سبب دفع الفلسفة المعاصرة إلى الإلحاد
سأل المسيح الموعود ال: لماذا تدفع الفلسفة المعاصرة معظم الطبائع إلى الإلحاد؟ فقال السيد ماستر غلام محمد السيالكوتي: الحق أن الطبائع المائلة سلفًا إلى الإلحاد هي التي تتأثر بهذه الفلسفة، وإلا فإنّ معظم كبار القسيسين ذوي الطبائع الفلسفية مستمسكون بدينهم بشدة. فقال سيدنا المسيح الموعود : التدبر في هذه الأمور يلفت إلى أمر آخر مؤسف، وهو أنّ هؤلاء القسيسين يدرّسون الفلسفة والمنطق في الكليات والمدارس من جهة، ومن جهة أخرى يؤمنون أن المسيح ابن الله وإله، ويتمسكون بعقيدة الثالوث وغيرها. لا ندري كيف يوفّقون بينها وبين الفلسفة! إنما أساس الفلسفة الغربية هو المنطق الاستقرائي، لكن لا أدري ما هذا الاستقراء الذي يقول بأن يسوع هو ابن الله ! ولا أدري كيف يثبتون ذلك. لعلهم يقولون أن من يكون فيه خواص معينة، فهو إله أو ابن الإله، وأن المسيح كان متحليا بهذه الخواص فهو إله وابن الإله أيضا ولكن هذا الأمر يستلزم الكثرة، وهو محال مطلقا. التفكير في هذا الأمر لا يزيدني إلا حيرة. لا أدري لماذا لا يفكر هؤلاء!
أما مبادئ الإسلام فهي ليست مما يفشل في إثبات كماله عند الاختبار على ضوء الاستقراء أو الفلسفة. كلا، بل لقد تدبرتُ كثيرا في قول الله تعالى في وصف القرآن الكريم: في كِتَابٍ مَكْنُونِ (الواقعة: ۷۹)، أي أن هذا الكتاب المكنون خفي في السماوات والأرض ولا يقدر على قراءته كل من هب ودبّ، وأن القرآن الكريم مرآة لذلك الكتاب المكنون في السماوات والأرض، ولم يُرِ القرآن الكريم إلا وجه ذلك الإله الذي تشهد عليه السماوات والأرض. ولكن بأي شهادة ودليل ألهوا هذا الإله الزائف المختلق قبل ١٩ قرنا؟ إنما هي ميزة الإسلام وحده، إن لنبينا الفخر بأنه قد جاء بدين موجود منذ الأزل، وتعاليمه موجودة بكل وضوح في صفحات السماوات والأرض.
الحكم مجلد ۲ عدد ٢٢-٢٥ يوم ٢٠ - ١٨٩٨/٨/٢٧ ص ٩ .
١٨٩٨/٨/٢٥
اللغة الفارسية المعاصرة
في صباح هذا اليوم قال مولانا عبد الكريم السيالكوتي في معرض الحديث عن اللغة الفارسية: لقد عُنِيَ أهل إيران بالتأليفات في هذه الأيام اهتماما كبيرا، واستخدموا فيها الكلمات العربية بكثرة، حتى إنهم يستخدمون الكلمات الفارسية من أجل الربط فقط، ويستخدمون أبواب المفاعلة والانفعال والاستفعال وغيرها بكثرة مذهلة.
فقال المسيح الموعود اللة : كانوا يستخدمون كلمة "فَهْمِيدَنْ" وغيرها كثيرا في الماضي، أما اليوم فقل استعمالها جدا.
فقال مولانا عبد الكريم: سيدي، في هذه الأيام يستخدمون بدلاً منها المفاهمة والتفهيم وغيرهما من الكلمات.
سعة اللغة العربية
وبعدها قال المسيح الموعود في هذا السياق نفسه:
إن اللغة العربية واسعة جدا، وتوجد فيها كل نوع من الاصطلاحات، وتكثر بها المؤلفات بما لا يعلمه إلا الله. فمثلا خذوا الحديث وحده، إذ لا أحد يستطيع أن يدعي حقا بأنه قد رأى جميع كتب علم الحديث.
ثم قال مولانا عبد الكريم في هذا السياق: لقد وصل في الأيام الأخيرة إلى حضرة المولوي، أي- مولانا نور الدين سلمه ربه - فهرس المكتبة الخديوية بمصر، وهو في سبع مجلدات وقد رُتِّب ترتيبًا يستمتع القارئ بقراءته أيضا. لقد ذكروا فيه أرقام الكتب بحيث لو ذهب أحد الغرباء تماما إلى المكتبة لوضع يده على الكتاب المطلوب من دون أي عناء، شريطة أن يكون قد قرأ هذا الفهرس مرة.
فسأل المسيح الموعود : هل ممكن أخذ تلك الكتب خارج المكتبة؟ فقال حضرة المولوي : نعم، إن تلك المكتبات ليست كمكتباتنا، بل إنها تسمح بنسخ الكتب الموجودة فيها.
فقال إمامنا الهمام : كم أيّد الله الإسلام، إذا كان أحد الجهال ينكر هذا التأييد الإلهي للإسلام فلا مناص له من الاعتراف بأن الله تعالى لم يؤيد أحدا في الدنيا قط. إن توسع اللغة العربية إلى هذا الحدّ، ثم كثرة التأليفات العربية إلى هذه الدرجة هما في حد ذاتهما تأييد للإسلام، لأنّ فيه تأييد القرآن الكريم نفسه. عندما يذكر أحد اللغويين معنى كلمةٍ فلا بد أن يذكر لبيانه الآية القرآنية إن كانت تلك الكلمة قد وردت في القرآن.
عندها قال المولوي عبد الكريم: إن صاحب "لسان العرب" قد اتبع هذا الأسلوب حتما. ثم تابع المسيح الموعود حديثه وقال : إن اللغة السنسكريتية وغيرها قد أصبحت شبه ميتة؛ إذ لا تتمّ بها التأليفات ولا شيء غيرها. وكذلك حال المسيحيين، إذ ليس لإنجيلهم عناية باللغة الأصلية.
ثم قال المسيح الموعود بهذا الخصوص:
الثورة الروحانية التي أحدثها الإسلام:
تأخذني الحيرة على عداوة المسيحيين للإسلام بعد هذا كله. إن إله الإسلام ليس إلها مصطنعا زائفا، بل إنه ذلك الإله القادر الذي هو منذ الأزل. ثم انظروا إلى الرسالة، فما الغاية الأساسية لها. إنما غاية الرسالة أولا أن يأتي الرسول عند الحاجة، وثانيا أن يحقق تلك الغاية على أحسن وجه. وهذا الفخر لا يمتلكه إلا نبينا فقط. إن حالة الجزيرة العربية والعالم كله عند بعثة الرسول ليست خفية على أحد . كان القوم متوحشين تماما، كانوا لا يعرفون إلا الأكل والشرب، وكانوا يجهلون حقوق العباد وحقوق الله تماما. وقد رسم الله حالهم بقوله : يَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ) (محمد: ۱۳). أما كيف كان تأثير تعاليم الرسول صلى الله عليه وسلم المقدسة ، فقال إنهم صاروا : يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (الفرقان (٦٥) .. أي أنهم كانوا يقضون لياليهم في ذكر الله ساجدين قائمين. الله الله، يا لها من فضيلة للرسول ! لقد حصلت على يده ثورة عظيمة منقطعة النظير، وأُرسيت حقوق الله وحقوق العباد باعتدال تام، وجعلت أمة ميتة آكلة الجيفة أمّةً حيّةً وطاهرةً من الطراز الأول.
