التخطي إلى المحتوى الرئيسي

 في ۱٨/١/٢ بعد صلاة الفجر

خطاب لسيدنا المسيح الموعود


يتبع المرء الفضائل بطبعه:
اعلموا أن الفضائل أيضا معدية كالأمراض المعدية، والمؤمن مأمور بأن يسمو بأخلاقه حتى تصبح معدية؛ لأن أي قول أو فعل مهما كان جيدا لا يمكن أن يلقى إعجاب الناس ولا يدفعهم للعمل به ما لم يكن فيه بريق وجذب. إن لمعانه يلفت انتباه الآخرين، وقوته الجاذبة تجذبهم إليه، ثم بعد ذلك تبعث مزايا ذلك الفعل العظيمة الآخرين على العمل به تلقائيا. انظروا كيف صار حاتم شهيرا بسبب سخائه، وإن كنتُ لا أستطيع الجزم بأن سخاءه كان نابعًا عن خلوص نية، وكيف صارت قصص بطولة رستم وشجاعة أسفنديار مضربًا للأمثال، وإن كنا لا نستطيع الجزم أن منبعها خلوص نية. إن مذهبي أن أعمال المرء الحسنة مهما كانت عظيمة لا تخلو من عنصر الرياء ما لم يكن مؤمنا صادقا، ولكن حيث إن أصل الخير موجود فيها، والخير هو العنصر الثمين الذي يُنظر إليه باحترام في كل مكان، فلذلك تلقى أعماله التقدير والإعجاب، رغم ما فيها من رياء وتلميع. كان السيد الخواجه قد ذكر قصة وكنتُ أنا أيضا قرأتها من قبل، وهي أن السير فيليب سيدني جُرح عند محاصرة قلعة "زلفن" بهولندا في عهد الملكة إليزابيث، وبينما كان يقاسي آلام العطش وسكرات النزع والموت، جاءوه بكوب ماء، وكان الماء شحيحا جدا، وكان هناك جريح آخر عطشان، فبدأ ينظر إلى السير فيليب سيدني بحسرة وطمع، فلما رأى السير سيدني شدة طمعه في الماء لم يشربه، بل آثره عليه، و ناوله الكوب قائلا: أنت أحوج إليه مني. فالناس لا يترددون في الرياء حتى وقت الموت، والمراءون الذين يريدون أن يثبتوا للناس أنهم ذوو أخلاق فاضلة أيضا يأتون بمثل هذه الأعمال.
باختصار، ليس هناك إنسان تكون جميع أفعاله في حالته السيئة حسنةً. ولكن السؤال الذي أركز عليه هو : لماذا لا يتبع الناس أحدا في أفعاله الحسنة؟ ولا أقول في الجواب إلا أن الأمر الواقع أن الإنسان بفطرته لا يتبع أحدا ما لم يجد في فعله رائحة الكمال، وهذا هو السرّ الكامن في أن الله تعالى أرسل أنبياءه عليهم السلام دومًا ، ثم بعد خاتم النبيين أقام سلسلة المجددين. ذلك أن هؤلاء القوم يتصفون بقوة الجذب والتأثير مع أسوتهم، وتُرَى فيهم الحسنات في ذروتها وكمالها، ذلك لأن الإنسان بطبعه يريد اتباع الكمال، ولولا ذلك في فطرة الإنسان لم تكن هناك حاجة للأنبياء أيضا.




سبب معارضة المأمورين الربانيين:
 أما لماذا يخالف الناس أنبياء الله ومأموريه ولماذا يرغبون عن تعاليمهم، فإنما سببه تلك الحالة الفاسدة السائدة في زمنهم التي اقتضت بعثة هؤلاء الأطهار. يجري في زمن بعثتهم نهر الفسق والفجور، وتغشى أنواع السيئات والمنكرات والبعد عن الله والحرمانُ هذا العنصر الطيب في الإنسان. فلأن السيئات في عصرهم تكون قد بلغت ذروتها و منتهاها ، فتميل الطبائع الإنسانية إلى اتباع السيئات لكون فطرة الإنسان تحبّ كل ما بلغ الذروة والكمال. هذا هو السر في معارضة الناس للأنبياء عليهم السلام والمأمورين الربانيين وإعراضهم عن تعاليمهم في بداية أمرهم، ولكن يأتي في نهاية المطاف يوم يتوجهون فيه إلى اتباع المبعوث الذي تكون الحسنة بارزةً فيه وبالغةً أوجها وكمالها، لذلك يقول الله تعالى: وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ) (الزخرف: (٣٦).


تأثير النفاسة الظاهرة:
باختصار، إن من فطرة الإنسان أنه يريد اتباع كل شيء بلغ حد الكمال. انظروا كيف أن الناس يقدّرون مخترعات الغرب وصنائعه حتى الإبرة والسكين وغيرهما أيضا، ويفضّلونها على صناعتنا المحلية، مع أن بعض تلك الصنائع الغربية لا تكون أصلية بل تكون ملمعة، ولكن لمعانها الظاهري يبهر عيون القوم وبريقها يجذبهم إليها جذبا. ألا ترون كيف تزدهر تجارة الحلي الزائفة الملمعة ازدهارا سريعا، ولو وضعت الحلي المزيفة مع الحلي الأصلية لخيّل لك أن الأصلية مزيفة والمزيفة أصلية. هناك بريق ولمعان في هذه الصناعات المزيفة لا يقدر صنّاعنا المحليون أن يأتوا به في صنائعهم، ولذلك ترون الناس لا يبالون بهذا الدجل والتلميع مع علمهم أنها صناعات مزيفة ملمعة. وتجدون المثقفين عندنا المقلدين للغرب يأنفون كل صناعة محلية من ملابس وأحذية وغيرها، وليس ذلك إلا لأن المنتوجات الغربية تتسم بجودة وبراعة عاليتين. إن أهل الغرب يعملون على تلميع الجلد حتى يصبح لامعا وناعما، وهذا لا يخص الجلد فحسب، بل يمكنكم ملاحظة ذلك في أدنى منتوجاتهم أيضا. خذوا مثلا الخيط، كيف يصنعونه جميلا رائعا. لقد جعلوا كل منتوجاتنا المحلية تبدو رديئة مقابل منتوجاتهم. بل لقد سمعت أن بعض الأثرياء الهنود يكرهون صنائعنا المحلية كرهًا جعلهم يبعثون ملابسهم إلى باريس لتغسل هنالك، ويجلبون مياه الشرب من إنجلترا. فما هو السر في إقبال الناس على منتوجات الغرب؟ إنما هو أن أهل الغرب يهتمون بأن تكون صنائعهم جميلة المظهر ولامعة ونفيسة، ولذلك يقبل الناس على شرائها إقبالا. فرغم أنه يوجد هناك تجار أمناء آخرون مع هؤلاء التجّار الكفّار، إلا أن الناس يتوجهون إلى صنائع هؤلاء الكفار ، وليس ذلك إلا لكونها نفيسة ولامعة.
هذا هو حال الأخلاق والأعمال تماما، فما لم نصقلها ولم نجعلها لامعة براقة لهذه الدرجة، فإنها لن تؤثر في الناس، إذ من المحال أن يجذب الضعيف إليه الضعيف.


