورد هاليفاكس، حثني على ذلك، بحيث لم أستطع الرفض،
وثانيهما: لقد ترأستُ المكتب الوزاري في الولاية مدة عشر سنوات، ورغم أن من سيخلفني سيكون شخصًا واحدًا إلا أن الجميع يتوق أن يراني خارج ذلك المكتب على ما يبدو، فالأب عندما يتقدم به العمر ينفد صبر أبنائه المتطلعين لخلافته.
فقلت له معترضا : على كلامه توفي والدي قبل نحو أربع سنوات، ولم يفارقني الاشتياق له لحظة واحدة، فهز رأسه وقال في لهجة جادة: الآباء مثل والدك قليلون جدا، والأبناء مثلك قليلون أيضا. وقد تأثرت جدا بهذا الكلام.
أعيد انتخابي بالإجماع عام ۱۹۳۰ لمجلس البنجاب التشريعي، وفي الوقت نفسه تقريبا عقدت حكومة جلالة الملك مؤتمر المائدة المستديرة في لندن حول الإصلاحات الدستورية الهندية، وقد رشحت كأحد ممثلي الهند البريطانية، وقد أرسل حاكم البنجاب، السير جيفري مونتمورينسي، في طلبي، وحاول إقناعى بقبول منصب وزير، فقلت له إني أفضل الذهاب إلى مؤتمر المائدة المستديرة.
كان افتتاح المؤتمر في قصر سانت جيمس مهرجانًا، ورغم أن الهيئة الوطنية الهندية (Indian National Congress) قد رفضت المشاركة، إلا أن جميع الجهات الأخرى، الأميرية والهندية البريطانية، كانت ممثلة في المؤتمر، وقد ترأس وفد المسلمين سمو الآغا خان، وتضمن الوفد عددًا من الشخصيات المرموقة كالسيد محمد علي جناح، والأخوين علي (مولانا شوكت علي ومولانا محمد علي، والسير محمد شفيع وابنته بيغم شاه نواز، والسير أحمد سعيد خان ونواب تشهاتاري، والسير سيد سلطان أحمد، والسير عبد الحليم غزنوي، ونواب السيد عبد القيوم خان، وعدد آخر. ولقد كان امتيازا أن أكون مع ممثلي المجموعة الأميرية وممثلي الهنود البريطانيين، وكذلك العمل تحت قيادة أكرم شخصية ، وهو سمو آغا خان الذي بسببه حصلت على العديد من الامتيازات في السنوات التي تلت تلك السنة.
أعيد انتخابي بالإجماع عام ۱۹۳۰ لمجلس البنجاب التشريعي، وفي الوقت نفسه تقريبا عقدت حكومة جلالة الملك مؤتمر المائدة المستديرة في لندن حول الإصلاحات الدستورية الهندية، وقد رشحت كأحد ممثلي الهند البريطانية، وقد أرسل حاكم البنجاب، السير جيفري مونتمورينسي، في طلبي، وحاول إقناعى بقبول منصب وزير، فقلت له إني أفضل الذهاب إلى مؤتمر المائدة المستديرة.
كان افتتاح المؤتمر في قصر سانت جيمس مهرجانًا، ورغم أن الهيئة الوطنية الهندية (Indian National Congress) قد رفضت المشاركة، إلا أن جميع الجهات الأخرى، الأميرية والهندية البريطانية، كانت ممثلة في المؤتمر، وقد ترأس وفد المسلمين سمو الآغا خان، وتضمن الوفد عددًا من الشخصيات المرموقة كالسيد محمد علي جناح، والأخوين علي (مولانا شوكت علي ومولانا محمد علي، والسير محمد شفيع وابنته بيغم شاه نواز، والسير أحمد سعيد خان ونواب تشهاتاري، والسير سيد سلطان أحمد، والسير عبد الحليم غزنوي، ونواب السيد عبد القيوم خان، وعدد آخر. ولقد كان امتيازا أن أكون مع ممثلي المجموعة الأميرية وممثلي الهنود البريطانيين، وكذلك العمل تحت قيادة أكرم شخصية ، وهو سمو آغا خان الذي بسببه حصلت على العديد من الامتيازات في السنوات التي تلت تلك السنة.
فُض المؤتمر في كانون الثاني / يناير عام ۱۹۳۱، وفي نيسان/إبريل عام ۱۹۳۱ عُينت رئيسًا لمجلس التاج البريطاني أثناء محاكمة مؤامرة دلهي، وأقمتُ في دلهي. وقد قسمت أمي وقتها بين دسكه ولاهور ودلهي.
