التخطي إلى المحتوى الرئيسي

زهق الباطل القرار غير الشرعي ....

 الخطبة التابعة العاشرة
القرار غير الشرعي وانتصار الأحمدية
أُلقيت بتاريخ ١٧ مايو/أيار ١٩٨٥م

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. أما بعد، فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرَّحيم * اَلْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * مَالك يَوْم مَالك يَوْمِ الدِّين * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْر الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (آمين)

أَفَغَيْرَ اللهُ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذي أَنزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُون أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِين * وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لكَلماته وَهُوَ السّميعُ الْعَليمُ * وَإِن تُطعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلا يَخرُصُونَ * إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلَّ عَنْ سَبيله وَهُوَ أَعْلَمُ بالْمُهْتَدِينَ . (سورة الأنعام: ١١٥-١١٨)



لقد بين الله  في هذه الآيات وغيرها صراحة أنه فيما يتعلق بالتمييز بين الحق والباطل، والحكم بين الصدق والكذب فلا أهمية للكثرة العددية إطلاقا، بل تكون الأكثرية في معظم الأحيان على الخطأ. وهذا ما نلاحظ على صعيد الواقع أنه لو اتبع الإنسانُ الأغلبية لضل في غالب الأحيان. فمن الخطأ الفادح اعتبارُ أمر ما حقًا بناءً على أن الأغلبية تراه صوابا، بل هناك طرق أخرى للتمييز بين الحق والباطل. 
إن الأمر الأخير الذي طرح بكل قوة في البيان الأبيض المزعوم الذي نشرته حكومة باكستان هو اعتزازهم بكثرتهم العددية. فأعلنوا في العــــالم بكل فخار أنهم يشكلون الأكثرية العددية ضد الأحمدية في الشعب وفي البرلمان أيضا، وأن الأمر لا يقتصر على الأكثرية فقط بل إن مجلس الشعب كله قد أجمع ضدها، وبالتالي حلّ بالإجماع القضية التي كانت عالقة منذ مائة عام، فلا حاجة إلى دليل آخر على كون الأحمدية كاذبة. 




الأكثرية والسواد الأعظم :
الواقع أن إجماع العلماء أو الشعب على أمر لا يمكن أن يُسمى إجماع السواد الأعظم الذي ذكره سيدنا ومولانا محمد . فلا يزال العلماء الكبار والسلف الصالح، بدءا من سيدنا علي إلى يومنا هذا، يصرحون بوضوح تام أنه فيما يتعلق بالسواد الأعظم الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يعني أنه لو سلكت الأغلبية من الشعب أو العلماء مسلكا واحدا لشكلت السواد الأعظم ولاعتُبر قولهم صائبا في كل الأحوال. بل صرح سيدنا علي بعكس ذلك وقال ما معناه: إذا كنت وحيدا وكنت على الحق فإنك أحق بالاتباع، ورأي الأكثرية في هذه الحالة مرفوض.
وهناك كثير من السلف الصالح بمن فيهم الإمام الرازي، والإمام ابن تيمية والإمام ابن القيم وغيرهم من العلماء الربانيين قد صرحوا بعد البحث في هذه القضية بأنه لا أهمية للأكثرية العددية للتمييز بين الحـــق والباطل، وقالوا بوضوح تام إن الشخص الوحيد الذي يكون على الحق أحق أن يُسمى بالسواد الأعظم، ولا سواد أعظم دونه. لذا لا يصـــح إطلاقا قول معارضينا بما أنهم يشكلون الأكثرية العددية والجماعة الأحمدية أقلية لذا فقد تم الإجماع الشرعي العظيم على أنها كاذبة.



قرار البرلمان ليس وثيقة شرعية:
هناك أقوال كثيرة في هذا الصدد ولكنني أترك بعضها جانبـا خشية التطويل، وسوف أقرأ لكم بعضا منها بعد قليل. ولكنني أود أن أذكر الآن للقراء الكرام أن هناك بيانًا أبيض" آخر أيضا نشرته الحكومة الحاليــة بنفسها عن البرلمان السابق الذي تعتز به اليوم وتقدم قراره كوثيقة شرعية. لنر ما هو رأي الحكومة الحالية عن الأكثرية من أعضاء البرلمان السابق الذين يُعتبر قرارهم ضدنا وثيقة شرعية.
فلو صادفتم قراءة قصص سلوكهم في "البيان الأبيض" المنشور لانتابتكم حيرة لا مزيد عليها. 
سوف أقسم هذا الموضوع إلى ثلاثة أقسام، أوله يخص رئيس الوزراء آنذاك ذوالفقار علي بوتو وبعضا من الوزراء الكبار، ويتناول أعضاء البرلمان آنذاك اسما اسما ، ثم يذكر سلوكهم ومكانتهم الدينية وأخلاقهم وتصرفاتهم الشخصية والثاني يخص "حزب الشعب" الحاكم، والثالث يخص المعارضة.

 وما أبشَعَها وما أفظَعَها من صورة للذين يُعاد إليهم اليوم "الفضل العظيم" لتكفير الأحمديين. وحالتهم الدينية كما بينتها الحكومة – الــتي نشرت البيان الأبيض المزعوم ضد الأحمدية - أمر لا أقدر علــى بيـــان تفاصيله أمامكم لأنه يحتوي على أمور يندي لقراءتها الجبين حياء وخجلا، فلا يسع الإنسان إلا أن يلغي القراءة، غير أنني مضطر لتقديم بعـض النماذج منها.





