القول المبين في دحض دعاوي المعارضين ضد سيدنا أحمد
القول المبين في دحض دعاوي المعارضين ضد سيدنا أحمد
أُلقيت بتاريخ ٢٩ آذار/مارس ١٩٨٥م
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيمِ * اَلْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحيم * مَالك يَوْمِ الدِّين * إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ * غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) (آمين)
وَنَادَى فِرْعَوْنُ في قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لي مُلْكُ مصْرَ وَهَذه الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتي أَفَلا تُبْصِرُونَ * أَمْ أَنَا خَيْرٌ منْ هَذَا الَّذي هو مهينٌ وَلا يَكَادُ يُبينُ * فَلَوْ لا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْورَةٌ مِنْ ذَهَب أو جَاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ * فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسقينَ. (الزخرف: ٥٢-٥٥)
هناك أمران جديران بالانتباه في الآيات التي تلوتها، أولهما أنـــه حـــين حرض فرعون قومه على إنكار موسى، قال لهم من بين حججه المزعومة بأن موسی مهين، فلا أهمية له ولا شأن. وكانت حجته الثانية أنه "غير مبين"، أي لا يقدر على إفصاح ما في قلبه. وهذا أمر قد اعترف به موسی الة أيضا إذ قال الله تعالى: ﴿وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ) (الشعراء: ١٤)
علامة الفسق:
لقد قدم فرعون أدلة أخرى أيضا على موقفه المذكور. يبين الله تعالى حقيقة موقفه ويقول: فاستخَفَّ قومه فأطاعوه. أي أن معظم حججـــه كانت مبنية على استغلال القوة، لذا فإن قومه أطاعوه خوفا منه، ورفضــــوا نبي الله. ولم يقل الله بعد ذلك، بما أنهم فعلوا ذلك خوفا منه، لذا إنهم غير مسؤولين عن ذلك، بل قال: إنهم كانوا قوما فاسقين. إذ أطاعوا شخصا غاشما خوفا منه ورفضوا نبي عصرهم. فأهم ما دلت عليه هذه الآيات هو أن الظالمين لا يحكمون إلا الفاسقين ولا يقدرون على إكراه أحد إلا الفاسقين، لأنه إن لم يكن في القوم فسق فلا يقدر ظالم مستبد على إكراههم، لذا يجب على الإنسان أن يواظب على الاستغفار في مثل هذه المواقف، لأنه إذا أصبح الحاكم مستبدا فلا بد أن يحدث أحد الأمرين. إما أن يُسحَق في رحى الظلم بعض المظلومين المستضعفين لأنهم لا يتراجعون عن موقفهم ولا يسمحون لأي خلل أن يجد طريقه إلى إيمانهم - والقرآن الكريم لم يستخدم كلمة "الفاسقين" بالنسبة لمثل هؤلاء الناس - ، أو يكون هناك أناس يبدلون دينهم تحت ضغط الحاكم المستبد ويشيعون ما يعارض معتقداتهم، ويُقرون بلسانهم ويكتبون بأقلامهم أيضا ما ليس في قلوبهم، وقد وصف القرآن الكريم هذه الحالة بكلمة "الفسق". فالأحداث التي جرت في مصر قبل عهود سحيقة تعاد لسوء الحظ اليوم في باكستان حيث تُقدَّم الأدلة الواهية نفسها التي ينحتها الأعداء ضـــــد الأنبياء عادة. وتُلصق بنا اليوم التهم نفسها التي تلصق بالأنبياء من قبل الأعداء.
اعتراضهم على أسلوب كلام المسيح الموعود:
أقول : لقد أثارت الحكومة في البيان الأبيض المزعوم ضد سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود نفس الاعتراض الذي أثاره فرعـــــون ضــــــد موسی من قبل، فجاء فيه: "كان الميرزا عاجزا عن نطق الكلمات العربية بصورة صحيحة، وكان غير قادر على تمييز "ق" عن "ك" بسبب قرب مخارجها. كان الزواريعترضون على عيبه هذا، ولكنه كان عاجزا عن قول شيء في حقه. (القاديانية، خطر رهيب على الإسلام، ص ۱۲).
يتساءل المرء هنا مستغربا : كيف يُهدَّد الإسلامُ بخطر رهيب بسبب اللكنة عند سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود وعدم قدرته على النطق السليم لبعض الكلمات العربية؟ إن للحمق أيضا حدودا، ولكنـهم تجاوزوا الحدود كلها لو كان في ذلك فعلا خطر على الإسلام لقبل الإنسان أن عنوان الكتيب في محله. لاحظوا عنوان الكتيب وهو: "القاديانية، خطر رهيب على الإسلام! ثم انظروا إلى البرهان على هـذا الخطر: أن الميرزا كانت عنده لكنة وكان غير قادر على النطق السليم ببعض الكلمات العربية!!
والأغرب من ذلك أن المعترضين أنفسهم يعتقدون أنه إذا كانت عنــــد بعض الأنبياء أو الصلحاء لكنة فلا حرج في ذلك. يقول القرآن الكريم بلسان موسی: هوأفصح مني لسانا. أي أنني لست فصيح الكلام، بــــل هارون أفصح مني . فإذا كانت اللكنة سببًا كافيا للطعن في مأمور من الله على حد قولكم، فلماذا اصطفى الله شخصا أقل فصاحة ولديه لكنة؟
القرآن الكريم يجعل موسى عليه السلام يعترف أنه غير فصيح، ومع ذلك يؤمنون أنه كان نبيا صادقا، وأنه لم يكن خطرا على دين الله مع وجود اللكنة لديه. ولكن عندما يتكلمون عن سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود يعيدون الاعتراض نفسه الذي كان فرعون قد أثاره ضد موسى. وذلك لأنه من قدر السماء أن يعيد الأعداء ضد سيدنا أحمد الاعتراضات نفسها التي أثيرت في الماضي.