حقيقة قسم الله بالمخلوقات في القرآن:
 قال الله تعالى: (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) (العصر : ٢-٤)، أي: أُقسم بهذا الزمن أي زمن النبي . يعترض المعارضون المعاصرون قليلو الفهم قائلين: لماذا أقسم الله في القرآن الكريم بالمخلوقات مع أنه منع الناس من القسم بها، فتارة أقسم بالتين، وتارة بالليل أو النهار أو الأرض أو النفس؟ وتترك مثل هذه الاعتراضات تأثيرا سيئا جدا. وليكن معلوما أنها من سنة الله الشائعة في القرآن الكريم كله أنه من أجل التدليل على بعض الأمور النظرية، يقدّم أمورا يوجد على تأثيراتها ثبوت واضح وبين وبديهي على العموم، فالقسم بها هو بمثابة تقديمها دليلا ونظيرا على الأمور النظرية. ولكن قبل الرد المفصل على هذا الاعتراض أود بيان أمر هام آخر.


هل الهند دار الحرب؟
ليكن معلوما لكل مسلم أننا لا نقول بأن الهند دار حرب بالنظر إلى الحكم. هذا هو إيماننا، وإن كان العلماء المعارضون لنا يختلفون معنا في هذه القضية اختلافا شديدا، ولا يدعون أية فرصة لإيذائنا تنفلت من أيديهم، ومع ذلك، كيف يمكننا أن نترك الحق بسبب الشدائد العابرة والمحن الآنية؟ إننا نؤمن أن الهند ليست دار حرب نظرًا إلى الحكومة.
خذوا مثلاً : القضية التي رُفعت ضدنا. لو كانت هذه القضية مرفوعة في عهد حكم السيخ، وكان خصمنا أحد علماء السيخ أو الهندوس، لم تتردد تلك الحكومة في إعدامنا من دون التحري والتحقيق. ولكن من ميزة دولة الإنجليز وحكمهم أنه بالرغم أن خصمي في هذه القضية كان طبيبا وقسيسا شهيرا، إلا أني لم أعامل بأدنى قسوة خلال التحقيقات ولا إجراءات المحكمة. لم يخطر ببال القاضي الكابتن دوغلاس مطلقا أن يحابي هذا القسيس بسبب جاهه أو منصبه ومكانته؛ بل قال  للمسؤول الأعلى للشرطة بمحافظة غورد اسبور السيد ليمارتشند بأن قلبه غير مطمئن بالتهمة. فقام بالمزيد من التحقيق مع عبد الحميد، وفي الأخير برأني متمسكًا بالعدل. ثم إن هؤلاء القوم لا يمنعوننا من أداء أركان ديننا، بل قد جاءوا معهم ببركات ومرافق وتسهيلات كثيرة أتاحت لنا فرصة سانحة لنشر ديننا، وتمتعنا في حكمهم بأمن وراحة لا نظير لهما في الحكومات السابقة. لذا فمن الظلم العظيم الصارخ ومما يتنافى مع تعاليم الإسلام والأخلاق أن لا نشكرهم. اعلموا أن الذي لا يشكر إنسانًا مثله على معروفه لا يشكر الله أيضا. إنه لا يشكر صاحبه مع أنه يراه، فكيف يمكن أن يشكر الله على نعمه وهو غيب الغيب ولا يراه. لذا، فلا نسمي الهند دار حرب ،ولكن هذا من حيث الحكومة فقط. غير أن الهند دار حرب عندنا من حيث القلم. لقد بدأ القسيسون حربًا شعواء ضد الإسلام، وخرجوا في ساحتها بأسنّة القلم لا بالسهام والسنان، لذ، فالسلاح الذي علينا أن نخرج به في ساحة هذه الحرب هو القلم والقلم فقط. وأرى أن من واجب كل مسلم أن يشترك في هذه الحرب. تُشنّ على الله وعلى رسوله المصطفى هجمات قذرة، تتفطر بها أكبادنا وترتجف أفئدتنا. هل يمكن أن يقرّ لنا قرار بعد رؤية كتاب قذر مثل "أمهات المؤمنين" أو كتاب "أسرار البلاط المصطفوي"، الذي جعلوا اسمه أيضا على غرار أسماء الروايات القذرة. الغريب أن الكتب مثل "أسرار بلاط لندن" تعدّها الحكومة جديرة بالحظر، ولكن الكتاب الذي أدمى قلوب ثمانين مليون مسلم لا يستحق الحظر عند الحكومة. إننا لا نريد أبدًا أبدًا أن نطالب الحكومة بأنفسنا الحظره، بل نرى هذا الأمر غير مناسب على الإطلاق، كما أوضحنا ذلك عبر مذكرتنا، ولكنا قلنا ذلك على أساس أن من واجب الحكومة نفسها مراقبة مثل هذه الكتابات. على أية حال، إن الحكومة قد منحت الحرية العامة بأنه لو كتب مسيحي كتابًا يطعن في الإسلام، فللمسلمين أيضا الحرية في إعداد الرد عليه، وتأليف الكتب لدحض الديانة المسيحية.




