التخطي إلى المحتوى الرئيسي

تضحيات عظيمة للأحمدية

 زهق الباطل

١٥٣

تضحيات عظيمة للأحمدية

تضحيات عظيمة للأحمدية

تضحيات عظيمة للأحمدية

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم * بسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيمِ * اَلْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالك يَوْمِ الدِّين * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) (آمين). وَأَنذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخَّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قريب نُجبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لكُم منْ زَوَال * وَسَكَنتُمْ في مَسَاكن الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بهِمْ وَضَرَبْنَا لَكمُ الأَمْثَالَ * وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ الله مَكْرُهُمْ وَإنْ كان مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ * فلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلفَ وَعْده رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذو انتقام * يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لله الْوَاحد الْقَهَّارِ * وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ * سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطرَان وَتَغْشَى وُجُوهَهُم النَّارُ * لَيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَريعُ الحساب * هَذَا بَلاغُ للنَّاسِ وَلِيُنذَرُوا به وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوا الأَلْبَاب )) (إبراهيم: ٤٥ - ٥٣). 

هذه الآيات التي تلوتها هي الآيات الأخيرة من سورة إبراهيم، وقد لا أجد متسعًا من الوقت في خطبتي اليوم للخوض في تفسيرها، لذا سوف أكتفي بترجمتها الحرفية. ثم قام حضرته بترجمة الآيات إلى اللغة الأردية)

ثم قال:

   إن كلمة "تتبع الرسل" في الآية ٤٥ جديرة بالعناية بوجه خاص، لها علاقة بنبأ آخر حيث يقول القرآن الكريم: (وإذا الرسل أقتت أي. سوف يأتي زمان معين حين يُؤتى بالنبيين كلهم. يرى المفسرون بأن هذا سوف يحصل يوم القيامة، ولكنه يبدو جليا من أسلوب الحوار هنا أنه سوف يتم في هذه الدنيا، وأن المهلة من العذاب سوف يطلبونها في هذه الدنيا قائلين: لو أعطينا مهلة لاستغفرنا الله ولاتبعنا الرسل.

وفي هذا الصدد يجب أن نتذكر وحيًا لسيدنا الإمام المهدي، إذ قال الله تعالى مخاطبًا حضرته: "جَرِيُّ الله في حُلل الأنبياء". ثم يقول الله تعالى في هذه الآيات يوم تُبدَّل الأرضُ غير الأرض. ولقد ألهمت إلى الإمام المهدي الكلمات نفسها بالإضافة إلى كلمات أخرى أيضًا. وقد شرح الله هذا الوحي وقال: هذا يعني أن أفكار أهل الأرض وآراءهم سوف تتغير. لقد ذكرتُ أنني لا أجد متسعًا من الوقت لشرح مبسط لهذه الآيات، ولكن الأمور التي سوف أتناول ذكرها في خطبتي اليوم هي بمثابة تفسير لهذه الآيات بشكل أو آخر، ولا يصعب فهمها على أولي الألباب. ولسوف يُدرك أصحاب البصيرة عند مرورهم بهذه الأمور أنّ لهذه الآيات علاقة قوية بهذا الموضوع.




الطلائع في مجال التضحيات:

كنت أذكر في خطب متسلسلة أن البيان الأبيض المزعوم الذي نشرته حكومة باكستان يقدِّم الأحمدية كطائفة خائنة للإسلام وللدول الإسلامية كلها.

إن تاريخ مسلمي الهند ممتد على فترتين فترة قبل تأسيس باكستان، وفترة بعد تأسيسها. ولقد تناولت في الخطبة الماضية على سبيل المثال، بعض الأحداث الهامة التي جرت قبل تأسيس باكستان وسوف أذكر بعضها اليوم أيضًا.

الحقيقة أنه كلما حلت بمسلمي القارة الهندية مصيبة أو جُرحت مشاعرهم الدينية بشكل من الأشكال كانت الأحمدية بفضل الله تعالى في الطليعة لتقديم التضحيات دفاعًا عن إخوانهم المسلمين ولردع مصائبهم. بل كل المجهودات المبذولة في هذا الصدد بين حين وآخر، كان فضلها عائدا على الدوام إلى الأحمدية وحدها، فإنها وحدها حملت راية هذا الجهاد دائما. لاشك في أن بعضا المسلمين الأشراف أيضًا اشتركوا وتعاونوا كثيرًا مع الأحمدية في هذا النضال، ولكن الحقيقة هي أن الأحمدية وحدها نالت بفضل الله تعالى حظا أوفر لخدمة مسلمي القارة الهندية وإرشادهم بالمقارنة مع كافة الحركات الكبيرة التي قامت في الفترة الأخيرة لخدمة المسلمين الحقيقية.


تتميز سنة ١٩٢٧م بشكل خاص بين الفترة التي جُرحت فيها مشاعر المسلمين في الهند. ففي هذه السنة أُلف كتاب بغيض ومشين للغاية بعنوان: "رنغيلا" "رسول" أي رسول منغمس في الملذات - والعياذ بالله. ومن خلاله شُنت على شخص سيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه وسلم الطاهر والمقدس هجمات شرسة لدرجة يغلي بتصورها دم المسلم.

وما كاد المسلمون ليفيقوا من هذه الصدمة بل كانت الحركة لا تزال جارية ضد مؤلف هذا الكتاب البغيض، وهو راجبال الهندوسي، حتى كتبت امرأة هندوسية مقالا في مجلة "ورتمان" الهندوسية، ضد سيدنا وإمامنا محمد صلى الله عليه وسلم وكان المقال كومة من القذارة والنجاسة بحيث لا يطيق أي شخص ذي نفس شريفة قراءته. ومَن قرأه من غير المسلمين أيضا تحيّرواندهش من خبث وسواد باطن هذه الكاتبة التي خرجت من قلمها تلك الكلمات الخبيثة عن مؤسس دين لا يجرؤ أحد على التفوه بمثل تلك الكلمات ضد مؤسس أي دين ناهيك عن سيد بني آدم الذي هو أطهر الطاهرين وسيد الأسياد، والذي من أجله خُلق الكون، والذي لم يكن طاهرا بنفسه فقط بل كان يُطهِّر الآخرين أيضًا، والذي لم يكن زكيا بنفسه فحسب بل كان مزكيا أيضا، والذي ببركته وفيضه ثبتت طهارة الأنبياء الآخرين أيضًا. فعلى هذا النبي العظيم شُنت هجمات نجسة لا يقدر القلم على كتابتها.

أتساءل إلى من يعود فضلُ تلك الحركة التي قامت في وجه هذه الهجمات، وفضلُ تلك المجهودات التي قام بها المسلمون بشكل عام في هذا الصدد؟ هل إلى المشايخ المنتمين إلى الكونغرس الهندوسي، أو الأحراريين، أو المشايخ المودوديين؟ أم أن الله تعالى وفق أبناء الجماعة الإسلامية الأحمدية وقيادتها لبذل الجهود بصورة متميزة في هذا الجهاد؟ وبما أنني أخشى إطالة الموضوع لذا فقد اخترتُ مقتبسا واحدا فقط من جرائد المسلمين كما سوف أقدم إليكم مقتبسين من جرائد الهندوس أيضا ومن خلالها يتبين بوضوح: أية جماعة تألمت أكثر من غيرها في تلك الأيام الحرجة على العالم الإسلامي، وإمام أية جماعة قام بالهجمات المضادة بقوة حاسمة؟





أيادي الأحمدية على المسلمين:

 تقول جريدة "مشرق" الصادرة في غورخبور ( بالهند) في عددها ٢٣ أيلول ۱۹۲۷م: بعنوان: "منَن إمام الجماعة الأحمدية على كافة المسلمين."


أقول: لو أن ناكري الجميل في العصر الحاضر رفضوا هذه الحقيقة فليفعلوا ما شاءوا، إلاّ أنّ الجريدة المذكورة آنفا تقول إنها منَنٌ على "المسلمين" في كل الأحوال. أما الذي يريد إبعاد نفسه من دائرة الإسلام فهذا شأنه، فإن هذه المنن سوف تبقى على ألسن المسلمين في كل الأحوال.

 تقول الجريدة مشيرةً إلى إمام الجماعة الإسلامية الأحمدية: "لقد رفعت الدعوى ضد مجلة ورتمان بأمر منه، وجماعته وحدها تابعت القضيّة المتعلقة بكتاب "رسول منغمس في الملذات"، ولم يخشوا أن يقدموا تضحيات أرواحهم أو أن يودعوا السجون كما أن الكتيب الذي ألفه حضرته قد أقنع ودفع الحاكم للعدل والقسط. لا شك في أن كتيبه قد صودر ولكن تأثيراته لم تذهب أدراج الرياح، بل اضطر الحاكم نفسه أن يسجِّل في حُكمه أنّ الكتيب صودر لتهدئة العواطف، ولكنه غير قراره السابق بحكم آخر عادل للغاية. وقد فعل حضرته (إمام الأحمدية) ذلك حين كانت فرق المسلمين كلها ترتعب الإنجليز أو الهندوس أو الأقوام الأخرى لسبب أو آخر."

هذا ما قالته جرائدكم الحرّة آنذاك. هذه أقوال أولئك الأشراف الذين كانوا يراعون العدل والقسط إلى حد ما، ولم يرضوا بمسخ التاريخ، والذين كانوا يجدون في أنفسهم جرأة على قول الحق.

