الحرية الثامنة
مأساة
مسلمي كشمير وفلسطين وخدمات الأحمدية
أُلقيت بتاريخ ١٥ آذار/مارس ١٩٨٥م
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسم الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالك يَوْمِ الدِّين * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) (آمين)
كنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وتُؤْمِنُونَ بِالله وَلو آمَنَ أَهْلَ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ * ........ لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آیات اللهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ * يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأَوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (آل عمران الآية ١١١، ١١٤ - ١١٦)
هذه الآيات تلفت الأنظار إلى تبليغ أهل الكتاب بالإسلام. وإلى جانب ذلك قد قيل بكل تودّد وأسلوب حكيم للغاية أنه لو لم يقبل أهل الكتاب الإسلام لكان ذلك تقصيرا منهم. أما فيما يتعلق بخدام المصطفى فلا ذنب لهم في هذا الصدد لأنهم لا يقصِّرون أبدا في أداء واجب الدعوة، إنهم يبلغون بأسلوب تتم به الحجة. وعلاوة على ذلك يستنكر القرآن، بشكل عام فكرة طرد أهل الكتاب واستنكارهم كليا وكأنه لم يبق فيهم خير إطلاقًا. كما يبيّن القرآن أن اعتبار قوم من الأقوام ملعونين ومغضوبا عليهم كلهم دونما استثناء، وكأنه لم يبق فيهم رجل رشيد، لهو زعم ينافي مشيئة الله. مما يعني أن القرآن يعلق آمالا بصورة واضحة على أولئك الذين اعتبرتهم الأمة المحمدية في بادئ الرأي أمواتًا روحيًا، ويقول: إن الله تعالى قادر على إحياء الموتى. فلا تيئسوا من تلك الأمم، كما ينبغي ألا تغفلوا عن واجب التبليغ أبدًا.
ميزةً خير أمة:
يقول الله تعالى: كنتم خير أمة أخرجت للناس... أي أنتم أفضل الأمم. خُلقتم لخير الناس وصالحهم. تتحلون بصفات أنكم تأمرون بالمعروف وتثابرون على ذلك، وتنهون عن المنكر وتثابرون على ذلك، وتؤمنون بالله وعليه تتوكلون ولا تجعلون أنفسكم مسيطرين على الآخرين. وأنتم الذين تؤدون حق التبليغ كما يجب وتؤمنون بربكم وبقدراته.
ثم يقول الله : ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم أي إن عدم إيمانهم يُعتبر تقصيرًا عند أنفسهم. أما فيما يتعلق بالأمة المحمدية فإنها أوصلت الجهود ذروتها فيما يتعلق بأداء هذا الواجب، فلا لوم عليها بعد ذلك، وإنما اللوم على أهل الكتاب الذين حرموا أنفسهم من الإيمان رغم توافر الصفات الآنفة الذكر في المسلمين.
ثم يقول الله تعالى : ليسوا سواء... والله عليم بالمتقين. لن تجدوا في أي كتاب آية كهذه التي تراعي الأعداء الألداء إلى هذه الدرجة وتعترف بميزاتهم بحب وتقدير يحيران العقول، حتى يضطر الإنسان إلى الاعتراف بأن هذا الكلام لا يمكن أن يكون من عند غير الله تعالى. تستطيعون أن تقدموا هذه الآية الوحيدة - علاوة على الآيات الأخرى الكثيرة – تحديًا لأهل الأديان في العالم كله ليستخرجوا لنا من كتبهم آية واحدة ذات آفاق واسعة مثل هذه الآية القرآنية. مما لاشك فيه أن كلام الله كان قد نزل قبل القرآن أيضا، ولكنه لم ينزل على عبد كامل كما نزل على سيدنا محمد . إذن فهذا الكلام كما يدل على كونه من الله تعالى كذلك يدل على كون النبي الأكرم الله واسع الآفاق أيضا، حيث أُنزل عليه كلام موافق لرغبته وحالته القلبية، وجاء منسجما مع عواطفه اللطيفة تجاه الآخرين. ولكن إخواننا الذين ينسبون أنفسهم إلى سيدنا محمد يطعنون فينا ويقولون: لماذا تقومون بدعوة اليهود إلى الإسلام؟ حتى لم تتوقفوا عن ذلك بعد وصولكم إلى إسرائيل أيضا، فلا بد أنكم عملاء لليهود. ما أجهلها من فكرة وما أسخَفَه من كلام. إنهم يجهلون تعاليم القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وإلا فما كان لهم أن يفتروا علينا ببهتانات وتهم باطلة. يخبرنا القرآن الكريم أن ميزة خير الأمم هي أنها لا تحرم قوما من بركة الدعوة، وبركتها هذه تعم الجميع حتى الأعداء. وإذا لم يهتد هؤلاء رغم ذلك فالخطأ خطؤهم ولا حرج عليكم.