مقتضى الغيرة على الإسلام:
أقسم بالله العظيم أنه حين يقع بصري على كتاب كهذا ، فلا تساوي الدنيا وما فيها ذبابةً في عيني. أسأل: هل مسلمٌ مَن لا يغار في مثل هذا الموقف؟ إذا سب أحد أبا أحد منهم، فإنه يستعدّ لقتاله، ولكن لو سُبّ رسول الله ، فلا تثور غيرتهم ولا يعبأون بذلك. أي إيمان هذا؟ وبأي وجه يرجعون إلى الله تعالى؟ لو أردتم رؤية نموذج المسلمين، فانظروا إلى جماعة الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين، الذين لم يعبأوا بأي خسارة في الأرواح والأموال، بل آثروا رضا الله ورسوله. إن الرضا برضا الله هو عملهم الذي جعل القرآن الكريم يمتدحهم، حتى حازوا وسام "رضي الله عنهم". فلا تظنوا أنفسكم من الكُمّل أبدًا ما لم تتحلوا بتلك الميزة وتلك الغيرة وذلك الحماس من أجل الإسلام. لتتذكر جماعتنا أننا لا نعُدّ الهند دار حرب من حيث الحكم أبدا، بل إن قلوبنا ممتلئة بمشاعر الوفاء والشكر الجياشة امتلاء قارورة العطر تجاه هذه الحكومة بسبب ما نحظى به من أمن وبركات منها، وبسبب ما منحتنا من حرية للقيام بواجبات ديننا ونشره. غير أننا نعدّ الهند دار حرب يقينًا بسبب ما يفعله القساوسة، فقد نشروا ما يقارب ٦٨ مليون كتاب ضد الإسلام. إن الذين يرون شن هذه الهجمات على الإسلام ويسمعون عنها ومع ذلك يظلون تائهين في همومهم وغمومهم الشخصية فإنهم ليسوا بمسلمين عندي. يجب أن يعمل المسلم الآن كل ما في وسعه لتأييد الإسلام، ويؤكد وفاءه له في هذه الحرب التي سلاحها القلم. ما دامت هذه الدولة العادلة لم تمنعنا من نشر الكتب تأييدًا لديننا وردا على مطاعن الأمم الأخرى، بل ساعدتنا في ذلك بإنشاء المطابع ومحطات البريد وغيرها من وسائل النشر والإشاعة، فالسكوت في هذا الوقت إثم كبير . غير أن هناك حاجة أن لا نقدّم إلا ما هو منطقي ومعقول ، ولا يستهدف جرح مشاعر الآخرين. إن الذي لا يحمل للإسلام قلبًا يغلي وعينًا تجري، فليعلم أن الله تعالى بريء بذمته منه. عليه أن يفكر: هل خطر بباله قط أنه كما يفكّر دوما في نجاحه ويتخذ شتى التدابير لتحقيق أهدافه الدنيوية، فعليه أن يسعى بنفس الحرقة واللوعة والألم لصدّ الهجمات التي تشن على شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم المباركة، وأن يدعو الله تعالى لذلك بقلب ملتاع إن كان لا يملك حيلة أخرى. لو كان في قلب المرء مثل هذه اللوعة والألم، فمن المحال ألا تظهر آثار هذه المحبة الصادقة. يحزن المرء إذا اشترى قدرًا فيه كسر، ويتأسف إذا فقد إبرةً أيضا، فأي إيمان وإسلام هذا الذي يرى صاحبه الإسلام هدفًا لهجمات خطيرة متتالية، ومع ذلك يغط في سبات عميق مريح؟ ألا ترون كيف أن هؤلاء القسيسين - بالإضافة إلى جرائدهم ودورياتهم الأسبوعية والشهرية - ينشرون كل يوم إعلانات بصفحة أو صفحتين و منشورات صغيرة تبلغ نسخها خمسين ألفا بل مئة ألف، وينفقون على طبعها ملايين الروبيات كالماء في كثير من الأحيان.



لماذا تعادي المسيحية الإسلام:
 اعلموا أن القسيسين لا يقيمون للهندوس قيمةً ولا وزنًا، كما لا يبالون مطلقا 
بالديانات الأخرى، فلم تسمعوا قط أنهم كتبوا ضد الهندوسية حتى نصف الكتب التي كتبوها في دحض الإسلام. إن هؤلاء القوم لا تعنيهم الديانات الأخرى أبدا، لأنها تخلو من روح الحق والصدق، وميتة كالمسيحية نفسها، أما الإسلام الذي هو الدين الحي والذي هو من عند الله الحي القيوم، فإنهم يسعون لجعله ملة ميتة سعيًا مستميتًا. كنتُ ذات مرة أحصيت اعتراضاتهم على الإسلام، فألفيتها ثلاثة آلاف اعتراض، أما الآن فسيكون عددها قد ازداد. اعلموا أن المفتري يوسوس . إنه يكون عاريًا من الصدق والعفاف والسداد، فيفعل ما يحلو له . إن الأفغان المقيمين في أمرتسر يوقنون بشأننا أن هؤلاء تاركو الصلاة وشاربو الخمر، وعندما يثير هؤلاء الأمرتسريون مثل هذه المطاعن ضدنا، يقول القومل في أنفسهم: إن الأمرتسريين أولاد رجل صالح، فأنى لهم أن يكذبوا، فتساورهم الوساوس بشأننا ويصدّقون ما يقال لهم. وبالمثل يحيك القسس المكايد ضد الإسلام. باختصار، يعدّ القسيسون الكتب ضد الإسلام وينشرونها من جهة، ومن جهة أخرى، فإن منهج التعليم الإنجليزي، وكذلك الكتب الإنجليزية، مسمومة بسم خفي، فالعالم والفيلسوف بأسلوبه والمؤرخ بأسلوبه يهاجم الإسلام بتقديم الأحداث بصورة مشوهة. قصارى القول: هناك هجمتان تُشنّانِ ضد الإسلام في عصرنا هذا، إحداهما من قبل القسيسين، والأخرى من قبل العلماء والفلاسفة، لذا، فمن واجب المرء أن يفحص إسلامه اليوم.


فلسفة القسم بالمخلوقات في القرآن:
 أعود ثانية إلى ما كنت بصدده وأقول : إن الاعتراض المثار على الأقسام الواردة في القرآن الكريم هو من هذا القبيل. قد انكشف علينا سر عظيم بعد كثير من التدبر والتفكر، ألا وهو أنه حيثما طعن الجهال في القرآن الكريم كان ثمة كنز عظيم من أسمى الحقائق والمعارف، وقد فشلوا في الاطلاع عليه، لأنهم يعادون الحق ولا يقرأون القرآن إلا بغية الطعن والاعتراض.
اعلموا أن القرآن ينقسم إلى قسمين بل ثلاثة ، والأول منها ما يمكن أن يفهمه أدنى الناس، أعني الأُميّون، والثاني ما ينكشف على المتوسطين درجةً ممن لا يكونون أميين تماما ولكنهم يفتقرون إلى كفاءة علمية عالية، والثالث ما يكون لذوي العلوم العالية الذين يُسَمَّوْن فلاسفة وعلماء. إنه لمن ميزة القرآن الكريم وحده أنه يعلم هذه الفئات الثلاث على السواء، حيث يكون هناك شيء واحد، فيتعلمه الأمّي، وصاحب الكفاءة العلمية المتوسطة، وكذلك الفيلسوف والعالم ذو الكفاءة العلمية العليا. إنه لمفخرةُ القرآن الكريم وحده أن كل شريحة من الناس تستفيض من فيوضه بحسب كفاءتها ومؤهلاتها.
 موجز القول : إنما ردنا على من يعترض على الأقسام القرآنية أن القَسَم يُعَدُّ شاهدًا بديلاً عند فقدان الشهود ، ومن المسلّم به قانونا وشرعا وعرفًا أنه إذا فقد الشاهد، فيُكتفى بالقسم فقط، وينوب القسم مناب الشهادة.
الحكم، مجلد ٥ عدد ٢٠ يوم ٣١-٥-١٩٠١ ص ١-٤.