وقد وردت في كتب التفسير قصص عن اللكنة وعدم الإفصاح، فقد جاء في روح المعاني تحت تفسير الآية ويضيق صدري ولا ينطلق لساني : ويضيق" صدري انفعالا منه، ولا ينطلق لساني من سجن اللكنة وقيـــد العي بانقباض الروح الحيواني الذي تتحرك به العضلات الحاصل عند ضيق الصدر واغتمام القلب. والمراد حدوث تلجلج اللسان له عليه السلام." (روح المعاني، تفسير سورة الشعراء)
ومن يرغب في تفاصيل أكثر، فليرجع إلى تفسير فتح القدير وتفسير الجلالين، وتفسير الخازن وغيرها. ولا يقتصر الأمر على هذا الحد بل هناك من السلف الصالح الذين يحتلون مكانة سامية في الأمة وكانت لديهم اللكنة. فهل نسى المعترضون سيدنا بلال الذي كان سيدنا عمر يخاطبه بقوله: سيدنا بلال، والذي عندما كان يلفظ "أسهد ألا إله إلا الله" بدلا من" أشهد ألا إله إلا الله"، كانت عيون الصحابة تذرف دموعا بصورة عفوية. لم يتوغر أحد منهم غضبًا عليه، ولم يعتبره خطرا على الإسلام بسبب لكنته، بل كانوا يبكون لوعة وحرقة لتذكرهم زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم. إذ كان سيدنا بلال يلفظ كلمات الأذان باللهجة نفسها ويقول: "أسهد ألا إله إلا الله". وكان سيدنا الحسين أيضا يصاب باللكنة أثناء الكلام. فقد جاء في تفسير روح المعاني: روي أنه كان في لسان الحسين رضي الله تعالى عنه رتة وحبسة، فقال النبي فيه : إنه ورثها من عمه موسى (روح المعاني، تفسير سورة طه، الآية واحلل عقدة من لساني).
كذلك جاء عن المهدي : " وقد ذكر أن في لسان المهدي المنتظر رضي الله تعالى عنه حبسة، وربما يتعذر عليه الكلام حتى يضرب بيده اليمنى فَحَذَ رجله اليسرى." (روح المعاني تفسير سورة طه، الآية: يفقهوا قولي). فإذا كان المهدي الموعود سوف يبعث مصحوبا بالخطر المزعوم (اللكنة)، فلا بد أن تقبلوا هذا الخطر معه لأنه يمثل علامة صدقه.
اعتراض واه آخر:
يقول الكتيب: "لقد توظف الميرزا بعد إنهاء دراسته الابتدائية كموظف بسيط في مكتب نائب المفوض في مقاطعة "سيالكوت" حيث كان يتقاضى راتبا شهريا قدره ۱۵ روبية عملة هندية. ولقد قال بعض الكتاب بأن أباه كان قد طرده من البيت عقوبة على سرقة بعض الأموال من البيت. فخرج من قاديان واضطر للتوظف بوظيفة بسيطة، وبقي فيها حوالي ٤ سنوات حتى تركها عام ۱۸۸۵م. " القاديانية، خطر رهيـب علـــى الإسلام ص ۹ - ۱۰)
لهذا الاعتراض عدة وجوه. الأول قولهم توظف بوظيفة بسيطة، يتقاضى ١٥ روبية شهريا، وكأنه "مهين"، فكيف اصطفاه الله نبيا؟ وبذلك أعادوا اعتراضا أثاره فرعون ضد موسى.
والثاني: قصدهم أن الأنبياء لا يتوظفون لدى أحد، فكيف توظف هو؟ وعلاوة على ذلك فقد افتروا على سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود ظلما وزورا أنه قام بسرقة فطرد من البيت.
لقد فتشنا كثيرًا لنعثر على حادث يكون المعاندون قد أسسوا عليــــه اعتراضهم، فوجدنا رواية (رقم (٤٩ في كتاب سيرة المهدي ج ١ ص ٤٣- ٤٤، تقول إن سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود الذهب مــــرةً إلى مدينة سيالكوت ليستلم من الدائرة الحكومية معاش التقاعد لجده وتبعـــه ميرزا إمام الدين - وهو أحد أفراد أسرته - فاستولى على المبلغ خدعـــــة وهرب. فلم يرجع حضرتُه إلى قاديان، وفضَّل أن يتوظف لفترة يسيرة بدلا من مواجهة أهل البيت في حالة هذه الخسارة. هذا الحادث إن دلّ على شيء فإنما يدل على براءة حضـرته وتقــــواه وشدة حيائه. أما فيما يتعلق بالذي قام بالخديعة (أي ميرزا إمام الدين) فلم يكن غير أحمدي فحسب بل كان عدواً لدودًا أيضا لحضرته. هو الذي قام بالسرقة والمعارضون يتهمون سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود!! لا بد أن يكون المعارضون قد قرؤوا هذه الرواية وتعمدوا استغلالها لاتهامه عليه السلام. سوف أورد بعد قليل شهادة من شخص صار من أعــــداء سيدنا أحمد فيما بعد، أقرَّ فيها أنه لا قضى حياته كلها بالتقوى المتناهية. ولكن قبل أن أورد هذه الشهادة أود أن أشرح لكم لماذا اتهموا سيدنا الإمام المهدي اللة بالسرقة؟
السبب هو أنهم متعودون على اتهام الأنبياء أيضا بالسرقات، فما بالك بالذي لا يعتبرونه نبيا بل يزعمونه من المفترين. نقرأ في القرآن الكريم أن إخوة يوسف قالوا في صدد حادث بنيامين: إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل مشيرين بذلك إلى يوسف. ومـــــن الواضح أن القرآن الكريم بين هذا الحادث كتهمة باطلة منهم على يوسف، ولم يؤيد المتهمين أبدا، بل ذكره ليبين أن الأنبياء أيضا يتعرضون لتهم باطلة ويؤذون. ومن المؤسف أن بعض المفسرين المسلمين أيضا قبلوا هذه التهمة و شرعوا في البحث عن نوع السرقة التي يكون يوسف قد قام بهــــا على حد قولهم. نذكر على سبيل المثال بعضا من كتب التفسير بما فيهـا الجلالين، والخازن، وفتح القدير، وروح المعاني التي أوردت قصصـا افتراضية في هذا الصدد تحت تفسير الآية: إن يسرق فقد سرق لـــه أخ من قبل. لقد اختلف المفسرون في الشيء المسروق، ولكنهم متفقون على أن يوسف كان سارقًا - والعياذ بالله – وكان نـــبـي وكان نبي الله أيضا في الوقت نفسه، ومع ذلك لم يتعرض دينه لأي خطر.