وتضيف الجريدة المذكورة آنفا وتقول: " والجماعة الأحمدية هي الوحيدة - مثل المسلمين من القرون الأولى - التي لا تخشى أحدًا، فردًا كان أم جمعيَّة، بل تنجز أعمالا إسلامية بحتة." هذا ما كانت تقوله الجرائد الناطقة باسم المسلمين آنذاك. أما جرائد الهندوس فكانت أيضًا تری أنّ الأحمديين وحدهم قاموا في تلك الفترة بهجمات دفاعية أكثر شدة من غيرهم. اسمعوا الآن صوت الخصم، أي الهندوس الذين كانت الأحمدية مشتبكة معهم في المعركة علمًا أنّ الهندوس استغلوا هذه الفرصة وفعلوا مثل ما يفعله "الأحراريون" اليوم.. أي حاول الهندوس قدر استطاعتهم لبذر بذور الخصام بين المسلمين الأحمديين والفرق المسلمة الأخرى، فقالوا على وجه التكرار إنّ الأحمديين ليسوا بمسلمين. مما يعني أن الهندوس كانوا قد أخذوا مهمة "الأحراريين" على عاتقهم فقالوا للمسلمين بتعبير آخر: أيها الحمقى لماذا تتبعون الأحمديين؟ إنهم ليسوا بمسلمين، ولماذا تبدون الغيرة لرسولكم في متابعتهم؟ إذا كان الأحمديون يضحون بأرواحهم فدعُوهم يفعلوا ذلك، وينمحوا من فوق الأرض. ما لكم ولهذا النبي  والعياذ بالله – الذي يضحي الأحمديون من أجله كل غال ورخيص ونفس ونفيس.


اقرؤوا بإمعان ما تقوله الجريدة الهندوسية "هناك خلافات كبيرة بين القاديانيين والمسلمين الآخرين لدرجة يكفّر بسببها بعضهم بعضاً. وبالأمس القريب استفتى أحد من المسلمين الشيخ كفايت الله، رئيس جمعية العلماء بدلهي في شأن الأحمديين، والفتوى التي أصدرها الشيخ بهذا الخصوص نُشرت في أعمدة مجلة "الجمعية" الناطقة باسم منظمة "جمعية العلماء بدلهي حيث استنكر الشيخ فيها كثرة التعامل والعشرة مع الأحمديين باعتبارهم كافرين."

 لاحظوا كيف أنّ هؤلاء الهندوس الذين ارتكبوا الإهانة في حق الرسول يثيرون بقية المسلمين ضد الأحمديين ويقولون لهم بلسان حالهم إننا وإياكم إخوة، لذا فاتركوا الأحمديين الذين يغارون لمحمد .

هناك اليوم أيضا صوت يتصاعد ويقول إننا وإياكم إخوة، كما تصاعد صوت كهذا بالأمس القريب وقال إننا إخوة اليوم يتصاعد هذا الصوت من قبل بعض المسلمين السُدّج في حين كان مثل هذا الصوت قد ارتفع بالأمس من قبل الهندوس الماكرين لإثارة الفتنة. تقول هذه الجريدة: لاحظوا دهاء القاديانيين وذكاءهم وحسن حظهم أن المسلمين يكفرونهم من ناحية، ومن ناحية ثانية صار الأحمديون زعماء لهم. يُظهر المسلمون في هذه الأيام في أرجاء الهند حماسًا غير عادي – ولكنه حماس فارغ فحسب على اعتقال محرر وناشر الجريدة بغيضة اسمها: The Muslim outlook ويُظهرون اضطرابهم لمرافعة قضية الجريدة المذكورة. ولشد ما كانت دهشتنا عندما عرفنا أن محرر جريدة The Muslim outlook دلاور شاه البخاري كان أحمديًّا (أقول: هو الذي قام بشن هجمة مضادة على مقال نشرته الجريدة الهندوسية "ورتمان" السالفة الذكر) وحين استلم الاستدعاء من قبل المحكمة العليا، ذهب دلاور شاه إلى الميرزا القادياني ليرى رأيه في الدفاع عن نفسه والاستراتيجية التي يتبعها في القضية. فأشار عليه الميرزا أنه يفضّل له السجن على طلب العفو. فقد تبين أن هذه اللعبة لم تكن إلا لعبة أحمدية من كل الجوانب والنواحي . " (جريدة "غورو غنتال"، لاهور عدد ١١ يوليو ١٩٢٧م)

أقول: لقد أشار إمام جماعتنا على محرر الجريدة أنك لو دخلت السجن غيرة على سيدنا محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم فلا بأس في ذلك. وهذا ما حدث على صعيد الواقع إذْ حُكم على محرر الجريدة بالسجن بأعمال شاقة، ولكنه بدوره قبل كل ذلك برحابة الصدر.


أين الآن راقمو تاريخ باكستان المعاصرون الذين قد عقدوا العزم على تشويه صورة التاريخ الإسلامي كله وقد شوهوها فعلا لدرجة لم تعد تُعرف ملامح تاريخ باكستان الأصلي. إذن فالحركة التي كانت قد قامت حُبِّ النبي وعشقه وغيرة عليه، يقول عنها الخصم (الهندوس) الذين وقعت عليهم الضربات: "إنها لعبة أحمدية من كل الجوانب والنواحي." كذلك علقت الجريدة "برتاب" ومثيلاتها على هذا الموضوع واعترفت صراحة: أنّ الجماعة الوحيدة التي نشعر بالخطر منها ونتعرض لأضرار فادحة من هجماتها إنما هى الجماعة الأحمدية دون غيرها.




خدمة مسلمي كشمير:

الموقف الخطير الآخر، الذي كان مؤلما للغاية لمسلمي الهند وشكل خطرًا كبيرًا على وحدة المسلمين السياسية وبقائهم السياسي، أطل برأسه من كشمير إذ شرع حاكم كشمير في غصب حقوق المسلمين، وسن قوانين غاشمة لتجريد المسلمين من كافة حقوقهم في مناطق وجد فيها الهندوس بأغلبية. فأُصيب المسلمون من أقصى الهند إلى أقصاها بقلق شديد بطبيعة الحال، وطفق المفكرون المسلمون يفكرون بجدية لحل المشكلة المحدقة. فبدأت أنظار كبار المفكرين والزعماء السياسيين آنذاك ترتفع إلى قاديان. ولفتوا أنظار سيدنا الخليفة الثانيه للإمام المهدي عبر الرسائل وعن طريق ممثليهم إلى أن مهمة تخليص المسلمين من هذه المشاكل لن تُكلَّل بنجاح أبدًا إلا إذا حملت أنت عبء هذه المسؤولية على عاتقك، وأنّ هذه السفينة لن تصل إلى بر الأمان دون قيادتك أنت. وكان من بين أصحاب هذه الأفكار شخص يوضع اليوم على رأس قائمة الأعداء الألداء للأحمدية، وهو د. محمد إقبال الذي كتب رسالة في سبتمبر ۱۹۳۰م إلى السيد يوسف علي السكرتير الخاص للخليفة الثاني وبما أن مثل هذه المقتبسات كانت في معظم الأحيان تنشر في جرائد الأحمديين فأحيانًا يوهم المشايخ المعاندون المسلمين السذج أنها زائفة لكونها منشورة في جرائد الأحمديين، فلذلك بدلًا من تقديم تلك المقتبسات فقد اخترت رسالةً بعثها د. محمد إقبال بيده إلى الخليفة الثاني منه ووقع عليها. فقد جاء في الرسالة: "بما أن جماعتكم منسقة بتنظيم قوي وتضم كثيرا من الرجال النشيطين أيضًا لذا تستطيعون أنتم أن تنجزوا أعمالا مفيدة للغاية لصالح المسلمين. موضوع تشكيل اللجنة فالفكرة رائعة أيضًا وأنا جاهز لعضويتها. أمّا زعامتها فلو عُيّن لها شخص أكثر مني نشاطًا وقدرة وأصغر مني سنا لكان أفضل. ولكن إذا كان المقصود من اللجنة قيادة الوفود أمام الحكام فأرجو المعذرة من ذلك، لأنّ الوفود تكون عديمة الجدوى عادة. وعلاوة على ذلك لا أجد في نفسى استعدادًا ونشاطًا للدرجة المطلوبة. على أية حال إذا أردتم كتابة اسمي ضمن أعضائها فأرسلوا لي قائمة أسماء الأعضاء الآخرين أولا."

و بسبب هذه الرسالة والرسائل الأخرى التي بعثها إلى الخليفة الثاني العلماء المسلمون والزعماء السياسيون، ارتأى حضرته عقد مؤتمر بهذا الخصوص. فانعقد هذا المؤتمر في بيت السير نواب ذوالفقار علي عام ۱۹۳۱م بمدينة "شمله". وسأقرأ على مسامعكم أسماء بعض من الزعماء الكبار الذين اشتركوا فيه، وهم السادة شمس العلماء خواجه حسن نظامي، السير ميان فضل حسين السير محمد إقبال، السير ذوالفقار علي خان، السيد نواب كنج بوره السيد خان بهادر رحيم بخش، السيد سيد محمد محسن شاه المحامي، المولوي محمد إسماعيل الغزنوي (من أمر تسار)، المولوي نور الحق صاحب جريدة "The Muslim outlook، وسيد حبيب مدير جريدة "السياسة". وعلاوة عليهم فقد اشترك في المؤتمر المولوي ميرك شاه، الأستاذ في مؤسسة ديوبند سابقا، بصفته ممثلا عن منطقة "کشمير"، كما مثل السيد "الله ركها" منطقة "جامون".