تصرفات منحطة:
لا أريد الخوض في تفصيل الأمور التي وردت في "البيان" مصحوبة بذكر أسماء أصحابها، لأن الكثير منهم لا يزالون على قيد الحياة، فلــو ذكرتُ على الملأ أسماءهم والأمور التي نُسبت إليهم لكنتُ من الذين يوافقون على نشر ذلك البيان ، في حين إنني أخالف رأي الحكومة في هذا الأمر مبدئيا، ولا أوافق على أن تشَوِّه الحكومة - أية كانــت - سمعـــة مواطنيها بشكل من الأشكال. لو كان المتربعون على عرش الحكومة يملكون شيئا من الخلق والقيم الإنسانية لكان الأجدر بهم – بدلا مما فعلوا - أن يحاكموا الذين يحسبونهم مجرمين في المحاكم المكشوفة، ثم كـــان الأحرى بهم أن يقدموا للملأ حصيلة تحقيق المحاكم. مما لا شك فيه أن القرارات التي تتخذها المحاكم تحت ضغط الحكام أيضا تفقد مصداقيتها أحيانًا ، غير أن هذا هو الطريق الوحيد الذي يمكن أن يقبله العالم المتحضر بشكل من الأشكال. أما لو بدأ المتربعون على عرش الحكومة بتشويه سمعة مواطنيهم وإلصاق التهم البذيئة بهم بدلا من عرضهم على المحاكم فلا أقبل هذا المبدأ؛ لذا لا أستطيع أن أقرأ هذه القائمة والتهم الموجهة إلى كل واحد منهم اسما اسما.
ولكنني أخبركم أن كوثر نيازي (الوزير الأسبق للأوقاف والشؤون الدينية والحج والرفاهية العامة يحتل رأس هذه القائمة، علاوة على رئيس الوزراء السابق ذوالفقار علي بوتو. ثم يليهما ممتاز بوتو وهو ابـــن عــــم ذو الفقار علي بوتو ولا يزال على قيد الحياة. ويليهم مصطفى كهر ويحتل مكانة بارزة بين الأسماء الواردة في القائمة ثم ذكر اسم صادق حســـين قريشي بصورة جلية أيضا. ويليه نصر الله خان ختك، وعبد الوحيد كتبر، وجام صادق علي. هذه قائمة أولئك الذين ذكرت أسماؤهم مقرونة بتهم شنيعة وفظيعة جدا. في حين كان الطريق الأنسب والأدعى للشرف والوقار أن تطرق الحكومة أبواب المحكمة وتقيم عليهم الدعاوى فيها ثم تنفذ حكمها فيهم. هذا حقها، أما إلصاق التهم، فمن شيم أولئك الذين لا حول لهم ولا قوة، فيحاولون إخماد نيران غضبهم عن طريق البهتانات والطعن . وبالجملة ، فإن الحكومة الحالية على ثقة كاملة أن أعضاء البرلمان عام ١٩٧٤م كانوا خبثاء وقذرين للغاية، ولا يحق لهم أن يمثلوا الإسلام إطلاقا.



أعمال الأكثرية المزعومة:
وفيما يتعلق بـ "حزب الشعب الذي كان يحظى بالأغلبية الساحقة في البرلمان آنذاك ، فما يذكره البيان الحكومي عن تصرفات الوزراء المنتمين اليه من أعضاء البرلمان الإقليمي كانوا أو المركزي – لجدير بالسماع إن جاز التعبير. وبما أنهم لم يذكروا اسم أي شخص في هذه القائمة، لذا لا أرى بأسا في بيان هذه الأمور. والتهم التي ألصقوها بهم شنيعة لدرجــة تستوجب - حسب الشريعة الإسلامية - تنفيذ حدّ ثمانين جلدة علــــى الأقل في حق المتهمين. فإن كانت الحكومة عاقدة العزم على تطبيق الشريعة الإسلامية كقانون الدولة في باكستان كان من واجبها أن تطبقها على نفسها قبل غيرها. فإن التهم التي ألصقت في بيان الحكومة بأعضاء البرلمان السابق لو ألصقت بأحد ثم لم يؤت عليها بأربعة شهداء، ولم يتم إثبات التهمة برفع القضية في المحكمة لوجب في ظل الحكومة الإسلامية تنفيذ حد ثمانين جلدة في المتهمين.

 إن الحالة الدينية لأعضاء "حزب الشعب" الحاكم (آنذاك حسب  رأي الحكومة الحالية هي كالآتي. فجاء في البيان الحكومي عن أحد أعضائه وكان عضو البرلمان أيضا:
"... إنه مدمن على الخمر والجنس كما هو متعود حسب معلوماتنا على... أيضا (ذكروا هنا كلمة سيئة جدا لا أستطيع التفوه بها). وأثناء عودته مع الوفد الرسمي . من المضيفة في الطائرة زجاجتين من الخمر (الويسكي)، وعندما قدمت المضيفة الزجاجتين بـدأ يغازلها ولكنـ وبخته . . . 
" البيان الأبيض، عهد حكومة بوتو، ج۳ ص١٨٢)
هذه حالة الزعماء الكبار من أعضاء البرلمان الذين أصدروا ضـد الأحمديين فتوى التكفير التي يقدمها المعارضون أمام العالم اليوم بكل فخر واعتزاز.
ثم يقولون عن عضو آخر:
... لقد كدّس الثروة بطرق غير مشروعة بعد انتخابات عام ۱۹۷۰م. والشخص الذي هو موضع ثقته بشكل خاص هو مهرب خطير."
 (المرجع السابق ص ۱۸۳)
 وقالوا عن شخص آخر
... العلاقات الجنسية الحرة دون وازع ورادع تعكس بكل وضوح سلوكه منذ فترة شبابه. إنه يتقدم إلى الشذوذ الجنسي بسرعة متناهية. بحيث يتزوج ثم يطلق زوجاته بكل وقاحة ويتركهن ليصبحن زينة لسوق الدعارة."

يجدر بالانتباه أنه بيان نشرته الحكومة لكنها استخدمت فيـه لســــانا سليطا ولغة بذيئة للغاية تشوه سمعة مواطنيها. ولا شك أن تصرف الحكومة هذا مؤسف جدا ومنحط عن القيم الأخلاقية. إذ إن القول عن السيدات المطلقات بأنه يُسرِّحهن ليصبحن زينة لسوق الدعارة لهو قول بذيء وفاحش وإهانة بشعة للغاية للسيدات الباكستانيات وتهمة قذرة عليهن. لو كانت هناك حكومة إسلامية فعلاً في البلاد لعوقب أصحاب هذه التهم الوقحة بحد ثمانين جلدة. من الواضح - بغض النظر عن حقيقة الأمر - أنه لو لم تكن عند هؤلاء قناعة بصدق هذه التهم البذيئــة لمـا نشروها هكذا على الملأ دون مبرر. أما نحن فلا علاقة لنا بهذه الأمور ومصادر معلومات القائلين بها، كلّ ما أنوي بيانه هو المكانة الشرعية لأعضاء البرلمان الذين كفروا الأحمدية والذين تعتز بهم الحكومة الحالية اليوم بأنهم حلوا قضية عالقة منذ مائة عام على حد قولهم.
ولا يقتصر الأمر على ذلك بل يقول هؤلاء:
"إنهم السفاكون للدماء البريئة ويساعدون القاتلين السفاكين أيضا ... منهم من يساعد القاتلين بكل ما في وسعه، ويأمر بإلغاء القضـــــايا المرفوعة ضدهم في المحاكم . ويقولون أيضًا عنهم : إنهم يساعدون الآخرين عن طريق غير مشروع للحصول على الرخصة للأسلحة. وينهبون أموال الفقراء عن طريق إقامة المحاكم الخاصة بهم، ويسلبون أموال الأرامل واليتامى، ويأخذون من التجار والمقاولين أموالا هائلة كإتاوة، وينجزون لهم أمورًا غير مشروعة. يشربون الخمر، يملكون عقلية إجرامية، وإنهـــم قراصنة ."