الأحلام والنذر:
انعقد مؤتمر المائدة المستديرة الثاني في خريف عام ١٩٣١، ورشحت مرة أخرى كأحد المندوبين. كانت محاكمة المؤامرة تحرز تقدما بطيئا، وقد قمت باستجواب المتهم الرئيس خلال سبع عشرة جلسة في المحكمة، وتم استجوابه من قبل مجلس الدفاع بطريقة متروية عندما غادرت إلى لندن. وقد نجح الحاكم العام في إقناع الهيئة الوطنية الهندية بالمشاركة في مؤتمر المائدة المستديرة ، فرشحت الهيئة السيد غاندي ممثلا وحيدًا عنها، وقد أنهى المؤتمر أعماله في كانون الأول/ديسمبر، وعُدتُ إلى دلهي بينما لا يزال المتهم تحت الاستجواب.
رأت أمي في منامها أني أحتفل بزواجي بأساف، الابنة الصغرى للسير فضل حسين، فطلبت مني أن أسأل حضرة خليفة المسيح عن تفسير هذه الرؤيا الغريبة، فكان تفسير حضرته أني سأعاني بعض الإصابات الجسدية، وأني سأحقق رتبة عالية بدعم من السير فضل حسين.
ذهبت إلى لاهور أثناء عطلة المحكمة في عيد الميلاد لأكون مع أمي، وفي صباح يوم عيد رأس السنة، عام ۱۹۳۲ ، كنت أستعد للعودة إلى دلهي عندما لاحظت أن أمى تبدو مكروبة وتنزل من عينيها بعض الدموع خلسة بين الفينة والأخرى، فقلقتُ من ذلك وسألتها: أيقلقك شيء؟ فردّت بابتسامة: لا ، أنا حزينة فقط لفراقك. فاقترحت عليها أن ترافقني، فقالت أنها ستلحق بي بعد أيام قليلة.
بعد أن غادرت "مودل تاؤن، توقفتُ عدة دقائق في لاهور لرؤية صديق لي، وعندما ودّعته وكنت على وشك فتح الباب الخلفي للسيارة، اقترح علي أن أجلس في المقعد الأمامي إلى جانب السائق للمزيد من الراحة لأن الرحلة طويلة، وفتح لي الباب الأمامي، فجلست في السيارة بعد الساعة ١,٣٠ بوقت قصير. وعندما كنا بين مدينتي گرتار بور وجالندهر، انحرفت سيارة كانت أمامنا عن المعبد من الطريق إلى الجزء غير المعبد، مما أدى إلى تصاعد غيمة كثيفة من الدخان، اصطدمت سيارتنا بعربة تجرها ثيران، مما أسفر عن مقتل واحد منهم، و تحطم رادياتورسيارتنا، كما حطَّم قضيب عربة الثيران زجاج سيارتنا الأمامي، وضُرب الجانب الأيسر من وجهي مما جعلني أدوخ للحظات، وانتزع جلد خدي وخرج عظمه وانخلع التجويف الذي حول عيني اليسرى، ولكن لم تصب عيني بأذى، كما انحنى الحاجز الأنفي وشقت شفتي العليا، وفقدت عدة أسنان ونزف الدم بغزارة. ولحسن الحظ، نجا السائق دون أن يصاب بأذى.. توقفت شاحنة كانت تمر قربنا ، ونقلتني إلى المستشفى المدني في جالندهر حيث ضمّد طبيب جروحي وعالج إصاباتي بطريقة جيدة جدًا، وخُصصت لي غرفة في المستشفى، وتكرم الشيخ غلام دستغير، وهو محام صديق لي في البلدة، ببذل أقصى جهده لراحتي. وقد أبلغت أمي بذلك هاتفيًّا، فوصلت المستشفى في منتصف الليل تقريبًا، وكان ردّ فعلها الأول أن شكرت الله تعالى بعميق الامتنان أنه برحمته أنقذني من الموت، ثم أخبرتني أن قلقها وكربها حين كنت أغادر لاهور كان بسبب رؤيا رأتها في الليلة السابقة؛ حيث رأت سحابة سوداء ظهرت فجأة وغطت كل شيء، ثم لمع البرق منها، وبعد ذلك انجلى كل شيء، فقال الناس إنه لم ينجم عن ذلك ضرر كبير، ولكن تضرر المنزل المجاور. ثم لاحظت أن بقعة سوداء ظهرت على الجدار الخارجي لغرفتي حين لمع البرق، فأخرجت الصدقات بعد هذه الرؤيا، ولكنها كانت قلقة.