تعالوا معنا نستعرض اختلاف المفسرين في الشيء الذي سرقه يوسف على حد زعمهم. فقال بعضهم: سرق صنما الذهب، وقال الآخرون: سرق دجاجة، وقيل: لم يسرق دجاجة بل سرق بيضة فقط، وقيل : سرق طعاما ليوزعه على الفقراء. على أية حال إنهم يقبلون عن الأنبياء أمورا تقشعر لها الجلود ومع ذلك لا يرتابون في نبوتهم. فما الغرابة إذن لو ألصقوا تهما باطلة بسيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود؟ أما فيما يتعلق بسيرة مؤسس الأحمدية، وفترة مكثه في "سيالكوت"، التي ورد ذكرها في الاتهام، فاسمعوا شهادة السيد منشي سراج الدين والد المولوي ظفر علي خان، أحد أعداء الأحمدية الألداء. كان الشاهد يعرفه عليه السلام منذ تلك الفترة، فأدلى بشهادته التالية: "نستطيع أن نقول بناء على شهادة عيان بأنه كان رجلا صالحا وتقيـــــا جدا في عنفوان شبابه أيضا . وبعد المشاغل الوظيفية (في سيالكوت)، كـــــان يقضي كل وقته في دراسة الكتب الدينية، وقليلا ما كان يخالط الناس." (جريدة "زمیندار" مايو ۱۹۰۸م)
وقال الشيخ محمد حسين البطالوي: "إن مؤلف البراهين الأحمدية - والله حسيبه – حسب تجربة المعارضين والموافقين عامل بالشريعة المحمدية، ورجل ورع وصادق." (إشاعة السنة ، المجلد ٩ ص ٢٨٤)
أما فيما يتعلق بجواز توظف نبي، فيعترف بذلك المعترضون أيضا، بمـــن فيهم الديوبنديون وأهل الحديث أيضا لا يسعهم إلا أن يعترفوا أن النبي يمكن له أن يتوظف حتى لدى غير نبي، لأن الله تعالى قد صرح في كلامه المجيد عن توظف سيدنا يوسف .
وعلاوة على ذلك، ليس من المعقول القول إن النبي لا يتوظف. ولماذا لا يتوظف ؟ لا يقدمون على ذلك برهانا عقليا أو نقليا. إلا أن القرآن الكريم يذكر بكل صراحة أن نبيا توظف لدى قوم غير قومه بل طلب منهم الوظيفة في قسم المالية. يقول المولوي ثناء الله الأمر تساري، وهو من أشهر علماء أهل الحديث، عن يوسف: "نجد في القرآن الكريم أن يوسف ال كان يدير أمور الدولة تحت حاكم كافر. وفعل نبي من الأنبياء يُعتبر أسوة حسنة لنا." مجلة أهل الحديث أمر تسار عدد ١٩٤٥/١١/١٦م ص٤).
وقالت المجلة نفسها في عددها ١٩٤٦/١٠/٢٥م ص ٣ : "هناك كثير من الرسل والأنبياء - بدءا من يوسف إلى حضرة المسيح الناصري عليهما السلام - الذين كانوا تحت حكومات زمنهم.". فلم لم يشكل هؤلاء الأنبياء خطرا على أديانهم يا ترى؟!
اعتراض على سلسلة النسب:
هناك اعتراض آخر يقول : يوصل الميرزا سلسلة نسبه إلى المغول من آسيا الوسطي. وحسب أقواله الابتدائية كان ينتمي إلى فرع "برلاس" من سلالة "المغول . " (كتاب البرية، الطبعة الثانية ۱۹۳۲ م ص ١٣٤). ثم أعلن فيما بعد أنه علم عن طريق الوحي أن سلسلة نسبه تصل إلى الإيرانيين. من المحتمل أن يكون قد أعلن بذلك ليجعل نفسه مصداقا للحديث الذي أشاد فيـــه الرسول صلى الله عليه وسلم بدور المسلمين الإيرانيين في نشر الإسلام، ولكنه لم يتمكن من تحديد سلسلة نسبه طوال العمر. أولا أعلن انتسابه إلى المغول، ثم قال فيما بعد إنه ينتسب إلى قريش أي سلالة النبي الأكرم . ثم ادعى في نهاية المطاف أنه قد أخبر عن طريق الوحي أنه إيراني الأصل. واعترف أنه ليس لديه دليل غير أحد الكشوف المزعومة حيث أُخبر أنه إيراني الأصل في الحقيقة." (القاديانية، خطر رهيب على الإسلام ص ۹-۱۰).
هذه الأسطورة التي نسجوها من عند أنفسهم تحتوي على أمور كثيرة تحتاج إلى التحليل، ولسوف أتناولها واحدا بعد آخر.
الجزء الأول من اعتراضهم هو أنه من المحتمل أن يكون سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود قد أعلن كونه إيراني الأصل لجعله مصداقا لحديث أشاد النبي فيه بدور المسلمين الإيرانيين في نشر الإسلام. لاشك أن المعترضين يملكون براعة خارقة في التحريف أيضا، إذ لم يجرؤوا على بيان نص الحديث لأنه لا يذكر نهائيا أن المسلمين الإيرانيين سوف يخدمون الإسلام بل يقول الحديث: عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ اللهِ قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأُنْزَلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْجُمُعَة وَآخَرينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا هِمْ. قَالَ: قُلْتُ: مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ الله؟ فَلَمْ يُرَاجِعْهُ حَتَّى سَأَلَ ثَلاثًا ، وَفِينَا سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ، وَضَعَ رَسُولُ الله يَدَهُ عَلَى سَلْمَانَ ثُمَّ قَال: لَو كَانَ الإِيمَان عِنْدَ الثَّرَيَّا لَنَالَهُ رِجَالٌ أو رَجُلٌ مِنْ هَؤُلاء." (صحيح البخاري، كتاب التفسير، تفسير سورة الجمعة). فبما أنهم لم يجرؤوا على بيان نص الحديث فقدموا كلام الرسول بلف ودوران قصدا منهم، وكأنه أشاد بدور الإيرانيين. لذا حاول سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود حسب زعمهم أن يجعل نفسه مصداقا لهذه الإشادة.