إذن هذه هي أعمالهم التي ذكرتُها بالإيجاز ، وهي صورة أغلبية أعضاء الحزب الحاكم آنذاك - حزب الشعب  التي رسمت في البيان الحكومي.




 أعمال حزب المعارضة:
أما فيما يتعلق بحزب المعارضة فقد يظن البعض أنهم براء مــن هــذه التصرفات الشائنة. ولكن الحكومة الحالية ترى أنهم أيضا كانوا سيئين مثل غيرهم من أعضاء حزب الشعب" الحاكم آنذاك. فقد وردت في "البيان الأبيض" نماذج لسلوك حزب المعارضة أيضا. فجاء عن أحدهم:
 "... إنه متعود على التباهي والزهو. كان نفسه ندا يزعم وحيدا لرئيس الوزراء. إنه لشخص غير مبال للمبادئ والقيم الأخلاقية، وفاقد الحيـــاء و بسبب قلة المثقفين المؤهلين والبارعين في مجتمعنا - لسوء الحظ -
تماما. نال على المستوى القومي أهمية أكبر 
من كفاءته . "
 البيان الأبيض، عهد حكومة، 
بوتو، ج ٣ ص ١٨٤) 

لقد سمعتم من قبل حالة أعضاء الحزب الحاكم الذين يشكلون الأكثرية في ذلك البرلمان، أما الأقلية أي حزب المعارضة، فيقولون بأنه لا يوجـــد بينهم أيضًا أي رجل شريف، وبما أن الشرفاء شبه منعدمين لذا فقد برز الأوباش والرعاع على المستوى القومي. ثم يتحدثون عن حياة أحدهم ويقولون:
"... إنه لعقاب لطبيعته العدوانية المتمردة وإنذار الخطر لنفسه أن يمارس غيره الحكم والسلطة عليه. إنه متورط في العلاقات الجنسية غير المشروعة. "
ثم يوردون ذكر عضو آخر من المعارضة ويقولون:
"يعاني من 
الحالة المادية المتردية، إنه طماع ومتعود على التباهي، ويحب الشهرة الزائفة، وله علاقات جنسية مع ...." (إنهم أوردوا هنا اسما ولكني لا أرى ذكره مناسبا).
 (المرجع السابق ص ١٨٥)

يستغرب المرء بقراءة هذه اللغة ، إذ إنها ليست لغة شيخ متعصب عادي - التي تعودنا على سماعها - ولكن هذه لغة ممثلي الحكومة في بيان نشرته الحكومة بخاتمها. فمن هنا يمكنكم أن تعرفوا حقيقة مثل هذه البيانات الحكومية - بما فيها "البيان الأبيض" المزعوم - والحالة الأخلاقية لناشريها. كما يمكنكم أن تعرفوا معاييرهم ومدى اهتمامهم بالشرع المتين، وكيف يعبثون به حسب رغباتهم!!
يتساءل المرء مستغربا، ما الذي جرى لأعضاء الحكومة؟ إذ يعتبرون من ناحية أعضاء البرلمان هؤلاء خبثاء وذوي سلوك سيئ لهــذه الدرجــة، ويعلنون عن بذاءة تصرفاتهم في العالم كله ومن ناحية ثانية يعتزون 
بقرارهم ويقولون: إن الله الا الله وفقهم لحل قضية عالقة منذ مائة عام، وإنجاز مهمة شرعية عظيمة لم يقدر العلماء الكبار على إيجاد حل مناسب لها. 
ثم يقولون عن عضو آخر من المعارضة:
"... يُظن أنه قتل أناسًا كثيرين لأتفه الأسباب... حصل على الرخص
التجارية لنفسه ولغيره، ومهرّب ومساعدٌ للمهربين، ومتورط في نشاطات غير مشروعة مع مسؤولي قسم الضرائب. (أقول : ومع ذلك لم تحرك الحكومة ساكنا ضده أو ضد مسؤولي قسم الضرائب) وإنه مدمن علـــى الشذوذ الجنسي بصورة مكشوفة. "
 لقد ألصقوا تهما هي من الكثرة والقذارة بحيث تترك الإنسان مشدوها حيران. لا شك أن البرلمان يمثل المواطنين كلهم، وإذا كانت هذه حالـــة أعضاء البرلمان التي كشفوها أمام العالم كله على دقات الطبول، فهل يبقى بعد ذلك لمثل هذا البلد وأهله أي اعتبار أو احترام في العالم؟ ويمكن أن تدركوا بذلك أيضا سيرة الحكومة الحالية التي تقدم اليوم أمام الناس قرار هؤلاء بكل اعتزاز وتفاخر ونسيت أو تناست ما قالته عنهم بالأمس القريب وما نشرته في العالم في بيانها الأبيض المزعوم.

والأمر لا ينتهي هنا بل قالوا أيضا:
بعضُهم كانوا على صلات وثيقة مع القوى الخارجية، وكانوا متورطين في نشاطات هدامة ويتآمرون ضد الدولة. إنهم انتهازيون، وشاربو الخمر. هذه كيفية إجماعهم القومي، وهذه حالة أكثريتهم التي تصبغ بها رجال الحكومة وأعضاء المعارضة على حد سواء. مما يعني أن بعضهم مثل بعض تماما ولا فرق بينهم إطلاقا، أو كما يقال في المثل الشعبي في القارة الهندية:
إنهم "أحجار في كيس واحد ، غير أنهم سموا هذا الكيس إجماعًا، ثم سموا هذا "الإجماع" بالسواد الأعظم حسب زعمهم. ولا نملك هنا إلا أن
نقول: لا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.