بعد يومين في مستشفى جالندهر، انتقلتُ إلى مستشفى "ميو" في لاهور، حيث بقيت مدة عشرة أيام ثم سُمح لي بالذهاب إلى منزلي في "موديل تاؤن"، وشفيت إصاباتي بصورة مُرضية. وفي مساء يوم السادس عشر من كانون الثاني/يناير، ارتفعت درجة حرارتي فجأة وأُصبت بحمى شديدة، وشعرت بأني أصبت بنوبة ملاريا مفاجئة ستهدأ بسرعة، ولكن أمي اضطربت كثيرًا وشغلت نفسها بالتضرع والدعاء لله تعالى وبقيت معي حتى منتصف الليل حيث أصبحت درجة حرارتي طبيعية، ولما اطمأنت علي، أخبرتني عن سبب اضطرابها المفرط، فقالت: عندما كنا في جالندهر رويت لك جزءًا من الرؤيا فقط، أما الجزء الثاني الذي لم أروه لك فكان أني رأيت نفسي ذاهبة مع بعض نساء الأسرة إلى سطح المنزل المجاور ونزلنا إلى المنزل، فتحدثنا مع أهل المنزل لبعض الوقت، وفي العودة صعدنا إلى سطح منزلهم، وحين كنت على وشك أن أخطو نحو السطح ، تراجعتُ. حيث استرعى انتباهي أن السقف قد اختفى، و لم يبق منه سوى عدد قليل من العوارض الخشبية العارية، فحذرتُ رفيقاتي بأن السقف ينهار ، وأعربت عن دهشتي في أن السقف كان يبدو جميلاً ومزينا طالما كنا في الغرفة، أما الآن فقد دمّر كل شيء، ثم استيقظتُ. وحين ارتفعت درجة حرارتك هذا المساء فجأةً خشيت أن الجزء الثاني من رؤيتي على وشك أن يتحقق، فقلقت، والحمد لله على سلامتك.
وفي وقت مبكر من صباح اليوم التالي، ١٧ كانون الثاني/ يناير ۱۹۳۲ ، وصلت برقية من بهار تخبرنا أن والد زوجتي، شمشاد علي خان، قد قتل وأن جثته نُقلت إلى قاديان ليدفن هناك. هذا الأمر ذكرني برؤيا لي قبل عشرين سنة عندما كنت طالبا في لندن، في بداية كانون الثاني/ يناير عام ۱۹۱٢ . رأيت في المنام أن أحدهم أعطاني قطعة من الورق كتب عليها باللغة الأردية: شمشاد على خان الذي كان مركز الكثير من الآمال وافته المنية في السادس عشر من هذا الشهر. هناك دلالات كثيرة وراء هذا، فعندما استيقظت دوّنت ذلك في دفتر ملاحظاتي. كان شمشاد علي خان حينها طالبًا في الكلية الحكومية في لاهور. كنا أصدقاء حميمين وكنا نتراسل بصورة منتظمة، وكان متزوجا وله ابنة، ولدت في كانون الأول/ ديسمبر عام ۱۹۱۰ ، وحين رأيت تلك الرؤيا كانت تزيد قليلا عن عام واحد فقط من العمر. كتب لي شمشاد علي خان في إحدى رسائله أنه رأى في الرؤيا أنني أداعب طفلته. كانت أمي تحب شمشاد علي خان كواحد من أبنائها، وكان منزله قريبا من منزلنا.
في اليوم التالي ذهبت من لاهور إلى أمر تسار، ومن هناك رافقتُ جسده إلى قاديان، وبعد أن انتهى ذلك الواجب الحزين، ذهبت إلى دلهي واستأنفت عملي رئيسا لمجلس التاج البريطاني في قضية المؤامرة، وكانت أمي كلما سنحت لها الفرصة أثناء رحلة ما تمر على جالندهر لتصلي ركعتين شكرًا الله تعالى الذي أنقذ حياتي برحمته.