واعلموا أن الله تعالى قد اتبع في القرآن الكريم أسلوبا خاصا، إذ قدّم الأمور البديهية شاهدًا لإثبات الأمور النظرية، وذلك على شاكلة القسم. لكن يجب ألا يغيبن عن البال أن قياس أقسام الله على أقسام الناس قياس مع الفارق. لقد نهى الله الناس عن القسم بمن سواه، وليس سببه إلا أن هدف الإنسان من الحلف أن يُعَدِّ ما يحلف به بمنزلة شاهد عيان يستطيع، بناءً على علمه الشخصي، أن يصدق أو يكذب بيانه؛ أي بيان الحالف . ذلك أن إمعان النظر يبين لنا أن مفهوم القسم الحقيقي هو الإدلاء بالشهادة حصرًا كما بينا آنفا. فعندما يعجز الإنسان عن تقديم شهود عاديين، فإنه يلجأ إلى القسم لينتفع منه كما ينتفع من شهادة شاهد عيان. ولكن الاعتقاد أن أحدا سوى الله تعالى أيضا حاضر وموجود في كل مكان دائما أو قادر على التصديق أو التكذيب أو على العقاب أو على أمر آخر لشرك صريح وكفر ، ولذلك قد أوصى الله الناس في كتبه كلها ألا يقسموا بغير الله تعالى. لقد تبين من هذا البيان أن قسم الله تعالى يحمل في طياته شأنا ومفهوما خاصا، وإنما غايته أن يقدّم بديهيات السنن الكونية كشاهد لحل أسرار الشريعة الدقيقة وتبيانها. ولما كانت هذه الغاية ذاتَ علاقة بالقسم، وهي أن الحالف بالله إنما يقصد بحلفه أن الله شاهد على فعله هذا، كذلك تماما وبالأسلوب نفسه، تشهد بعض أفعال الله الواضحة على أسراره الغامضة وأفعاله الخفية، لذلك قدّم الله تعالى في أماكن عديدة في القرآن الكريم أفعاله البديهية ليدلل بها على أفعاله النظرية.

 فمن منتهى الجهل والغباوة أن يقال : كيف الله تعالى أن يُقسِمَ بغير الله؟ إنما يُقسم الله بأفعاله لا بغيره، وأفعاله ليست غيره. فمثلا: إذا أقسم الله بالسماء أو النجم، فلا يقصد بذلك أن يقسم بما سواه، بل المراد أنه يقدّم شهادة ما في السماء والنجوم من صنائع يده وحكمها لتقريب بعض أفعاله الخفية إلى الأفهام.


أسرار المعرفة في الأقسام الإلهية :
فأقسام الله تعالى تحمل في طياتها أسرار المعرفة اللامتناهية التي لا يراها إلا أهل البصيرة فقط. إذًا، يقدّم الله تعالى في قالب القسم شهادة نواميسه الطبيعية البديهية من أجل تبيان بعض الأمور الدقيقة الشرعية ، ليكون كتاب الله الفعلي (أي النواميس الطبيعية) شاهدًا على كتابه القولي (أي القرآن الكريم، ولينسجم قوله بفعله، فيكون هذا مدعاةً لمزيد من المعرفة والسكينة واليقين للباحث عن الحق. وهذا الأسلوب شائع في القرآن الكريم. فمثلاً قد أقام الله تعالى الحجة على فرقة البرهموسماج الهندوسية وغيرها من منكري الإلهام والوحي بقوله تعالى: وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ (الطارق: (۱۲)، أي: أُقسِمُ بالسحب التي ينزل منها المطر . علما أن من معاني "الرجع" المطر أيضا. والمطر نظام مستقل في حد ذاته، كالنظام الشمسي ونظام الليل والنهار ونظام الكسوف والخسوف. كذلك للأمراض أيضا نظام يمكن للطبيب بناء عليه أن يخبر أن المرض سيشتد بالمريض في يوم كذا وكذا. فهذه كلها أنظمة مختلفة، لأن نواميس الله الطبيعية تحمل في طياتها ترتيبًا ونظاما متكاملا، وليس هناك فعل من أفعاله تعالى إلا وهو خاضع لنظام وترتيب. وإن الله تعالى كما يريد أن يخشاه الناس، كذلك يريد أن يتولد فيهم نور العلوم ليجتازوا به منازل المعرفة، لأن الاطلاع على العلوم الحقة يخلق في الإنسان خشيةً صادقة من ناحية، ومن ناحية أخرى، تؤدي به هذه العلوم إلى عبادة الله. هناك من الأشقياء الذين بسبب شدة انهماكهم في هذه العلوم المادية، يُعرضون عن قضاء الله وقدره، وتنتابهم الشكوك في وجود الله تعالى أيضا، وهناك آخرون يؤمنون بالقضاء والقدر بحيث ينبذون هذه العلوم وراء ظهورهم كلية، ولكن القرآن الكريم قد وجه إلى الأمرين على أكمل وجه. يريد القرآن الكريم إطلاع الناس على العلوم الحقة ويوجههم إليها لأنها تولد خشية الله، وكلما تقدم المرء في معرفة الله تولدت فيه عظمة الله ومحبته. كما يعلم القرآن الإنسانَ الخضوع لقضاء الله وقدره أيضا ليتحلى بصفة التوكل على الله والثقة به، وليتعلم الرضا برضا الله فينال السكينة والاطمئنان حقا، وهو الهدف الحقيقي من عقيدة النجاة.
لقد ضربت آنفًا مثل القسم القرآني: وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ (الطارق: ۱۲)، أي: أقسم بالسماء التي فيها "الرجعُ". ومن معاني "السماء" الفضاء والجو والمطر والعلوّ، والرجعُ يُطلق أيضا على شيء يرجع مرارا في وقت مناسب. والمطر ينزل في موسم الأمطار مرارا، ولذلك سمي "الرجع " ، كذلك فإن المطر السماوي الروحاني أيضا ينزل في وقته.
أما قوله تعالى: وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ (الطارق: ١٣)، أي: أقسم بالأرض التي تتصدع في تلك الأوقات وتُخرج الخضرة. والحق أن المنبع الأصلي للمطر هو الأرض، حيث إن ماء الأرض المتصاعد إلى جو السماء على شكل البخار يصل إلى الطبقة الباردة الزمهريرية، فيعود إلينا مرة أخرى على صورة المطر. ولأنه ينزل من السماء مطرًا فيسمى ماء السماء. ثم إن للمطر موعدًا محددا، أي حين يحتاج إليه المزارعون، لكي يلقوا البذر في الأرض، أما لو نزل المطر بعد بذر البذور فورا، تلفت البذور ولم يبق منها شيء. ثم تمس الحاجة إلى هذا الماء ثانية من أجل نمو الزرع. باختصار، إن ظاهرة المطر وكيفية هطوله من السماء ومنافعه أمر بديهي تماما يعرفه الزارع العادي البسيط العقل أيضا.