أسوة عشاق النبي صلى الله عليه وسلم:
لا أريد أن أناقش ما إذا كان ما قالته الحكومة في هذا الصدد صحيحا أم لا، ولكنني أسأل الحكومة الحالية: إن الذين ألصقتم بهم التهم البشعة المذكورة، كيف يجوز لكم اعتبار قرارهم إجماعا ؟ كان الأجدر بكم أن تخجلوا من أن تنسبوا هؤلاء إلى النبي . كان حريا بالحكومة الحالية أن تتلقى درس الغيرة من الإمام البخاري رحمه الله ولكنها للأسف الشديد ما درست مبادئ الأخلاق ولا الحياء. رُوي عن الإمام البخاري رحمه الله أنه كان في سفر ومعه كيس يحتوي على قطع نقدية كثيرة. فعلم أحد ركاب السفينة بذلك فما لبث أن صرخ بأعلى صوته أن كيسه المليء بالقطع النقدية قد سُرق. فما كان من الربان إلا أن أمر بتفتيش جميع الركاب. ولكن المفتشين لم يقعوا للكيس على أثر حتى عند الإمام البخاري. وعندما هدأت الأمور توجه المتهم الكاذبُ إلى الإمام البخاري قائلا: كنتُ كاذبًا فيما اتهمتك به، ولكن أريد أن أعرف كيف تمكنــت مـــن إخفاء كيسك عن المفتشين إذ لم يجدوا له أي أثر؟ فأجابه الإمامُ البخاري قائلا: لقد أودعته البحر. فسأل الرجلُ مستغربًا ولم فعلت ذلك؟ فقال الإمام: بما أنني أجمع أقوال النبي وأدونها، فكرهت أن تنسب إلي الخيانة ولو كذبًا وافتراء، فيقال إن مدوّن أقوال النبي ارتكب خيانة. أما القطع النقدية فلا أهمية لها عندي.
 هؤلاء كانوا عشاقا صادقين لمحمد لى الله عليه وسلم والإسلام، إذ لم يعيروا أي اهتمام للأموال التي كانوا قد ادخروها بعرق الجبين طيلة حياتهم. لقد أودع الإمام البخاري البحر كل ما كان قد كسبه طول حياته، ولكن لم يرض بأن تُرفَع إلى النبي وأحاديثه إصبع الطاعنين. ولم يعط أحدا فرصـــة للطعن في خادم النبي ولو كذبا وزوراً.




قمة الوقاحة:
أما فيما يتعلق بحكومة باكستان الحالية فقد لاحظتم كيف تنشر وتشيع في العالم كله التهم البذيئة والفظيعة للإثبات أن أعضاء البرلمان السابق قد بلغوا من سوء أخلاقهم وخبث طويتهم بحيث لو أُلصق بأمثالهم من العالم المتحضر عشر معشار ما أُلصق بهم من التهم لاستقالوا على الفور. إن قضية "ووترجيت" الأمريكية ليست بذات بال إزاء أعمال أعضاء البرلمان الباكستاني إطلاقا، ومع ذلك كانت هناك ضجة كبيرة في العالم كلــه وتمت إدانتها من كل حدب وصوب لمجرد تجسس الجهة المسئولة على الخصوم، مما أدى إلى انقلاب الحكومة. 
والجدير بالانتباه أن الحكومة الأمريكية آنذاك كانت حكومة دنيوية عادية ولا علاقة لها بالإسلام وبقيمه، ولم تتأسس باسم الدين أيضا، ولكن مستوى أخلاقها كان عاليا لهذه الدرجة. أما مستوى أخلاق الحكومـــة الإسلامية الباكستانية الحالية فهو مترد لدرجة أنها من ناحية لا تمل مـــــن الإعلان في العالم كله أن كافة أعضاء مجلس الشعب عام ١٩٧٤م كانوا سيئي الأخلاق ووقحين للغاية - لا ندري فيما إذا كانوا فعـــلا ســـيئي الأخلاق ووقحين أم لا . الله أعلم بذلك، إلا أن الحكومة تعلن هكــذا – ومن ناحية ثانية تعتز الحكومة نفسها بأنهم كانوا – والعياذ بالله – خدام سيدنا محمد المصطفى حيث استطاعوا أن يحلوا قضية شرعية عالقة منذ ٩٠ عاما. ألا تستحيون يا أصحاب السلطة أن تنسبوا أنفسكم وإياهم إلى رسول الله ، ناهيكم عن تقديمكم قراراتهم أمام العالم كحجـــة شرعية. أما لو اعترفتم بأنكم أنتم الكاذبون وسيئو الأخلاق وتستحقون العقوبة لأنكم التهمتموهم بغير حق، عندها يمكنكم أن تحترموا قراراتهم وتقدسوها كما تشاءون ولكنني أقول : حتى ولو كان الأمر هكذا، وكان أعضاء البرلمان المذكور أتقياء صالحين فليس لقرارهم أهمية شرعية إطلاقا لأن الأمور الدينية لا تُحسم هكذا.




الأغلبية المزعومة في رأي العلماء :
من المؤكد أن ما قام به البرلمان عام ١٩٧٤م ضد الأحمدية إنما هو آية عظيمة على صدق الجماعة لدرجة لن تروا آية بهذه العظمة في العصر الراهن إلا ما شاء الله.
والآن أقدم لحضراتكم بعض النماذج من آراء العلماء عن الأغلبية المزعومة. 
يقول المولوي عطاء الله شاه البخاري: "لن نتبع الأغلبية المزعومة لأننا نعرف أن الأغلبية على الباطل." (سوانح خان ال الكابلي ص ١١٦) 
ويقول المولوي أشرف علي التهانوي، وهو من كبار علماء الفرقـــة الديوبندية، في المجلة الشهرية "البلاغ" المجلد ۱۰ ، العدد ٧ يوليـو عـــام
حياة سيد عطاء الله شاه البخاري للخان حبيب الرحمن ١٩٧٦م ص ٥٩ ما يلي:
" في الأيام الراهنة يؤثرون الأكثرية على الفردية."
أقول:
 إن القرار بتكفير الأحمديين كان أيضًا قرار الأكثرية الذي يعتزون به اليوم ويشيعونه في العالم.
"... ويقولون : إن الجهة التي تكون في الأغلبية تُعتبر السواد الأعظم.
ففي هذا العصر ذكر لي أحد الأصدقاء أمراً جميلاً وعجيبًا."

أقول: 
إنه لقول جميل وعجيب فعلا، إذ لو خطر ببال الشيخ لاستغربنا منه، ولكنه خطر ببال صديقه ، غير أن هذا الشيخ يملك شيئا من الأدب والكياسة بحيث استطاع أن يقبل هذا القول الجميل ثم يذكره للآخرين. فيروي ما قاله صاحبه: "... فقال :
 لو قبلنا أن السواد الأعظم يعني الأكثرية، فليس المراد منـــه الأكثرية الموجودة في، كل زمان، بل المراد هو زمن خير القرون.. زمن غلبة الخير. أي المراد هو الأكثرية في زمنهم، وليس في زمن "يفشو فيه الكذب". إذ إن هذه الجملة تدل على أن الشر سوف يكثر بعد خير القرون."
 أي أن السواد الأعظم الذي ذكره النبي لو قبلنا أن معناه الحــــر في الأغلبية فقط، فليس المراد منه الأكثرية المتواجدة في كل زمان، بـــل المراد الأكثرية المتواجدة في زمن النبي وزمن الذين يلونـه ثم الذين يلونهم من القرون الثلاثة الأولى، إذ كان ذلك عصر الحسنات والنــــور والصدق، ووصفه النبي بخير القرون. أما بعد ذلك فتفشى الكذب كما أخبر النبي .
إنه لقول قيم وقوي فعلا، ولا يقبل النقاش والجدل. لقد وضح النبي بنفسه معنى السواد الأعظم إذ قال:
خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، ثم يفشو الكذب. أي المراد من السواد الأعظم هم أولئك الذين سيكونون في القرون الثلاثة الأولى بعد فجر الإسلام، ثم يفشو الكذب ويعمّ الظلام. إذن، فالزمن الذي لا يقع في عداد خير القرون بل هو الزمن الذي سيفشو فيه الكذب، فإن اعتباره زمن السواد الأعظم ثم اعتبار إجماعهم فيه حجة شرعية لأمــر بديهي البطلان .