وعندما تأجلت المحكمة بسبب عطلة عيد الفصح ، ذهبتُ إلى لاهور لأكون مع أمي، وهناك تلقيت رسالة أن السير فضل حسين يرغب في مقابلتي في "شمله" على طريق عودتي إلى دلهي. فعندما وصلت "شمله"، وجدت أن الرجل كان مريضًا في السرير، وبينما كنت في غرفته أخبرني أن حالته الصحية التي ظلت على حالها منذ سنوات، قد تدهورت، لذلك اضطر إلى طلب إجازة لمدة أربعة أشهر، وأنه أوصى الحاكم العام (اللورد ولندن أن أتولى أنا مهام منصبه أثناء غيابه، وقد وافق الحاكم العام على ذلك. وكان هذا يعني أنه يجب أن أستقيل من منصبي في مجلس التاج البريطاني في قضية المؤامرة. كان المتهمون في القضية مجموعة من الشباب الإرهابيين المتعلمين الذين عينوا محاميًا من اختيارهم للدفاع عنهم على نفقة الحكومة، وكانوا يلجأون إلى جميع أنواع الحيل وإلى كل وسيلة يظنون أنها قد تعرقل المحاكمة وتحبط الادعاء. في نهاية آخر يوم من مثولي أمام المحكمة، قدّم كل من الرئيس ومحامي الدفاع تعليقات الوداع التقليدية، وأشار اثنان من المتهمين إلى أنهما يرغبان أيضًا في قول شيء. فخفتُ أن تكون تعليقاتهم محرجة لي، لكني فوجئت حين قالا: نضم صوتنا إلى ما قاله محامينا ، ليس لدينا مؤهلات نستطيع بها التعليق على المقدرة القانونية لمحامي مجلس التاج البريطاني، ولكننا نود أن نعترف أنه قد أدار قضية الادعاء بنزاهة. وكان أحدهما قد أفرج عنه بكفالة، فجاء لمحطة السكة الحديد ليودّعني شخصيًا.
ذهبت من دلهي إلى لاهور للقاء السير فضل حسين الذي كان مدعوا للغداء في اليوم التالي من قبل أصدقائه والمعجبين به، فسألته إن كان لديه أية تعليمات لي، فقال: لا يمكنني أن أقول لك دائما ما عليك فعله، عليك أن تسبح بنفسك أو تغرق. ترقيتُ فجأة، بمحض فضل الله ، إلى أعلى منصب في الدولة من دون أي خبرة سابقة في الإدارة العامة. كان ملجأي الوحيد هو السعي وراء التوجيهات الإلهية من خلال الدعاء. عندما وصلت إلى "شمله" وجدت أن هناك اجتماعا لمجلس الوزراء بعد ظهر اليوم ،حيث سيقدم في الاجتماع مشروع رسالة تفويض وزارة الدفاع إلى وزير الدولة لشؤون الهند فيما يتعلق بالتعديلات الدستورية المقترحة، ولم أكن أعرف عن مسألة الدفاع شيئًا، ولم يكن أحد المقربين مني مؤهلاً لأستشيره من حول هذا الموضوع. فبدأتُ بدراسة الرسالة، ولما تقدمت في دراستها، وجدتها وثيقة جذابة يمكنني فهمها دون صعوبة كبيرة، فشعرت أنه يمكن تحسين أربعة أشياء منها بشكل طفيف فأشرت بعلامة صغيرة على هامشها.
في الاجتماع كان يساعد القائد الأعلى السير فيليب ستيورد رئيس هيئة الأركان الجنرال ويجرام عندما جاء دوري قدمت الاقتراحات حول الأماكن التي أشرت إليها أثناء دراستي الرسالة، وكنت في كل مرة ألاحظ الجنرال ويجرام يبتسم ويومئ برأسه تقديرا، ثم استند إلى الأمام وهمس للسير فيليب الذي أفاد بالقبول.
خرجت من الاجتماع وأنا أشعر أنني بفضل الله تعالى، اجتزت أول اختبار بنجاح، وبالإضافة إلى ذلك، كما اتضح، فزتُ بصداقة ودعم
السير فيليب ستيورد ، التي نفعتني جدًا في بعض اللحظات الحاسمة. وفي السياق المناسب، وضع مشروع رسالة تفويض وزارة الداخلية أمام مجلس الوزراء، فاعترضتُ على إحدى القضايا في المشروع، ووافق على اعتراضي بقية أعضاء مجلس الوزراء، وكنت قد ذيلت اعتراضي الرسالة، فعلق وزير الدولة بقوله: الحل الوحيد المعقول والممكن عمليا لهذه المشكلة الصعبة هو الحل المبين في فقرة الاعتراض.