أسوة الرسول صلى الله عليه وسلم:
إن أسوة سيدنا وإمامنا محمد ال في هذا الصدد واضحة جلية أمامنا. إن أول يهودي، وهو حصين بن سلام كان قد انضم إلى الإسلام بدعوة من النبي نفسه، وسماه الرسول صلى الله عليه وسلم عبد الله بن سلام فيما بعد. ثم أرسله ليأتي باليهود الآخرين ليقوم النبي بدعوتهم أيضا. إذن فلا نجد في حياة الرسول حادثا واحدًا حيث منع حضرته أحدا عن دعوة اليهود كما لم يمتنع هو بنفسه عن دعوتهم. كذلك لم يمتنع بنفسه ولم يمنع غيره عن المعاملة الحسنة مع اليهود. حدث ذات مرة أن مع أبلغت أمّ يهودية الرسول الله رغبة ابنها حيث قال: إنني أعالج سكرات الموت وأرغب في رؤية وجه محمد .. فنهض النبي صلى الله عليه وسلم على الفور وذهب لعيادته. فدعاه إلى الإسلام وهو في سكرات الموت وقال: ألا تحب أن تموت مسلما؟ فقال : نعم يا رسول الله، فأسلم وفاضت روحه. هذه أسوة رسولنا التي نتبعها ولكن المعارضين يحاولون أن يمنعونا من اتباعها. كذلك يروى حادث آخر أن جنازة مرت بالقرب من الرسول ، فقام احتراما لها، فتصاعدت الأصوات فجأة من كل جهة أنها جنازة يهودية يا رسول الله ! فقال لهم النبي : ألم تكن الحياة تدب فيها قبل موتها. وتكلم بكلام جميل يرفع شرف الإنسان والإنسانية، وقال : إن الناس سواسية من ناحية الأحزان والآلام.
إذن فإن محمدا رسول الله الذي من أجله خُلق الكون كله، كان يقف احتراما لجنازة يهودية أيضا، ولكن المشايخ يعلمون اليوم الكراهية والنفور ويلصقون تهما شائنة بالإسلام والرسول ، ويقولون لنا: لماذا تتبعون أسوة الرسول لم لا تتبعون أسوتنا نحن؟ ولكنني أعلن لهم جهارًا أننا لن نقتفي بأسوتهم بحال من الأحوال، إذ لا نجد أمامنا، من الأزل إلى الأبد، سوى أسوة سيدنا ومولانا محمد . عليها عشنا إلى الآن، وعليها نعيش وعليها سنموت بإذن الله .
دحض تهمة باطلة:
فيما يتعلق بتهمة كون الأحمديين عملاء لليهود - والعياذ بالله - وقيامهم بأعمال لصالح اليهود فهو بهتان لا أساس له من الصحة. بل لو تأملتم في الحقائق الواقعة لوجدتموها على عكس ذلك تماما. قبل أن يتخذ المجلس العام للأمم المتحدة قرارًا غاشما لتقسيم فلسطين ارتفع في العالم صوت واحد ينبه العالم الإسلامي برمته قبل الأوان، وأحدث ثورة كبيرة في العالم العربي وغيره؟ هل تعرفون مصدر هذا الصوت؟ إن هذا التحذير المتعاطف كان قد صدر من قبل سيدنا الخليفة الثاني للإمام المهدي، إذ قام بتأليف كتيب هز القلوب وقد تم نشره على نطاق واسع جدا، ومن خلاله نبه المسلمين جميعا قائلا: لا تظنوا أن الغرب اليوم عدو لكم والشرق صديقكم، ولا تحسبوا العكس أيضا صحيحا. إنني أنبهكم أن أمريكا أيضا ليست صديقة لكم، كما أن روسيا لیست صديقة لكم. إنهما قوتان متفقتان على مؤامرة ضد الإسلام، ألم يبق فيكم شيء من الغيرة وحب الإسلام حتى تنبذوا أنتم أيضا عداوتكم الداخلية وتتحدوا من أجل الإسلام؟
لقد كان هذا المقال مؤثرا لدرجة هزّ المسلمين وأحدث فيهم صحوة، ودوّى صداه في العالم العربي إلى فترة طويلة. ثم بعد أن أُخذ هذا القرار الغاشم بتقسيم فلسطين كتب حضرته مقالا آخر ونشره أيضا على أوسع نطاق، وألقى من خلاله الضوء على خطوات يجب على المسلمين اتخاذها، والتي من شأنها الفوز بالموقف لصالح المسلمين بعد أن كانوا قد خسروه. أما التقدير الذي كان العالم العربي يكنّه آنذاك للأحمدية وإمامها فيحتاج بيانه إلى مقالات مستقلة وكثيرة، غير أنني سوف أقرأ على مسامعكم مقتبسا واحدا لا يكشف لكم مشاعر العالم العربي فقط، بل يبين رد فعل القوى الاستعمارية أيضا وما علقت هذه القوى من أهمية على صوت سيدنا المصلح الموعود .