 والجدير بالانتباه كذلك أن عدم نزول المطر من السماء يؤدي إلى شح المياه الجوفية أيضا، فتجفّ كثير من الآبار تماما في أيام شح المطر ولا يبقى في معظمها إلا ماء قليل جدا. ولكن عندما ينزل المطر من السماء تهيج وتتدفق المياه الجوفية أيضا. أقصد من ذكر هذا المثال هنا، أن أبين أن الله تعالى قد قدم هذه الأقسام كشاهد على تأكيد أمر آخر، أما هذه الظواهر الطبيعية، فإن المزارعين البسطاء أيضا يعرفونها. والأمر الذي قد برهن الله عليه بهذه الأقسام هو : إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ * وَمَا هُوَ بِالهُزْلِ) الطارق : ١٤-١٥) ، أي أن القرآن كلام الله حتما، وهو قول فصل، وجاء بالحق والحكمة في الوقت المناسب تماما وعند الضرورة الحقة ولم ينزل عبئًا.
فكروا الآن، ألم يكن النظام الروحاني يقتضي في الزمن الذي نزل فيه القرآن أن ينزل كلام الله تعالى وأن يأتي رجل سماوي ليعيد هذا المتاع المفقود؟ اقرأوا تاريخ زمن بعثة رسول الله وستعلمون كيف كانت حالة الدنيا آنذاك. كانت عبادة الله قد تلاشت من العالم وكانت آثار التوحيد قد اندرست، وحلّت عبادة الباطل والآلهة الباطلة محل عبادة الله جل شأنه. كانت غشاوة الجهل والظلام الخطيرة محيطة بالعالم كله، ولم يكن على وجه الأرض بلد أو مصر أو بقعة يُعبَد فيها الله الواحد الحي القيوم. كانت الأمة النصرانية العابدة للأموات واقعةً في دوّامة التثليث، وكان سكان الهند الذين يدعون بغير حق وجود تعاليم التوحيد في الفيدا يعبدون ثلاثمئة وثلاثين مليون إله زائف، والحالة التي رسمها الله تعالى في القرآن الكريم بقوله : ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) (الروم : (٤٢، كانت سائدة عندها حقا وصدقًا، بحيث لا يقدر لسان إنسان أو قلمه التعبير عن تلك الأوضاع بأفضل من ذلك. وكما أن من نواميس الله الطبيعية العامة أن فضله تعالى ينزل عند شح الأمطار في نهاية المطاف ويهطل الغيثُ المغيث وينشر الخضرة، كذلك تماما كان ضروريا في تلك الأوضاع أن ينزل كلام الله تعالى من السماء، فكأنما قدم الله تعالى نظام المطر المادي للتنبيه إلى نظام المطر الروحاني. فمن ذا الذي يسعه أن ينكر أن المطر ينزل بحسب حاجاتنا ومقاصدنا. فالهدف من تقديم هذه الظاهرة هو لبيان أن الله تعالى كما جعل نظام المطر المادي، كذلك قد حدد المواعيد للأمطار الروحانية أيضا. فكروا الآن، ألم يكن عصركم هذا يقتضي المطر الروحاني ؟ كم كانت النزاعات شائعة بينكم؟ كانت أعمال الناس سيئة، وكان إيمانهم أيضا سيئا، وكانت الدنيا موشكة على السقوط في هوة الهلاك، فكيف يستساغ ألا يُنزِل الله تعالى غيث رحمته في هذا الوقت؟ إن الذي وضع نظاما خاصا لحماية الجسم الفاني، كيف يمكن أن يهمل النظام الروحاني؟ لذلك قدّم الله تعالى بهذا القسم نظام المطر شاهدا على أمر ضرورة النبوة، لأنه أمر روحاني ونظري، وما كان لكفار العرب أن يستوعبوا هذا النظام، ففهمهم إياه بتقديم النظام الأول أمامهم. وهذا هو السرّ الذي لم يفهمه الجاهلون، فاعترضوا على الأقسام القرآنية جهلاً وعداء للحق، غاضين الطرف عما قصده الله تعالى منها.

تفسيرُ: مَنْ ذَا الَّذِي يُقرضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا :
كذلك يعترض بعض الجاهلين على قول الله تعالى مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا (البقرة: ٢٤٦) قائلا: إن هذا يدلّ على أن الله محتاج، والعياذ بالله. لا ندري كيف استنتج هذا الغبي من هنا أن الله تعالى محتاج. إن المفهوم الحقيقي للقرض هو إعطاء شيء للآخر مع وعد من المتلقي بإعادته إلى صاحبه، ولكن هذا الغبي يختلق من عنده معنى الإفلاس والفقر أيضا. والحق أن المراد من القرض هنا: من ذا الذي يقدم لله تعالى أعمالا صالحة ليعطيه الله جزاءها أضعافا مضاعفة. وهذا هو المعنى اللائق بعظمة الله، وهذا ما ينكشف جليا بالتأمل في العلاقة بين العبودية والربوبية. ذلك أن الله تعالى يقوم بتربية الجميع بدون أي تمييز بين مؤمن وكافر، وبدون أي مقابل من برّ أو دعاء أو تضرُّع، وينفع الجميع بفيض ربوبيته ورحمانيته، وأنى له أن يضيع حسنات أحد، وهو الذي يعلن: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ (الزلزلة : (۸-۹ . هذا هو المفهوم الحقيقي للقرض الذي يتبين من هذه الآية. ولما كان هذا هو المفهوم الحقيقي للقرض موجودًا فقال: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضًا حَسَنًا ﴾ (البقرة: ٢٤٦)، وجاء تفسيره في قوله تعالى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ﴾ (الزلزلة: ۸).




سبب ضلال المسيحيين:
لقد أله النصارى الجاهلون إنسانا ضعيفا عاجزا ووضعوا على رأسه حزمة آثامهم ومعاصيهم واعتبروه ملعونا، فلا يوجد عندهم إلا اللعنة ، ومع ذلك يطعنون في الآخرين، فبما أنهم رفضوا شريعة الله المقدسة بإيمانهم بالفداء، فلم تتيسر لهم المتعة واللذة التي توجد في الأعمال الصالحة، وضربت عليهم اللعنة جراء اعتبارهم جميع عباد الله الأخيار سراقًا ولصوصا ، فلا يغيبن عن البال أبدا أن إنكار عباد الله الأخيار وتكذيبهم أمرٌ يهلك الإنسان، ويؤثر على قواه وكفاءاته الروحانية تأثير السم. إن الذي يسيء الظن بالصادق ويسيء أدبه يظل محروما من الحقائق والمعارف. لقد وقعت هذه اللعنة على المسيحيين لأنهم اعتبروا جميع الأخيار خاطئين.