هناك ميزتان فقط، الميزة العلمية، أو الميزة العملية، أما ميزتهم العملية فقال الله تعالى في صفتهم: يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (الفرقان (٦٥ . أما ميزتهم العلمية فلا تزال سلسلة المؤلفات الكثيرة وخدمة توسيع اللغة مستمرة بما لا مثيل له في العالم. وعلى النقيض، عندما أنظر إلى المسيحيين فلا أزداد إلا حيرة مما حققه الحواريون من رقي بعد أن صاروا نصارى ؛ فيهوذا الاسخريوطي الذي كان أمين صندوق يسوع كان يخونه في ماله أحيانا، أما مساعدته للأعداء في إلقائهم القبض على أستاذه نظير ثلاثين درهما فليس خافيًا على أحد . وكان يسوع يحتفظ بألفي روبية في كيسه دائما ، أما النبي، فسأل قبيل وفاته: هل في البيت شيء؟ فقالت عائشة الصديقة رضي الله عنها: نعم هناك دينار واحد فقال النبي : أعطوه أحدا، إذ كيف يمكن أن يرحل الرسول إلى ربه تاركا في بيته دينارا واحدا؟
وا عجبًا من هؤلاء النصارى الذين لا يبرحون يرددون كلمة الفلسفة. لا أدري أين ذهبت فلسفتهم في الإلهيات. خذوا الكفارة والفداء مثلا، فهي مثل حيوان خرافي. ماذا صنعت هذه الكفارة؟ دعوا الأدلة العلمية جانبا، فلم يتم بالكفارة إصلاح الحواريين عِلميًّا ولا عمليا. فأما الإصلاح العِلمي، فقد حكم الإنجيل نفسه بكون الحواريين أغبياء وقليلي الذكاء وطماعين، وأما الإصلاح العملي فقد رسمه أيضا الإنجيل نفسه، إذ أخبر أن بعضهم كان يلعن يسوع وبعضهم كان يشي به نظير ثلاثين درهما، وما إلى ذلك من منكرات.
إن آثار الإثم والظلمة تبدأ من هذه الدنيا نفسها، كما قال الله تعالى: مَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى (الإسراء : (۷۳). والآن انظروا إلى تلاميذ يسوع لتعلموا مدى التغير الحاصل فيهم. إن زوال الإثم يولّد بصيرة ونورا، ولكن متى كان هذا فيهم؟ فماذا نفعت الكفارة والفداء إذن؟
الحكم مجلد ٢ عدد ٢٤ - ٢٥ يوم ۱۸۹۸/۸/۲۷۲۰ ص ۹-۱۱.
١٨٩٨/٩/٢٦
في ٢٦ سبتمبر قال المسيح الموعود بعد صلاة الفجر :
البشرى بالنجاح:
لقد وصل بي الحال الآن بأني إذا رأيت رؤيا فلا أظنّها تخصني، بل أراها تخص الإسلام وجماعتي، وأستطيع أن أقسم بالله تعالى أنني لا أفكر في نفسي بشأنها مطلقا. لقد رأيت البارحة أنني شربت إناءً كبيرا من شراب كان شديد الحلاوة حتى لم أستسغ شدة حلاوته، ومع ذلك ظللت أشربه. وكنتُ أفكر أني مصاب بكثرة البول، فلماذا أشرب هذا الشراب الحلو جدا، ومع ذلك شربت حتى أنفدت كل االشراب الموجود في هذا الإناء الكبير. والمراد من الشراب النجاح. وهذه بشرى بنجاح الإسلام وجماعتنا.
الحق أنه كلما اتسع نطاق علاقات الإنسان بالناس اتسع نطاق رؤاه أيضا. فمثلا: إذا كان في كولكوتا شخص لا نعرفه فلن نرى أي رؤيا تخصه، فقبل سنوات عديدة عندما لم يكن يعرفني إلا بضعة أشخاص كانت الرؤى التي كنت أراها تتعلق بهؤلاء القلة فقط، أما الرؤى التي أراها الآن فتتعلق بألوف مؤلفة من البشر. بعد ذلك جرى الحديث عن الأدوية، وذلك أنّ المسيح الموعود كان قد أعطى المولوي عبد الكريم دواءً البارحة، وسأله عن تأثيره، وفي هذه الأثناء تطرق الكلام إلى مشروب يسمى الايسترن وإلى جوز القيء وغيرهما، وذكر أن من خواص هذه الأدوية أنها تُقوّي الأعصاب.
كمالات ومحاسن اللغة العربية
فلفت المولوي عبد الكريم نظر سيدنا المسيح الموعود اللة إلى أن كلمة العصب تنطوي على فلسفة عظيمة، لأن العصب يعني العقد، والأعصاب تعقد أعضاء الإنسان كالحبال، ويقابلها بالإنجليزية (Nerve)، وهو مجرد لفظ فحسب. فقال سيدنا المسيح الموعود :
إن من معجزات رسول الله أن الكلمات العربية زاخرة بالعلوم، ولذلك كانت اللغة العربية خاتمة الألسنة، ولأن الرسول قد أعطي معجزة عظيمة كالقرآن الكريم، فإن عظمته كبيرة من الناحية العلمية.
وفي هذا السياق جرى الحديث عن طبع كتاب "مِنَنُ الرحمن"، فقال:
سوف يُطبع بعد تيسر بعض الأسباب الضرورية لذلك.
أربعة أنواع من الآيات على صدقي
ثم تابع المسيح الموعود حديثه وقال : لقد قلت مرارا إن الله تعالى قد أعطاني أربعة أنواع من الآيات، وقد كتبتها ونشرتها مرارا مع تحدّ كبير.
أولها: آيةً معرفة اللغة العربية، وقد منحني الله إياها حين كتب محمد حسين البطالوي عني بأنّ هذا الرجل لا يعرف صيغة واحدة من العربية. علما أنني لم أكن ادعيتُ قط أنني أعرف صيغة منها. إن الذين يدرسون الإنشاء العربي وكتابته يمكنهم تقدير صعوبة ذلك وأيضا معرفة محاسن العربية، وإن المولوي المحترم (أي المولوي عبد الكريم) ما زال يلاحظ منذ البداية كيف أن الله تعالى أيدني في الكتابة بالعربية تأييدا معجزا. إن أكبر صعوبة أواجهها هي عندما لا أجد كلمة أصلية في محلها المناسب، وفي هذه الحالة يلقي الله عليَّ تلك الكلمة. إنّ اختراع اللغة الجديدة المصطنعة أمر سهل، ولكن استخدام اللغة الأصيلة أمر صعب جدا.
ثم إننا قد نشرنا هذه الكتب العربية مع جوائز قيمة متحدين أن يستعينوا بمن شاءوا وحتى من أهل اللغة العربية. وقد أكّد لي الله تعالى أنهم لن يقدروا على ذلك، لأنني قد أُعطيت هذه الآية كظل لمعجزات القرآن الكريم الخارقة.
ثانيها: استجابة الأدعية. لقد جربت خلال كتاباتي العربية كيف استجيبت أدعيتي بكثرة. لقد دعوتُ عند كل كلمة، وأستطيع القول إنه قد استجيبت أدعيتي أكثر من أي إنسان آخر، باستثناء رسول الله ، لأن كل ما نلته إنما نلته بواسطته وببركة طاعتي له. وإني لا أستطيع أن أقول ما إذا كانت تلك الأدعية المجابة تبلغ عشرة آلاف أو مئة ألف أو تزيد، وإن من آيات استجابة أدعيتي ما شهده خلق
كثير جدا.
وثالثها: آية النبوءات، أي الإظهار على الغيب. لا شك أن المنجمين والرمالين -هم خبراء علم الرمل، ويزعمون أنهم يعرفون به أخبار الغيب. (المترجم)- يقولون -رجما بالغيب - أمورًا يتحقق شيء منها، حيث يخبرنا التاريخ أنه كان في زمن الرسول الكهنة يخبرون أخبار الغيب، وكان منهم سطيح الكاهن أيضا، ولكن الفارق بين معرفة هؤلاء الكهنة المشعوذين والعرافين للغيب وبين إظهار المأمور الرباني للغيب هو أن إظهار المأمور الرباني للغيب يتسم بقوة إلهية وهيبة ربانية. لقد قال الله تعالى في القرآن الكريم صراحة لَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُول ) (الجن (۲۷-۲۸). فالإظهار المذكور هنا هو نفسه يبين أنّ هذا الإخبار الإلهي يكون ذا شوكة وقوة.