 وقبل نهاية أعمال المؤتمر رشح السيرُ محمد إقبال اسم الخليفة الثاني مخاطبًا أعضاءه: "أنا أقترح أنكم إن كنتم تنوون نجاح "حركةكشمير هذه فلا أرى أحدًا مؤهلا لذلك إلا ميرزا بشير الدين محمود أحمد، إمام الجماعة الأحمدية." ففور هذا الإعلان تصاعدت الأصوات من كل صوب تأييدا له وانتخب سيدنا الخليفة الثاني رئيسا للمؤتمر بالإجماع. ثم قال د. محمد إقبال: "يا سيدي لن يُكلَّل هذا المشروع بنجاح ما لم تتول أنت أمره بصفة رئيس له. مجلة لاهور ٥ أبريل / نيسان ١٩٦٥م ص١٢عمود ٢)

إن حكاية ضخامة التضحيات التي قدمتها الأحمدية لحماية مصالح مسلمي الهند طويلة جدًا، ولا زالت ذكرياتها منتشرة في كل مكان في منطقة كشمير. إن العلماء الأحمديين الكبار وغيرهم، الفقراء منهم والأثرياء، كانوا يسافرون إلى كشمير على نفقاتهم الخاصة ويُسدون للمسلمين خدمات لا مثيل لها ولم يشكلوا أي عبء على أهل كشمير إطلاقا. كانوا يوزعون المنشورات وبالتالي يتعرضون لاضطهادات حاكم كشمير، حتى زُج بهم في السجون ثم تبعتهم مواكب المحامين الأحمديين المتطوعين لرفع المرافعات لإخوانهم المسلمين المحكوم عليهم بعقوبات شتى. هذه قصة طويلة وممتعة في الوقت نفسه، وقد أُلفت حول هذا الموضوع كتب تقع في مئات من الصفحات. ومن ومن المستحيل حقا أن يجري على الألسن ذكر تاريخ كشمير، أو أن يُسمّى هذا التاريخ تاريخا، دون بيان خدمات الأحمدية.

وبغية التذكير سوف أقتبس لكم مقتبسين أو ثلاثة من جرائد المسلمين الصادرة آنئذ وهناك كتاب للسيد سيد حبيب محرر جريدة "السياسة" باسم "حركة قاديان"، وكما هو ظاهر من اسم الكتاب فإنه كتب في عداوة الأحمدية، ولكن المعارضة أيضا في تلك الأوان كانت تتحلّى بشيء من خشية الله، وكان المعارضون في معظم الأحيان يضطرون للاعتراف بالحقيقة. يوضح المؤلف لماذا اشترك هؤلاء الناس في حركة يقودها إمام الجماعة الإسلامية الأحمدية؟  ويقول: برزت للعيان جماعتان اثنتان فقط لمساعدة الكشميريين المظلومين. إحداهما لجنة كشمير (بزعامة الخليفة الثاني ، والثانية جماعة " الأحراريين". ولم يشكل أحد جماعة غيرهما و لم تتشكل. أنا شخصيًا ما كنتُ أضع ثقتي في الأحراريين واليوم تعرف الدنيا كلها أنّ الأحراريين جمعوا الأموال باسم اليتامى في كشمير، وباسم المظلومين المنكوبين والأرامل، ثم أكلوها وهضموها مثل حليب الأم (أقول: هؤلاء الأحراريون أنفسهم يُسلطون على باكستان (اليوم)، وليس منهم زعيم واحد لم يرتكب هذه الجريمة بصورة مباشرة أو غير مباشرة. لقد دعتهم لجنة كشمير إلى توحيد العمل ولكن بشرط أن تتم المشاريع كلها بكثرة الرأي وتسجيل حسابات النفقات بصورة نظامية، ولكن الأحراريين رفضوا كلا المبدأين فلم يبق لي خيار إلا أن أكون مع لجنة كشمير. مع وأقول بصراحة متناهية وأعلن على دقات الطبول إن ميرزا بشير الدين محمود أحمد، زعيم لجنة كشمير عمل بجدية متناهية وجهد متواصل وحماس مفرط، وأنفق الأموال من عنده، لذلك أنا أحترمه." (حركة قاديان ص ٤٢ )

ويقول السيد عبد المجيد سالك محرر جريدة "انقلاب" في كتابه "سرغزشت" : "حينما أثار الأحراريون فسادًا ضد الأحمديين دون مبرر ووقعت ثغرات الضعف في قوة كانت لجنة كشمير قد حازتها من خلال توحيد الهدف والعمل بسبب تحالف الجهات المختلفة، استقال ميرزا بشير الدين محمود أحمد من زعامة اللجنة وعُيّن د. محمد إقبال زعيما لها. وبدأ بعض أعضاء اللجنة يعادون الأحمديين لمجرد كونهم أحمديين، وهذا الوضع كان مضرًا جدًا لمصالح كشمير." (سرغزشت ص۳۳۸)

وإليكم الآن ما قالته وسائل الإعلام الهندوسية آنذاك بأنه أية جماعة من مسلمة كان الهندوس يشعرون بالخطر؟ ومن الذي قلق واضطرب في رأيهم من أجل مسلمي كشمير فقفز في الميدان؟ فتقول جريدة "ملاب"، الناطقة باسم الهندوس في عددها 1 أكتوبر/ تشرين الأول ١٩٣١م صه: "لقد أسس الميرزا القادياني "لجنة كشمير" بهدف الإطاحة بحكومة كشمير الحالية، وقام لهذا الغرض بالدعاية في كل قرية في كشمير... أرسل إليهم النقود، كما أرسل المحامين والواعظين المثيرين للضجة، وظل يتآمر مع المسؤولين الكبار في مدينة "شمله. "

أقول للمسؤولين في باكستان اليوم: اتقوا الله في الجماعة التي تقولون عنها اليوم إنها تتآمر ضد المسلمين. الحقيقة أن أعداء المسلمين كانوا ولا يزالون يتهمونها أنها جماعة تتآمر لصالح المسلمين. وإذا كانت هذه الجماعة بمثابة أُذُن، كما يقول القرآن العظيم، لكانت "أذن خير  لكم" وليست أُذُنَ شر لكم.

تقول الجريدة نفسها عن سيدنا الخليفة الثاني له : "إنه أشعل نار الفتنة القاديانية في كشمير وجعل الواعظين يطوفون في كل قرية طبعت منشورات وجيزة باللغة الأردية والكشميرية أيضًا ووُزّعت مجانا بالألوف. وبالإضافة إلى ذلك وزعت النقود أيضًا." (عدد ٣٠ سبتمبر/ أيلول ۱۹۳۱م ص ٥)





دور الأحمدية في تأسيس باكستان:

إن أهم فترة في تاريخ القارة الهندية والتي يمكن أن تسمّى بفترة تقرير مصير المسلمين هي فترة قبيل تأسيس باكستان، حين كانت معركة بقائهم أو عدمه حامية الوطيس، وحين كان المسلمون يواجهون قضية الموت والحياة وكانوا بحاجة إلى ملاذ يحتمون به من استبداد القوى المعارضة حيث لا يكون أي خطر على دينهم وسياستهم ومعيشتهم. فرَسَمَ مختلفُ المفكرين المسلمين في مختلف الأحيان والمناسبات، في أذهانهم صوراً خيالية متفرقة بحثا عن هذا الملاذ، وحلموا أحلاما متنوعة، ورسموا خرائط خيالية في أذهانهم. فبدأت خريطة باكستان تبرز شيئا فشيئا في الأذهان وكأنها صوت الملة الإسلامية بأسرها.

ففي هذه الفترة الحاسمة ماذا كان دور الأحمدية التي يقال عنها اليوم: بما أن البلاد الإسلامية لا تسمح لها بالوجود والازدهار فيها فلا يريد أفرادها بقاء البلاد الإسلامية فضلا عن أن يساهموا في بنائها !! والسؤال المطروح الآن هو: ما هو الدور الذي لعبته الأحمدية في هذه الفترة الحاسمة؟ وماذا كان دور أحزاب تُسلط على باكستان اليوم؟ سأقرأ على مسامعكم بعض المقتبسات من جرائد غير الأحمديين ليتبين للناس كيف أن صورة التاريخ تُشوَّه اليوم، وليتمكن المسلمون في باكستان والعالم بأسره من التمييز بين الخبيث والطيب وليعرفوا جيدا من هو الظالم الغاشم في الحقيقة ومن هو المتعاطف الحقيقي معهم والمحب المخلص لهم الذي ضحى بنفسه ونفيسه لخدمتهم. 