باختصار، لقد بينت هذه الآية أمرًا لطيفا، بأن هناك نظاما للمطر المادي، ويعلم الناس اقتراب أيام الأمطار، فمثلا : ينزل المطر عندنا في شهري فبراير ومارس، ثم في شهري يوليو وأغسطس. ثم من السر العجيب أن المطر لا ينزل بدون داع، بل ينزل في المواعيد التي يكون نافعًا فيها. وبالمثل، هناك نظام للأمطار الروحانية، وحيث إنه بحث نظري، فقدّم الله عليه أمورًا واضحة بينة کشاهد، مستخدمًا لفظ القسم مكان الشهادة، كما استخدم لفظ القرض في آية أخرى كما فصلتُ آنفا.


سلسلة المحدثين والمجددين:
وهناك أمر آخر جدير بالانتباه، وهو أن هناك مطرًا ينزل لبذر البذور، وهناك مطرا آخر ينزل لتنمية البذور واخضرارها. وبالمثل إن مطر النبوة ينزل من أجل بذر البذرة، أما مطر المحدثين والمجدّدين المذكور في قول الله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ لَهُ لَحَافِظُونَ (الحجر: (۱۰) فينزل لتنمية البذرة وإثمارها. وقد بينت مرارا أن النبوة بمنزلة الوتد للألوهية، ومن أنكر النبوة أنكر الألوهية أيضا في نهاية المطاف، وإن الولاية بمنزلة الوتد للنبوة، وإنكار الولي يؤدي إلى سلب الإيمان في النهاية. انظروا، فقد انقضى الآن أكثر من ثلاثة عشر قرنا على زمن رسول الله ، ولو أن الله تعالى ظل صامتا حتى اليوم ولم يُرِ تجلّيه، لعاد الإسلام مجرد قصة وحكاية، ولم يكن له فضل ولا خصوصية على الأديان الأخرى، ولم يقدر المسلمون على تقديم شيء للناس من آيات الإسلام الإعجازية إلا ما هو مسجل في كتبهم مثل الهندوس الذين لا يستطيعون تقديم شيء للناس أكثر من الخوارق المنسوبة إلى صلحائهم والمسجلة في كتبهم، ولو حصل ذلك، فأي فضل كان سيبقى للإسلام على الديانات الأخرى؟ وإن الفطرة الإنسانية حين لا تجد فضلاً في أحد ترغب عنه وتعافه. ولو حصل ذلك لأدى لضعف إيمان الناس بالإسلام، لأن الإيمان بشيء لا يبقى قويا بدون رؤية فضله. ومن أجل ذلك قد جعل الله تعالى سياج الولاية حول زرع النبوة. فكم هو واضح ولطيف هذا الرد على الذين يعترضون على الأقسام القرآنية، والحق أنه لا يملك المرء برؤية هذا الأمر إلا أن يصدق بكل انشراح بأن القرآن الكريم يبين المواضيع السامية جدا بمنتهى الروعة والبراعة.


الحكمة في فترة الوحي:
 وفي موضع آخر قد أقسم الله تعالى بالليل ، ويقال إنه تعالى قد أقسم به حين توقف الوحي عن النبي لفترة.
واعلموا أن هذه مرحلة تأتي على الذين يتمتعون بفيوض الوحي. إن نزول الوحي يزيد المرء شوقًا وحبا ، ولكن في الفراق والهجران أيضا جذب يوصل الإنسان إلى مراتب عالية من الحب، وقد جعله الله أيضا وسيلةً لقربه، إذ يزيد الفراقُ الإنسان قلقا وكربا ويلهب في روحه اضطرابا والتياعا، فينفخ فيه روح الدعاء، فتفرّ روحه إلى عتبة الله بمنتهى الحماس والشوق والحب قائلة: يا رب يا رب. وكما أن الرضيع إذا ما فُصل عن ثدي أمه قليلا لم يتمالك نفسه وفرّ إليها صارخا، كذلك تفرّ روح العبد إلى الله تعالى وهي مضطربة اضطراب الطفل بل أشد بكثير، ويوجد في هذا الفرار والسعي والكرب واللهفة من المتعة والسرور ما يستحيل وصفه. اعلموا أنه كلما اشتدت روح العبد قلقًا واضطرابًا الله تعالى، وُفّق للدعاء ونفخت في أدعيته روح القبول.
باختصار، إن هذه المرحلة تأتي على المأمورين والمرسلين وعلى المحظوظين بالمكالمات الإلهية، ليُذيقهم الله تعالى من حلاوة الحب ولذة استجابة الدعاء، ويوصلهم إلى الدرجات العلى.
وقد أقسم الله هنا بالضحى والليل تبيانا لمدارج النبي العليا ومراتب حبه السامية، ثم برّأ الله تعالى نبيه وقال : انظروا إلى خلق الليل والنهار وما جعلنا بينهما من فاصل زمني وضَع في الحسبان وقت الضحى ووقت الظلام أيضا. ثم قال الله تعالى: مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (الضحى: ، أي لم يتركك الله ولم يغضب عليك، ولكن هذا قانوننا. فكما أن الله جعل الليل والنهار يتعاقبان كذلك جعل قانونا مماثلا بشأن أنبيائه عليهم السلام، حيث يُقطَع عنهم الوحي أحيانا ليزدادوا حماسًا للدعاء والابتهال. وقد قدَّمَ الله تعالى الضحى والليل على ذلك كشاهدين ليزداد النبي صلى الله عليه وسلم أملاً وينال السكينة والطمأنينة.
باختصار، إنما استهدف الله تعالى من هذه الأقسام تفهيم النظريات بواسطة البديهيات. وكم كان هذا الأمر حكيما، ولكن انظروا كيف أن هؤلاء الأشقياء اعترضوا عليه أيضا.
چشم بد اندیش که بر کنده باد عیب نماید هنرش در نظر
أي: عين الشرير قد فُقِئتْ إلى الأبد، حيث ترى فضل الآخر عيبًا. والحق أن هذه الأقسام القرآنية مليئة بفلسفة عظيمة تفتح أبواب الحكمة.