رابعها: آية دقائق القرآن و معارفه، ذلك أن معارف القرآن لا تنكشف إلا على مَن تمّ تطهيره: لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) (الواقعة: ۸۰). لقد تحديت مرارا القوم الذين يعارضونني أن يكتبوا تفسير سورةٍ وأنا أيضا أكتب تفسيرها، ثم ليقارن بينهما، ولكن لم يجرؤ أحد منهم على قبول هذا التحدي. أما المولوي محمد حسين وغيره فقالوا: إنه لا يعرف صيغة من اللغة العربية. وعندما عُرضت عليهم كتبي العربية تهربوا متذرعين بأعذار واهية سخيفة بأنها ليست بالعربي بل هي "أروي" - أروي هو القلقاس، وقالوا ذلك لوجود التشابه الظاهر بين لفظي "أروي" و"عربي". (المترجم)-، ولم يقدر على أن يكتب صفحة واحدة ويقدمها للناس قائلا: هذا هو اللسان العربي.
باختصار، هذه هي الآيات الأربع التي أُعطيتها بوجه خاص برهاناً على صدقي.
الحكم مجلد ۲ عدد ۲۸-۲۹ يوم ٢٠-١٨٩٨/٩/٢٧ ص ٣-٤ .
۱۸۹۸/۱۰/۳
رؤيا
في ٣ اكتوبر بعد صلاة الفجر قال :
استلقيت البارحة بعد صلاة التهجد وأصابني شيء من الغفوة، فرأيت أنّ في يدي أربع أوراق من كتابي "سرمه چشم آريا كحل عيون الآريا)، ويقول شخص: إن الآريين الهندوس أنفسهم يطبعون هذا الكتاب الآن.
ثم قال في تأويل هذه الرؤيا: لعلّ تأويلها أن الشبهات والوساوس التي تنتاب الآريين بشأن نبوءاتنا مثل النبوءة المتعلقة بليكهرام وغيرها سوف تزول، وسوف تنجلي عليهم الحقيقة في قضية " كلارك ". كان "رام بهجدت" محاميا من قبل الآريين وعندما قابلني في محطة القطار بأمرتسر قال لي صراحةً: "لقد تابعت هذه القضية مجانًا لعلّي أعرف سرّ حقيقة قتل ليكهرام، إذ كنا موقنين أنك أنت وراء قتله". وقد تكون أمم أخرى تفكّر مثل تفكيرهم، فيبدو من هذه الرؤيا أن الله تعالى يريد كشف الحقيقة لهم وإقامة الحجة عليهم التي تدينهم.
ثم قال والإعلانات المتعلقة بـ"بى" التي أريتها في الرؤيا قد أخبرتُ عنها أيضا في الرؤيا أن هؤلاء بأنفسهم يطبعونها أيضا.
هذه إشارة إلى الإعلانات التي نشرها أقارب مرزا سلطان محمد زوج السيدة محمدي بيغم، وكان هؤلاء يسكنون في قرية تسمى "پٹی " وكانت تقع في محافظة لاهور قبل انقسام القارة الهندية إلى دولتين الهند وباكستان) وبعد الانقسام ضُمّت إلى محافظة أمرتسر التابعة للهند. (المترجم)
عظمة النبوءة
فقال المولوي نور الدين: عندما يتحقق هذا الأمر، فكيف يمكن للآخرين أن يدركوا عظمته وقدره كما ندركه نحن؟ إذ نشاهد أنواع الصعوبات التي تعترض في هذا الصدد. فقال المسيح الموعود: لا ريب أن الأمر لا يخص هذه القضية وحدها، بل هكذا يكون الأمر في استجابة كل دعاء وعظمة كل نبوءة. وعلى سبيل المثال، لو كان إنسان في فلاة لا يوجد بها الماء لمئات الأميال، فدعا الله تعالى، فأعطاه برحمته وفضله إناءً من ماء، ثم ذكرنا للناس قصته ذكرًا مجملاً غاضين النظر عما كان فيه من صعوبات وانعدام الأسباب، فلا جرم أن غير المطلعين على أحواله كلها سيضحكون من هذه القصة بدلاً من تعظيمها ، ولكنهم عندما يطلعون على الصعوبات المحيطة بهذا الشخص، فسوف ينظرون الى حكايته بتعظيم وهيبة بوجه خاص. كذلك لو أن أحد الأُميّين قرأ كتابًا بالإنجليزية فسوف يعظمه الذين يعرفون أنه أُمّي، ولكن لو قرأه أحد الحائزين على شهادة الماجستير أو البكالوريوس فلن يقيموا لقراءته وزنا، بل يعدونه أمرًا عاديا.
باختصار، إن عظمة كل أمر أو عدمها تتوقف على مدى تيسر الأسباب لتحقيقه أو وجود الصعوبات.
استجابة ثلاثين ألف دعاء
ثم تابع سيدنا المسيح الموعود كلامه وقال : سوف يكذب الناس هذا الأمر أيضا، أعني ما ذكرتُ آنفًا أنه قد استجيب لي ثلاثون ألف دعاء على الأقل، ولكن ربي يعلم جيدا أن هذا هو الحق، وليس فيه شائبة من الكذب. ذلك لأنني قد دعوت لكل أمر ، دينيا كان أو دنيويا، فجعله الله طيبا وعلى ما يرام.
تأثير الدعاء في كتبي العربية:
وكل كلمة في مصنفاتي العربية إنما هي نتيجة الدعاء، وإلا فليس من قدرة الإنسان أن يتحدى هكذا. إذا لم يكن هذا تأثير الدعاء، فلماذا لا يقدر أحد من المشايخ أو أهل اللغة العربية على أن يبارزني؟ إنه لمن فضل الله الخاص عليّ أن كتبي قد أُلّفت بصياغة عربية أصيلة وبتعابيرها الصّرْفة، وإلا فلا يكون كل واحد من أهل هذه اللغة أيضًا مطلعا على جميع محاوراتها المسلم بها. فلا شك أن هذا ليس إلا فضل الله تعالى.
الحكم، مجلد ۲ عدد ٣٠ يوم ٨-١٠-١٨٩٨ ص ٦ .
١٨٩٩/١/٢
الهدف من كتيب "كشف الغطاء"
في الساعة الثامنة صباح هذا اليوم خرج حضرة الإمام الهمام للنزهة مع كثير من الأحباب، وقال في الطريق:
إن هذه الآلام وأنواع الإيذاء التي يصبّها علينا المعارضون بنشر إعلانات مليئة بالسباب والكذب والافتراء حِينًا، وحينا آخر بوشايات كاذبة إلى الدولة ورفع أمور باطلة وزائفة تماما لتسيء بنا الظنّ. أقول : لو كانت هذه الإيذاءات تخص ذاتنا فقط، فالله يعلم أنني ما كنت لأكترث لها مطلقًا، لأنني مستعد كل حين للذبح ككبش الفداء باذلاً نفسي في سبيل الله تعالى، ولكن هذه الأكاذيب والوشايات تؤثر في قومنا، ولا يزال هناك بعض الضعفاء الذين لا يقدرون على الصبر على الفتنة والابتلاء، ولذلك ارتأينا أن نطبع كل الحقائق عن هذه الوشايات ونبعث بها إلى الدولة. لأننا لو بقينا صامتين، سينسج المعارضون المؤامرات من طرفهم وستترك تأثيرا سيئا جدا. ولأننا ذوو قلوب نقية ولا ننافق ولا نداهن كأصحاب القلوب السيئة، فكلي أمل أن هذا الكتيب "كشف الغطاء" سوف يمكن الدولة السامية من الاطلاع على أحوال جماعتنا وعلاقاتنا فيما بيننا، كما سيكون هذا شهادةً في حوزة كل واحد من أحبابنا.