أما فيما يتعلق بسلسة نسبه عليه السلام، فيقول حضرته: "إن فرع قومنا هي "مغول" "برلاس. ويتبين من مستندات آبائنا المحفوظة إلى الآن أنهم كانوا قد هاجروا إلى هذه البلاد من "سمر قند". و كان عددهم الذي شمل الأهل والخدم حوالي ۲۰۰ نسمة. ودخلوا هذه البلاد بصفتهم زعماء محترمين" . (كتاب) البرية الخزائن الروحانية ج ١٣ ص ١٦٢-١٦٣ الهامش)
ثم يقول حضرته: "إن هذه الأسرة اشتهرت بأسرة مغولية – كما ظُنَّ ظاهريا – ولكن الله تعالى العالم بالغيب، أظهر علي الحقيقة بالتكرار في وحيه المقدس أن هذه الأسرة فارسية الأصل. ودعاني بكلمة "أبناء الفارس." (حقيقة الوحي الخزائن الروحانية ج ۲۲ ص۸۰ الهامش)
هذا هو اللغز الذي هيَّأ للحكومة برهانا قاطعا حسب زعمهم، على أن الشخص الذي يشُكُ في كون أسرته فارسية أو مغولية، وكون بعض النساء من أسرته من سلالة قريش يشكل خطرا رهيبا على الإسلام.
الواقع أن الأمور الثلاثة المذكورة لا تحتوي على أي تعارض بل كلـها صحيحة في آن معًا، غير أن قلة فهمهم تريهم الأمر هكذا. عندما حققت أنا في الموضوع تبين لي أن جد سيدنا الإمام المهــــدي والمسيح الموعود كان قد هاجر من سمرقند، ولكن سمرقند لا تقع في إيران اليوم. هنا ظهرت المشكلة للعيان أنه إذا كان فعلا قد هاجر مـــن سمرقند وكان يُدعى مغوليا أيضا. فكيف أصبح من أهل فارس؟ ومن ناحية ثانية كان الله قد أخبر سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود بالوحي أنه فارسي الأصل، وبطبيعة الحال لم يكن لدى حضرته خبر أكثر صدقا منه في هذا الصدد. فأقرَّ حضرته المعتمدا على علم الجغرافي السائد آنذاك وقال : إننا كنا قد هاجرنا من سمرقند إلى هنا، وأقر أيضــا من المغول، ويؤكد المؤرخون أيضا على كوننا مغولا. فلم يكذب حضرته الا فيما قال وأوضح أيضا قائلا: إنني لا أرى سببا ولا أجـــــد برهانا ظاهريا على كوني فارسي الأصل، غير أن الله هلالالالالاله العالم بالغيب بالغيب أخبرني بأنك فارسي الأصل."
فعندما بحثت في الموضوع أكثر، تبين لي أن الجغرافية السياسية أيضا تتغير أحيانا مع مرور الوقت وليس للبلاد حدود ثابتة ودائمة. فقد جاء في الموسوعة البريطانية:" في زمن الإمبراطور فيروز شاه بور زمنه حوالي ٣٠٠ عام قبل بعثة النبي - كانت سمرقند عاصمة ولاية سوغ" ديانة" (ولاية حدودية إيرانية). وكانت سمرقند تبعد داخل الحدود الإيرانية بـأكثر من ١٢٠ كلومترًا إذ كانت سلطنة إيران ممتدة إلى هذه الدرجة . وتضيف الموسوعة وتقول ما معناه: "... كانت سمرقند جزءا من ولاية إيران في زمن الإمبراطور خسرو برويز أيضا (الإمبراطور المعاصر لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم ما زالت المدينة جزءا من إيران إلى مئات السنين." (الموسوعة البريطانية ج۹).
إذن فالخبر الذي تلقاه سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود من عالم الغيب والشهادة كان صحيحا تماما، وليس هناك أي تعارض بــين تصريحاته الا الواقع أن أجداد سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود كانوا قد هاجروا من سمرقند التي كانت عندها ولايــة في سلطنة إيران وكان سكان سمرقند يسمون أهل فارس".
أما السؤال: هل كان حضرته من المغول أم لا، فيصبح أمرا ثانويا ، لأن المغول الذين سكنوا الهند دعوا المغول الهنود، والذين قطنوا أفغانستان دعوا المغول الأفغان وهكذا دواليك. فهكذا يسقط هذا السؤال تلقائيا فيما إذا كان حضرته من المغول أم لا . ولكن لو أصر معارضونا على إثارة الاعتراض لا محالة، فليسمعوا شهادة المحققين أيضا في هذا الصدد. فيقول السيد ستينلي بول في تأليفه عن الملوك المغول:
The term Moghal.....came to mean any fairman from central Asia or Afghanistan as distinguished from the darker native Indians, the various foreign invaders or governing Muslims class Turks, Afghans, Pathans and Moghals eventually became so mixed that were indifferently termed Moghals." (Medievel India Under Mohammadan Rule, Page 197. Foot Note)
أي أن مصطلح المغول قد اخترع لتمييز الهنود السود من سكان آسيا البيض الآخرين. لقد اختلط الغزاة المختلفون والحكام المسلمون أتراكا وأفغانا وبتانا ومغولا بعضُهم ببعض لدرجة أطلقت عليهم جميعا كلمـــة
المغول دون تمييز.
إذن فلا غرابة في ذلك، ولا معنى للاعتراض فيما إذا كان حضرته من المغول أم غيرهم. ما يقوله حضرته هو بأن أسرتنا تُدعى مغولا ولكنني لست متأكدا من حقيقة الأمر. من الممكن أن خطأ ما يكون قد وجد طريقه إلى التاريخ في هذا الصدد، لأن المؤرخين أيضا يعترفون بإمكانية حدوث مثل هذا الخطأ. أما فيما يتعلق بكونه من أهل فارس فلا جدال فيه ولا شك.