يقول السيد رئيس أحمد جعفري في كتابه "حياة محمد علي جناح" تحت عنوان: "أصحاب قاديان وباكستان:

"الآن نقدم مسلك فرقة كبيرة أخرى، أصحاب قاديان، وموقفهم من باکستان. فكلتا الجماعتين من أصحاب قاديان تشيد بمركزية الرابطة الإسلامية أو "مسلم" ليغ"، الحزب السياسي الوحيد الذي اجتمع المسلمون تحت لوائه لتأسيس باكستان – الناقل) وتعترف بضرورة باكستان كما تعترف بقيادة السيد جناح السياسية وتمدحها." (المرجع المذكور ص ٤٥١) 

إن حكاية المصائب الشديدة التي واجهها المسلمون أثناء كفاحهم السياسي في غضون هذه الفترة العصيبة لهي مؤلمة جدا. إذ هدرت دماء المسلمين في منطقة الفنجاب الشرقي على نطاق واسع لدرجة لا يسعني الإحاطة بذلك التاريخ الطويل، كما لا يُطيق أي قلب ترديد تلك القصص المؤلمة للغاية. ولكن يجب أن نستعرض دور الجماعة الإسلامية (جماعة المودودي وفئة الأحراريين، ودور الجماعة الإسلامية الأحمدية حين اقتضى الموقف للجهاد العملي. الظروف السائدة آنذاك ما كانت تقتضي الجهاد التبشيري فقط بل كانت تستدعي الجهاد العملي، وآن الأوان للجهاد بالسيف أيضا، إذ كانت أعراض السيدات المسلمات تُنتهك ظلمًا وقهراً، وكان الأطفال يُخرَطون في أسنَّة الرماح. فخلاصة الكلام أن قوافل المسلمين المنهوبة والمنكوبة تعرضت للمظالم التي يعجز اللسان عن ذكر تفاصيلها، والمسلمون كلهم يعرفون هذا التاريخ بشكل عام. أما الذي أنوي بيانه فهو أنه من كان في طليعة هذا الجهاد للدفاع عن المسلمين عندما اقتضت الحاجة للجهاد العملي؟! 

تقول الجريدة "إحسان" الناطقة باسم الأحراريين في عددها ٢٥ سبتمبر/ أيلول ١٩٤٧م: "إن شبان قاديان غيرُ هيا بين رغم اضطهاد الجيش (الهندي) لهم. همهم الوحيد هو إنقاذ النساء والصغار والمسنين من الظلم وإخراجهم من هذه المنطقة. إنهم يعرفون جيدا أن الموت يحاصرهم رويدا رويدا. وحكومة "نهرو" (الزعيم الهندوسي - التي كانت تقول إنه لن يُجبر أحدٌ المسلمين على الخروج من الفنجاب الشرقي قد عقدت الآن العزم على طرد أهل قاديان من هناك قهرا وجعلهم عرضة للاضطهاد والظلم.

 (أقول : اليوم يقال إنّ الأحمديين عملاء الهند، يا للعجب!!). الشبان العاملون بإشراف قسم الحراسة" بقاديان يقومون بأداء واجبهم على مدار الساعة في بعض الأحيان ويقومون بالحراسة ليل نهار."

 أقول: أنا شخصيًا كنت بفضل الله تعالى مع هؤلاء الشبان في الوظيفة المذكورة، وأتذكر جيدا أن النوم ما كان يكحل عيوننا إلى ٤٨ ساعة في الأحيان، لأن الظروف كانت صعبة جدا. وعلاوة على ذلك فإن عدد الشبان المتطوعين كان قليلا بالمقارنة مع عبء العمل. ولو أتيحت لنا الفرصة للنوم لبضع لحظات لراوَدَنا شعورٌ كأننا ارتكبنا جريمة نكراء، وكنا نخجل من غفوتنا الوجيزة. هكذا كان حماس الشبان الأحمديين آنذاك تجاه واجبهم. ولم تكن خدماتهم مقصورة على قاديان فحسب بل المجاهدون من قاديان كانوا يذهبون للدفاع عن القرى المسلمة المجاورة لقاديان أيضًا. هذا ما شهد به المعاندون أيضا عندئذ.

وتمضي الجريدة وتقول: "إن هؤلاء الشبان في بعض الأحيان يقومون بواجب الحراسة على مدار الساعة. رغم أن صحتهم قد تدهورت بسبب السهرات الطويلة وعدم الاستراحة، ولكنهم جاهزون لمواجهة الموت بدلًا من الفرار خوفا منه. لا يُوجد هناك جيش للمسلمين لذا فإن جيش الهندوس وشرطة السيخ تخوفهم وتهددهم بشتى الطرق. يتجول الضابط العسكري الهندوسي وهناك مشهرًا مسدّسه لنشر الخوف والذعر .

ثم تقول الجريدة نفسها وهي تقتبس من رسالة شخص غير أحمدي لاجئ في قاديان "لا يتسع الوقت للكلام المطول ... نحن الآن حوالي ٥٠ ألف لاجئ في قاديان، ونحصل على الطعام من قبل الأحمديين للبقاء على قيد الحياة. كما أنّ بعضنا قد حصل على مكان للمبيت أيضًا . لكن هذه القرية الصغيرة لا تَسَعُ لهذا العدد الهائل لذا فإن ألوفًا من اللاجئين موجودون تحت سقف السماء وعلى فرش الأرض فيتعرضون للشمس أحيانا وللمطر أحيانا أخرى." (جريدة "إحسان"، عدد ٢ أكتوبر/تشرين الأول ١٩٤٧م)

وعلاوة على ذلك نشرت حكومة باكستان كتابا بعنوان: "القافلة القوية" يحتوي على أحداث انقسام الهند. يتناول هذا الكتاب الصادر من قبل قسم الدفاع لحكومة باكستان ذكر قاديان ويقول: "لقد اشتهر هذا المكان بكونه مركزا للجماعة الأحمدية علاوة على سمعته الصناعية والتجارية، وتحيطه منطقة سكانية كثيفة للسيخ. ففي أيام المفسدة جاء إلى قاديان المشرّفة المسلمون من مسافة حوالي عشرين ميلا من حولها للجوء فيها."

أقول: لقد كانت القاديان إلى الأمس القريب، "قاديان المشرفة" ولكنكم اليوم تزعمون أن ،ربوة مركز الجماعة الحالي هي أكثر المدن نجاسة في العالم كله - والعياذ بالله – وتقولون إن "ربوة" مركز للأحمديين كما أن إسرائيل مركز لليهودية. لقد جرى الحق عندئذ على ألسنتكم. فقلتم : لا تقولوا قاديان فقط بل قولوا قاديان المشرفة، لأنه يُقيم بها أحباء الله، وهذه قرية عمرها أولياء الله، ويقطنها الفدائيون بالإسلام. فما دامت هذه الذكريات منوطة بهذه القرية فسوف يذكرها الأشراف باسم "قاديان المشرفة". ولا يسعنا إلا أن نشيد بنباهة حكومة باكستان آنذاك التي لم تحفل بالمشايخ الأحراريين وقالت الحق.

ثم يقول الكتاب: تصاعد هذا العدد عدد اللاجئين) إلى ٧٥ ألف نسمة تدريجيا."

أقول: كان اللاجئون يُطعمون بشكل نظامي. وبما أن الأوضاع المستقبلية كانت تبدو خطيرة لذا كان الخليفة الثاني أَمَرَ سلفا بتخزين القمح لتدارك الوضع بكمية أكبر بكثير من حاجة الجماعة الأحمدية عادة. فلم يكن هناك واحد من اللاجئين المسلمين الذي تعرض للمجاعة في قاديان وحولها، ووزعت على المحتاجين الملابس الثمينة أيضا حسب مقتضى الموقف، وكان بعضها من أجهزة العرائس. إن سيدنا الخليفة الثالث رحمه الله - وقتها لم يكن خليفة - بدأ مشروع توزيع الملابس هذا بتوزيع ثياب ثمينة لزوجته. وبما أنّ زوجته كانت من أسرة غنية من حكام "مالير كوتله لذا كانت بعض ملابسها غالية جدا وبعضها كانت ملابس تقليدية محفوظة منذ مدة طويلة وكانت نادرة لدرجة ما كانت أيضًا تلبسها إلا فيما شذ وندر خشية منها ألا تبلى وتفنى. ولكن الخليفة الثالث رحمه الله فتح صناديق الملابس من بيته هو قبل غيره، ووزّع كلها على الفقراء على الفور، تلك الملابس الغالية التي لم يكن هؤلاء ليحلموا بها أبدًا علمًا أنّ الذين وُزّعت عليهم الملابس كلهم كانوا من غير الأحمديين. فمن ثَمّ فتح الأحمديون كلهم صناديقهم ووزعوا كل ما كانوا يملكونه على إخوانهم المسلمين المنكوبين. وأخيرًا عندما هاجرتُ أنا من قاديان، لم تكن في يدي إلاّ حقيبة واحدة تحتوي على لباس يتيم، ليس لأنني ما كنت أستطيع أن آخذ معي شيئا بل لأن كل شيء في بيوتنا كان قد وُزِّع على اللاجئين وأصبحت بيوتنا خالية من كل متاع وأثاث. ويضيف الكتاب: "بما أنّ السيخ الظالمين الغاشمين المستبدين كانوا قد تركوا هؤلاء اللاجئين في غاية الفقر والإفلاس، لذا حمل سكان قاديان على عاتقهم مسؤولية كفالة هؤلاء المنكوبين. ومن الظاهر أن حمل عبء الطعام والسكن لهذا العدد الكبير ليس بالأمر اليسير، ولاسيما إذا كانت مصاريف الحياة غالية لهذه الدرجة. فاستضافت قاديان هؤلاء الضيوف غير المثقفين إلى أن منعتها الحكومة الهندوسية من ذلك قهراً." (القافلة القوية، ص ١٤٣-١٤٤)

وقالت جريدة "زميندار" في عدد ٣ أكتوبر/تشرين الأول ١٩٤٧م: المسلمون محصورون في عدة أماكن في إقليم غوردارسبور. ولكن هناك ثلاثة مخيمات كبيرة. المخيم الأول هو مخيم "بطاله"، وحالة لاجئيها سيئة جدا "

أقول: كانوا إلى الأمس القريب يسمونها بطاله المشرفة" ولكن عندما اقتضت الظروف تقديم التضحيات العملية لم تخرج كلمة "المشرف أفواههم لأنه لم يكن بها أحد يبالي بالمسلمين أو يهتم بهم. 