١٨٩٩/١/٥
بعد صلاة الفجر سأل المولوي قطب الدين القاطن في بَدَّومَلْهِي : يقال أنه كان بين كتفي الرسول الله المباركين ختم النبوة، وكانت مثل غدّةٍ لَحْمية، فما حقيقة ذلك؟
حقيقة العلامة الظاهرة لختم النبوة:
فقال المسيح الموعود : الاعتراض الذي يثار حول ختم نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم باطل تماما عندي، غير أني أقول من منطلق حماسي وإخلاصي الصادقين . إن إيماني أنّ إطلاق كلمة الغُدَّة اللحمية أو ما شابه ذلك على علامة ختم نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم ليس من دأب المؤمن والمسلم الصادق. إنها إساءة وجرأة كبيرة توصل إلى الكفر. ولا حاجة بنا للتفتيش والتنقيب عن كُنْه ختم نبوته و لا عن شكله، لأن الله تعالى قد جعل لتصديق نبوة الرسول ما لا يحصى من الآيات البينة الواضحة التي من بينها ختم النبوة أيضا.
الحقُّ أنّ نسبة الأنبياء الآخرين إلى رسولنا الله كنسبة الهلال إلى البدر. ينشأ الهلال في الظلام، ولكنه حين يكتمل يصبح بدرًا يصدق ويؤكد حالته الأولى الهلالية. فاعلموا يقينا أنه لولا بعثة الرسول لظل الأنبياء السابقون ونبوءاتهم خافية على الناس.
منة الرسول على المسيح:
فكروا وبينوا، هل يستطيع الإنسان أن يصل إلى وحدانية الله تعالى من خلال الأناجيل الموجودة؟ أليس هذا أمرًا محيرا؟ هل يأتي نبي الله لإرساء وحدانية الله أم لإقامة ألوهيته هو ؟ أما الأناجيل الحالية، فلم تَحِدْ عن طريق التوحيد فقط، بل قضت على رسالة ونبوة عيسى أيضا، وأسقطته من مقام النبي، وجعلته -والعياذ بالله- إنسانا سيئا جدا، دعك عن أن يكون إلها أو ابن الإله. أما رسولنا المبارك، فقد جاء وأحيا تعاليم المسيح، وأعان المسيحَ حتى في ذاته ووجوده، حيث أخرجه من الأموات ووهبه الحياة التي يوهبها عباد الله الأخيار ورسله.
فضل الإسلام
إنما التعليم الكامل ما يقوم بتطوير الكفاءات الإنسانية تطويرا كاملا، وليس التعليم الذي يركز على جانب واحد. انظروا ماذا يقول تعليم الإنجيل، وماذا تقول الكفاءات الإنسانية إزاءه؟ الحق أن قوى الإنسان وفطرته هي كتاب الله الفعلي، فكيف يمكن أن يكون كتاب الله القولي -وهو ما يسمى الكتاب الإلهي أو التعليم الإلهي - متعارضًا مع كتاب الله الفعلي أساسًا وبنية؟ كذلك لولا بعثة رسول الله لصارت أخلاق الأنبياء السابقين وتعاليمهم ومعجزاتهم وقوتهم القدسية محل اعتراض فجاء الرسول صلى الله عليه وسلم وبرأ ساحتهم. ولذلك فإن آيات نبوّته أجلى من الشمس، وهي تخرج عن حد العد والإحصاء. فالاعتراض على نبوة الرسول أو آيات نبوته إنما مثله كمثل أن يكون النهار ساطعًا، ولكن يقول الأعمى الأحمق ليس هناك من نهار بل ما زلنا في الليل. وأقول مرة ثانية: إنه لو لم يُبعث رسولنا الا الله لظلت الأديان الأخرى في الظلام، وقُضي على الإيمان، ودمرت الأرض باللعنة والعذاب الإلهي. إن الإسلام كالشمعة المضيئة التي أخرجت الآخرين أيضا من الظلمات. لو قرأ المرء التوراة لصعب عليه العثور على ذكر الجنة والنار، ولو قرأ الإنجيل لم يجد فيه للتوحيد أثرا . لا شك أنّ كلا الكتابين كان من عند الله تعالى وهما من عنده تعالى أصلا، ولكن ما هو النور الذي يمكن أن يجده الإنسان فيهما؟ إن النور الحقيقي المطلوب من أجل النجاة إنما يوجد في الإسلام وحده. خذوا مسألة التوحيد مثلاً، فحيثما فتحت القرآن وجدته كالسيف المسلول الذي يقطع الشرك من جذوره. وكذلك هي مسألة النبوة، فتجد كل ما يتعلق بها مذكورًا في القرآن واضحًا جليًا بما لا مزيد عليه قط.
حقيقة ختم النبوة
ويمكن فهمُ ختم النبوة كالآتي : المقام الذي تنتهي عنده الأدلة والمعرفة تلقائيا قد سمي ذلك المقام ختم النبوة، والطعن بعد ذلك كالملحدين هو ديدن الذين لا إيمان لهم. في كل شيء يكون بينات ويتوقف إدراكها واستيعابها على المعرفة الكاملة ونور البصيرة. ببعثة الرسول تم تكميل الإيمان والعرفان، ونالت بها الأمم الأخرى أيضا النور . لم تُعْطَ أية أمة أخرى شريعةً بينة ومنيرة، لو كانت قد أُعطيتها، فلِمَ لم تترك أي أثر على الجزيرة العربية؟ لقد طلعت من الجزيرة العربية شمس أضاءت كل أمة وألقت أضواءها على كل قرية. إنه لمن مفاخر القرآن الكريم وحده أنه قادر على أن يتغلب على أديان العالم كلها في مسألة التوحيد والنبوة. إنه لمن مفاخر المسلمين أنهم أعطوا مثل هذا الكتاب. الحق أن الذين يهاجمون الإسلام معترضين على تعاليمه وهداياته إنما يتكلمون هذا جراء ظلمة باطنهم وعدم إيمانهم.
السماح بتعدد الزوجات
فمثلا إنهم يعترضون على قضية تعدد الزوجات، ويقولون أن الإسلام قد أجاز الزواج بنساء كثيرة. ونحن نقول : هل بين هؤلاء المعترضين رجل شجاع يخرج إلى المضمار ويُرينا أين ورد في القرآن أنه لا بد أن يتزوج المرء أكثر من امرأة واحدة؟ بيد أنه من الحق ومن الفطرة أنّ الإنسان في كثير من الحالات يحتاج إلى الزواج من أكثر من واحدة. فمثلا: أن تصاب زوجته بالعمى أو بأي مرض خطير آخر بحيث لا تقدر على القيام بإدارة أمور البيت ولا يريد زوجها - شفقةً عليها- أن يفصلها عنه أو أن تصاب المرأة بأمراض خطيرة في رحمها فتصبح غير قادرة على قضاء حاجات زوجها الفطرية، فإذا لم يكن هناك سماح للزواج الآخر، أفلا يكون هذا سببا لانتشار الفحشاء ورذائل الأخلاق؟ إذا كانت هناك ديانة وشريعة تمنع من التعدد فلا شك أنها تؤيد الفحشاء وسوء الأخلاق، ولكن دين الإسلام الذي يريد القضاء على الفحشاء وسوء الخلق في الدنيا يسمح للمرء بالزواج من أكثر من واحدة عند هذه الضرورات. كذلك إذا لم يكن للمرء أولاد تقع بعد وفاته خصومات كثيرة في العائلة حتى تسفر عن القتل وإراقة الدماء، لذا يتحتم على مثل هذا أن يتزوج بأكثر من واحدة لإنجاب الأولاد . بل الحق أن الزوجات الصالحات المحترمات يسمحن من تلقائهن لأزواجهنّ بالزواج من أخرى. كلما تدبرتم في هذه القضية صارت أكثر وضوحا وجلاء.