الشيطان يترصد طريق الحسنة:
والاعتراض الآخر الذي أثير في الكتيب الحكومي هو كالآتي:
كان بعض أقاربه أيضا يعارضونه بمن فيهم ميرزا شير علي الذي كان أخا لزوجته، وحموا لولده ميرزا فضل أحمد. لقد كان هذا شخصا وجيها، ملتحيا بلحية بيضاء جميلة ويحمل المسبحة دائمًا . كان يجلس قرب المقبرة بهشتي مقبرة)، ويحاول نصح القادمين لزيارة الميرزا قائلا: أنا من أقارب الميرزا، لم لم أؤمن به أنا ؟ السبب هو أنني أعرفه جيدا ومتأكد من أن هذا مَتْجَرٌ فتحه الميرزا لنهب أموال الناس. أنا من أقاربه وأعرف أحواله جيدا. الحقيقة أن دخله كان قليلا، وبالإضافة إلى ذلك حَرَمه أخوه من العقارات، لذلك فقد شَرَعَ في هذا المتجر تصلكم كتبه وإعلاناته، وتظنون أنه رجل صالح وتقي جدا. أما نحن الذين نعيش بالقرب منه ليل نهار، فنعرف الأمر بوضوح أكثر، وأقول ذلك لصالحكم." (القاديانية، خطر رهيب على الإســـلام 28- ص ۱۲ - ۱۳)
هذه هي نقاط الاعتراض التي بسببها أصبح حضرته خطرا رهيبا على الإسلام والعياذ بالله. الواقع أن النبي الذي هو أفضل الرسل، والذي من أجله خُلق هذا الكون قد تعرض للوضع نفسه تماما، إذ أصبح بعض أقاربه أعداء له ألداء لدرجة أن أحدهم ذكر في القرآن الكـريم باسم أبي لهب حتى صار اسمه الحقيقي في طي النسيان بالنسبة لكثير مــــن الناس. هذا العدو اللدود للنبي كان عمه الذي عكف على إضلال الناس وكان يقول لهم هذا الفتى من أسرتنا ونعرفه جيدا، أما أنتم الأجانب فلا تعرفون عنه شيئا. ولم يكتف الأعداء بذلك، بل فرضت قريش حظرًا على مكة وكانوا يُضلون القادمين إلى النبي ويقولون إنه ظالم ومستبد للغاية، والعياذ بالله. منهم من كان يسميه مجنونا، ومنهم من كان يدعوه ساحرا، وهناك من يقول إنه ساحر كذاب ومفتر، والعياذ بالله، ويقولون: نحــن أهـلــه وأعلم به من الآخرين.
لم يفكر المعاندون لسوء طويتهم عند توجيههم هذا الاعتراض إلى سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود بأنهم يثيرون من جديد نفــــس الاعتراض الذي وُجه إلى سيدنا محمد المصطفى .
لقد قدموا في هذا الصدد - بعد قص ولزق – الجزء الأخير من خطاب لسيدنا الخليفة الثاني ميرزا بشير الدين محمود أحمد ألقاه في الاجتماع السنوي للجماعة عام ۱۹٤٥ وحاولوا أن يثبتوا أن ميرزا شير علي، الذي كان يترصد طريق القادمين إلى سيدنا أحمد، كان على مستوى عال من التقوى لدرجة كان الخليفة الثاني أيضا يعتبره تقيًّا ورعًا، لذا ثبت أن سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود كان - والعياذ بالله - خطرا كبيرا على الإسلام.
يذكر المعارضون الجزء التالي من الخطاب حيث قال حضرته:
كان هناك رجل من الأسرة يترصد الطريق ويحاول إضلال الناس ولكن لم يهتم به أحد. وحدث ذات مرة أنه كان جالسا في الطريق حسب عادته، إذ مرَّ بقرب منه فلاحان ساذجان قادمان إلى قاديان. فأوقف أحدهما وجعل يتحدث إليه. وبما أنه كان يبدو رجلا رصينا ظاهريـــا فأصغيا إليه. ولما انتهى من كلامه تقدم إليه الزائر ولف ذراعيه حوله ونادى صاحبه وقال تعالَ إلى هنا بسرعة، ثم قال: "كنا نسمع قول الله: إن الشيطان يترصد طريق الأنبياء متنكرا . ولقد صدق الله عز وجل، فهذا الشيطان الذي يترصد طريق الحسنة. ربما لم ترَ الشيطان من قبل، فتعال وانظره الآن."
إذن، فهذا هو الحادث الذي قدموه بالقص واللزق ليوهموا الناس كـأن الخليفة الثاني كان يعتبره رجلا تقيًّا جدًّا مع أنه كان يُكذِّب سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود رغم كونه من أسرته. وهكذا وجد المعارضون رَجُلين اثنين لا غيرهما من أسرة كبيرة، أحدهما ميرزا إمام الدين السارق، والثاني هو هذا الشيطان ثم يعتزون بشهادتهما كثيرا. في حين قد خلا شياطين - وكانوا أكبر منهما - في أزمنة الأنبياء ومـــن أسرهم. الحقيقة أن العداوة تُعمي الإنسان فلا ينتبه إلى ما يقول، ولا إلى ما سبق من قبل من أحداث مماثلة. هناك مقتبسات كثيرة تبرهن علـــى معارضة أقارب الأنبياء إياهم، ولكنني أتركها جانبا خشية الإطالة، ولا حاجة أيضا لبيانها في الوقت الحالي.
تلبيس مدهش:
م وجهوا اعتراضا آخر قويًّا حسب زعمهم حسب زعمهم بأن الفترة الأولى من حياته، كانت فترة الإفلاس، حتى لا يكاد يجد من الطعام أيضًا ما فيه الكفاية، ما كانت له ثروة ولا دخل. فجاء في الكتيب: "لقد عاش الميرزا العُقود الأولى من حياته في الفقر المدقع والحالة المادية السيئة حيث يقول بنفسه : إنه ما كان يتوقع أن يكسب عشر روبيـــات عملة هندية شهريا لأنه لم يملك ثروة تُذكر . " (القاديانية، خطر رهيب علـــى الإسلام ص ۱۱)
يحتار العقل على هذا الكذب الصريح. كل ما قاله سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود هو أنني لم أبال بالعقارات لدرجة ما كنت أعلــــم موقعها أيضا، لأنني كنت منصرفا إلى ذكر الله تماما، وعاكفا على تعلّم الدين. كان حضرته يوجد إما في المسجد أو يجالس الفقراء ويوزع عليهم طعامه. في حين يرسم المعارضون مشهدا كأن أحدا جالس في سوق التجارة، وليس لديه مال وهو يكسب عشر روبيات بالكاد. الواقع أن الدنيا كانت تعرف عن الفترة الأولى لحياته، حتى إن المشايخ الذين صاروا أعداءه فيما بعد قد شهدوا بذلك بالإضافة إلى شهادات المسيحيين والسيخ. فحالته العامة منذ صباه كانت غريبة حقا، إذ أثر الفقر على الغنى. كان يترك المائدة المليئة بالنعم ويأخذ طعامه ليوزعه على الفقراء والمساكين ويتحمل الجوع بنفسه أحيانا. أو في بعض الأحيان يشتري الحُمَّصَ المُحَمَّصَ بمليم أو مليمين ويأكلها. وتصرفاته هـذه بـدت للمعارضين خطرا على الإسلام، فتنادوا بأعلى صوتهم وصرخوا، يجب أن ينتبه عالم الإسلام إلى خطر رهيب، إذ إن شخصا يوزع طعامه على الفقراء بدلا من تناوله إياه !!