اكتشاف صحفي عراقي:
كان في العراق صحفي معروف ومرموق اسمه الأستاذ علي الخياط أفندي، وكان يحرر جريدته الموقرة "الأنباء". فكتب في جريدته مقالا مطولا سأقرأ عليكم مقتطفا منه جاء فيه: "إن الاستعمار ... يعمد إلى إثارة الشقاق بين طوائف المسلمين بإثارة النعرات، لتقوم بعض العناصر بتكفير فئة الأحمدية والتشهير بهم... إلا أني أؤكد للقراء بأني مطلع كل الاطلاع على تدخل الاستعمار في هذه القضية، إذ أنه حاول أن يستغلني فيها بالذات عام ١٩٤٨م أثناء حرب فلسطين.
كنت حينئذ أحرر إحدى الصحف الفكاهية وكانت من الصحف الانتقادية المعروفة في عهدها. وقد أرسل إلي موظف مسؤول في إحدى الهيئات الدبلوماسية الأجنبية في بغداد يدعوني لمقابلته. وبعد تقديم المجاملة وكيل المديح على الأسلوب الذي أتبعه في النقد رجاني أن أنتقد الجماعة القاديانية على صفحات الجريدة المذكورة بألذع طريقة ممكنة، لأنها جماعة مارقة عن الدين."
لاحظوا كيف تهتم القوى الاستعمارية بالإسلام، إذ تستدعي محرر جريدة وتطلب منه أن يبدأ بالنقد اللاذع ضد الأحمدية لأنها مارقة عن الدين!! يضيف صاحب المقال ويقول: كان ذلك عام ١٩٤٨م في الوقت الذي اقتطع فيه جزء من الأراضي المقدسة وقُدّم لقمةً سائغة للصهيونيين. وإنني أظن أن إقدام الهيئة المذكورة على مثل هذا العمل كان رد فعل للكراستين اللتين نشرتهما الجماعة الأحمدية في ذلك العام بمناسبة تقسيم فلسطين، وكانت إحداهما بعنوان هيئة الأمم المتحدة وقرار تقسيم فلسطين التي كانت تبحث في المؤامرات التي دُبرت في الخفاء بين المستعمرين والصهيونيين. وكانت الثانية بعنوان (الكفر ملة واحدة وكانت تحث المسلمين على توحيد الصفوف وجمع المال لمحاربة الصهيونيين وتطهير البلاد المقدسة من أرجاسهم.
هذا ما اطلعت عليه بنفسي في ذلك الحين، وإني واثق كل الوثوق بأن الأحمديين ما داموا يبذلون الجهود لجمع كلمة المسلمين وتوحيد صفوفهم ويبحثون عن أسباب تتيح للمسلمين القضاء على دولة إسرائيل اللقيطة ضيعة المستعمرين، فإن الاستعمار لن يتوانى عن تحريك بعض الجهات للتشهير بهم بقصد تشتيت الكلمة". (جريدة "الأنباء" بتاريخ ١٩٥٤/٩/٢١م نقلا عن مجلة "التقوى" أغسطس وسبتمبر عام ١٩٨٩م)
فزبدة القول إن سيدنا الخليفة الثانية نشر كراستين، كان لهما تأثير هز القوى الاستعمارية الكبيرة، حتى أوصت سفاراتها أن تقدم للجرائد أموالا وتنشئ معها علاقات وتقود حركة ضد الأحمدية في كل الأحوال.
خدمات جليلة لمحمد ظفر الله خان:
وفيما يتعلق بشخص السير ظفر الله خان فيقال عنه إنه ألقى الخطب ضد مصلحة فلسطين فأفسدها نهائيا !
هذه تهمة مبنية على وقاحة متناهية. من الغريب حقا أن العالم العربي لا يعرف بهذا الأمر عن ظفر الله خان بل المشايخ في باكستان وحدهم اطلعوا عليه. والأغرب من ذلك أيضا أن العرب - الذين واجهوا هذه الأزمة حيث لم يدخر السير ظفر الله خان جهدا في متابعة قضيتهم ومصلحتهم وبذل كل ما أعطي من قوة وقدرة، وواصل الليل بالنهار والنهار بالليل حتى كاد يُهلك نفسه في هذا السبيل - يشيدون بمواقفه الجليلة ولكن المشايخ الباكستانيين يقولون غير ذلك. إذن فمن الغرابة بمكان أن العرب لم يعرفوا أنه قد أفسد قضيتهم بل يقدرون مساعيه في هذا السبيل أيما تقدير، أما المشايخ الأحراريون وجماعة المودودي والحكومة الباكستانية الحالية فيقولون غير ذلك تماما.