أما النصارى، فلا يحق لهم الاعتراض على قضية التعدد، لأنّ الأنبياء والملهمين المعترف بهم عندهم، بل إن أسلاف المسيح قد تزوجوا من ۷۰۰ و ۳۰۰ امرأة. ولو قالوا أنهم كانوا فسّاقا فجّارا، فعليهم أن يخبرونا كيف يمكن أن يكون وحيهم وحيا من عند الله تعالى؟ يوجد في النصارى فِرَق لا تجيز مثل هذه الإساءات
إلى أنبيائهم.
ثم إن الإنجيل لم يبين هذه المسألة صراحةً . الواقع أن قوة نساء لندن هي السبب وراء عدم السماح بالتعدد، ولكن بوسعكم أن تروا نتيجة ذلك بالنظر إلى مستوى قيمة العفة والتقوى في لندن وباريس.
الحروب الإسلامية دفاعية
كذلك لا يصح اعتراضهم على القضايا الأخرى مثل الرق والجهاد، إذ نجد في التوراة سلسلة طويلة لمثل هذه الحروب. بينما كانت الحروب في الإسلام دفاعية وانتهت خلال عشر سنوات فقط. إنني أتحدى أني أستطيع إثبات هذه المسائل من كتبهم هم. كذلك أعلن أن كل الحقائق الضرورية لموجودة في القرآن الكريم، وإذا زعم أحد أن كيت وكيت من الحقائق لا توجد في القرآن الكريم فإنني مستعد لاستخراجها من القرآن. لقد تناول شرع الإسلام المسائل التي هي ضرورية للإنسان طبعًا وفطرةً، والتي تربي قواه من كل النواحي ولا يمكن الاعتراض عليها. أما الاعتراض الذي قد أثاره الإسلام على الأديان الأخرى، فلا يقدر أهلها على أن يأتوا له بجواب.
وجه السعيد ووجه الشقي
أقول مرة أخرى لا ينبغي النظر إلى أقوالي باستخفاف واستهزاء، لأن في الاستهزاء خطر الكفر، بل ينبغي الأدب والخوف تجاه آيات الله تعالى. إن كل عارف يستطيع أن يجيب على هذه الأمور بألف جواب. ألا توجد في الوجوه علامات يمكن أن نميز بها بين السعيد والشقي والشرير والطيب ونعرفهما؟
ورد أن شخصا نظر إلى رسول الله له وقال : هذا ليس بوجه كاذب. والآن، علينا أن نرى ما هي العلامة التي توجد في وجوه الكاذبين ولم توجد في وجه النبي ؟ لا شكّ أنه كان هناك فارق يستطيع أن يراه صاحب البصيرة. فأي غبي أحمق لا يقدر على التمييز بين الصالح والطالح بالنظر إلى وجهيهما؟ إن وجه المؤمن وكل عضو من أعضائه يميزه عن غيره ويدل على أنه من أهل الله. فما الغرابة إذا كان في الرسول الخصوصية ختم النبوة؟ إن كل شيء ممكن.
الإيمان ضروري بالأمور الإيمانية فقط:
ثم اعلموا أن هذا أمر فرعي، وليس لزاما علينا الخوض فيه، إنما يجب أن نناقش الأصول والمبادئ، إذ لو ثبت الأصل، ثبت الفرع تلقائيا. إن الإيمان بالأمر الفرعي ضروريّ، لكن السعي لمعرفة كيفيته وكُنْهه فليس ضروريا. أما إذا ناقشنا العدو في هذا الأمر فإننا نقدر على إفحامه . إن الإيمان بوجود الله تعالى وصفاته وملائكته وكتبه ورسله وغيرها من الأمور الإيمانية ضروري، والإيمان بها كلها هو الأصل، أما الأمور الأخرى فهي فروع. إن هذه الأصول الإيمانية حقائق ثابتة بكل جلاء. إن تعاليم الإسلام تبلغ من الوضوح والجلاء بحيث تضع كل قوة وكفاءة موضع الاعتدال وفي محلها تماما وتربّيها. وهذه معجزة عظيمة لنبينا . أما تعاليم الأديان الأخرى فهي ليست كذلك، فإذا كان لبعضها أنف فلا أذن له. إنها ناقصة وغير كاملة. إن تعاليم الإسلام هي وحدها ذات خِلقةٍ كاملة متكاملة. لقد تناول الإسلام توحيد الله وصفاته والنبوة والأخلاق الفاضلة وتكميل النفس وغيرها من الأمور التي يحتاج إليها الإنسان ببيان كامل وجلي، بحيث لا يبقى بعدها حاجة لنقاش كثير . أما الأمور الأخرى من قبيل: كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يأكل، وكم كان مقدار لقمته، فأي حاجة للمؤمن للخصام حولها. إنها ليست مدار النجاة. ومثل هذه الأمور المسجلة كآثار إذا لم تكن متعارضة مع النبوة الحقة بل تتوافق معها، فيجب الإيمان بها، وإلا فعليكم بتأويلها، ولا داعي للنقاشات العقيمة حولها والقول: كيف كان هذا، ولماذا كان ذلك؟
معنى خاتم النبيين :
وأود أن أقول مرة أخرى عن ختم النبوة إن أكبر معاني خاتم النبيين إنما هو أن الله تعالى بدأ أمر النبوة من آدم وختمها على النبي . هذا هو المعنى الظاهر البين.
والمعنى الثاني لختم النبوة هو أن دائرة كمالات النبوة انتهت على النبي . الحق والحقَّ أقول: إن القرآن الكريم قد أكمل الأمور الناقصة وختمت النبوة، وصار الإسلام مصداقًا لقول الله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ)) (المائدة: ٤ ) . باختصار، إن هذا الأمر هو من علامات النبوة، ولا داعي للخوض في النقاش
عن كيفيته وكنهه. إن الأصول واضحة جليّة، وهي تسمى الحقائق الثابتة، أما مثل هذه الأمور الفرعية الأخرى فلا حاجة للمؤمن للخوض فيها، إنما عليه أن يؤمن بها. وإذا اعترض عليها معترض فنستطيع إفحامه، وإذا لم ينته فيمكن أن نقول له أن يبرر بالدليل ما يوجد في دينه من أمور فرعية.
باختصار، إن ختم نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم هي علامة من علامات نبوته، ولا بد لكل مسلم من الإيمان بها.
الحكم مجلد 3 عدد 1 يوم ۱۸/۱/۱۰ ص7 -8
١٨٩٩/١/٥
علاقة الأرواح بالقبور
سأل المولوي قطب الدين: ما هي حقيقة ما يقال عن علاقة الأرواح بالقبور ؟ قال سيدنا المسيح الموعود: إن ما ورد في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم عن علاقة الأرواح بالقبور، هو حق وصدق تماما، أما كيفية وكُنْهُ تلك العلاقة فهو شيء آخر ولا حاجة بنا لمعرفته. غير أن من واجبنا أن نثبت وجود العلاقة بين القبور والأرواح، وهذا ليس بأمر مستحيل عقلا، بل نجد له نظيرا في نواميس الله الطبيعية. الحق أن هذا الأمر يماثل ما نراه كل يوم حيث لا يُعرف صدق وحقيقة بعض الأمور إلا باللسان فقط. وإذا توسعنا في هذا الأمر فيمكننا القول إن الله تعالى قد جعل لمعرفة حقائق الأشياء المختلفة طرقًا مختلفة، فبعض هذه الحقائق والخواص تُدرك بالعين، وبعضها تُدرك بالأذن فقط، وبعضها تُدرك بالحسن المشترك، وكم من حقائق تُدرك بالقلب الذي هو مركز القوى كلها.