مثال آخر للتلبيس:
والاعتراض الآخر الذي أثاروه هو أيضا قمة في الافتراء، يقولون: "حالما قام بإعلانات المجددية والمحدثية والنبوة، تكدست لديه الأموال عـــن طريق التحف وغيرها، وفي السنوات الأخيرة من عمره كانت ثروته قــــد تفاقمت تفاقما عظيما حتى بلغت ٢٥٠ ألفا في عام ١٩٠٧م، حين كـــــان يعتبر شرفا كبيرا للإنسان إذا صار مليونيرا. وفي الفترة الأخيرة من حياته أصبح يرفل في الثروة الهائلة. وارتفع مستوى حياته لدرجة بدأ أتباعه أيضا يعترضون عليها ويستاءون منه . " القاديانية، خطر رهيب على الإسلام ص١١). إنه لعجيب أمرهم، فمن ناحية، يوجهون هذا الاعتراض. ومن ناحية ثانية يؤمنون بأنبياء كسيدنا سليمان مثلا الذي كان مستوى حياته عاليا، وكان يملك من الأموال والجواهر الثمينة قدرًا كبيرًا جدًّا، وبالتالى كان ذا جاه وشوكة لم يسبق لهما نظير، حتى صُنع لــه مــن الذهب الخالص ۲۰۰ مجنة و ۳۰۰ ترس. هذا ما قاله أحد الكتاب العاديين، ولكن ما تذكره التوراة في هذا الصدد وما يتبين عنه يثير الاستغراب أكثر. فجاء في سفر الملوك الأول، الإصحاح ١٠ العدد ١٨ - ٢٧: وعمل الملك كرسيا عظيما من عاج ، وغشاه بذهب إبريز. وللكرسي ست درجات ، وللكرسي رأس مستدير من ورائه، ويدان من هنا ومن هناك على مكان الجلوس، وأسدان واقفان بجانب اليدين. واثنا عشر أسد واقفة هناك على الدرجات الست من هنا ومن هناك. ولم يُعمَل مثله في الممالك. وجميع آنية شرب الملك سليمان من ذهب ، وجميع آنية بيت وَعْر لُبْنَان من ذهب خالص لا فضة. هي لم تُحسب شيئا في أيام سليمان.... وجعل الملك الفضة في أورشليم مثل الحجارة."
أي أن الثروة والذهب كانا من الكثرة بحيث لم تُحسب الفضة شيئا ذا قيمة بل اعتُبرت كالحجارة. إنه بيان بسيط جدا، ولو قرأتم ما ورد في التوراة في هذا الصدد لتحيرتم حيرةً ما بعدها حيرة.
ثم اتركوا التوراة أيضا جانبًا واقرؤوا الأحداث المذكورة بالإيجاز في القرآن الكريم عن سلطنة سيدنا سليمان وداود عليهما السلام، يبدو مـــن تلك الأحداث أنهما كانا يملكان من القوة والجاه ما لم يكن في نصيب غيرهما من بعدهما أيضا. ومع ذلك كله كانا نبيين صادقين و لم يشكلا خطرا على دينهما. فقولهم إن سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود جمع أموالا بعد إعلانه وأصبح مليونيرا واستاء منه أتباعه وتبرؤوا منه لهــــو افتراء بديهي البطلان وكذب شنيع يجعل الإنسان يحتار ويتساءل: كيـف تجردت قلوبهم من تقوى الله إلى هذه الدرجة في عداوة الأحمدية.
ماذا قال أتباعه؟ وكيف وجدوه بعد إعلانه النبوة؟ هاكم ما قاله أحد أتباعه :
"مرة جاء للاشتراك في الاجتماع السنوي كثير من الضيوف الذين ليس لديهم ثياب دافئة كافية. فجعل رجل يُدعى "نبي بخش" من مدينــــة " بطالة" يطلب الألحفة من بيت سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود وظل يوزعها على الضيوف. واتفق لي أن ذهبتُ إلى سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود بعد صلاة العشاء، فوجدته جالسًا واضعًا يديه تحت إبطيه بينما كان أحد أبنائه - قد يكون الخليفة الثاني - مستلق بالقرب منه وكان حضرته قد غطاه بمعطف له. وعلمتُ أن سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود كان قد أرسل لحافه الخاص أيضا للضيوف.
هذا هو عيش الرفاهية والتنعم الذي يعترضون عليه. ويقولون إنه كان يرفل في النعم والرفاهية. يضيف الراوي ويقول: "قلت يا سيدي لم يبق لديكم ثوب دافئ والبرد قارس. قال: "يجب ألا يتأذى الضيوف بحال من الأحوال. أما أنا فلا بأس، سوف ينقضي الليل على كل حال. ثم نزلتُ إلى الطابق الأسفل ووبّختُ السيد "نبي بخش" على أخذه لحاف سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود أيضا. فندم كثيرا وقال كيف أتي به الآن وقد أعطيته أحدًا من الضيوف؟ ثم طلبتُ من السيد المفتي فضل الرحمن أو غيره - لا أتذكر الاسم جيدا – فراشــــا وأخذته إلى الطابق العلوي لأقدمه لسيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود، فقال حضرته الا حبذا لو أعطيته أحدا من الضيوف الكرام، : فإن النوم لا يكحل عيني في معظم الأحيان. ولم يأخذ اللحاف مني بل أمرني - رغم إصراري على ذلك - أن أعطيه ضيفًا من الضيوف، فرجعت به " (أصحاب أحمد ج ٤ ص ١١٨، روايات السيد ظفر أحمد)
جاءت في كتاب سيرة المهدي ج ۳ ص ۱۲۲-۱۲۳ رواية: "ذكر لي صديق آخر أنني كنت في أيام شبابي أرافق سيدنا الإمام المهدي كخادم له أثناء بعض أسفاره. كان حضرته يطلب مني ركوب الفرس وهو يترجل بجانبي. وإذا أصررت كثيرا ركب لبعض الوقت ثم أوعز لي بالركوب. وإثر وصولنا إلى الغاية المنشودة، كان عليه السلام يعطيني ٤ قروش، وذلك حين كانت تكاليف الحياة رخيصة جدا. أمـــا بالنسبة له فكان يشتري بمليم واحد طعاما بسيطا جدا أو الحُمَّص المُحَمَّصَ، وكانت كمية طعامه ضئيلة جدا."