ما هي الحقيقة إذن؟ وما هي المواقف المشرفة التي اتخذها العالم العربي عندها عن خدمات ظفر الله خان؟ لم يعرفها المنصفون آنذاك فقط بل يعترفون بها في هذه الأيام أيضا حين بلغت عداوة الأحمدية ذروتها. اسمعوا ذكر تلك الخدمات الجليلة بلسان العرب أنفسهم:
يقول السيد عبد الحميد الكاتب في مقال له نُشر في مجلة "العربي" العدد ٢٩٥، يونيو عام ۱۹٨٣م بعنوان: ظفر الله خان بطل قضية فلسطين".
فيقول الكاتب :"أما بطل الدفاع عن مشروع فلسطين الموحدة فكان محمد ظفر الله خان، الذي حشد في دفاعه عن الحق العربي في فلسطين كل مواهبه و مقدرته الخطابية والقانونية والسياسية. كما كانت خطبه تنبض بروح إسلامية صادقة. "
وفي الوقت الذي كانت قضية فلسطين حديثة العهد وكان السير ظفر الله خان منصرفا كل الانصراف إلى بذل جهود مشكورة في هذا النضال العظيم الذي كان يحمل أهمية تاريخية تمت محاولة بشعة في أروقة الجامعة العربية لإخراج السير ظفر الله خان من دائرة عالم الإسلام وبالتالي تحريم العالم الإسلامي من خدماته المشكورة، إذ أصدر مفتي مصر فتوى طويلة ضد ظفر الله خان والجماعة الإسلامية الأحمدية بإيعاز من الملك فاروق الذي اشتهر بكونه عميلاً للقوى الاستعمارية والذي أُطيح بحكومته فيما بعد. وذلك بغية تحريم عالم الإسلام من خدمات بطله الجليل والخادم المخلص له.
فعندما نُشرت هذه الفتوى بعد مرور بعض الوقت على ذلك النضال العظيم – وكانت ذكريات الخدمات التي قام بها السير ظفر الله خان حديثة في الأذهان - كتب الأمين العام للجامعة العربية سعادة عبد الرحمن عزام باشا إلى جريدة نشرت الفتوى المذكورة فقال: "عجبتُ لاعتباركم رأي المفتي في القاديانية أو في معالي وزير خارجية الباكستان محمد ظفر الله خان فتوى دينية لها أثرها ولو كان الأمر كذلك لكانت عقائد الناس و کرامتهم ومستقبلهم رهنا بآراء بعض العلماء."
وأضاف قائلا: ظفر الله خان رجل مسلم لم نشهد عليه إلا قولا حسنًا وعملاً حسنًا. وقد أُوتي حظًا كبيرًا في الدفاع عن الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها. وله مواقف دولية مشهورة دفاعًا عن الإسلام قدّرها الناسُ وشكره عليها المسلمون. وهو كذلك من أكفأ رجال الإسلام لتولّي الشؤون العامة." (جريدة "الأخبار" القاهرية عدد ١٩٥٢/٦/٢٣م).
ألا يسكن هؤلاء المسلمون في باكستان؟ ألم يعلموا أنه قبل فترة قريبة كانت بقعة من بقاع عالم الإسلام - حيث كان نور الإسلام قد لمع عند فجر الإسلام - تُعلن جهارًا وعلى دقات الطبول أننا نُقدِّر أيما تقدير الخدمات التي أسداها السير ظفر الله خان لإعلاء كلمة الإسلام ولصالح عالم الإسلام بشكل عام.
ونشرت جريدة "المصري" مقالاً شاملاً للأستاذ أحمد أبو الفتح تحت عنوان: "أنعم به من كافر"، تحدث فيه عن مواقف ظفر الله خان الإسلامية المجيدة حيث جاء فيه:
.... وإذا كان فضيلة المفتي قد اتهمه بالكفر، فأَنعم بظفر الله خان كافرا، وما أحوجنا إلى عشرات من أمثاله الكفار الكبار." (جريدة المصري ١٩٥٢/٦/٢٥م نقلا عن مجلة البشرى سبتمبر ١٩٥٢م مجلد ۱۸ ص ۱۱۹).
كذلك أدلى سعادة أحمد خشبة باشا بتصريحه إلى جريدة "الزمان" المصرية في عددها ٢٥ يونيو ١٩٥٢م حيث قال بأنه يشعر بألم شديد مما نُسب إلى سعادة ظفر الله خان. وأضاف قائلا: "إن الخدمات التي أداها السيد ظفر الله خان للإسلام والعالم العربي عامة ومصر خاصة خدمات جليلة يدين له بها العالَمُ الإسلامي ومصرُ . "
وبهذه المناسبة صرّح فضيلة الأستاذ خالد محمد خالد، أحد الكتاب المصريين المعروفين في جريدة أخبار "اليوم ١٩٥٢/٦/٢٦م بعنوان: "أصبح الأبرار كافرين": وظفر الله خان بالنسبة إلينا رجل مسلم كامل الإسلام... وإذا كان الرجل الذي يواجه الاستعمار في جبروت شامخ من بلاغته وصدقه... والرجل الذي جعل الله الحق على لسانه وقلبه... إذا كان هذا الرجل كافرًا فإن كثيرًا من الأبرار يودون أن يصبحوا كافرين على هذا النحو.." نقلا عن مجلة البشرى مجلد ۱۸ عدد سبتمبر ١٩٥٢ ص ١٣٢).