باختصار، لقد جعل الله تعالى لمعرفة شتى الحقائق طرقًا مختلفة ووسائل شتى. وعلى سبيل المثال: لو وضعنا قطعة السكر على الأذن فلن ندرك طعمها ولا لونها، وإذا جعلناها أمام عيننا فلن تخبرنا العين عن طعمها شيئا. وهذا الأمر يوضح بجلاء أنّ لمعرفة حقائق الأشياء قوى شتى وقدرات مختلفة. فمثلا لو أردنا معرفة طعم شيء ووضعناه أمام الأعين، فهل يجوز لنا القول إنه لا طعم له؟ أو إذا كان لشيء صوتُ وحاولنا سماعه باللسان مغلقين الآذان، فهل نستطيع سماعه؟ الحق أن أصحاب الطبائع الفلسفية المعاصرين قد وقعوا في خدعة كبيرة، إذ ينكرون بعض الحقائق لعدم علمهم بها. نرى في أمور الحياة اليومية أن شخصا واحدا لا يستطيع إنجاز كل شيء، بل إن الخدمات المختلفة مقسومة على أناس شتى، فالساقي يجلب الماء، والغسال يغسل الثياب، والطباخ يطهو الطعام. باختصار، نجد في هذا النظام الذي صنعه الإنسان نفسه تقسيم الخدمات والأعمال. فتذكروا هذا المبدأ دائما أنّ القوى المختلفة مناط بها أعمال مختلفة. لقد خُلق الإنسان بقوى كثيرة، وكل قوة قد أُنيطت بها خدمةٌ معينة لتكميل الإنسان. لكن الفيلسوف الغبي يريد فصل كل قضية بعقله الناقص مع أن هذا خطأ كله، إذ لن تثبت الأمور التاريخية إلا بالتاريخ فقط، ولا تدرك خواص الأشياء بدون التجربة الصحيحة. أما الأمور القياسية فيدل عليها العقل، وعلى هذا المنوال هناك وسائل مختلفة لمعرفة أمور مختلفة. إنما ينخدع المرء ويُحرَم من معرفة حقائق الأشياء حين يعُدّ الشيء الواحد فقط سببًا لتكميل الأمور المختلفة الأخرى.
إني لا أرى لزاما أن أتحدث كثيرا عن صحة المبدأ الذي ذكرته، إذ يمكن فهمه جيدًا بشيء من التدبر، ونشاهد صدقه في شؤوننا اليومية. فمفارقة الروح الجسد أو تعلقها به أمر لا يمكن الفصل به بالعقل وحده، إذ لو كان هذا ممكنا لما وقع الفلاسفة والحكماء في الضلال.
علوم الروح تنال من نبع النبوة
بالمثل، فإنّ علاقة الأرواح بالقبور حق لا شك فيه، ولكن هذه العين المادية لا تقدر على أن تُرينا هذه العلاقة. إنما هذا من اختصاص العين الكشفية وهى التي ترينا العلاقة بين الروح والقبر . وإن كانوا مصرين على معرفة هذا الأمر بالعقل المجرد، فليخبرنا أحدٌ من هؤلاء المتشبثين بالعقل : هل الروح موجودة أم لا؟ هناك ألف اختلاف في هذه القضية، وهناك آلاف الفلاسفة ذوي الطبائع الإلحادية الذين ينكرون وجود الروح أصلا. إذا كان هذا الأمر ممكنا بواسطة العقل المجرد، فلم هذا الاختلاف؟ لأنه إذا كان عمل العين أن ترى الأشياء، فلا أصدق أن عين زيد ترى شيئًا ما أبيض، وأما عين بكر التي هي مثل عين زيد تماما، فهي تخبرنا عن طعم ذلك الشيء الأبيض نفسه ؟ إنما قصدي من هذا البيان أنّ العقل المجرد لا يمكن أن يقدر على التدليل على وجود الروح أصلاً دلالة يقينية، دع عنك أن يدلّ على كيفياتها وعلاقاتها. أما الفلاسفة فيرون أن الروح كالخشب الأخضر، ولا وجود لها في الخارج مطلقا. الحق أن هذه التفاسير عن وجود الروح وعلاقاتها إنما تنال من عين النبوة، أما المتمسكون بالعقل المجرد فلا يستطيعون حتى الادعاء بذلك. ولو قلتم : إن بعض الفلاسفة كتبوا بعض الأمور بهذا الخصوص، فاعلموا أنهم إنما نقلوا شيئا مما اقتبسوه من عين النبوة نفسها. فإذا ثبت أن العلوم المتعلقة بالروح إنما تنال من عين النبوة ، فيجب رؤية العلاقة بين الأرواح والقبور بعيون الأنبياء. وقد أخبرت العين الكشفية أن ثمة علاقة بين الروح وكومة التراب (القبر)، وأن المرء يتلقى الجواب عندما يقول:
السلام عليكم يا أهل القبور. ومَن استعان بالكفاءات المساعدة على "كشف القبور" تمكّن من رؤية تلك العلاقات.
ونضرب مثالاً لتبيان هذا الموضوع: إذا كانت أمامنا قطعة ملح وقطعة سكر نباتي. فماذا عسى أن يفتي العقل المجرد فيهما؟ أما إذا ذقناهما عرفنا بطعميهما المختلفين أنّ هذا ملح وذاك سكر نباتي. ولكن إذا كان أحد محروما من حاسة التذوق (اللسان) فكيف يفرّق بين الملوحة والحلاوة فليس واجبنا إلا تفهيم الأمر بالأدلة والبراهين. وكما أنّ إنكار الأعمى لوجود الشمس الطالعة لا يغيّر شيئا، وإذا لم ينتفع شخص مسلوب القوى من طريقة الاستدلال فهذا لا يُبطل هذا الأمر الواقع، كذلك إذا كان أحد لا يملك العين الكشفية فأنّى له أن يرى ما بين الأرواح والقبور من علاقات؟ فمجرد عدم رؤيته لتلك العلاقات ليس مبررا لإنكارها. إن مثل هذه الأمور لا تعرف بالعقل المجرد والقياس ، ومن أجل ذلك قد وهب الله للإنسان قوى مختلفة. لو كانت قوةٌ واحدةٌ قادرةً على إنجاز كل شيء، فما الحاجة أن يعطى الإنسان كل هذه القوى الكثيرة؟ بعض هذه القوى تتعلق بالعين، وبعضها بالأذن، وبعضها باللسان، وبعضها بالأنف. يمتلك الإنسان حواس مختلفة، ورؤية علاقات الروح بالقبر تتطلب قوة كشفية وحمًّا كشفيا، ومن أنكر ذلك فهو مخطئ. لقد خلا في الدنيا أنبياء كثر، وهناك سلسلة طويلة من ملايين الأولياء والصلحاء، وثمة عددٌ لا يُعَدُّ ولا يحصى من الذين قاموا بالمجاهدات، وكلُّهم يمثلون شهادةً حية على هذا الأمر. وسواء أدركنا بالعقل أم لم ندرك حقيقة هذه العلاقات - بين الروح والقبر - وسببها، إلا أنه لا يسع أحدا إنكارها.
باختصار، إن الأدلة الكشفية تحسم كل هذه الأمور. إذا لم تتمكن الأذن منرؤية تلك العلاقات، فما ذنبها في ذلك؟ لأن رؤية تلك العلاقات إنما هو عمل قوة أخرى. وإننا شاهدون بتجربتنا الشخصية أن هناك علاقة بين الروح والقبر حتمًا، وأن الإنسان يستطيع أن يتكلم مع الميت. وتكون للروح علاقة بالسماء أيضا، حيث تتبوء مقامها.