كانت أمي معنا في "شمله"، وفي وقت متأخر من مساء الأول من تموز/ يوليو عام ۱۹۳٢، تلقيت برقية من لاهور أرسلها أخي أسد الله خان يخطرنا فيها أن ابن عمنا تشودري جلال الدين، نائب مدير عام مكتب البريد، الذي كان مقربًا جدًا من أمي، قد توفي بعد ساعات قليلة من المرض. كانت أمي هادئة تلك الليلة، فارتأيت وتشودري بشير أحمد، الذي كان معي عندما تسلمت البرقية أن نؤجل نقل الخبر الحزين إليها حتى الصباح، حتى لا نزعجها تلك الليلة. وقد ذهبت إليها في صباح اليوم التالي، فوجدتها مستريحة في السرير والقلق باد على محياها، فسألتها عن السبب فقالت إنها قلقة بسبب اثنتين من الرؤى رأتهما الليلة السابقة؛ حيث رأت في الأولى والدي يساعد أحد أفراد الأسرة الذي لم تستطع تمييزه لأنه كان ملفوفا بملاءة بيضاء أسفل الدرج. ثم استيقظت، وعندما نامت مرة أخرى رأت شخصا يقدم لها دفتر مذكرات، ولما استفسرت عن هذا الدفتر، أخبروها أن جلال الدين قد انتقل، وهذا دفتر حسابه. فقلت لها: إذا قد لا يكون من المناسب لك السفر اليوم،
ذهبت من دلهي إلى لاهور للقاء السير فضل حسين الذي كان مدعوا للغداء في اليوم التالي من قبل أصدقائه والمعجبين به، فسألته إن كان لديه أية تعليمات لي، فقال: لا يمكنني أن أقول لك دائما ما عليك فعله، عليك أن تسبح بنفسك أو تغرق. ترقيتُ فجأة، بمحض فضل الله ، إلى أعلى منصب في الدولة من دون أي خبرة سابقة في الإدارة العامة. كان ملجأي الوحيد هو السعي وراء التوجيهات الإلهية من خلال الدعاء. عندما وصلت إلى "شمله" وجدت أن هناك اجتماعا لمجلس الوزراء بعد ظهر اليوم ،حيث سيقدم في الاجتماع مشروع رسالة تفويض وزارة الدفاع إلى وزير الدولة لشؤون الهند فيما يتعلق بالتعديلات الدستورية المقترحة، ولم أكن أعرف عن مسألة الدفاع شيئًا، ولم يكن أحد المقربين مني مؤهلاً لأستشيره من حول هذا الموضوع. فبدأتُ بدراسة الرسالة، ولما تقدمت في دراستها، وجدتها وثيقة جذابة يمكنني فهمها دون صعوبة كبيرة، فشعرت أنه يمكن تحسين أربعة أشياء منها بشكل طفيف فأشرت بعلامة صغيرة على هامشها.
في الاجتماع كان يساعد القائد الأعلى السير فيليب ستيورد رئيس هيئة الأركان الجنرال ويجرام عندما جاء دوري قدمت الاقتراحات حول الأماكن التي أشرت إليها أثناء دراستي الرسالة، وكنت في كل مرة ألاحظ الجنرال ويجرام يبتسم ويومئ برأسه تقديرا، ثم استند إلى الأمام وهمس للسير فيليب الذي أفاد بالقبول.
خرجت من الاجتماع وأنا أشعر أنني بفضل الله تعالى، اجتزت أول اختبار بنجاح، وبالإضافة إلى ذلك، كما اتضح، فزتُ بصداقة ودعم
السير فيليب ستيورد ، التي نفعتني جدًا في بعض اللحظات الحاسمة. وفي السياق المناسب، وضع مشروع رسالة تفويض وزارة الداخلية أمام مجلس الوزراء، فاعترضتُ على إحدى القضايا في المشروع، ووافق على اعتراضي بقية أعضاء مجلس الوزراء، وكنت قد ذيلت اعتراضي الرسالة، فعلق وزير الدولة بقوله: الحل الوحيد المعقول والممكن عمليا لهذه المشكلة الصعبة هو الحل المبين في فقرة الاعتراض.
كانت أمي معنا في "شمله"، وفي وقت متأخر من مساء الأول من تموز/ يوليو عام ۱۹۳٢، تلقيت برقية من لاهور أرسلها أخي أسد الله خان يخطرنا فيها أن ابن عمنا تشودري جلال الدين، نائب مدير عام مكتب البريد، الذي كان مقربًا جدًا من أمي، قد توفي بعد ساعات قليلة من المرض. كانت أمي هادئة تلك الليلة، فارتأيت وتشودري بشير أحمد، الذي كان معي عندما تسلمت البرقية أن نؤجل نقل الخبر الحزين إليها حتى الصباح، حتى لا نزعجها تلك الليلة. وقد ذهبت إليها في صباح اليوم التالي، فوجدتها مستريحة في السرير والقلق باد على محياها، فسألتها عن السبب فقالت إنها قلقة بسبب اثنتين من الرؤى رأتهما الليلة السابقة؛ حيث رأت في الأولى والدي يساعد أحد أفراد الأسرة الذي لم تستطع تمييزه لأنه كان ملفوفا بملاءة بيضاء أسفل الدرج. ثم استيقظت، وعندما نامت مرة أخرى رأت شخصا يقدم لها دفتر مذكرات، ولما استفسرت عن هذا الدفتر، أخبروها أن جلال الدين قد انتقل، وهذا دفتر حسابه. فقلت لها: إذا قد لا يكون من المناسب لك السفر اليوم،
فصرخت : لماذا، ما الذي حدث؟ فأخبرتها بوفاة ابن عمي.