وقال سعادة أحمد خشبة باشا في مقال له نُشر في جريدة "الزمان" المصرية العدد الصادر في ١٩٥٢/٦/٢٥:
"إنني أشعر بأن في عنقي دينًا نحو هذا الرجل العظيم الذي أدى خدمات جليلة لبلادي، وإنني في شدة الامتعاض لهذه الفتوى التي أُفتيت بصدد هذا الرجل الكبير ." (نقلا عن مجلة "البشرى" سبتمبر ١٩٥٢ مجلد ١٨ ص ١٢٥)
وكتبت جريدة أخرى: "هناك فرق عظيم بين الشيخ مخلوف وظفر الله خان: فالأول مسلم ولكنه لا يعمل وإذا عمل فإنه يعمل للتفرقة.. وظفر الله خان مسلم عامل للخير والله تعالى جمع في كتابه الكريم دائما وفي كل آية بين الإيمان والعمل الصالح.. ما أبعدت تكفير المسلمين عن الإيمان وعن العمل الصالح؟" (بيروت المساء، العدد: ٢٢٤ بتاريخ ١٩٥٢/٦/٢٩)
ميزة دائمة للأحمدية:
كان عالم الإسلام في تلك الفترة يواجه خطرًا مخيفا، وكما هي الأحمدية على الدوام فإنه كلما أحدق بعالم الإسلام خطر وفق الله الا الله الأحمدية وخلفاءها قبل غيرهم توفيقا خارقًا لتنبيه عالم الإسلام إلى تلك الأخطار. كذلك قدّم أبناء الأحمدية دائما أنفسهم لأية خدمة في اتباع خلفائهم. وعلى الرغم من ذلك تلقت الجماعة الإسلامية الأحمدية من جراء أسوتها هذه عقوبة من كل ناحية. إذ لم تكتف القوى الاستعمارية المعادية للإسلام بمعاقبة الأحمدية على استخدامها حق حرية الضمير، بل استخدمت أيضا المسلمين دائما لهذا الغرض. ان عالم الإسلام واجَة على الدوام هذه الأخطار على جبهتين الخارجية والداخلية في آن معًا. إذ خلقت القوى المعادية للإسلام هذه الأخطار من الخارج، وعلى الجبهة الداخلية استعملت عملاءها الذين ظلوا عملاء لها على الدوام.
خطر مهيب:
لا يزال الإسلام في الوقت الراهن عرضة لظروف مماثلة تماما، إذ يحدق به خطر مهيب وغاشم لم يسبق له نظير في تاريخه. هذا الخطر ليس موجها من قبل روسيا ولا من أمريكا، كما ليس متأتيا عن القوى البوذية أو الصهيونية، وليس من الشرق ولا من الغرب، وإنما هو من قبل حكومة دولة تدعي بالإسلام، وقامت باسم الإسلام وشرفه، وسلطت نفسها على مسلمي باكستان مستخدمة اسم الإسلام وكرامته. فأكرر وأقول إنه لخطر لم يتعرض عالم الإسلام لمثله قط.
لا شك أن بعض المحاولات من قبل غير المسلمين أيضا مثلت للعيان في هذا الصدد على فترات مختلفة من التاريخ ومن المعلوم أن أبشع محاولة وأفظعها بهذا الشأن تمت في زمن رسول الله نفسه من قبل المشركين، ولكن لم يتصور أحد أن مثل هذه المحاولة سوف تتم من قبل المسلمين أيضًا؛ و لم يخطر لأحد على بال أن المنتمين إلى الإسلام سوف يصبحون أشقياء لدرجة يستخدمون أيديهم لمحو كلمة الشهادة. ما كان لأحد من المسلمين على مر العصور أن يتصور ذلك. هذا "الفضل" - إن صح التعبير - يعود اليوم إلى حكومة باكستان الدكتاتورية الحالية. اليوم يُرقم في باكستان تاريخ جديد، تاريخ مهيب ومخيف للغاية تدمى له القلوب. إذ تُقدَّم فكرة حماية الإسلام وخدمته مقرونة بالهجوم على أصول الإسلام وروحه، أي على كلمة الشهادة نفسها، ويُقال بلسان الحال: إن الأحمديين ما ارتدعوا عن تعظيم كلمة الشهادة واحترامها و لم يتخلوا عنها و لم ينكروها فأنزلوا بهم أشد أنواع العذاب والعقاب. هذا الهجوم القاسي والبشع قد أطل برأسه اليوم ضد الإسلام من أرض بلد يُدعى مسلمًا وقد عكّر صفو الجو كله.