وها إني أعود وأقول: إنها لحقيقة ثابتة، وهناك شهادة عليها في كتب الهندوس أيضا، فهذه القضية مسلَّم بها لدى الجميع، إلا الفرقة التي تنفي بقاء الروح. أما السؤال في أي مكان بالضبط تكون هذه العلاقة، فالجواب أنّ القوة الكشفية بنفسها تخبر بذلك. ألا تجدون علماء طبقات الأرض يخبرون أن المعدن الفلاني موجود هنا والمنجم الفلاني موجود هناك؟ ذلك أن عندهم قوة تخبرهم بذلك فورا. فمن الحقائق الثابتة أن للأرواح علاقة بالقبور حتما، حتى إن أهل الكشوف إذا ركزوا تمكنوا من الكلام مع الميت أيضا. أما الأوهام والاعتراضات فسلسلتها طويلة بحيث لا تنتهي أبدا.
الحكم، مجلد ۳ عدد ٣ يوم ٢٣ يناير ١٨٩٩ ص ۳-۲
بركات الدعاء
لولا الدعاء لما بلغ أحدٌ درجة حق اليقين في معرفة الله. بالدعاء نتلقى الوحي والإلهام، وبالدعاء نتكلم مع الله تعالى. عندما يبلغ الإنسان حالة الفناء داعيا ربه بإخلاص وتوحيد ومحبة وصدق وصفاء يتجلى عليه ذلك الإله الحي الذي هو خفي عن أعين الناس.
مبارك الذي يفهم.
قال عليه السلام :
تصالحوا مع الله تعالى، واعملوا بالصدق والسداد حقًّا. السماء تخوّف بحوادثها غير العادية والأرض تنذر بأمراضها، فمبارك الذي يفهم.
الحكم، مجلد ۳ عدد ٣ يوم ٢٣ يناير ١٨٩٩ ص ٢.
١٨٩٩/١/٢٦
كتب محرر "الحكم": عندما وصل حضرة المولوي نور الدين إلى قرية "كهنده"
بعد أن رجع من قرية "ليل" قال سيدنا المسيح الموعود :
هناك حكمة ومصلحة في كل فعل من أفعال الله تعالى. كان بلغني أن محمد حسين البطالوي سينزل في "ليل"، فكان خيرا لنا أننا لم نبت هنالك. الخير في الابتعاد عن مثل هؤلاء الناس.
ملحوظة : قرية "ليل" قريبة من "دهاريوال"، وقد توقف عندها المسيح الموعود وهو ذاهب إلى دهاريوال لمتابعة قضية رفعها المولوي محمد حسين البطالوي من أجل أن يُعطى الضمان لأمنه. (المدون)
ملحوظة : كان السبب في تغيير المبيت هو أن سيدنا المسيح الموعود كان قد خرج في هذا السفر إلى "دهاريوال في عربة كالمحفّة، وكان حضرة المولوي نور الدين وغيره من الإخوة سافروا إليها بالقطار عن طريق بطالة، واتفقوا على أن يلتقوا في قرية "ليل" ويبيتوا هنالك. ولكن في الطريق جاء المسيح الموعود الرسول من الملكة "إيشر كور" من دهام، أرملة ابن سردار جيمل سنغ، يبلغه أن الملكة ترجوه أن يحل هو وأصحابه ضيوفا عليها في "كهنده" ويبيتوا في دارها. فقبل المسيح الموعود دعوتها ونزل في دارها، ولكن الإخوة الذين سافروا بالقطار لم يعرفوا ذلك، فوصلوا أولاً إلى قرية "ليل"، ثم دعاهم المسيح الموعود من هنالك، ليجتمعوا عنده في "كهنده". (المدون)
مأدبة وهدية من سيدة غير مسلمة:
وبعد قليل، بعثت الملكة إيشر" "كور" مع خدمها هدية لحضرته في صينيتين في إحداهما "القند" وفي الأخرى "اللوز"، وقالت: لقد شرفتنا، وإن قدومك إلينا هو بمثابة قدوم سردار جيمل سنغ المرحوم. فقال المسيح الموعود بكل بساطة وبلهجة موهوبة لأهل الله : حسنًا ، ما دمت قد أقمت لنا مأدبة، فنقبل هذه الهدية أيضا.
أهمية المثابرة
بعد تناول الطعام قيل للمسيح الموعود: هناك شخص ذو لحية بيضاء يريد قول شيء، فقال المسيح الموعود بكل رحابة صدر حسنًا. فقدّم الرجل وذكر طلبه على شكل أبيات. فقال المسيح الموعود : إذا داوم المريض على وصفة الطبيب فإنه يشفق عليه جدا، والله تعالى أيضا يجعل في علاجه نفعًا.
الصوم في السفر
ثم سئل المسيح الموعود : ما حكم الصيام في السفر؟
فقال : إن ما ورد في القرآن الكريم هو: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ )) (البقرة: (۱۸۵) ، أي لا يصوم المريض ولا المسافر، وهذا حُكم، إذ لم يقل الله تعالى أنّ من أراد فليصم ومن أراد فلا يصم. أرى أنّ على المسافر أن لا يصوم . فلأن أكثر الناس يصومون عمومًا ، فلو صام أحد اعتبارا بما يفعله الناس فلا حرج في ذلك، ولكن عليه أن يعمل أيضا بعد ذلك بقول الله تعالى: فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) (البقرة: ١٨٥).
فقال مولانا نور الدين: ينبغي أن يصوم المرء بضعة أيام كل شهر على العموم أيضا. وأنا (المحرر) أقول: قال المسيح الموعود في مناسبة أخرى: إن الذي يصوم في السفر شاقا على نفسه، فكأنه يريد أن يرضي الله تعالى بقوته لا بطاعته لأمره تعالى، وهذا خطأ. إن طاعة الله في أمره ونهيه هو الإيمان الحق.
الحكم مجلد ۳ عدد ٤ يوم ٣١-١-١٨٩٩ ص ٦-٧.
۱۸۹۹/۱/۲۷
بعد صلاة الفجر أُمرنا بالرحيل، وعندما مرّ المسيح الموعود بالقرب من المصنع الكائن في (دهاريوال، قال: يجب مشاهدة هذا المصنع والتفرّج عليه، لأن الشيء المشاهد ينفع نفعًا ما .
فقال شخص سيدي لقد شاهدته مرةً، فشعرتُ بحماس عجيب برؤية قدرة الله ، ولم أبرح حتى صليت أربع ركعات.
فقال: الحق أن كل هذه الأمور إنما هي لأن الله تعالى يُري جلوته . انظروا ، كم أودعت الدودة من قوى، أما الله تعالى فيملك القوة والقدرة كلها. ضربت خيمة المسيح الموعود على شاطئ القناة، فقال برؤية مشهد النهر وما حوله من أشجار: إنه مكان رائع.
الحكم مجلد ۳ عدد ٤ يوم ٣١ يناير ١٨٩٩ ص ٨.
١٨٩٩/٢/٢٦
الإشادة بمحاضرة للمولوي عبد الكريم:
قرأ المسيح الموعود محاضرة أعدّها المولوي عبد الكريم السيالكوتي بعنوان : ما هو الإصلاح والتجديد الذي قام به سيدنا ميرزا غلام أحمد القادياني، ثم قال للإخوة في المسجد المبارك يوم ١٨٩٩/٢/٢٦:
أريد أن يقرأ أحبابنا كلهم هذه المحاضرة فإنها تحتوي على نكات لطيفة كثيرة، وهي نموذج لما أُعطي هذا الإنسان من قدرة خطابية. على أبناء جماعتنا أن يسعوا ليكونوا خطباء على منواله.
الحكم مجلد ۱۰ عدد ٣٥ يوم ١٠ -١٠-١٩٠٦ ص ٧.