جهاد هذا العصر:
قصارى القول، إن الخوض في هذه الحرب ،واجبنا وهذه هي حاجة العصر، فبها تُفتح أبواب العلم، وبالحجج والبينات يهلك المعارضون، وإنه لمن فضل الله علينا أن أهل البنجاب يطلعون باستمرار على معارف وحقائق لا أثر لها في بلاد الشام وغيرها من بلاد الإسلام . ذلك أن هذه المصيبة قد ألمت بنا، حيث يهاجم الإسلام من كل حدب وصوب، فنضطر لإعمال قوتنا الفكرية، ونستغيث بالله تعالى في أدعيتنا لرفع هذه المصائب والكروب، فيُغيثنا الله تعالى بمحض فضله ورحمته، ويكشف علينا حقائق ومعارف كتابه المقدس. يقول الحكماء: إن القوة التي لا تُستخدم لأربعين يوما تتعطل في النهاية. كان لنا خال أصابه الجنون، فقاموا بحجامته، ونهوه بشدة عن أن يحرك يده، فلم يحركها بضعة أشهر فيبست وهذا يؤكد أن العضو الذي لا يستخدم يصبح عاطلا بالفعل. إنّ هؤلاء النساك الهندوس والرهبان وغيرهم الذين لا يصلحون لجماع النساء، إنما سببه أمران: إما ارتكاب الفحشاء بكثرة، أو الانقطاع الكلي عن النساء. وهناك آلاف الأمثلة على الحالات التي تعطلت فيها الأعضاء هكذا ولم تصلح لشيء في نهاية المطاف.

في هذا الوقت، تُوجّه إلينا ضربات سيف القلم ، وتُمطَر علينا سهام الطعن، ومن واجبنا أن لا نعطل قوانا وكفاءاتنا، بل نزلق سهام أقلامنا لإثبات صدق دين الله المقدس ونبوة نبيه المصطفى ، خاصة وقد أتاح الله لنا الفرصة لذلك، حيث خلقنا في ظل هذه الحكومة الإنجليزية.



شكر المحسن جبلتنا:
إن الجاهلين بمبدأ شكر المحسن يعتبرون أقوالنا وكتاباتنا كهذه مداهنة وتملقًا، ولكن الله تعالى أعلم بأننا لسنا لنداهن أي واحد من أهل الدنيا. هذه الخصلة لا توجد فينا بتاتا. غير أن شكر المحسن من جبلتنا، ولم يجعل الله فينا بفضله الغدرَ بالمحسن ونكرانَ جميله. إننا نقدّر منن الحكومة الإنجليزية، ونرى أنه من فضل الله علينا أنه أرسل هذه الحكومة العادلة لحكمنا من آلاف الأميال، لينجينا من حكم السيخ الظالم. فلولا هذه السلطنة فأقول والحقَّ أقول إنه ما كان بوسعنا أن نتصور الرد على مثل هذه المطاعن مطلقًا، ناهيك أن نردّ عليها فعلاً. ولكنا نرد على هذه الاعتراضات بحرية تامة. وإن لم نشكر الله على فضله هذا، لنكونن أكبر الجاهلين بعظيم منته والجاحدين لنعمته. لقد أتيحت لنا فرصة التفكير والتدبر والدعاء، وهكذا فتح الله علينا أبواب فضله لا شك أن الله تعالى هو مبدأ الفيض كله، ولكن الإنسان يستعدّ بجهده لتلقي الفيض الإلهي، ثم بقدر استعداده وظروفه ينهل من هذا الفيض الرباني. وإنه لمن دواعي السرور أن هذه الفرصة قد أدت إلى انكشاف مؤهلات وكفاءات أهل الهند والبنجاب وتطوير قواهم العملية أيضا.



سلاح هذا العصر هو القلم:
باختصار، إن هذا البلد دار حرب لمواجهة القساوسة، فيجب علينا ألا نجلس عاطلين، ولكن تذكروا أن حربنا لا بد أن تكون كحربهم، وألا نخرج إلى الساحة لمواجهتهم إلا متسلحين بمثل أسلحتهم، وذلك السلاح هو القلم، ولذلك قد خلع الله عليّ أنا العبد الضعيف لقب "سلطان القلم"، وقد سمى قلمي بـ "ذو الفقار علي". والسرُّ في ذلك هو أن هذا الزمن ليس زمن الحرب والقتال، وإنما هو زمن القلم.


لا بد من التقوى من أجل الفتح:
وما دام الأمر هكذا، فاعلموا أن التقوى ضرورية للمرء لكي تنفتح عليه أبواب الحقائق والمعارف ، فاتقوا الله ، لأن الله تعالى يقول: ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) (النحل (۱۲۹) . ولا أستطيع أن أحصي لكم كم مرة تلقيت هذه الآية في الوحي، إذ أوحيت إلي مرات كثيرة جدا.
لو أننا اكتفينا بالأقوال دون الأفعال، فاعلموا أن لا جدوى من ذلك. إن النصر يتطلب التقوى، فكونوا متقين إن أردتم النصر.






ضرورة التضحيات المالية لنشر الإسلام:


أرى أن نساء الهندوس والنصارى أيضا يوصين بعقارات كبيرة وأموال طائلة لنشر دعوتهم، ولكن لا نجد نظير ذلك في المسلمين في هذه الأيام.
إن أكبر مشكلتنا هي الحاجة إلى النصرة المالية لنشر الإسلام.

 اعلموا أن الله تعالى هو الذي أراد تأسيس هذه الجماعة بيده وسوف يكون حاميها وناصرها، ولكنه يريد أن يؤتي عباده الأجر والثواب ومن أجل ذلك قد اضطر الأنبياء لطلب المساعدة المالية.

 لقد طلب رسول الله النصرة المالية وعلى نفس المنهاج الذي هو منهاج النبوة نذكر أحبابنا بحاجات الجماعة من حين لآخر. ومع ذلك أقول إننا مهما جمعنا من الأموال لنشر الإسلام إلا أنه ليس بوسعنا كما هو بديهي- جمعها بقدر أموال القساوسة. وحتى لو جمعناها بمقدار أموالهم، إلا أنني أؤمن أن النصر يحالف من كان الله راضيا عنه.



ضرورة الارتقاء خلقا وعملا:
فلزام علينا أن نطور أخلاقنا وأعمالنا، ونتحلى بالتقوى، لكي نفوز بفيوض نصرة الله ومحبته. وبعد الفوز بنصرة الله، يجب على كل واحد منا أن يبذل كل ما في وسعه في الرد على هذه الهجمات، ولا يفرّط في ذلك أبدا. غير أن الواجب أن تكون نيتنا في الرد أن يظهر بذلك جلال الله تعالى.
الحكم، مجلده، عدد ٢٢، يوم ١١/٦/١٧ ص ١-٢ .

يناير ۱۸۹۸:
الحث على المجيء إلى المركز:
قال المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام يضع الناس أيديهم في يدي ويعاهدونني على إيثار الدين على الدنيا، ولكنهم ينسون هذا العهد بعد الذهاب من هنا، فماذا عسى أن ينتفعوا إن لم يأتوا هنا؟ لقد أسرتهم الدنيا في قيدها، إذ لو كانوا يؤثرون الدين على الدنيا حقًا لتفرغوا من مشاغلها وأتوا هنا.
بدر، مجلد ۱۱ عدد ٤ - ٥ يوم ١١/١٦/ ١٩١١ ص ٣.