تعذيب مشين:
وسوف أقدم لكم حادثا واحدًا فقط على سبيل المثال، لتعرفوا كيف تجري كل هذه النشاطات! لقد اعتقلت الشرطة الباكستانية شابا أحمديًا، فألف الشاب ما جرى له في مذكرة له مبينا ما يقوم به موظفو الحكومة الباكستانية الدكتاتورية من خدمة لكلمة الشهادة والإسلام. يقول الشاب: "عندما اعتقلوني انهال علي شرطي ضربًا ولكمًا. ثم جاء شرطي آخر وأشبعني لطما ووكزا ثم ألقوني في صندوق خشبي في محل قريب كانت الشرطة قد اتخذته مخفرًا لها، وضربوني أكثر من ذي قبل. أما أنا فما زلت كلّما أردّد كلمة الشهادة. ثم أخذوني إلى مخفر آخر وظل رجال الشرطة يضربونني في الطريق، وأنا بدوري ظللت أردّد الدعاء القرآني: ربنا أفرغ علينا صبرًا وثبت أقدامَنا وانصُرنا على القوم الكافرين. وعقب وصولنا إلى ذلك المخفر قال أحد رجال الشرطة لزملائه: "ألقوه على الأرض واضربوه ." فقالوا لي أن انبطح على الأرض، ولكنني رفضتُ ذلك، حتى تقدّم بضع رجال الشرطة، فجرني أحدهم آخذا بشعر رأسي، والثاني لوى ذراعي، أما الثالث فجر رجلي حتى تمكنوا من إلقائي على الأرض. ثم جاء غيرهم حاملا سوطا في يده وأوقع علي سبع أو ثماني ضربات. وقعت علي ضربة قرأتُ كلمة الشهادة بصوت عال. فقالوا: إنك من الكافرين فكيف تنطق بكلمة الشهادة؟ ثم أوقعوا علي ضربات أخرى، وسخروا بي وقالوا: سوف نُخرج الكلمة من صدرك. وإلى ذلك الحين لم تتحقق أمنيتُهم لخدمة الإسلام، على ما يبدو، حتى بدرت إلى ذهن أحدهم فكرة "خدمة الإسلام" أكثر من ذلك، فأمر زملاءه بخلع سروالي. وبذلك بدأ "الجهاد" لخلع سروالي. وتمكن بعض رجال الشرطة من نزع السروال بتعاون متبادل على هذا "البر". ثم علّقوني رأسًا على عقب، وأوقعوا ضربات على ظهري العاري من الثياب. ولكن الله تعالى وفقني لترديد كلمة الشهادة أثناء ذلك. ثم جاء رجال الشرطة الآخرون وقالوا اقصص لنا أخبار مرشدك الميرزا . أين ولد وأين مات؟ و كالوا لي سبابًا وشتائم نجسة جدًا. واستخدموا لغة بذيئة للغاية عن سيدنا الإمام المهدي ، وراحوا على هذا المنوال حوالي نصف ساعة أو أكثر. أما أنا فما زلتُ أستغفر الله لقد أوقعوا بالسوط على رأسي وكتفي ضربات لا تُحصى."
أقول: هذا هو تصورهم بخدمة الإسلام وخدمة كلمة الشهادة في .باكستان ألا تذكركم هذه الأحداث بأزقة مكة حيث كان سيدنا بلال يُجَرِّ في حرّ الهواجر للجريمة نفسها. وحيث كانت الجمرات تؤخذ من المدافئ وتوضع على صدور الناطقين بكلمة الشهادة وتحت ظهورهم أيضا، حتى كانت الجمرات تنطفئ بالماء السائل من النفطات الناتجة عن الجمرات نفسها.
زبدة القول إن الأحداث الأليمة التي جرت في الأراضي العربية عند فجر الإسلام تُعاد اليوم في باكستان والأدهى والأمر من ذلك أن كل هذه الإجراءات يقوم بها موظفو بلد مسلم. لن يكون اليوم في الدنيا أحد أكثر فرحًا وسروراً من الشيطان لأنه استطاع أن يقنع المنتمين إلى الرسول للقيام بنشاطات كان يقوم بها أعداؤه الألداء في أزمنة غابرة.
حجج تعكس جهلا:
وإذا قيل لهم ما هذا الذي تقومون به؟ ألم يبق فيكم شيء من العقل والرصانة؟ جاؤوا بحجج قوية حسب زعمهم وواهية في حقيقة الأمر، بما فيها قولهم: إنكم أناس نجس، لذا فلو نطقتم بكلمة الشهادة أو ألصقتم أوسمتها على صدوركم لأهنتموها. ما أغَرَبها من حجة وما أوهَنَه من كلام. الحقيقة أن كلمة الشهادة قد جاءت لتطهير النجس. لقد نزلت لتزكية الآثمين. لو كان الأحمديون نجسا غير طاهرين حسب زعمكم فيجب أن تفرحوا بأن الكلمة طهرت أولئك الذين كانوا نجسًا غير طاهرين من قبل. هذه كلمة الله الواحد القهار ورسوله الأكرم إنها نزلت على نبي مُزَك لم يُخلق مُزَءك مثله من قبل. إنها طهرت وزكت المتلطخين بالأنجاس والأوساخ منذ قرون. إنها ليست كلمة شيخ متعصب ومتعنت حتى تنجس الطاهرين. كما هي ليست كلمة دكتاتور لتحول الصالحين إلى الطالحين.