١٨٩٩/٣/١٠
علو الهمة والشجاعة
قال المسيح الموعود وقت خروجه للنزهة في الصباح:
على الإنسان ألا يفقد الهمة. إن علوّ الهمة من الأخلاق الفاضلة، والمؤمن يكون عالي الهمة جدا. عليه أن يكون مستعدا لنصرة دين الله وتأييده كل حين، ولا يكون جبانا أبدا. الجبن علامة المنافق، أما المؤمن فيكون شجاعا باسلا، ولكن الشجاعة لا تعني ألا يراعي المحل المناسب. العمل الذي يتمّ من دون مراعاة المحل المناسب تهوّر. المؤمن لا يكون مستعجلا، ولكنه يظل مستعدا لنصرة الدين بكامل الذكاء والأناة، ولا يكون جبانا. حينا يصدر من الإنسان ما يُسخط الله تعالى، وحينا ما يرضيه. فمثلا: لو نهر سائلا قسا قلبه وأثار فعله سخط الله تعالى، فيفقد التوفيق لأن يعطي السائل شيئا، ولكنه لو عامله بلطف وحسن خلق وأعطاه، ولو كوبا من الماء، لأدى ذلك إلى زوال ما عنده من قبض روحاني.
الاستغفار علاج القبض الروحاني:
تتعاقب على الإنسان ساعات من القبض والبسط، وفي حالة البسط يزداد شوقا وتوقا وانشراح قلب، فيزداد ميلاً إلى الله تعالى، ويجد اللذة والمتعة في الصلوات. وأحيانا تطرأ عليه حالة القبض ، فيفقد ذلك الشوق والتوق ويشعر بانقباض القلب، وعلاجه أن يُكثر الاستغفار والصلاة على النبي مرة بعد أخرى. هذا هو علاج
القبض.
العلم الحقيقي
العلم لا يعني المنطق والفلسفة، بل العلم الحقيقي ما يهبه الله تعالى بمحض فضله. وهذا العلم هو وسيلة معرفة الله وخشيته كما قال الله تعالى: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ (فاطر: (۲۹). العلم إذا لم يزد صاحبه خشيةً لله فاعلموا أن ذلك العلم لن يؤدي إلى زيادته في معرفة الله.
الحكم مجلد ۷ عدد ۲۱ يوم ١٠-٦-١٩٠٣ ص ٢.
۱۸۹٩/٤/٢٠ وقت العصر
التوكل على الله
من خصائص الإسلام أنه يولّد التوكل على الله تعالى، وإنما المسلم من يؤمن بالصدقات والدعاء ولكن المسيحيين لا يوقنون بذلك. لماذا؟ لأنهم اتخذوا إلها ماديًا . إن أكبر سعادة المرء التي لا تزول وتكون عوناً له عند حلول الأخطار والأهوال هو التوكل على الله تعالى. وإن الإسلام وحده يعلم التوكل على الله تعالى .
الحكم، مجلد ۳ عدد ١٥ يوم ٢٦ - ٤ - ١٨٩٩ ص ٦ .
١٨٩٩/٤/٢ يوم عيد الأضحى
خدمة الأم
إن المرحلة الأولى من سعادة المرء أن يحترم أُمَّه . كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرا ما يتوجه ناحية اليمن ويقول في حق أويس القرني : إني أشم رائحة الرحمن من قبل اليمن. كما كان يقول: قد شغلته طاعة أمه وخدمتها عن المجيء إلينا. وهذا الأمر يثير الاستغراب، حيث كان رسول الله موجودًا ولكن أويس لم يستطع زيارته وليس السبب إلا انشغاله التام في طاعة أمه والبر بها. أرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يوص بإهداء سلامه الخاص إلا لشخصين، هما أويس القرني والمسيح الموعود، وهذا أمر عجيب ، وهي خصوصية لم يحظ بها غيرهما. وقد ورد أن سيدنا عمر ذهب للقاء أويس فقال لعمر: إني لأظل مشغولا بخدمة أمّي، والملائكة ترعى إبلي.
من ناحية، نجد هؤلاء القوم الذين قد سعوا لخدمة أمهاتهم لهذه الدرجة، فنالوا القبول والعزة. ومن ناحية أخرى نجد أناسا يرفعون ضد أمهاتهم القضايا من أجل مبالغ بسيطة جدا، ويذكرونهن بما لا يذكره حتى أحطّ الطبقات مثل كناسي المراحيض. ما هي تعاليمنا؟ إن هي إلا تذكيركم بالهدي المقدَّس لله ورسوله. إذا كان أحد يدعي الانتماء إلى ثم لا يعمل بها، فلماذا يدخل في جماعتي؟ مثل هذه النماذج السيئة تسبب العثار للآخرين، فيعترضون أن هؤلاء قوم لا يحترمون الآباء والأمهات أيضا.
المتحرر كلية لن يرى وجه الخير:
أقول والحق أقول : إنّ الذي يعيش متحررًا من أية قيود والتزامات لن يرى وجه الخير والبركة أبدا. فاستعدوا للعمل بما قال الله ورسوله بحسن نية وكامل طاعة ووفاء. فإن فيه الخير وإلا فأنتم أحرار، وما علينا إلا النصح.
الحث على تعلم العربية والإنجليزية:
وأود أن أنصح جماعتي لتعلّم العربية، إذ من دون تعلّم العربية لا يستمتع الإنسان بتلاوة القرآن الكريم. من الأنسب بل الضروري لأجل معرفة معاني القرآن الكريم أن تسعوا لتعلم العربية بالتدريج. في هذه الأيام قد تيسرت طرق سهلة لتعلمها. ما دامت قراءة القرآن الكريم فرضًا على كل مسلم، فكيف لا يسعى الإنسان لتعلم اللغة العربية وإنما يفني عمره كله في تعلم الإنجليزية وغيرها
من اللغات؟
غير أنه حري بكم أيضا أن تتذكروا أنّ استحكام هذه الدولة قد اتخذ صورة حكومة قومية، فأصبحت الإنجليزية أيضا بمنزلة لغة قومية، فلا بد من تعلم الإنجليزية أيضا للإفصاح عن مطالبكم وأغراضكم للحكام بوضوح، لكي تكونوا نافعين ومساعدين للدولة.
الفونوغراف
ثم قال في معرض الحديث عن اللغات: ما هو الفونوغراف؟ إن هو إلا مطبعة ناطقة.
نوعان من الأذى
لا يصيب أي أذى إلا بعد صدور الحكم في السماء. لا شك أنّ الأنبياء قد تعرضوا لأنواع الأذى، ولكنها من باب المحبة، وتنطوي على نوع من التعليم الخفيف الذي تقدمه طائفة الأنبياء المقدسة للناس بأعمالهم وتصرفاتهم في هذه المحن.
تُصَبّ على بعض الناس أنواع الأذى، وهي تكون في الواقع نتائج سيئاتهم. من يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ (الزلزلة: (٩). لا بد للإنسان أن يتوب، ويظل منهمكًا في التوبة والاستغفار وحذرًا من أن يتجاوز سوء أعماله الحدود، فتجلب عليه غضب الله تعالى.
التوبة والاستغفار
إذا نظر الله تعالى إلى أحد برحمته ألقى حبه في قلوب الناس عموما، ولكنه حين يتعدى شرّه الحدود يصدر في السماء الحكم بمعارضته فتقسو قلوب الناس تجاهه بمشيئة الله ولكنه عندما يخرّ على أعتاب الله تائبا مستغفرا تتولد الرحمة في الخفاء وتلقى بذرة الحب في قلوب الناس من حيث لا يدري أحد.
باختصار، إن التوبة والاستغفار وصفة مجربة لا تخطئ.
الحكم مجلد ۳ عدد ۱۷ يوم ۱۲ مايو ١٨٩٩ ص ٤-٥.
تعليقات
إرسال تعليق