أثناء الحكم البريطاني في الهند ، رابط عدد من الوحدات العسكرية البريطانية في الهند، وتحملت الهند مرتباتهم وغيرها من المصاريف، وأدرجت في ميزانية الدفاع عن الهند، كما تحملت الهند نسبة معينة من النفقات التي أنفقتها بريطانيا فيما يتعلق بتوظيفهم وتدريبهم، وقد سُمّيت هذه النفقات بضريبة الرؤوس. ألحت الهند على بريطانيا لبعض الوقت أنه يشق عليها تحمل معدلات ضريبة الرؤوس؛ فتقرر تعيين محكمة لدراسة هذه المسألة وتقديم تقرير عن ذلك. كانت المحكمة تتألف من رئيس المحكمة العليا من أستراليا، واثنين من بريطانيا واثنين من القضاة الهنود كأعضاء، وكانت المحكمة ستنعقد في لندن خلال فصل الخريف، وقد ذكر لي الحاكم العام أن السير فيليب ستيورد متحمس لأن أقوم أنا بتقديم قضية الهند إلى المحكمة، ولكن السير صمويل هور، وزير الدولة لشؤون الهند، يرغب بأن أحضر مؤتمر المائدة المستديرة الثالث، الذي سيعقد في نفس الفترة تقريبًا، فاخترت الذهاب إلى مؤتمر اجتماع المائدة المستديرة.
قدمت حكومة صاحب الجلالة الكتاب الأبيض إلى البرلمان بعد المؤتمر،
تبين فيه مقترحات بشأن الإصلاحات الدستورية الهندية التي أخذت في الاعتبار، ورفع التقرير إلى لجنة مختارة مشتركة من المجلسين التشريعيين، ودعت اللجنة وفدا هنديا إلى مشاركتها في استجواب الشهود، وكنت عضوا في الوفد. بدأت اللجنة جلساتها في ربيع عام ١٩٣٣، وبسبب العطلة تأجل استجواب الشهود إلى الخريف، وقد ترأست وفدا هنديا صغيرا خلال عطلة اللجنة إلى مؤتمر علاقات الكومنولث (رابطة الشعوب البريطانية) الذي كان يعقد في تورنتو في كندا.
عُيِّنتُ عام ١٩٣٤ خلفًا للسير فضل حسين حاكما عاما تنفيذيا للمجلس بعد انتهاء فترة ولايته في ربيع عام ١٩٣٥.
وقد تعبت زوجتي من غيابي المتكرر عن المنزل، لذلك طلبت من أمي نصحني في أن أخفف السفر إلى الخارج، لكن أمي رفضت اقتراحها قائلة : هو يعرف ما يجب عليه فعله، لا أريده أن يشعر بأن لدي أي رغبة في إعاقته عن أنشطته، وقد بقيت أمي برفقة زوجتي أثناء غيابي.
تبين فيه مقترحات بشأن الإصلاحات الدستورية الهندية التي أخذت في الاعتبار، ورفع التقرير إلى لجنة مختارة مشتركة من المجلسين التشريعيين، ودعت اللجنة وفدا هنديا إلى مشاركتها في استجواب الشهود، وكنت عضوا في الوفد. بدأت اللجنة جلساتها في ربيع عام ١٩٣٣، وبسبب العطلة تأجل استجواب الشهود إلى الخريف، وقد ترأست وفدا هنديا صغيرا خلال عطلة اللجنة إلى مؤتمر علاقات الكومنولث (رابطة الشعوب البريطانية) الذي كان يعقد في تورنتو في كندا.
عُيِّنتُ عام ١٩٣٤ خلفًا للسير فضل حسين حاكما عاما تنفيذيا للمجلس بعد انتهاء فترة ولايته في ربيع عام ١٩٣٥.
وقد تعبت زوجتي من غيابي المتكرر عن المنزل، لذلك طلبت من أمي نصحني في أن أخفف السفر إلى الخارج، لكن أمي رفضت اقتراحها قائلة : هو يعرف ما يجب عليه فعله، لا أريده أن يشعر بأن لدي أي رغبة في إعاقته عن أنشطته، وقد بقيت أمي برفقة زوجتي أثناء غيابي.