وأقول على الملأ: إذا كانت الأحمدية غير طاهرة، على حد قولكم، بسبب تمسكها بكلمة الشهادة فإنها لن تزال متمسكة بها، أي بكلمة نبينا وكلمة ربّه ، وربنا ولن تبالي بكلمة غيرها أيا كان مصدرها. البهتان الآخر الذي يفترونه هو أن كلمة الشهادة هذه ليست في قلوب الأحمديين، فإنهم يعلنون "محمد رسول الله بلسانهم، ولكنهم يقصدون في قرارة أنفسهم: أحمد رسول الله (أي) ميرزا غلام أحمد القادياني).
يا له من جهل وغباوة. والأسوأ من ذلك أنهم قاموا بمحاولة شائنة لانتزاع الكلمة منا من ناحية، ومن ناحية أخرى نصبوا أنفسهم آلهة، وفضلوا أنفسهم على رسول الله .. إذ لا نجد في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا حادثا واحداً قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم لشخص نطق بكلمة الشهادة إنك كاذب، أو قال: إنك تكن شيئا في صدرك ولكنك تعلن شيئا آخر بلسانك. لم يقل رسول الله هال لول له ذلك حتى لأولئك الذين أخبره الله تعالى عنهم بقوله : ولَمَّا يدخل الإيمان في قلوبكم، ولم يؤنب أي واحد منهم بقوله: إنك تعلن كلمة وتُبطن كلمة أخرى، بل على العكس من ذلك نجد كثيرًا من الأمثلة التي تثير إعجاب الإنسان بشخص سيدنا ومولانا ، إذ كان يملك قلبًا رحيبا رحيما وشأنا عظيمًا وآفاقًا واسعة. ما هو جوابكم يوم القيامة؟
نقرأ في الأحاديث حادثا أن أسامة بن زيد به قتل أثناء الحرب شخصا كان في قتال مع المسلمين. فحين تمكن أسامة منه وأوشك على قتله قرأ هذا المحارب كلمة الشهادة ولكن أسامة له قتله رغم ذلك.
فيقول أسامة: "فوقع في نفسي من ذلك فذكرته للنبي الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أقال لا إله إلا الله وقتلته؟ قال قلت: يا رسول الله، إنما قالها خوفا من السلاح. قال : أفلا شققت عن قلبه، حتى تعلم أقالها أم لا؟ فما زال يكررها على حتى تمنيتُ أني أسلمت يومئذ . وفي رواية: "حتى تمنيت أني لم أكن أسلمتُ قبل ذلك اليوم." وفي رواية ثالثة : "قال : فكيف تصنع بلا إله إلا الله، إذا جاءت يوم القيامة؟ قال: يا رسول الله! استغفر لي. قال: وكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟ قال: فجعل لا يزيده على أن يقول: كيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة"؟ (أي إذا جاءت يوم القيامة تشهد عليك). (مسلم، كتاب الإيمان، باب تحريم قتل الكافر بعد أن قال لا إله إلا الله)
إذن: فحتى رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا لم يدع أنه يحق له شق القلوب والاطلاع على ما تكنه الصدور، كما لم يسمح بذلك لأصحابه وأتباعه.ولكن المشايخ يُعلنون اليوم أنهم يعلمون الغيب والشهادة، وهكذا يفضّلون أنفسهم على النبي وأصحابه، إذ أصبح المشايخ يعلمون بذوات الصدور التي لم يعلمها النبي صلى الله عليه وسلم، والأسوأ من ذلك أن لا أحد من المسلمين يغار على ما يقولون وما يفعلون.
وقفة تأملية لعالم الإسلام:
هذه أحداث وأمور تجري في باكستان حاليًا، والحكومة الدكتاتورية المتسلطة هناك على زمام السلطة باسم الإسلام، تشن كما أسلفت، هجمات بغيضة على أسس الإسلام، والعالم الإسلامي كله في سبات عميق.