وتستمر الجريدة وتقول: "حالة اللاجئين في مخيم "بطاله" سيئة جدًا إذ لا يجدون ملجأ ولا مأوى، ولا يجدون شيئًا للأكل، والجنود الهندوس قد أقاموا هناك قيامة. إنهم ينهبون المجوهرات والأمتعة الأخرى، حتى تعرضت الآن أعراض السيدات للانتهاك. والمخيم الثاني يقع في سري غوبندبوره وحالة اللاجئين هناك أيضا ليست أقل سوءا من اللاجئين في "بطاله". والمخيم الثالث يقع في قاديان، ولا شك في أن القاديانيين قاموا بخدمة المسلمين بأسلوب جدير بالتقدير والإشادة. هناك ألوف اللاجئين يُطعمون في بيوت الأحمديين. ولم يقدم المسلمون من قاديان طلبًا إلى الحكومة للحصول على المؤونة. والحكومة المتكونة من ضابط وبضع رجال الشرطة من السيخ بدورها تنوي أن تهلك السكان واللاجئين هناك جوعًا بالاستيلاء على الغلال المتواجدة في يد أهل قاديان. فهل يتصور الظلم والاضطهاد أكثر من هذا ضد أي قوم في العالم." (جريدة زميندار عدد ١٦ أكتوبر/تشرين الأول ١٩٤٧م)




دور مؤسف:

أقول لصاحب المقال : نعم يمكن أن يكون هناك ظلم أكبر من أيضًا. الحقيقة أنه إذا تعرض الإنسان للاضطهاد من الأغيار - مهما كان قاسيا، لاستهانه ولما تألّم به مثلما يتألم من اضطهاد يُصيبه من قبل الأقارب. والأيدي التي تُرجى منها المساعدة لو ارتفعت على عكس المرجو، والألسن التي يُتوقع منها أن تنطلق مؤيدة لو بدأت هي بالتجريح والمعارضة، فإن الألم يتضاعف في هذه الحالة أضعافا كثيرة. وهذا أَلَمٌ مُنيَ به المسلمون من قبلكم، ومن قبل مجلس الأحرار ومن قبل الجماعة الإسلامية جماعة) المودودي). إن كل ما أصيب به المسلمون على أيدي الهندوس أو السيخ هو أقلُّ وطأةً وقسوةً مما أصيبوا به من جانبكم أنتم. إذا كنتم قد نسيتم هذه الأمور الموجعة فها أنا أقدم إليكم بعض البيانات التي أدلى بها المسلمون غير الأحمديين عن الجماعة الإسلامية (جماعة المودودي). ولكن أريد أن أقرأ على مسامعكم قبل ذلك مقتبسا مما كتبه السيد المودودي نفسه ثم سأعود إلى أقوال الآخرين عنهم. تلك الفترة التي كانت فترة حاسمة لحركة تأسيس ،باكستان حين كان المسلمون يكافحون في معركة الموت والحياة كانت الأحمدية تقدم تضحيات عديمة النظير، ولكن ما هي تلك الأفكار التي كان السيد المودودي يكنها عن باكستان التي كانت تتشكل رويدا رويدا نتيجة لهذه الحركة؟ وماذا كانت فتاواه عن باكستان؟ يقول السيد المودودي: إذا فرحتُ على أنّ عبد الله (المسلم) قد احتل منصب الألوهية بدلا من رام داس (الهندوسي) فهذا ليس من الإسلام في شيء أبدا، وإنما هو وطنية بحتة. والوطنية الإسلامية هي الأخرى ملعونة حسب شريعة الله بقدر ما هي الوطنية الهندوسية ملعونة." (المسلمون والعراك السياسي الحالي، ج۳ ص (۸۱)

لاحظوا كيف يبحث عن أعذار واهية لجعل المسلمين عبيدا للكونغرس الهندوسي من ناحية، ومن ناحية ثانية يطلب من جميع المسلمين أن يستنفدوا جهدهم في تأييد الوطنية الكونغرسية. ولكن الوطنية الإسلامية تبدو له ملعونة، فيحذر المسلمين ألا يقتربوا منها. ثم يقول: "لسنا في خصام قومي مع الهندوس، كما أننا لسنا في شجار مع الإنجليز على أساس الوطنية." هذه فتوى الذين يفتون بشنّ القتال ضد الأحمديين. ثم يقول: "كذلك لا علاقة لنا تلك الدول الإسلامية) حيث قد تأله المسلمون المزعومون." لم تكن للمودودي علاقة تلك الدول ما لم يُوجد فيها النفط، أمّا مع الآن وقد تدفق النفط فيها فلم يبق في يد هذا الشيخ المسكين حيلة حيال بريق الدراهم. فحالة هذا الشيخ تشبه حالة شيخ آخر كان سيدنا الخليفة الأول للإمام المهدي يروي عنه قصة طريفة جاء فيها: عقد شيخ قرانًا ثانيا لسيدة على قرانها الأول. وكان الخليفة الأول يحترم هذا الشيخ كثيرًا إذ كان معروفًا بتقواه، لذلك قال حضرته لمتهمي هذا الشيخ: إنني لا أستطيع أن أقبل أن يكون هذا قد حدث. فقال له الناس: بإمكانك أن تسأل الشيخ بنفسك فدعا بالشيخ وقال له: إنني أستحيي من أن أصدق أنك عقدت قرانًا ثانيًا لسيدة على قرانها الأول، هذا مستحيل، ولكنّ الناس يقولون هكذا فأجابه الشيخ قائلا: أنت تتهمني من فراغ، يجب أن تسمع مني أولا فقال: قل لي من فضلك. قال الشيخ: إنني أيضا أقول بأن القرآن على القرآن لا يجوز، ولكن عندما وضعوا على يدي قطعة نقدية كبيرة لم أتمالك نفسي أمامها، فلا حول لي ولا قوة مقابل تلك الثروة الهائلة.

فهذا المثل ينطبق تمامًا على جماعة المودودي أيضا التي لم تكن لها علاقة بتلك الدول الإسلامية إلى الأمس القريب حيث كان هؤلاء المسلمون على حد قول المودودي - قد ألهوا أنفسهم، أما الآن وقد تدفق فيها النفط فأصبح هذا الشيخ عديم الحيلة أمام بريق الدراهم، ولا حول له ولا قوة إزاءه. مما يعني أن الدين بالنسبة له شيء والثروة شيء آخر. إذا مثلت الثروة أمامه فماذا عسى أن يفعله الشيخ المسكين؟

ويضيف السيد المودودي قائلا: "لسنا بحاجة إلى حماية الأقلية. كم) هي غريبة أفكار أبطال الإسلام هؤلاء!!) ولا نريد الحكومة القومية على أساس الأغلبية ... وَلْنَحْسَرُ ما نخسر. وإذا طُلب منكم المعطفُ فاستعدوا للتخلي عن القميص أيضا حسب قول السيد المسيح" ، المسلمون والعراك السياسي الحالي ج۳ ص ٩٧ - ٩٩). ويحك ! لمَ لَمْ تتذكر تعليم سيدنا ومولانا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه من قتل دون نفسه فهو شهيد، ومن قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون عرضه فهو شهيد؟ لمَ لَمْ يخطر ببالك أن أعراض المسلمات وعصمتهن في ذلك الوقت كانت في الخطر، وحرمة اسم النبي الأكرم أيضا كانت مهددة بالخطر. القضية عندئذ كانت قضيّة حياة الأمة المسلمة وبقائها. عندها تتذكر قولا من أقوال سيدنا وإمامنا ، وإنما تذكرت قول سيدنا المسيح الناصري فحسب أنه إذا طلب منكم المعطف فاستعدوا للتخلي عن القميص أيضا. ورغم ذلك تقوم اليوم بدعاية كاذبة ضدنا أننا نعارض فكرة الجهاد!

 ويقول المودودي: "والذين يظنون أنه لو تحررت المناطقُ ذات الأغلبية المسلمة من سيطرة الأغلبية الهندوسية وسادها النظام الديمقراطي، لقامت فيها الحكومة الإلهية، فظَنُّهُم هذا باطل. وكل ما سيحصل نتيجة لذلك هو أنها ستكون هناك حكومة كافرة للمسلمين وتسميتها بالحكومة الإلهية إنما هي إهانة لهذا الاسم الطاهر . " المسلمون والعراك السياسي الحالي ج۳ ص۱۱۷)

الحكومة التي يقولون في تأييدها اليوم إنّ أوامرها إنما هي بمثابة أوامر الله تعالى، كانوا يقولون عنها إلى الأمس إنّ كل ما سيحصل نتيجة لذلك هو أنها ستكون هناك حكومة كافرة للمسلمين.