واستمعوا الآن إلى قول مريد له آخر: "كان أهل سيدنا المسيح الموعود قد سافروا إلى "لدهيانه"، فذهبت إلى داخل البيت لزيارته. كانت الغرفة حديثة البناء وبـــاردة. فاستلقيت على سرير فغلبني النوم . كان حضرته مشغولا في تأليف بعض كتبه وكان يتمشى في الغرفة. ثم استيقظت فجأة فإذا به مستلق علـــى الأرض بجانب سريري، ففزعت ونهضت أدبا. فسألني بحب متزايد: لماذا نهضت أنت يا صاحبي؟ قلت كيف يمكن أن أنام على السرير وسيدي مستلق على الأرض. فتبسم حضرته وقال : استلق بدون تكلف، إنما كنت أحرسك من ضجيج الصغار وأمنعهم من الضوضاء حتى لا يقع الخلل في نومك." (سيرة سيدنا المسيح الموعود للسيد عبد الكريم السيالكوتي ص٣٦). هذا هو الخطر الرهيب على الإسلام ، فإذا بقي مثل هؤلاء الناس، أيــــن سيبقى إسلام المشايخ ؟ هذا هو الخطر الحقيقي الذي يخفونه من الناس.
يشهد السيد عبد الكريم السيالكوتي أن سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود قال حالفا بالله ذات مرة: "لا أستطيع وصف اللذة والمتعة اللتين أحظى بهما حين فراغ كيسي، نتيجة لتوكلي على الله . هذه الحالة تريحني وتطمئنني كثيرا بالمقارنة مع فترة امتلاء كيسي . " (جريدة الحكم ،ج۳، العدد ٢٩ ص ٤ ، نقلا عن الملفوظات ج ١ ص ٣٢٥-
(٣٢٦
إذن، فكل ما كان يأتي إلى حضرته كــان يبذلـه في سبيل الله بالسرعة نفسها، وكان ينفق خالصة لخدمة الدين، وكلما فرغ جيبه تلذذ بحالة الفقر أكثر من الغنى، لأنه كان واثقا من أن الله سوف يتم أمره. لقد حدث مرارا أن جاءه الضيوف بأعداد كبيرة ونفدت المصاريف أيضا، وانتهى به الأمر إلى بيع مجوهرات زوجته. ولكن الله أعانه في مثل هذه الظروف أيضا، وبدأت الأمور تجري على قدم وساق. هذا هـو عـيش الرفاهية الذي يعترض عليه الكتيب الحكومي.
أذكر لكم أسلوبه للعيش الذي يراه المعارضون عيش الرفاهية والتنعم.
يروي السيد منشي ظفر أحمد: " في إحدى المرات كان سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود ينتظر أن يتناول الطعام مع بعض الضيوف فوق سقف المسجد المبارك في قاديان بعد صلاة المغرب، وكان السيد نظام الدين اللدهيانوي - وكان رجلا مفلسا وعليه ثياب بالية - جالسا قريبا منه . فجاء بعض الضيوف الأكارم الآخرين وجلسوا بقرب من حضرته. وكلما جاء ضيف جديد ن اضطر السيد نظام الدين للتحرك بعيدا قليلا حتى وصل موضع إلى الأحذية. وفي غضون ذلك حضر الطعام فأخذ سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود - وكان قد شاهد المشهد كله - صحنا من الطبيخ وبعضا من الخبز، وذهب إلى السيد نظام الدين وقال له: تعال يا صاحبي نأكل معًا داخل الغرفة. ثم ذهب حضرته إلى غرفة مجاورة، حيث أكلا معا في صحن واحد . " أصحاب أحمد، ج ٤ روايات ظفر أحمد ص١٠٤)
هذا هو عيش الرفاهية والطرب الذي يرونه خطرا على الإسلام
ويعترضون أن حضرته كان قد أصبح مليونيرا في الفترة الأخيرة من حياته، وترك ثروة هائلة لورثته، وأن الفترة الأخيرة كانت تختلـف مـــن الفترة الأولى من حياته. والآن لاحظوا معنا كيفية حياته بيوم واحد قبل وفاته. وهذه شهادة الأخ عبد الرحمن القادياني الذي كان عندها حديث العهد في الإسلام"- كان هندوسيا قبل إسلامه. (المترجم)-، يقول الراوي:
" في المساء قبل اليوم الذي توفي سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود في صباحه، قال له حضرته خصيصا عند ذهابه للنزهة في عربة حصان : "يا عبد الرحمن، قل لصاحب العربة، واشرح لـه جيدا أنه ليس لدينا الآن إلا روبية واحدة، لذا يجب أن يأخذنا إلى مسافة أُجرتها روبية واحدة ذهابا وإيابا .". سيرة المهدي روايات السيد عبد الرحمن القادياني، وأصحاب أحمد ج ۹ ص۲۷۸)
أما حالته المالية التي أسلم فيها روحه لرفيقه الأعلى، بعد دفـع هـذه الروبية، فتبينها عمتنا السيدة نواب مباركة بيجم إذ تقول:
بعد وفاة سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود، استدعتنا أمنــــا الحبيبة وقالت: يا أولادي: لا تظنوا - نظرا إلى كون البيت فارغا – أن أباكم لم يترك لكم شيئا، إنه ترك لكم في السماء كنـــــزا كبيرا مـــــن الأدعية التي لن تزال تصلكم في الوقت المناسب." (سيرة المهدي، روايات السيدة نواب مباركة بيجم)
فهؤلاء الذين هم بأنفسهم منغمسون في ملذات العيش وشهواته ويبيعون إيمانهم بثمن بخس، ولا يرتدعون عن الكذب والافتراء لجلب الأموال، ويكدسون ثروات طائلة بابتياع آيات الله بثمن قليل، إنهم يتهمون سيدنا أحمد أنه قضى أيام حياته الأخيرة في الطرب والرفاهية - والعياذ بالله -، وجمع الثروة عن طريق إعلانه المهدوية. لــو كان أحد يتلقى هذه المعاملة بسبب إعلانه المهدوية لقام به كل كذاب مفتر وفاسق.