كانت والدتي في باحة المنزل الداخلية بعد ظهيرة أحد أيام عام ۱۹۳۳ حين رفعت عينيها نحو منزل مجاور لنا تحت الإنشاء، ولاحظت أن أحد البنائين يشير نحو باحة منزلنا الداخلية ويقف بجانبه عامل، فتخيلت للحظة أن البنّاء ربما يشير إلى العامل أن الدخول إلى المنزل ليلا سهل من خلال تسلق جدار الباحة الداخلية، ثم شعرت بالندم لأنها ظنت سوءاً بعاملين فقيرين نزيهين، ثم تضرعت إلى الله تعالى أن يصفح عنها هذا التقصير. وفي نفس الليلة بينما كانت نائمة في الشرفة المطلة على الباحة الداخلية، شعرت أن شخصا جلس بهدوء على حافة سريرها، ثم رُفع أحد أطراف الناموسية، وبدأت يد تتحسس واحدةً من أساورها الذهبية الثقيلة، فجلست وقالت: من أنت؟ وصرخت منادية أن تُنار الأضواء. ففرّ السارق بسماع ندائها. وعندما أنيرت الأضواء سقط في الفناء، فتبعثه موبخة إياه بشدة على صفاقته في انتهاك حرمة غرف حريم المنزل. فارتبك، وتراجع نحو جدار الفناء بينما ظلت تلاحقه وهي تنادي على الخدم، وأدركت أنها كانت في خطر كبير وأن المعتدي يمكن أن يقضي عليها بضربة واحدة، ولكن وهبها الله تعالى الشجاعة، فلحقت به حتى جدار الفناء، وفي غضون ذلك ، وصل أسد الله خان والخدم ووجدوا الرجل على أعلى جدار الفناء، فأمسكوا به، وطاردوا اثنين من رفاقه اللذين كانا بانتظاره في الخارج وأمسكوا بهما. وقد تبين لأمي أنهم العمال الذين رأتهم بعد الظهر. فسلّموا إلى الشرطة وقُدِّموا للمحاكمة بتهمة اقتحام منزل.
شعرت أمي بالأسى لما حدث لهم، وأعربت عن أملها في أن لا تساء معاملتهم بالسجن، لأنها تشعر بأنهم عمال فقراء استسلموا بلا تفكير إلى نزوة الإثم، وقد ارتعد الرجل الذي دخل إلى الباحة حتى من امرأة، فرأت أن سجنه ثلاثة أشهر أو أربعة كاف لمعاقبته، أما الاثنان الآخران فيجب إطلاق سراحهما. حكم القاضي عليهم جميعًا بالسجن مدة عام. وفي هذه المرحلة عدت إلى المنزل، وروت أمي لي الحادث، وحثثني على فعل شيء لتخفيف الحكم، فقلت لها إني لا أستطيع فعل شيء لأن الاستئناف في قضيتهم قيد النظر أمام قاضي محكمة المدينة، وإذا هم وثقوا بي فإنني مستعد لأن أقوم بالمرافعة عنهم في الاستئناف مجانًا، وربما سيؤدي ذلك إلى تساهل القاضي معهم على اعتبار أني أناشده الرحمة تجاههم، ولكن سيكون ذلك محرجًا لي، لأن القاضي قد يظن أني أرافع في قضيتهم لأحصل منهم على المال، ثم إنه لكي أساعدهم لا بد لي من
أن أنقض إفادة أسد الله خان (شقيقي) والخدم.
قالت أمي: لا أريد أن أضعك في هذا الموقف، بل فكر في حل آخر.
شعرت أمي بالأسى لما حدث لهم، وأعربت عن أملها في أن لا تساء معاملتهم بالسجن، لأنها تشعر بأنهم عمال فقراء استسلموا بلا تفكير إلى نزوة الإثم، وقد ارتعد الرجل الذي دخل إلى الباحة حتى من امرأة، فرأت أن سجنه ثلاثة أشهر أو أربعة كاف لمعاقبته، أما الاثنان الآخران فيجب إطلاق سراحهما. حكم القاضي عليهم جميعًا بالسجن مدة عام. وفي هذه المرحلة عدت إلى المنزل، وروت أمي لي الحادث، وحثثني على فعل شيء لتخفيف الحكم، فقلت لها إني لا أستطيع فعل شيء لأن الاستئناف في قضيتهم قيد النظر أمام قاضي محكمة المدينة، وإذا هم وثقوا بي فإنني مستعد لأن أقوم بالمرافعة عنهم في الاستئناف مجانًا، وربما سيؤدي ذلك إلى تساهل القاضي معهم على اعتبار أني أناشده الرحمة تجاههم، ولكن سيكون ذلك محرجًا لي، لأن القاضي قد يظن أني أرافع في قضيتهم لأحصل منهم على المال، ثم إنه لكي أساعدهم لا بد لي من
أن أنقض إفادة أسد الله خان (شقيقي) والخدم.