لقد صدق السيد حميد نظامي حين قال بكل شدة وقوة مُبديًا رأيه عن جماعة المودودي:

"نحن نرى أن بُغْضَ السيد المودودي لحركة تأسيس باكستان والقائد الأعظم (محمد على جناح مؤسس باكستان ما زال على حاله. كما نرى أن حركة المودودي ليست حركة دينية أبدا، بل إنه قد تقمص السياسة مثل الحسن بن الصباح _ هو الداعي الفاطمي، كان من أنصار نزار بن معد في خلافه مع أخيه الأكبر المستعلي بالله تاسع الخلفاء الفاطميين. تآمر مع نزار ضد المستعلي وقاد الثورة حتى قتل المستعلي. ثم فـــر إلى قلعة الموت بعد مقتل نزار وأسس حكم الإسماعيليين النزاريين أو الصباحيين الذين قضى عليهم هولاكو .١٢٥٦م. توفي في ١١٢٤م. (المترجم) _ ، وهدفه الوحيد هو الحصول على السلطة السياسية بدلا من إعلاء كلمة الدين. جريدة "نوائي وقت" عدد ١٥ يوليو/ تموز (١٩٥٥م ص٣)


ولم يقتصر الأمر على هذا بل شكلت حكومة باكستان محكمة التحقيق عام ١٩٥٣م للبحث في الفتن الطائفية ضد الأحمدية وللتمييز بين أصدقاء باكستان وأعدائها وتكونت المحكمة من قاضيين بارعين هما: القاضي "منير" الذي اشتهر في العالم كله بذكائه وبراعته ومهارته في الأمور القانونية، والقاضي "كياني". فأعد القاضيان تقريرهما عن الجماعة الإسلامية، جماعة المودودي فجاء في ص ٢٢١ من تقريرهما: "كانت الجماعة الإسلامية تعارض علنًا أفكار "مسلم ليغ"، الحزب السياسي الإسلامي الوحيد الذي كان يتزعمه مؤسس باكستان محمد علي جناح حول باكستان. ومنذ أن تأسست باكستان، التي تعني بلد الأطهار) والتي تُسمّيها هذه الجماعة المودودية بـ ناباكستان أي بلد (النجساء) لا زالت هذه الجماعة تعارض نظام الحكومة الحالي ومدراءها. وليس بين كتابات هذه الجماعة التي قدمت إلينا ولا عبارة واحدة تؤيد - ولو بإشارة خفيفة - فكرة تأسيس باكستان." يُشاع في هذه الأيام في الجرائد الباكستانية، كما كانت الجماعة الإسلامية من قبل أيضا تقدم بعض كتاباتها للمسؤولين الحكوميين قائلة بأن جماعة المودودي لم تكن ضد تأسيس باكستان. فلما قدمت هذه المقتبسات كلها إلى محكمة التحقيق استنبطت المحكمة منها: "وليس بين كتابات هذه الجماعة التي قدمت إلينا ولا عبارة واحدة تؤيد - ولو بإشارة خفيفة - فكرة تأسيس باكستان، بل على عكس ذلك فإن هذه المقتبسات التي تحتوي على كثير من الافتراضات أيضًا، كلُّها تخالف مخالفةً صريحة النمط الذي تأسست عليه باكستان والذي ما زالت قائمة عليه . 

هذه سيرة الجماعة المودودية التي هي العدوة الأولى للجماعة الإسلامية الأحمدية. أما "مجلس الأحرار" فيحتل المرتبة الثانية في قائمة أعداء الأحمدية، وهم الذين قد سُلّطوا في هذه الأيام على زمام الحكومة في بلدنا تعيس الحظ.

تعالوا ننظر كيف ظهرت سيرة طائفة الأحراريين للعيان أثناء فترة تأسيس بلد مسلم – باكستان حين كان المسلمون في عراك شديد مع الهندوس على المستوى القومى، وكانوا في حالة حرب طاحنة من أجل بقائهم. سأقرأ على مسامعكم بعضا من الدروس التي كان المشايخ الأحراريون يلقنونها للمسلمين عند ذاك.

 يقول المولوي الرحمن، رئيس طائفة الأحراريين: "أنتم تخافون الهندوس أنهم سوف يلتهمونكم . (أي: لا حاجة للخوف منهم ولا حاجة لبلد (مستقل هل سيلتهمكم من لا يستطيع أن يأكل ساقا واحدة للديك؟ بل يجب أن يخافكم الهندوس لكونهم أضعف منكم. إنهم متوزعون على ستة أقاليم في حين أنكم منتشرون إلى أقصى حدود البلاد ... لذلك لو أظهر أخونا الهندوسى الجبن لكان على الحق." (رئيس الأحرار ص ٢٠٥)

ثم يقول أمير الشريعة (على حد قولهم): سبحان الله، يقولون إنّ الهندوس سوف يلتهموننا. المسلمون يأكلون الجَملَ كلّه، ويأكلون الجاموس بكامله، فكيف يلتهمهم الهندوس الذين لا يقدرون على أن يأكلوا حتى عصفورًا . " (مقتبس من كلمة ألقاها السيد عطاء الله شاه البخاري بمدينة أيبت ،آباد باكستان. نقلا عن مجلة "ترجمان الإسلام لاهور، ۲۲ أيلول ١٩٦١م ص ١٢)


هذا هو جهادهم إنهم يأكلون الجمال والجواميس ولكن عندما تتألب أقوام أخرى وتتكالب عليهم لتلتهمهم تتلاشى فكرة الجهاد من عندهم نهائيا . أما الذين يبرزون في مثل هذه المواقف الحرجة للدفاع عنهم ولتقديم التضحيات الجسدية والمالية فهم أبناء الأحمدية دون غيرهم. هذا ما حدث في كل زمان وأُعيد الأمر نفسه مرارا وتكرارا. لن تروا في ميدان الجهاد شخصا واحدًا من الجماعة الإسلامية (جماعة المودودي) أو من الأحراريين مهما حاولتم العثورعليه، كم منهم يخدمون في فلسطين؟ وكم منهم اشتركوا في حركة تحرير كشمير؟ وكم منهم اشتركوا في حرب كشمير فيما بعد؟ أَرُوني موطنًا واحدًا حيث تعرض المسلمون لخطر حارب هؤلاء الناس ولو في الصفوف الأخيرة، ناهيك عن الصف الأول !! يرددون اليوم اسم دكتور إقبال كثيرًا ويقولون إنه هو المؤسس الحقيقي لباكستان، وأفكاره تحتل منزلة الإلهام والوحي، ولكن ماذا قالوا عنه بالأمس؟

يقول الأحراريون أنفسهم: "لاشك أن فكرة باكستان هي إلهام" سياسي" وليس بإلهام إلهي. إنه الإلهام من قبل "قصر بكنغهام قد نزل على د. إقبال إثر رجوعه من لندن . " (نظرة على حركة باكستان للسيوهاروي ص۱۸ - ۱۹)

فالأحراريون على معرفة تامة بالجهة التي يأتي منها الوحي، من الله كان أو من قصر بكنغهام." فحُرَّاسهم موجودون في كلتا الجهتين ويعرفون مُنزّل الوحي لتَوِّهم. إذن فالوحي عن باكستان الذي يقولون عنه اليوم إنه كان قد نزل على قلب العلامة د. إقبال من الله تعالى، قالوا بالأمس عن الوحي نفسه إنّه نازل من "قصر بكنغهام".


يتناول المولوي ظفر علي خان في كتابه "جمنستان" ذكر المولوي حبيب الرحمن، أحد قادة الأحراريين المعروفين والذي كان حينها رئيسا لمجلس الأحرار، ويكشف اللثام عما قام به هذا الشيخ من خدمات للهندوس ضد المسلمين وما قام به من أعمال بارزة ومحيرة لتحبيب القادة الهندوس إلى المسلمين من جديد فيذكر أحد إنجازاته، ويقول: "فثارت ثائرة المولوي حبيب الرحمن اللدهيانوي رئيس مجلس الأحرار بمدينة "ميرث" لدرجة كان يعض على الأنامل من الغيظ. وكان يقول: يمكن أن يُفدَى عشرة آلاف من أمثال جناح وشوكت وظفر (أبرز زعماء الرابطة (الإسلامية على مقدمة حذاء السيد جواهر لال نهرو زعيم هندوسي). (جمنستان ص ١٦٥)

هذا هو حماسهم للجهاد وهذه حميتهم. ثم عندما قفز السيد حبيب الرحمن في الميدان شهدت السماء والأرض مشاهد أليمة جديرة بالانتباه.

  لقد اقتبست العبارة التالية في هذا الصدد من كتاب "رئيس الأحرار" ص ٧٤-٧٥ جاء فيه: في عام ۱۹۲۸م انعقد بمدينة "الدهيانه" مؤتمر كشمير لمسلمي الهند كلها، وجَعل السيد حبيب الرحمن اللدهيانوي، بندت موتي لال نهرو رئيسا للمؤتمر عن طريق الخواجه محمد يوسف. هذا الأمر حري بالانتباه إذ إن بندت موتي لال نهرو، الذي كان أبا لبندت جواهر لال نهرو، جُعل رئيسًا لمؤتمر كشمير. ثم يقول الكتاب: جَرَّ كبار التجار المسلمين من كشمير بأيديهم عربة بندت موتى لال نهرو. واشترك في المؤتمر مائة ألف مسلم وهندوسي. في هذه الفترة من الزمن كان بندت موتي لال يواجهه معارضة شديدة في فنجاب من قبل الهندوس والسيخ والمسلمين. إلا أن الخطة السياسية للسيد حبيب الرحمن غيرت مجرى الرياح."