ويضيف الشيخ ويقول:
"... هذا قول أُعجبتُ به كثيرا، إنه لقول قيم ومفيد حقا."
 أقول: لا شك أنه قول مفيد، ولكنه يفيدنا نحن ولا يفيدكم.



الفرقة الناجية:
وإليكم الآن ما قاله النبي عن حالة الأكثرية في زمن يفشــو فيـه الكذب. فقد جاء في الحديث الشريف: عَنْ عَبْدِ الله بْن عَمْرُو قَالَ، قَالَ رَسُولُ الله : لَيَأْتِيَنَّ عَلَى أُمَّتِي مَا أَتَى عَلَى بنِي إِسْرَائِيل حَذْوَ النَّعْل بالنَّعْل، حتى إن كانَ مِنْهُمْ مَنْ أَتَى أُمَّه عَلانية لكان في أُمَّتِي مَنْ يَصْنَعُ ذلك. وَإِنّ بَنِي إِسْرَائِيل تفرقتْ عَلَى ثَنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةَ، وَتَفْتَرقُ أُمَّيَ عَلَى ثَلاث وَسَبْعِينَ ملَّة كُلُّهُمْ في النَّار إلا ملَّة وَاحِدَةً. قَالُوا: وَمَنْ هي يا رَسُولَ الله؟ قَالَ: مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابي ."
 (الترمذي، أبواب الإيمان، باب افتـــراق هذه الأمة)

وللكلمات "ما أنا عليه وأصحابي معنيان:
 أولا: إن الملة الواحدة والناجية من النار هي تلك التي تكون على سنتي وسنة أصحابي.
ثانيا: هي تلك التي ستمر بمثل الظروف التي مررت بها أنا وأصحابي. هذا الحديث على جانب كبير من الأهمية ولا سيما للطائفة المتربعة اليوم على عرش الحكومة في باكستان، والتي تسمى الطائفة الوهابية أو أهل الحديث، لأن مؤسس هذه الطائفة الإمام محمد بن عبد الوهاب الذي كان مُوَحّدا كبيرا ومن الصلحاء العظام، وتعتبره الأغلبية الساحقة من مسلمي الحجاز مجددًا للقرن الثاني عشر، يقول معلقا على رحمه هذا الحديث:
" وقوله : "ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة"، فهذه المسألة أجل المسائل ؛ فمَن فقهها فهو الفقيه، ومن عمل بها فهو المسلم."
 (مختصر سيرة الرسول الله للإمام محمد بن عبد الوهاب ص١٣-١٤)
 أي أن الذي يعتبر اثنتين وسبعين فرقة في النار، وفرقة واحدة في الجنة هو المسلم الحقيقي دون غيره، مما يعني أن الإمام - رحمه الله يبين هنا تعريف المسلم ويقول: إن هذا الحديث يحمل أهمية بحيث إن الذي يعترف به ويعمل به ويُقر بأنه عندما تفترق الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها تكون في النار إلا واحدةً، فهو وحده المسلم.



نبأ على نباً:
يقول شارح المشكاة والعالم الحنفي الشهير الإمام ملا علي القاري، في شرح الحديث المذكور:
فتلك اثنان وسبعون فرقة كلهم في النار ، والفرقة الناجية هم أهـــل السنة البيضاء المحمدية والطريقة النقية الأحمدية . " (مرقاة المفاتيح، شرح مشكاة المصابيح للإمام ملا علي القاري ج ١ ص ٢٠٤)
تأمَّلُوا الآن في عظمة هؤلاء الصلحاء وتقواهم وصلتهم المتينة بالله ! 
يزيد حضرة الإمام نباً على نبأ ليوضح أن تلك الفرقة المحمدية تكون على طريقة الفرقة النقية الأحمدية التي لن تروا عليها غيرها.



الفرقة الناجية عند الشيعة:
لقد اعترف بصحة هذا الحديث كل فرقة من فرق المسلمين، وظلت تحاول تطبيقه على نفسها، أي أنها هي الفرقة الناجية، والفرق الأخـــرى كلها في النار . قال الشيعة نحن نمثل تلك الفرقة الواحدة والناجية، أمـــا البقية، فيقعون في عداد الاثنتين والسبعين فرقة. وقال أهل السنة: نحن نمثل تلك الفرقة الواحدة.

يأكد أحد 
من مجتهدي الشيعة مشيرًا إلى هذا الحديث أن الخلافات
الموجودة بينهم وبين الفرق الإسلامية الأخرى تفصلهم عن الاثنتين والسبعين فرقة، فيقول:
"الشيعة يعتبرون حضرة أمير المؤمنين: إمام المتقين، أسد الله الغالب، علي بن أبي طالب خليفة بلا فصل بعد الرسول .. كما يعتبرون بعــــده أحد عشر ولدا من أولاده خلفاء للرسول وأئمة صادقين واحدا بعــــد الآخر إلى زمن الإمام المهدي المنتظر . أما الفرق الاثنتان والسبعون الأخرى، فتعتبر أبا بكر خليفته الأول وعمر خليفته الثاني، وعثمان خليفته الثالث، وعليا خليفته الرابع .