قالت أمي: لا أريد أن أضعك في هذا الموقف، بل فكر في حل آخر.
قلتُ: إذا رفض الاستئناف، ورَفضت المحكمة العليا تعديل الحكم، فيمكنني أن أطلب من الحاكم تخفيف عقوبتهم.
قالت: إنها لا ترى ذلك مناسبًا أيضًا، فقررت الدعاء لهم، وواصلت
تضرعاتها الله تعالى من أجلهم طوال فترة انتظار الاستئناف.
خفف القاضي حكم الجاني الرئيسي إلى السجن أربعة أشهر، ورفيقيه الآخرين إلى مدة السجن التي قضوها حتى إعلان هذا الحكم. وقد سُرَّت أمي بهذا الحكم، وحمدت الله على رحمته بهؤلاء الجناة.
قالت: إنها لا ترى ذلك مناسبًا أيضًا، فقررت الدعاء لهم، وواصلت
تضرعاتها الله تعالى من أجلهم طوال فترة انتظار الاستئناف.
خفف القاضي حكم الجاني الرئيسي إلى السجن أربعة أشهر، ورفيقيه الآخرين إلى مدة السجن التي قضوها حتى إعلان هذا الحكم. وقد سُرَّت أمي بهذا الحكم، وحمدت الله على رحمته بهؤلاء الجناة.
في ربيع عام ۱۹٣٤، رأت رؤيا غريبة تحققت من عدة نواح. لقد رأت أنها في غرفتها، ورأت من خلال نافذة الغرفة أن كرة من الضوء تتأرجح ببطء عبر النافذة من اليمين إلى اليسار مثل رقاص الساعة، وعندما وصلت إلى وضع عمودي أمام النافذة صدر عنها صوت مهيب جدا، وسمعت عبارة بالبنجابية: سيكون ظفر الله خان بن نصر الله خان رئيس المحكمة العليا. ثم تأرجحت الكرة إلى اليسار ثم عادت لليمين، وعندما وصلت للوضع العمودي أمام النافذة مرة أخرى، تكررت نفس العبارة بطريقة تأكيدية، ثم تكررت الظاهرة للمرة الثالثة. وبعد ذلك استيقظت.
روت لي هذه الرؤيا، ومهما كان التفسير ، فإن بعض الأمور كانت واضحة النور، وجلالة الصوت والتأكيد على "سيكون" تشير جميعها إلى أن ما كان يجب أن يحدث سيحدث رغم ما يبدو من استحالته، وإن تحديد هويتي بأن والدي اسمه "نصر الله"، يعني أن ذلك لن يتحقق بشكل طبيعي، بل بفضل الله المحض، كما يعني ضمنًا أنني خلال الفترة الفاصلة، وبفضل الله تعالى لن أكون مغمورا أو معوزا.
تحققت الرؤيا عام ۱۹۷۰ ، بعد ست وثلاثين سنة من رؤيا أمي، وبعد
اثنتين وثلاثين سنة من وفاتها ، و لم تنشأ هذه المحكمة التي تحققت من خلالها الرؤيا إلا في ٦ شباط / فبراير ١٩٤٦ ، والذي صادف ميلادي
الثالث والخمسين.
اثنتين وثلاثين سنة من وفاتها ، و لم تنشأ هذه المحكمة التي تحققت من خلالها الرؤيا إلا في ٦ شباط / فبراير ١٩٤٦ ، والذي صادف ميلادي
الثالث والخمسين.
إن تحقق الرؤيا وتاريخ تحققها وكيفية تحققها تقدم لعالم اليوم المتشكك والمادي دليلاً إيجابيًا لا يُدحض على وجود الله العليم القدير الذي تمكنت خادمته البسيطة الأُميّة التي لا تملك سوى خشية الله وحبه من إقامة صلة مباشرة معه.
لقد كان تحقق الرؤيا ذروة حياتي المهنية، وقد يكون مفيدا ذكر الحوادث ذات الصلة في حياتي المهنية والتي اختصرت في هذا السياق.
تعليقات
إرسال تعليق