لاحظوا ما أعظَمهم من مجاهدي الإسلام أولئك الذين أنتجهم الأحراريون. ولا يقتصر الأمر على هذا بل لو طالعتم أحداثًا كانت تحدث في البنغال الشرقي في تلك الأيام لاندهشتم بمطالعة ما كان يقوم به هؤلاء الناس. تقول المجلة "طلوع الإسلام" الصادرة في كراتشي في عددها ٢٦مارس ١٩٥٥م. "تم إعلان برنامج انتخابات عام ١٩٤٦م التي كان من المزمع انعقادها باسم باكستان. وقام كثير من قادة الرابطة الإسلامية (الحزب السياسي الوحيد للمسلمين بالهند بحملة انتخابية في "كالكوتا" وغيرها من مناطق الهند وبدؤوا يبينون للناس أهمية باكستان. وعندما لاحظ الهندوس تأثيرًا طيبًا لقادة الرابطة الإسلامية على الناس واستعدادهم لتأييد باكستان، أرسل إليهم الهندوس المشايخ المرتزقة لديهم لكبت جماح قادة الرابطة الإسلامية... فقام هؤلاء المتجسدون الجدد في روح "جعفر" (تعبير عن الخيانة القومية البغيضة، يستعمل في القارة الهندية بإصدار الفتاوى في خطباتهم ضد قادة الرابطة الإسلامية وقالوا إن حركة تأسيس باكستان غرسة غرسها الإنجليز. وبذلوا قصارى جهدهم لكي لا تنال الحركة القبول لدى الناس.

والآن أقرأ عليكم مقتبسا من تقرير المحكمة المتكونة من القاضي منير والقاضي كياني عن الأحراريين، وسيتبين لكم من خلاله أنهم أيضا لم يتراجعوا عن موقفهم المضاد لباكستان مثل جماعة المودودي ولم يقبلوا فكرة باكستان لا قبل تأسيسها ولا بعده بل ظلوا يخدعون الناس بالاستمرار ويغشونهم واستخدموا اسم الإسلام الطاهر لتحقيق أهدافهم البغيضة . فيقول التقرير المذكور: "يتبين من ماضيهم (الأحراريين) أنهم عملوا قبل انقسام الهند بتعاون متبادل مع الكونغرس الهندوسي والأحزاب المتحالفة معه مع متكاتفة ضد جهود القائد الأعظم محمد على جناح... وهذه الجماعة لم تقبل إلى الآن وجود باكستان قلبيًا."

يوضح التقرير المذكور أهداف الأحراريين ويقول: "إن هدفهم هو زرع الخلافات بين المسلمين وزعزعة ثقة الناس عن استقرار باكستان وغايتهم الوحيدة من هذه المفسدة (مفسدة عام ١٩٥٣م ضد الأحمدية) هي إشعال نار الخلافات الطائفية وتشتيت وحدة المسلمين متنكرين بعباءة الدين ومستغلين اسمه." (تقرير محكمة التحقيق، ص ١٥٠) ثم يذكر التقرير الأحراريين في ص۲۷۸ بالكلمات التالية: "نحن عاجزون عن استخدام كلمات لينة بالنسبة إلى تصرفات الأحراريين. إذ إن موقفهم كان جديرا بالاستنكار والشجب على وجه الخصوص، لأنهم أهانوا قضية دينية باستغلالهم إياها لتحقيق أهدافهم الدنيوية.  ثم يذكر التقرير زعيمًا أحراريًا ،آخر السيد محمد علي الجالندهري في ص ٢٧٥ ويقول: "اعترف المولوي محمد علي الجالندهري في خطابه يوم ١٥ شباط ١٩٥٣م بلاهور أن الأحراريين كانوا معارضين لتأسيس باكستان ... واستعمل الخطيب كلمة بلد" نحس" عن باكستان عند ذكره الأحداث الواقعة قبل تقسيم الهند وبعده... وقال السيد عطاء الله البخاري في خطابه: إن باكستان امرأة سوقية قبلها الأحراريون مضطرين . '




حركة نجسة لتدمير باكستان:

هذه هي إنجازات مجاهدي الإسلام المزعومين ولكن حكاية أعمالهم لم تنته بعد بل دخل الآن جهادهم مرحلة حاسمة. لقد استخدم الأحراريون استراتيجيات مختلفة ضد باكستان في مختلف الأوقات، فتارة اتخذوا الجماعة الإسلامية الأحمدية عذرًا لهم، وتارة أخرى نحتوا أعذارا واهية أخرى لمحو باكستان من على وجه البسيطة واستنفدوا جهودهم في هذا السبيل. إلاّ أنّ رحمة الله أنقذت باكستان كل مرة وباءت جهودهم بالفشل الذريع وخابت آمالهم دائمًا، وانهزموا هزيمة نكراء كل مرة. أمّا الآن فقد دخلت هذه الحركة مرحلة خطيرة للغاية لأنّ هؤلاء الأشقياء قد عقدوا العزم على تدمير باكستان عن طريق محو كلمة الشهادة. إنهم يعرفون أن باکستان كلمة الشهادة، وبفضل كلمة الشهادة وباسمها تأسست باكستان وبمحو كلمة الشهادة سوف تنمحي. إن خطتهم هذه سوف تسفر عن النتيجة نفسها حتمًا، ولكن مكائدهم هذه لتدمير باكستان نجسة وبذيئة ومشينة للغاية. يبدو أنهم قد قرَّروا بحسب خطة مدروسة أنهم لو اضطروا لمحو كلمة الشهادة أيضا أجل تدمير باکستان لقاموا بذلك أيضًا. فقد قاموا بحركة عامة في باكستان لهذا الغرض. ومن سوء حظ باكستان أن حاميها صار حراميها. أي الذين كان المرجو منهم أن يدافعوا عن البلد من كل خطر قد يداهمه ويضحوا بكل غال ورخيص، قد جُعلوا أداة للهجوم على كلمة الشهادة التي هي روح البلد ونفسه.

     يبدو جليا من الأحداث الماثلة للعيان أنّ الوقت قد حان لتحقيق إلهام سيدنا الإمام المهدي، وبدأت آراء سكان الأرض وأفكارهم تتغير. تصلني كثير من الرسائل والمعلومات الأخرى المتعلقة بحركة هادفة إلى محو كلمة الشهادة (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، وتقول هذه الرسائل المسؤولين عندما أمروا الشرطة لمحو كلمة الشهادة من المساجد وصلت الشرطة إليها ولكن اقشعرت قلوبهم نتيجة ابتهال الأحمديين وتضرعاتهم في حضرة الله وبالتالي رفض بعض رجال الشرطة محو كلمة الشهادة رفضا باتا. ففي إحدى المرات التفت الحاكم المسؤول إلى رجال الشرطة وقال: إنّ الأحمديين لن يسمحوا لأحد بمحو كلمة الشهادة إلا إذا قامت الشرطة بهذه المهمة لابسة زيّها الرسمي، لأنهم عاقدون العزم على التضحية بأرواحهم في هذا السبيل. أما إذا أخذت الحكومة هذه المهمة على عاتقها عندها لا يتدخل الأحمديون في ذلك لأن الأمر في هذه الحالة يصبح بين الله والحكومة. فقاطع كلامه ضابط الشرطة وقال: هذه أمور سوف تحسم فيما بعد ولكن أخبرنا أوّلًا من يقوم بمحو الكلمة؟ فقال الحاكم: أنت طبعًا ستقوم بإنجاز هذه المهمة ولذلك أحضرتك معي. فقال ضابط الشرطة: ها إليك زيي الرسمي، وها إليك النجم الرسمي، افعل بهما ما شئت. أما أنا فوالله لن أمحو كلمة الشهادة كما لن يمحوها أحدٌ من رجال الشرطة الذين يرافقونني. وهذا الحادث ليس وحيدا من نوعه بل حدثت الأحداث المماثلة لها في أقصاها إلى أقصاها وإنّ الشرطة التي تعتبر أسوأ قوة إدارية في باكستان وتعتبر غاشمة ومستبدة وعديمة الحياء وتذكر بألقاب سيئة جدا، تتصف بحب عظيم لكلمة الشهادة، وقوة الكلمة العظيمة وحبها قد أحدثت تغييرًا طيبًا في قلوب رجالها. تصلنا معلومات ليس من موضع واحد أو موضعين فقط بل من أماكن عدة أنّ الشرطة رفضت محو كلمة الشهادة وقالت للسلطات التنفيذية : استأجروا من شئتم دوننا لمحو الكلمة فإننا لن نفعل ذلك. كذلك تصلنا معلومات عن بعض موظفي السلطات التنفيذية أيضا أنهم يأتون ناكسي رؤوسهم ويقولون للأحمديين معتذرين: إننا مكرهون ومقهورون لكوننا موظفين في الدوائر الحكومية، فامحوا الكلمة من أجلنا. فقال الأحمديون: إننا لن نفعل ذلك من أجل أية قوة أو حكومة، ولكنكم إذا كنتم تريدون فعل ذلك ظلما وقهرا فافعلوا. فقال أحد الموظفين إذًا فأحضروا السلّم. فقيل له: لن نحضر السلّم أيضا لهذا الغرض. حتى أحضره لهم شخص من غير الأحمديين، فارتقاه رجلٌ لمحو الكلمة من على جبين المسجد. فارتفعت أصوات ابتهال الأحمديين وتضرعاتهم من داخل المسجد، وكأنهم جُرِّدوا من كل ما يملكونه، وكأنما نُفّذت مجزرة كبيرة؛ فإذا بالموظف الحكومي يبكي حتى أجهش بالبكاء. وما إن وقعت المطرقة على كلمة الشهادة المكتوبة على جبين المسجد طلب الموظف منه التوقف فوراً وصرخ بأعلى صوته: لن نمحو كلمة الشهادة ، فَلْتُعاملنا الحكومة كيفما شاءت ولكننا لن نفعل ذلك. مثل هذه الأحداث تحدث بصورة مُحيّرة للعقول، وفي كل مرة تذكرني بما أوحى الله تعالى إلى سيدنا الإمام المهدي: "يوم تبدل الأرض غير الأرض" أي سوف يُحدث الله التغيير والانقلاب في آراء أهالي الأرض وأفكارهم. رغم أن الناس في معظم الحالات يكنون احترامًا كبيرًا لكلمة الشهادة ويعظمونها أيما تعظيم، وهم ليسوا جاهزين للتعاون مع الحكومة على هذا الصعيد، ولكن مما لا شك فيه أنّ هناك أحداثا شنيعة جدا أيضا تحدث أحيانا وتبعث على الخوف والقلق بألا يُعذب الله أهل البلد كلهم نتيجة للتصرفات المشينة لهؤلاء الظالمين. ففي إحدى المرات جَرّ شرطي طالبا أحمديا من داخل الحافلة الجريمة تعليق شارة تحتوي على كلمة الشهادة على صدره ثم أحيل الطالب إلى المخفر وحكم عليه بالغرامة قدرها ٥٠٠ روبية باكستانية إلى جانب تعرضه للضربات القاسية والشتائم البذيئة. فقال الطالب أنا لا أملك ۵۰۰ روبية، وإنّما عندي ۳۰۰ روبية فحسب فخذوها، أما فيما يتعلق بكلمة الشهادة فلن أفصلها عن صدري؛ وإن كنتم تريدون انتزاعها من فوق صدري فافعلوا إن شئتم واستطعتم، ولكن لن تنتزعوها من قلبي؟ فإنها ستبقي هناك على أية حال. فقال رجال الشرطة: نعم! سوف نلقنك درسا ونريك كيف ننتزعها. فذهبوا به إلى المخفر وانهالوا عليه ضربًا وشتما تحت أحد الجسور حتى لم يبق من خارج جسده قيد شعرة لم يتعرض للضربات المبرحة. كما تلقفوا ٣٠٠ روبية منه وقالوا: لقد حصلنا على ٣٠٠ روبية نقدًا والبقية حصلنا عليها عن طريق الضرب والشتم. فمثل هؤلاء الأشقياء المستبدين أيضا موجودون هناك. ولكن لا خطر على الأحمدية من هذه الناحية لأنها جماعة تفدي باكستان بنفسها ونفيسها، وأبناء الأحمدية أوفياء لبلادهم حيثما كانوا. إنّما الخطر على هؤلاء الأشقياء الذين يرتكبون الإهانة في حق كلمة الشهادة ويبيعونها بثمن بخس.




