المواعظ البذيئة:
الإخوة الذين سمعوا مواعظ المشايخ في المساجد سوف يفهمون جيــــدا قصد الإمام الغزالي من وراء قوله السالف. إنهم يقرؤون الآيات القرآنية أو الأحاديث بألحان الأغاني السينمائية مرة وعن طريق الحكايات العشقية الشعبية مرة أخرى، ويوردون خلال حديثهم الأغاني السينمائية، ويقولون إننا بذلك نشرح الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة. ويأتون بمثل هذا الهراء في شرح واقعة معراج النبي أيضا (والعياذ بالله). إنني أتساءل متحيراً: ألا تقشعر جلودهم وقلوبهم عند استخدام أبيات بذيئة من شعر الأفلام لشرح مكانة النبي الله من ناحية يدعون بحماية ختم النبوة، ومن ناحية ثانية يطبقون الأبيات السينمائية النجسة على أطهر الخلق ، ومن ناحية أخرى يقولون بأن اللقاء بمناسبة كذا وكذا كان اللقاء الأول بــين أن الله والنبي ، مع أن الله تعاللا كان مع النبي في كل حين وآن، كما يتبين من قوله تعالى بلسان النبي في "غار ثور": لا تحزن إن الله معنا .. أي أنه لم ينفصل من الله تعالى ولو للحظة. إنهم يدعون بحب النبي، ورغم ارتكابهم الإهانات في حقه لهذه الدرجة المخيفة بحيث لا يجدون لبيان مكانة النبي السامية إلا كلمات الأغاني السينمائية!!
تعليق المودودي على المشيخة:
وفي الأخير اسمعوا تعليق الشيخ المودودي على المشايخ، ومن خلاله يمكنكم أن تقدروا مكانتهم، حيث يدلي المودودي بالبيان التالي عـــن العلماء على وجه الخصوص بعد تعليقه على عامة المسلمين: من المؤسف جدا أن العلماء أنفسهم - إلا ما شذ وندر - كانوا قد تجردوا من روح الإسلام الحقيقية. لم تكن فيهم قوة الاجتهاد، كما لم يبق فيهم التفقه ولا الحكمة ولا القدرة على العمل. ما كانوا يملكون القدرة على استنباط قوانين الإسلام الدائمة والمرنة من كتاب الله وهدي الرسول العلمي والعملي، ثم الاستفادة منها في الظروف المتغيرة للزمن. وكان داء تقليد الأسلاف الأعمى والجامد قد تمكن منهم، وبالتالي كانوا يبحثون عن كل شيء في كتب لم تكن من الله تعالى ولم تكن مترفعة عن قيود الزمن، وكانوا في كل أمر يرجعون إلى أناس لم يكونوا أنبياء الل حتىه تكون بصيرتهم متحررة عن قيود الأوقات والحالات، فكيف كان بإمكانهم أن يقودوا المسلمين قيادة ناجحة في زمن كان قد تغير تماما، وكان التغير العظيم قد حدث في عالم العلم والعمل. ذلك التغير العظم الذي كانت العين الإلهية فقط لتدركه وما كان لعين إنسان غير النبي أن تصل إليه بخرق حجب القرون " (تنقيحات الإسلام وتصادم الحضارة الغربية، للمودودي، ص ۲۷ تحت عنوان: الأقوام المريضة في العصر الحديث)
ما هي الحقيقة؟ انتبهوا إليها جيدا مرة أخرى! إنها لفقرة هامة وجديرة بالانتباه وتحمل لكم رسالة هامة أيضا. يتساءل المودودي: لماذا خابت آمال العلماء القدامى، ولماذا انتشر الفساد في الأمة المسلمة؟ ثم يرد بنفسه على سؤاله قائلا: لأن العلماء الذين رجع الناس إليهم ما كانوا أنبيـاء الذين تتحرر بصيرتهم عن قيود الزمن والأوضاع. كانوا يتوقعـــون مــــــن العلماء أنهم سوف يكشفون حلا لمصائب متجددة يأتي بها الدهر المتقلب، وسيكتشفون أساليب التصدي للمصائب الراهنة التي تهاجم الإسلام كلَّ يوم جديد. ولكن العلماء ما كانوا مؤهلين لذلك في الظروف المتغيرة. وإن نظرة الله فقط، أو نظرة النبي الذي يتلقى العرفان من الله تعالى هــي التي تتدارك مثل هذا الموقف. ولو لم يحصل أحد الأمرين فكيف تزول حجب كانت موجودة منذ قرون؟ كأنه يقول : انتبهوا إلي ، وأَصغُوا لي فإني قد جئت برسالة الهدايـــة والحياة لكم. يا له من ادعاء! هل جاء برسالة الله تعالى فاستطاعت نظرته أن تخرق الحجب التي لم يستطع العلماء الأسلاف والمجددون إزاحتها منذ قرون؟
ترون أنه من ناحية يُكذِّب سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود ال ويقول بأنه نشر الفساد، ومن ناحية ثانية يعلن قائلا: إنني جئت لهدايتكم، وكتبي تضم حلولا لمشاكلكم، فانضموا إلى جماعتي لكي يحي دين الإسلام.
أتساءل: هل هذا إعلان النبوة أم إعلان الألوهية؟ وإلا فهو كاذب فيما يقول. كان عليك أيها المودودي، إن كنت صادقا، أن تقرّ بأن الله يبعث نبيًّا عارفًا بالله حين تنزل مشاكل جديدة، إذ لا يمكن أن تُدرك نظرة غير النبي كنه هذه المشاكل ولا يقدر غيرُه على حل تلك المصائب. وإلا فعلى أي أساس تعتبر نفسك مصيبا فيما تدعي وتقول؟
الحقيقة أن أقوالك هذه كلها باطلة وليس لك إلا سبيل واحد وهو أن تصدق من وهبه الله تعالى علمًا ومعرفة والذي بشر به الرسول . ولكنك رفضت الذي جاءك لعلاج كافة أمراضك، فماذا تتوقع الآن لنفسك؟
السبيل الوحيد للنجاة:
فيا أيها المسلمون، لقد قدمت لكم الأمر الواقع، وليس لكم إلا مــا أخبرتكم به. إن كنتم تريدون الحياة فأنقذوا أنفسكم من الذين اعتبرهم الرسول مصدرًا لجميع الفتن ومعادها. وتذكروا أنكم لن تجدوا طريق الحياة بعد رفضكم حكم محمد المصطفى .. والمرض الذي شخصه النبي لا بد أن تعترفوا به، وإن لم تعترفوا به اليوم فستعترف به أجيالكم غدا. ولا علاج له إلا بما وصفه الرسول . أي لا بد لكم من الإيمان بسيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود، الإمام الرباني الذي بعثه الله لإحياء الإسلام، وإن لم تؤمنوا به فلن يُكتب لكم إلا الموت الأبدي.
ألقيت بتاريخ ۲۲ آذار / مارس ١٩٨٥م في مسجد "الفضل" بلندن)
تعليقات
إرسال تعليق