النشرتان اللتان ذكرتهما سابقًا أُلْفَتا حين كان الخطر محدقا بفلسطين، وبالتالي كان محدقا بمكة المكرمة والمدينة المنورة فنبه سيدنا الخليفة الثاني عالم الإسلام بكلمات واضحة وبينة حيث قال: "القضية ليست قضية فلسطين وإنما هي قضية المدينة المنورة. والمسألة ليست مسألة أورشليم وإنما هي مسألة مكة المكرمة ذاتها. القضية ليست قضية زيد أو عمرو بل هي قضيّة عرض محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم. العدو قد اتحد ضد الإسلام متناسيًا أوجه الخلاف الكثيرة بينه. أولاً يتحد المسلمون بهذه المناسبة رغم وجود ألوف أوجه الاتحاد بينهم." ("الكفر ملة واحدة" نقلاً عن جريدة "الفضل" ٥/٢١ / ١٩٤٨م)
أما اليوم، وقد شُن الهجوم البغيض على كلمة الشهادة، فأقول مخاطبًا عالم الإسلام بأسره: إن القضية الحالية ليست قضية فلسطين ولا قضية أورشليم ولا مكة المكرمة، بل هي قضية قداسة الله تعالى وجلاله الذي باسمه تشرفت وعظمت بيوت الحجر والمدر. اليوم يُشَنِّ الهجوم على وحدانية الله و قضيّة اليوم ليست قضية مكة أو المدينة بل هي
قضية عرض سيدنا ومولانا محمد رسول الله نفسه. والسؤال الذي يطرح بشدة هو: ألم يبق في قلوب المسلمين شيء من الغيرة؟ ألا تقشعر جلودهم حين يرون أيدي المسلمين ترتفع لمحو الكلمة؟ ألا تجرح صدورهم لرؤية هذا المشهد الأليم؟ والأدهى من ذلك أنه عندما لا تجد الحكومة الدكتاتورية الحالية في باكستان شخصا مسلمًا يمحو كلمة الشهادة من مساجدنا فإنها تستخدم لذلك المسيحيين، أعداء الإسلام وعندما لا تقع يد الحكومة على مواطن عادي لإنجاز هذه المهمة تأخذ المجرمين من المعتقلات. إذن فهذه الحركة اللعينة نشأت بأيدي الدكتاتور ضياء الحق، وهو المسؤول عنها في هذه الدنيا وبعث ثان حين لن تقدر قوة من القوى الدنيوية أو الدينية على إنقاذه، لأن الهجوم اليوم قد شُنّ على غيرة الله تعالى وجلاله وعلى الاسم الطاهر للنبي صلى الله عليه وسلم وقداسته. أما فيما يتعلق بالأحمديين فإنهم مستعدون لفداء كل غال ورخيص لحماية كلمة الشهادة ولن يتأخروا عن موقفهم هذا قيد شعرة. ولكنني أسألك يا عالم الإسلام لماذا تقاعست أنت لتحرم نفسك من هذا الفضل والسعادة؟ ألم يبق فيك شيء من الإسلام وشهادته والغيرة عليهما. إنني أدعوكم إلى كلمة سواء لا يختلف عليها اثنان من عالم الإسلام. هناك شيء واحد يتفق عليه عالم الإسلام بأجمعه ولا ريب فيه، ألا وهو كلمة الشهادة حيث يعتصم بها أهل الشيعة مثل اعتصام أهل السنة بها، كذلك يتمسك بها الأحمديون مثلما تتمسك بها الوهابية وغيرها من الفرق الأخرى. كلمة الشهادة هي روح الإسلام ومغزاه. واليوم يُوجه الهجوم إلى تلك الروح الطيبة. لذا أناشدكم باسم غار حراء حيث انطلق صوت الحق بقوة حتى هزّ العالم كله هزَّاً. أدعوكم باسم سيدنا بلال وأقول: تعالوا وتعلموا درسًا من هذا العبد الحبشي الذي ضحى براحته وأمنه في سبيل حماية كلمة الشهادة وتحمّل من المصائب ما تقشعر الأبدان. بتصوره فيا أيها المسلمون! تعالوا واشتركوا مع الأحمديين في هذا العمل الصالح. وإنني أبشركم بأنكم لو فعلتم ذلك لنلتم حياة أبدية ولما قدرت قوة من قوى الدنيا على هلاككم. سوف تُؤجرون في الأرض وفي السماء، وتنزل بركات الله ورحمته على بيوتكم. ولكنكم لو لم تلبوا هذه الدعوة فلن يكون هناك أحد أشدَّ جريمة منكم على وجه البسيطة، لأنكم رغم انتمائكم إلى سيدنا المصطفى صلى الله عليه وسلم بقيتم صامتين واجمين تجاه هجمات تُشن على اسمه الطاهر ، ولأنكم رغم إقراركم بوحدانية الله تعالى ما حركتم ساكنا حين شُن الهجوم على وحدانية الله نفسها، ولم تُعيروا اهتمامًا لتلك الهجمات بسبب مصالحكم ومشاغلكم السياسية. ففي هذه الحالة لن تنزل عليكم ،رحمة لا من السماء ولا من الأرض، ولن يُذكر اسمكم باحترام. (أُلقيت بتاريخ ۱۵ آذار / مارس ۱۹۸۵م في مسجد "الفضل" بلندن)
تعليقات
إرسال تعليق