ثم بعد ذكر بعض الأمور الأخرى من هذا القبيل يقول في النهاية: 
خلاصة الكلام إن الشيعة هم الفرقة الوحيدة التي تنفرد – من ناحية جميع الأصول والفروع - عن غيرها من الفرق الاثنتين والسبعين الأخرى، ولا يمكن أن تتفق معها بشكل من الأشكال، لأن لها اختلاف كبير معها في القضايا الكبيرة الأساسية منها والفرعية. لذا فالفرق الإسلامية كلها تعتبر الشيعة مخالفة لها، ولكن هذه الفرقة هي الناجية ومن أهل الجنة حسب الحديث المذكور لكونها مختلفة تماما عن الفرق الأخرى."
 (فتاوى الحائري، لعلى الحائري ص ٤ - ٥


 الفرقة الناجية تكون أقلية:
لقد لاحظتم كيف أنهم إلى الأمس القريب كانوا يناقشون موضوع تمييز الفرقة الواحدة عن الاثنتين والسبعين الأخرى، وأقروا بأنفسهم أن كلام النبي في هذا الصدد حق لا محالة، ولم يبق إلا تحديد الفرقـــة الناجية التي تمتاز عن غيرها لكونها "واحدةً" تختلف عن الاثنتين والسبعين الأخرى. 

وقالت المجلة الشهرية "ترجمان القرآن" (يناير ١٩٤٥) الناطقة باسم الجماعة المودودية بهذا الخصوص بعد الاعتراف بصحة الحديث: 
إن اتفاق الأكثرية على أمر لا يُعتبر في الإسلام دليلا على كونهم على الحق، كما أن الأكثرية ليست هي السواد الأعظم، كما لا يُطلق على كل حشد حكم الجماعة. وليس اتفاق طائفة من المشايخ في منطقة معينة على أمر معين إجماعًا... ويؤيد هذا الموقف الحديث الشريف التالي: عَنْ عَبْد الله بن عَمْرُو قَالَ، قَالَ رَسُولُ الله .... إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ تَفَرَّقَتْ عَلَى ثنتين وَسَبْعِينَ مِلَّةً وَتَفْتَرقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلاث وَسَبْعِينَ مِلَّة كُلُّهُمْ فِي النَّارِ إلا ملة واحدة. قَالُوا: وَمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ الله؟ قَال : ما أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابي." 
ثم تضيف المجلة وتقول: "هذه الفرقة لن تكون في الأكثرية، ولن تعتبر كثرتها دليلا على كونها على الحق، بل تكون واحدة من ثلاث وسبعين فرقة من فرق الأمة. وتكون حالتها كالغرباء والأجانب في هذه الدنيا العامرة، تماما كما قــــال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كمـا بـدأ، فطـوبى للغرباء."

والحق أنه لا يوجد اليوم على وجه المعمورة فرقة إسلامية حالتها حالة الغرباء إلا فرقتنا الجماعة الإسلامية الأحمدية. ومن غرائب قدر الله أنه أخرج الحق من أفواه معارضينا - والفضل ما شهدت به الأعـــــداء – وأرغمهم للدعاء لنا بعد ما كانوا معتادين على اللعن والطعن، فاضطروا للاعتراف بحقيقة الأمر لتذكرهم الحديث النبوي الشريف. فكما قال النبي في حديثه المبارك: طوبى للغرباء"، أقول : بارك الله للغربـاء الــذين يهجرون أوطانهم من أجل الدين ، فيسمون الغرباء.
وتضيف هذه المجلة في هذا الصدد وتقول:
"فالجماعة التي تعتبر نفسها - بناء على كثرتها – تلك الجماعة التي عليها يد الله ... ليس لها أية بارقة أمل في هذا الحديث، لأن الحديث يبين بوضوح علامتين لهذه الجماعة؛ 
الأولى: أنها تكون على طريق النبي وأصحابه.
 والثانية : أنها تكون قليلة العدد جدا. 
عدد يناير فبراير ١٩٤٥م ص ١٧٥-١٧٦)


تذكروا جيدا أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: عندما تفترق الأمة إلى اثنتين وسبعين فرقة، تكون هناك جماعة، وهي الفرقة الثالثة والسبعين الناجية. ولا بد أن تكون الفرق الاثنتان والسبعون الأخرى مخطئة. إذن فهناك فرقة واحدة وهي الصادقة دون غيرها، اعتبرها سيدنا ومولانا المصطفى جماعة. 
وأذكركم مرة أخرى أن معارضينا - الشيعة كانوا أم أهل السنة – لم يعترفوا إلى الأمس القريب بصحة هذا الحديث فحسب بل قال أئمة الفرقة الوهابية بأن الذي لا يؤمن بصدق هذا الحديث ليس مسلما إطلاقا. فالمسلمون كلهم - أهل السنة كانوا أم الشيعة أو الطائفة البريلوية أو الوهابية - متفقون على صحة هذا الحديث ويعترفون بأن ما قاله النبي إنما هو صدق وحق. والبلية التي حلت بباكستان يوم ٧ سبتمبر عـــام ١٩٧٤م -يشير بذلك إلى اليوم الذي اتخذ فيه من قبل البرلمان الباكستاني قرار اعتبار الأحمدية أقلية غير مسلمة. (المترجم) هي أن معارضي الأحمدية لم يعبأوا لسوء حظهم بتكذيب النبي شيئا بغية تكذيب الأحمدية وتكفيرها، وأعلنوا بوقاحة متناهية أن الحديث الذي نحن بصدده باطل وأسلافنا الذين اعترفوا بصحته كـــانوا كاذبين، (نعوذ بالله  من هذه الخرافات). فأصدر البرلمان الباكستاني في ١٩٧٤م قرارًا - لإعجابهم بكثرتهم - أن الفرق الاثنتين والسبعين صادقة والفرقة الواحدة هي الكاذبة، أي أن الاثنتين والسبعين في الجنة والواحدة في النار. فهذه هي القضية التي أعلنتها الحكومة آنذاك بكل اعتزاز وتفاخر والتي أثارتها الحكومة الحالية في البيان الأبيض المزعوم مرة أخرى. فخلاصة الكلام أن إعلانهم هذا كان جسارة قبيحة واعتداء وقحاً ارتكبهما البرلمان يوم ٧ سبتمبر عام ١٩٧٤م ، وذلك بالرغم أن إمام الجماعة الإسلامية الأحمدية آنذاك كان قد حذرهم بكلمـــات واضحة وبصورة متكررة بقوله: يمكنكم أن تعارضونا كما يحلو لكم، وأخرجــــوا ضدنا كلّ ما في جعبتكم، ولكن بالله عليكم لا ترفعوا راية التمرد ضـــــد سيدنا محمد المصطفى في بلد مسلم، باكستان. إنكم ما زلتم تعترفون إلى الأمس القريب بأنه لو حدث الخلاف واجتمعت الاثنتان والسبعون فرقة ضد فرقة واحدة لكانت هذه الأغلبية المتمثلة في الاثنتين والسبعين كاذبة، ولكانت الفرقة الواحدة صادقة حسب نبأ أصدق الصادقين . ولكن اليوم بدأتم تقولون بغية تكذيب الأحمدية بـأن الفـرق الاثنتين والسبعين صائبة والواحدة مخطئة. وكأن سيدنا محمدًا المصطفى لم يعرف ما عرفتموه اليوم، والعياذ بالله).