حادث مؤلم:

هناك حادث آخر مؤسف ومؤلم للغاية أُخبرتُ به، وهو أبغض وأسوأ من سابقه ذات مرة حين رفضت الشرطة وأهل القرية أيضا محو كلمة الشهادة رفضًا باتا. أراد الضباط الأشقياء أن يستخدموا شخصا مسيحيًا لهذا الغرض. فطلبوا منه أن الكلمة من وجه المسجد فأجابهم المسيحي قائلا: إنني لا أستطيع فعل ذلك إلا أن أستأذن القسيس. فلما سأل القسيس أفتى قائلا: إننا لا نختلف مع المسلمين في ذات الله إذ نحن أيضا نؤمن بوحدانيته مثلهم، لذا لن تمحو يَدٌ مسيحية جملة "لا إله إلا الله"، واذهَبْ وامْحُ اسم محمد - والعياذ بالله - فإننا لا نؤمن به. ففعل المسيحي حسبما أشار عليه القسيس. فرضي هذا الشقي اللعين (الضابط المسلم أن تمحو يد مسيحية اسم سيدنا ومولانا محمد . ولكنني أنبههم أنّ الله تعالى كما يغار لاسمه كذلك يغار لاسم محمد ، لأن سيدنا ومولانا محمدا كان دائم الاستعداد للتضحية بنفسه، ولكن لم يرض أبدا أن يفنى اسم  الله، أما إلهنا العلي القدير فلا يمكن أن يفنى هو كما لا يرضى أن يفنى اسم محمد. لذا إنني أنبهكم يا أهل باكستان! أنكم إذا كنتم تمتلكون شيئًا الغيرة والحمية، أو إذا كان فيكم شيء من الحياء فتعالوا واشتركوا معنا في هذه الحملة المقدسة، وأقيموا حرمة كلمة الشهادة وشرفها، ولا تخافوا دكتاتورًا دنيويا وشرطته وعساكره. لقد حان الأوان لتفدية النفوس في سبيل الله وتضحيتها. وآن الأوان لتثبت أننا سوف نقاتل أمام محمد المصطفى ، وخلفه، وعن يمينه وعن يساره، ولن نسمح لأحد أن يهاجم حرمة حبيبنا وشرفه. فيا أهل باكستان إذا كنتم تريدون بقاءكم فاحموا أنفسكم وروحكم أعني كلمة الشهادة. وها إني أنبهكم أنّ هذه الكلمة كما تقدر على البناء والتأسيس كذلك تقدر على المحو والتدمير أيضًا. هذه الكلمة تستطيع أن تدمر أيضا كما تستطيع أن تبني. إنها تحطّم وتكسر الأيادي التي ترتفع لمحوها. وهبكم الله فراسة وحكمة وهداكم.

  ألقيت بتاريخ ۱ آذار / مارس ۱۹۸۵م في مسجد "الفضل" بلندن)


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الردود على الأسئلة التي يطرحها الناس عادة السؤال ١: أين يثبت موت المسيح ابن مريم من القرآن الكريم؟ بل إن قوله تعالى: ﴿رَافِعُكَ إِلَيَّ" و"بَل رَّفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ" يدلّ على أن المسيح رفع إلى السماء بجسده. وكذلك الآية: ﴿وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ ؟ تدل على أن المسيح لم يُقتل ولم يمت على الصليب. الجواب: فليتضح أن معنى الرفع إلى الله هو الموت، كذلك إن لقول الله : ارْجِعِي إِلَى رَبِّك"، وقوله: ﴿إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ" المعنى  نفسه. إضافة إلى ذلك إن الوضوح والجلاء والتفصيل الذي ورد به ذكر موت المسيح في القرآن الكريم لا يتصور أكثر منه؛ لأن الله قد بين وفاة المسيح بوجه عام وبوجه خاص أيضا، كما يقول مثلا على وجه العموم: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ " . إن هذه الآية التي قدّمتُها للاستدلال تدل بصراحة متناهية أن الموت قد  أصاب  جميع الرُّسُل، سواء أكان بالموت الطبيعي أو بالقتل، ولم يسلم من الموت نبي من الأنبياء السابقي...

شرح وتفسير: "وكان عرشه على الماء".

 شرح وتفسير: "وكان عرشه على الماء". النقاش عن كون العرش مخلوقا أو غير مخلوق عبث:  فقال عليه السلام:  الناس يتفننون في آرائهم حول هذا الموضوع، بعضهم يصفونه بالمخلوق وبعضهم يصفونه بغير المخلوق، ولكن لو لم نصفه بغير المخلوق لبطل الاستواء. لا شك في أن النقاش حول كون العرش مخلوقا أو غير مخلوق عبث أصلا، هذه استعارة، حيث بين الله فيه رفعته العالية، أي هو مقام منزه عن كل جسم ونقص، ويقابله هذه الدنيا وهذا العالم كله. وليس للإنسان اطلاع كامل عليه. هذا المقام يمكن أن يسمى قديم، فالناس يستغربون من ذلك ويحسبونه شيئًا ماديا. وانطلاقا من القدم يرد الاعتراض على ورود الحرف "ثم". فالحقيقة أن القدم يشمل "ثم" أيضًا. كما عندما يكون القلم بيد الإنسان فتتحرك اليد أيضًا حيثما يتحرك القلم، لكن يكون التقدُّم لليد. يعترض الآريون على المسلمين عن قدم الله، ويقولون إن إله المسلمين موجود منذ ستة أو سبعة آلاف سنة. وهذا خطؤهم، فمن الغباوة أن يقدر عمر الله بالنظر إلى هذا المخلوق. فلا نعلم ما الذي كان قبل آدم ومن أي نوع كان ذلك المخلوق. والله الله أعلم بذلك الوقت: كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْ...
لا بد من التقوى من أجل الفتح: وما دام الأمر هكذا، فاعلموا أن التقوى ضرورية للمرء لكي تنفتح عليه أبواب الحقائق والمعارف فاتقوا الله ، لأن الله تعالى يقول: ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) (النحل (۱۲۹) . ولا أستطيع أن أحصي لكم كم مرة تلقيت هذه الآية في الوحي، إذ أوحيت إلي مرات كثيرة جدا. لو أننا اكتفينا بالأقوال دون الأفعال، فاعلموا أن لا جدوى من ذلك. إن النصر  يتطلب التقوى، فكونوا متقين إن أردتم النصر. ضرورة التضحيات المالية لنشر الإسلام أرى أن نساء الهندوس والنصارى أيضا يوصين بعقارات كبيرة وأموال طائلة لنشر  دعوتهم، ولكن لا نجد نظير ذلك في المسلمين في هذه الأيام. إن أكبر مشكلتنا  هي  الحاجة إلى النصرة المالية لنشر الإسلام. اعلموا أن الله  تعالى هو الذي أراد تأسيس هذه الجماعة بيده وسوف يكون حاميها وناصرها، ولكنه يريد أن يؤتي عباده الأجر والثواب، ومن أجل ذلك قد اضطر الأنبياء لطلب المساعدة المالية. لقد طلب رسول الله النصرة المالية ، وعلى نفس المنهاج ، الذي هو منهاج النبوة، نذكر أحبابنا بحاجات الجماعة من حين لآخر. ومع ذلك أقول: إ...