وفي هذه الحالة ما كنتم أنتم أيضا لتقعوا في عداد الأعداء بل قمتم بهذا الإعلان قبل غيركم. أما الذين يُبعثون من الله فيواجهـــــون معاملة مختلفة تماما. إنهم يتعرضون لمظالم كثيرة. تُغتصب عقاراتهم وتنهب أموالهم وأموال أتباعهم ، تُدمَّر تجاراتهم، وتُحرق ثرواتهم أمام أعينهم. هذا ما يتلقاه الصادقون. أما الكاذبون فلا يُعاملون هكذا، وهذه سنة الله الجارية إلى يومنا هذا فبأي وجه تقولون إن سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود تلقى معاملة معاكسة لسنة الله القديمة. الحقيقة أن الدنيا شاهدت منذ زمن آدم إلى زمن الإمام المهدي مشهدا واحدا، وهو أن الذي يكون محببا لدى الجميع أكثر من غيره ، ويكون حائزا على كافة أنواع النعم، عندما يعلن أنه مبعوث من الله، يصبح أقاربه وأعزاؤه أعداء ألداء له، ويتحول الأصدقاء إلى المعاندين من الدرجة الأولى ويحاولون أن يحرموه من كل شيء. وهذا ما حدث بحضرته بالضبط. وعلى الرغم من ذلك، فقد أنزل الله عليه أمطارا غزيرة من أفضاله وبركاته. ولكن لم يخطر على بال مؤلف الكتيب الحكومي أن يرجع إلى تاريخ الإسلام ليرى ماذا يعلمه التاريخ ويفكر هل هو يقــوي الإسلام بهجماته البذيئة والباطلة على مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية؟
"الملوك سيتبركون بثيابك":
أنسيتم ما جرى لسيدنا أبي هريرة الذي كان يُغمى عليه بسبب نوبات الجوع، وكان الناس يظنون أنها نوبة الصرع، فكانوا يضربونه بالأحذية أو يقربونها إلى أنفه ليشمها، ظنَّا منهم أنه هو العلاج الأنسب لنوبة الصرع حسب التقاليد السائدة آنذاك. في حين كان حضرته يتعرض لنوبات الإغماء بسبب الجوع وليس بسبب الصرع. ولكن أبا هريرة تحمل كل ذلك في سبيل الله . ومن سنته الله أنه لا يضيع الله أنه لا يضيع أجر الذين يقدمون التضحيات في سبيله. فجاء في حياة أبي هريرة زمن حين فُتحت سلطنة كسرى وأعطى سيدنا عمر أبا هريرة منديل كسرى الذي كـــان كسرى يتجمل به ويلصقه بثيابه تفاخرا واعتزازا ، والذي كان يمثل عظمته وشوكته - علما أن مثل هذا المنديل لا يُستعمل للتنظيف بل يستعمل للتفاخر فقط - فبصق فيه أبو هريرة بصورة عفوية ، وقال مخاطبا نفسه: بخ بخ يا أبا هريرة! ما أعظم شأنك! إنك اليوم تبصق في منديل كســـرى بفضل حب النبي واتباعه الكامل.
لا شك أن الله له لم يحرم سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود من أي شيء، بل أغدق عليه نعم الدنيا كلها بما فيها الأموال الكثيرة أيضا من كل حدب وصوب، ولكنني أقول حلفا بالله وعمل بأن حضرته ظل طوال حياته راغبا عن الدنيا وما فيها ولم يشغل باله بها أبدا. لقد أتى عليه زمان حين كانت لفاظات الموائد أكله، لا نرفض ذلك، ولكن ليس بسبب الفقر والإفلاس إطلاقا بل بسبب زهده في الدنيا وما فيها. ثم أتى عليه زمان أيضا حين أصبح ألوف مؤلفة من الناس يأكلون على مائدتــــه. فبهذا الشكل أغدق الله عليه الأموال الطائلة. هذه سنة الله الدائمة مع أنبيائه وأتباعهم التي تُعاد اليوم مع أبناء الأحمدية، ولسوف يحظـــى بهــا أجيالهم القادمة أيضا في المستقبل. ولن يزال المعاندون يحترقون في نــار غضبهم وحسدهم ويتحولون إلى الرماد. سوف يبـــارك الله في نفوسكم بركة تلو بركة يا أبناء الأحمدية!! وأقسم بالله وكل إنكم سوف ترون أياما حين تبصقون في مناديل الملوك أمثال كسرى والقيصر وتقولون: بخ بخ يا خدام الإمام المهدي والمسيح الموعود! ما أعظم شأنكم! فإن الله قد وهبكم مكانة سامية حيث تبصقون في ثياب الملوك. أما الملوك فسوف يشتاقون ويحنون إلى ثياب سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود وبها يتبركون. تلك الثياب التي سوف تبدو باليــة ظاهريا لأن الدهر يكون قد أكل عليها وشرب حتى تلمس بحذر شديد كي لا تهترء بمجرد اللمس. أقسم بالله إن هذا الزمن لا بد وأن يأتي حين يتبرك الملوك بثياب سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود ويصلون عليه، كما أنهم سوف يلعنون أولئك الذين كذبوا وافتروا عليه، وألصقوا به تهما باطلة وقذرة، وما خافوا الله قط وما اتقوه.
ألقيت بتاريخ ۲۹ آذار / مارس ۱۹۸۵ في مسجد "الفضل" بلندن)
تعليقات
إرسال تعليق