فإعلان البرلمان هذا في الحقيقة كان إعلان التمرد ضد رسول الله . فهل يمكن أن يبقى مثل هؤلاء الناس في دائرة الإسلام؟ سواء أارتكبوا جريمة أخرى أم لا، إلا أنهم قد أصبحوا غير مسلمين يوم تمردوا تمردا بغيضا ضد حكم الرسول الواضح ، لأن حكم النبي أسمى من أي شك وريبة. وما زال مؤسسو كافة الفرق المسلمة، والعلماء الكبار يعترفون بصدقه، بل اعتبروه معيارا للإسلام والإيمان. أما معارضو الأحمدية فقد شلت قواهم العقلية وأصابهم الجنون فأعلنوا يوم ٧ سبتمبر عام ١٩٧٤م أن الفرق الاثنتين والسبعين المتحدة والمتفقة بعضها مع بعض مسلمة وبالتالي فهي في الجنة، وأن الفرقة الواحدة المنفصلة عنهم – وهي الجماعة الإسلامية الأحمدية - فهي في النار. وهذه هي الحقيقة حسب زعمهم التي لم يعرفها النبي صلى الله عليه وسلم - والعياذ بالله - والتي يقدمونها اليوم أمام العالم بكــــل اعتزاز وفخار.
الحقيقة أن معارضتهم للأحمدية مليئة بالكذب والقذارة منذ بدايتها. إنهم لا يستطيعون تكذيب الجماعة ما لم يكذبوا هذا الحديث. لذا كلمــا قاموا بمعارضة الجماعة قاموا أولا وقبل كل شيء بارتكاب تكذيب الحديث وقلب معناه الحقيقي. فعندما قامت حركة مضادة للأحمدية عام ١٩٥٢م، قال المولوي أختر علي خان بن المولوي ظفر على خان بكــــل قوة وفخار :
" في تاريخ الأمة الإسلامية الممتد على ۱۳۰۰ عاما هيأت حركة "مجلس العمل" فرصة إجماع الأمة للمرة الثانية. فقد اتحدت اليوم ووافقت فــــرق الأمة الاثنتان والسبعون كلها على معارضة الميرزا القادياني. إن علماء الأحناف والوهابيين والديوبنديين والبريلويين والشيعة وأهل السنة وأهل الحديث ومرشديهم ومتصوفيهم كلهم متحدون وموافقون على مطلب واحد وهو أن المرزائيين (يقصد بذلك المسلمين الأحمديين، كافرون، فيجب الإعلان عن اعتبارهم أقلية عن منفصلة المسلمين."
 (جريدة زميندار ٥ نوفمبر ١٩٥٢م ص ٢ عمود (٦)


أي أن الفرق الاثنتين والسبعين المتفقة هي مسلمة، 
والفرقة الواحدة والمنفصلة عنهم كافرة وفي النار.




عجائب قدر الله:
ثم عندما وقع هذا الحادث الغاشم عام ١٩٧٤م، بدأوا يقدمونه في تأييدا لموقفهم دون أن يعوا ما يقولون، فقد أعلنت الجرائد في تلك الأيام وخاصة جريدة "نوائى وقت" هذا الأمر ببالغ السرور والحبور حتى وضعت لهذا الخبر عنوانًا عريضا بكلمات: إجماع الاثنتين والسبعين فرقة."

فترون كيف فضحهم بقدرته البالغة ،إذ لم يعرفوا كيف أدانهم قدر الله بفمهم وقلمهم، ولم يعرفوا ما فُعل بهم !! ولَنِعْمَ ما قال الله تعالى: يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم.. أي أن الله تعالى يرد عليهم مكائدهم. فمقال الجريدة "نوائى وقت" التالي خير دليل على هذه الحقيقة، حيث جاء فيه:
" في تاريخ الإسلام كله لم يتم إجماع الأمة - بشكل كامـــل لهــذه الدرجة – على أية قضية مهمة. فقد وافق على هذا الإجماع موافقة تامة كافة العلماء الكبار وحاملي الشرع المتين من البلادد وكافة الزعماء السياسيين من جميع الأحزاب، كما وافق المتصوفون الكرام والعارفون بالله أيضا موافقة تامة. فالفرق الاثنتان والسبعون من المسلمين كلها، ما عــــدا الفرقة القاديانية مسرورة وموافقة على هذا الحل للقضية."
 (جريدة "نوائي وقت" ٦ أكتوبر ١٩٧٤م ص٤)

كيف كانوا سعداء مسرورين بوضعهم أنفسهم في عداد الفرق الاثنتين والسبعين مع أن كل فرقة بما فيها الشيعة وأهل السنة وغيرها، كانت إلى الأمس القريب تعلن عن الفرق الأخرى أنها في عداد الفرق الاثنتين والسبعين، وتعلن عن نفسها أنها الفرقة الواحدة التي بشر النبي صلى الله عليه وسلم عنها بأنه عندما تُثار قضية الفرق الاثنتين والسبعين والفرقة الواحدة، تكون "الواحدة" هي الناجية دون الاثنتين والسبعين.


فيا أيها المعارضون، هل لاحظتم ما فعل بكم قدر الله إذ شلَّ عقولكم وأرغمكم على الإعلان بأنكم أنتم الفرق الاثنتان والسبعون المتحدة، وأن الأحمدية هي الفرقة الواحدة التي تختلف عنكم وهي الناجيــة حسب الحديث النبوي الشريف. فوضعتم العناوين العريضـة علــى جبهات جرائدكم كالمجانين وقلتم إننا نحن الفرق الاثنتان والسبعون، وجماعة ميرزا غلام 
أحمد القادياني هي الفرقة الواحدة.

 هي إن كانت الأحمدية هي الفرقة الواحدة وأنتم تمثلون الاثنتين والسبعين فرقة، فبالله ! ثم تالله، لا أهمية لفتواكم إطلاقا، وإنما فتوى النبي صلى الله عليه وسلم هي التي تحمل أهمية شرعية وقانونية، وليس هناك أحد، كائنا من كان، يقدر على أن يرد فتوى النبي أو يلغيها أو يُقلّل من أهميتها. 
اعلموا أن يــــوم ٧ سبتمبر عام ١٩٧٤م كان قد طلع عليكم كليلة ليلاء، أما بالنسبة لنا ، فقد أشرقت علينا في ذلك اليوم شمس منيرة نوَّرت الأحمدية وجعلتها نوراً على نور. إذ قد أكدتم جميعًا بعملكم أن النبوءة التي قام بها النبي صلى الله عليه وسلم قد تحققت بكل جلاء ووضوح. إن فعلكم الغاشم وإعلانكم الشائن هذا قد حكم عليكم أنكم أنتم الكاذبون لأنكم قمتم باستنباط يعارض استنباط النبي صلى الله عليه وسلم.




طلوع شمس الفتح المبين:
إذن فهذه حالة أكثريتكم وهذه أهميتها ونعلن نهارًا جهارًا أننا لا نبالي بأكثريتكم هذه إطلاقا، لأن سيدنا ومولانا محمدًا المصطفى لا يبالي بها ولا يعير لها أي اهتمام. لقد نسجتم في ذلك اليوم هذه المكيدة لفصلنا عن سيدنا محمد ، ولكن ذلك اليوم المبارك قد أوثق علاقتنا معه . ولو افترضنا جدلاً أنكم صادقون في قولكم وسيدنا صلى الله عليه وسلم مخطئ – والعيــــاذ بالله - لفضّلنا أن نكون تلك الفرقة الواحدة التي تكون مع النبي ولو كانت مخطئة، ولن نقبل بشكل من الأشكال أن نندرج في قائمة الفرق الاثنتين والسبعين التي لا يرضى بها النبي . لذا نفضل أن نبقى مع النبي في كل الأحوال، كذبتمونا أم صدقتمونا. والحق أننا صادقون بفضل الله تعالى. لقد وقعتم في الشراك الذي نصبتموه بأيديكم ضدنا، وقد أحــــاط بكم من كل الجوانب، فهل تستطيعون الآن التخلص منه؟ الواقع أنه لم يخطر ببال أحد من الشيعة وأهل السنة أنهم سيُجمعون على هذه المسألة ناسين كل الخلافات الشديدة بينهم ومعلنين بعملـهـم هــذا أن فتــاوى مرشديهم الكبار، حول هذا الحديث باطلة كلها. لقد أشرقت علينا في ذلك اليوم شمس فتحنا المبين، وإننا راضون تماما بقدر الله وقضائه. 
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، وبارك وسلم إنك حميد مجيد. 


أُلقيت بتاريخ ۱۷ أيار / مايو ۱۹۸۵م في مسجد "الفضل" بلندن)

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الردود على الأسئلة التي يطرحها الناس عادة السؤال ١: أين يثبت موت المسيح ابن مريم من القرآن الكريم؟ بل إن قوله تعالى: ﴿رَافِعُكَ إِلَيَّ" و"بَل رَّفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ" يدلّ على أن المسيح رفع إلى السماء بجسده. وكذلك الآية: ﴿وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ ؟ تدل على أن المسيح لم يُقتل ولم يمت على الصليب. الجواب: فليتضح أن معنى الرفع إلى الله هو الموت، كذلك إن لقول الله : ارْجِعِي إِلَى رَبِّك"، وقوله: ﴿إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ" المعنى  نفسه. إضافة إلى ذلك إن الوضوح والجلاء والتفصيل الذي ورد به ذكر موت المسيح في القرآن الكريم لا يتصور أكثر منه؛ لأن الله قد بين وفاة المسيح بوجه عام وبوجه خاص أيضا، كما يقول مثلا على وجه العموم: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ " . إن هذه الآية التي قدّمتُها للاستدلال تدل بصراحة متناهية أن الموت قد  أصاب  جميع الرُّسُل، سواء أكان بالموت الطبيعي أو بالقتل، ولم يسلم من الموت نبي من الأنبياء السابقي...

شرح وتفسير: "وكان عرشه على الماء".

 شرح وتفسير: "وكان عرشه على الماء". النقاش عن كون العرش مخلوقا أو غير مخلوق عبث:  فقال عليه السلام:  الناس يتفننون في آرائهم حول هذا الموضوع، بعضهم يصفونه بالمخلوق وبعضهم يصفونه بغير المخلوق، ولكن لو لم نصفه بغير المخلوق لبطل الاستواء. لا شك في أن النقاش حول كون العرش مخلوقا أو غير مخلوق عبث أصلا، هذه استعارة، حيث بين الله فيه رفعته العالية، أي هو مقام منزه عن كل جسم ونقص، ويقابله هذه الدنيا وهذا العالم كله. وليس للإنسان اطلاع كامل عليه. هذا المقام يمكن أن يسمى قديم، فالناس يستغربون من ذلك ويحسبونه شيئًا ماديا. وانطلاقا من القدم يرد الاعتراض على ورود الحرف "ثم". فالحقيقة أن القدم يشمل "ثم" أيضًا. كما عندما يكون القلم بيد الإنسان فتتحرك اليد أيضًا حيثما يتحرك القلم، لكن يكون التقدُّم لليد. يعترض الآريون على المسلمين عن قدم الله، ويقولون إن إله المسلمين موجود منذ ستة أو سبعة آلاف سنة. وهذا خطؤهم، فمن الغباوة أن يقدر عمر الله بالنظر إلى هذا المخلوق. فلا نعلم ما الذي كان قبل آدم ومن أي نوع كان ذلك المخلوق. والله الله أعلم بذلك الوقت: كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْ...
لا بد من التقوى من أجل الفتح: وما دام الأمر هكذا، فاعلموا أن التقوى ضرورية للمرء لكي تنفتح عليه أبواب الحقائق والمعارف فاتقوا الله ، لأن الله تعالى يقول: ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) (النحل (۱۲۹) . ولا أستطيع أن أحصي لكم كم مرة تلقيت هذه الآية في الوحي، إذ أوحيت إلي مرات كثيرة جدا. لو أننا اكتفينا بالأقوال دون الأفعال، فاعلموا أن لا جدوى من ذلك. إن النصر  يتطلب التقوى، فكونوا متقين إن أردتم النصر. ضرورة التضحيات المالية لنشر الإسلام أرى أن نساء الهندوس والنصارى أيضا يوصين بعقارات كبيرة وأموال طائلة لنشر  دعوتهم، ولكن لا نجد نظير ذلك في المسلمين في هذه الأيام. إن أكبر مشكلتنا  هي  الحاجة إلى النصرة المالية لنشر الإسلام. اعلموا أن الله  تعالى هو الذي أراد تأسيس هذه الجماعة بيده وسوف يكون حاميها وناصرها، ولكنه يريد أن يؤتي عباده الأجر والثواب، ومن أجل ذلك قد اضطر الأنبياء لطلب المساعدة المالية. لقد طلب رسول الله النصرة المالية ، وعلى نفس المنهاج ، الذي هو منهاج النبوة، نذكر أحبابنا بحاجات الجماعة من حين لآخر. ومع ذلك أقول: إ...