الأول من فبراير ١٨٩٨:
قبل ثلاثة أيام نزل الإلهام : "يوم تأتيك الغاشية. يومَ تنجو كل نفس بما كسبت". أي أن وقتًا مخيفا يغمي الناس ويحيط بهم من كل حدب وصوب لقادم، وعندها سينجو كل إنسان نتيجة أعماله، وسنجزي الجميع بحسب أعمالهم.

بعد تلقي هذه الإلهامات أوصى المسيح الموعود جماعته بشدّة بأن يعدوا عُدتهم، ويخشعوا في صلواتهم، ويواظبوا على صلاة التهجد، ويدعوا فيها باكين، لأن الله لا يضيع المتضرعين المتقين.

يوصينا إمامنا الهمام مرة بعد أخرى بأن تكون جماعته من المتقين، وأن يعتادوا الخشوع والابتهال في الصلوات. ذات يوم قال حضرته بحرقة شديدة: عليكم الصلاح والتقوى مخافة أن تكونوا عائقًا في سبيلي.
مقتبس من رسالة المولوي عبد الكريم السيالكوتية الله المؤرخة في ١٨٩٨/٢/٤، والمنشورة في "الحكم" مجلد ۲، عدد ٢ يوم 6-3-1898 ص 10.



نصائح للذاهبين إلى البلاد الأجنبية:
توجّه إلى حضرة المسيح الموعود السيد بابو محمد أفضل بمناسبة ذهابه من الهند إلى أفريقيا ثانية فقال: "كنتُ جئتُ من الأماكن التي تكثر فيها الغفلة نتيجة سيل من الشكوك والشبهات وظلمات النفس، وها إني عائد إليها الآن ثانية، فأرجو الدعاء لي". فوصف له حضرته الأمور الأربعة التالية كعلاج لهذه المشاكل: 
١ - المواظبة على تلاوة القرآن الكريم،
 ۲- تذكُرُ الموت، 
٣- تسجيل أحوال السفر، 
4 - إرسال رسالة إليه الليل يوميا بشرط الاستطاعة.
 الحكم، مجلد ۲، عدد ٧-٨ يوم 13 - 20 - 4 - 1894 ص 12.



دعاء للمسيح الموعود:
فيما يلي كلمات دعاء خرجت من الشفاه المباركة للمسيح الموعود عليه الصلاة والسلام:
يا ربَّ العالمين، لا أستطيع الشكر على مننك، فأنت رحيم وكريم جدا، ولك عليّ منن لا تعد ولا تُحصى، فاغفر لي ذنوبي لئلا أَهلَكَ، وأَلْقِ في قلبي حُبَّك الخالص لأنال الحياة، واستُرْني وأوزعني أن أعمل صالحا ترضاه . أعوذ بوجهك الكريم من أن يحل علي غضبك. ارحمني ونجني من بلايا الدنيا والآخرة، لأن الفضل والخير كله بيدك. آمين ثم آمين.

الحكم، مجلد ۲ عدد ١ يوم ۱۸۹۸/۲/۲۰ ص ۹.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الزمان يدعو مصلحا سماويا:

الزمان يدعو مصلحا سماويا: الزمان يدعو مصلحا سماويا: الزمان يدعو مصلحا سماويا: وفيما يتعلق بكون القرآن غير مبدل وغير محرف فنؤمن نحن الأحمديين بذلك إيمانا أقوى من غيرنا. أما قولهم بأنه لا حاجة إلى مصلح إطلاقا بسبب كون القرآن غير مبدّل فهذا ما يرفضه القرآن بنفسه رفضا باتا. يقول الله : وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ  مَهْجُورًا . (الفرقان: ۳۱)  كم هي  أليمة الشكوى التي يرفعها النبي الى الله تعالى عن  الذين  يأتون في أمته لاحقا إذ يقول: يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا.   كم هي موجعة هذه الشكوى التي يشكوها النبي من قومه!  والمعلوم قطعا من هذه الآية أن النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه الذي هو سيد البشر وأفضل الأنبياء يشكوا إلى الله ولا فيما يتعلق بهذا الكتاب الكامل. ما المراد من هذه الآية، وكيف سيهجر الناسُ القرآن الكريم؟  يوضح  النبي  هذا الأمر أيضا بنفسه فيقول: يأتي على الناس زمان لا يبقى من الإسلام إلا اسمه، ولا من القرآن إلا رسمه . "  (مشكاة المصابيح كتاب العلم الفصل الثالث، ورواه البيهقي في شعب الإيمان، وكنز العمال ج ۱۱ باب تتمة الفتن من
لا بد من التقوى من أجل الفتح: وما دام الأمر هكذا، فاعلموا أن التقوى ضرورية للمرء لكي تنفتح عليه أبواب الحقائق والمعارف فاتقوا الله ، لأن الله تعالى يقول: ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) (النحل (۱۲۹) . ولا أستطيع أن أحصي لكم كم مرة تلقيت هذه الآية في الوحي، إذ أوحيت إلي مرات كثيرة جدا. لو أننا اكتفينا بالأقوال دون الأفعال، فاعلموا أن لا جدوى من ذلك. إن النصر  يتطلب التقوى، فكونوا متقين إن أردتم النصر. ضرورة التضحيات المالية لنشر الإسلام أرى أن نساء الهندوس والنصارى أيضا يوصين بعقارات كبيرة وأموال طائلة لنشر  دعوتهم، ولكن لا نجد نظير ذلك في المسلمين في هذه الأيام. إن أكبر مشكلتنا  هي  الحاجة إلى النصرة المالية لنشر الإسلام. اعلموا أن الله  تعالى هو الذي أراد تأسيس هذه الجماعة بيده وسوف يكون حاميها وناصرها، ولكنه يريد أن يؤتي عباده الأجر والثواب، ومن أجل ذلك قد اضطر الأنبياء لطلب المساعدة المالية. لقد طلب رسول الله النصرة المالية ، وعلى نفس المنهاج ، الذي هو منهاج النبوة، نذكر أحبابنا بحاجات الجماعة من حين لآخر. ومع ذلك أقول: إننا مهما جمعنا من الأموا
تهمة تحالف الأحمدية مع الصهيونية والماسونية: بالإضافة إلى التهمة الكبرى أن الأحمدية والبهائية حليفتان وشريكتان في عدائهما للإسلام.. هناك تهمة حديثة جدا لا بد أن نتطرق إليها ،ونحن نتحدث عن الفتنة القائمة. هذا الاتهام الجديد لم يلوح به أعداء الأحمدية في شعاراتهم السابقة حين أقاموا الدنيا وأقعدوها بأن الأحمدية غراس الإنجليز. ولكن الأيام مرت ومن ورائها السنون أيضًا، وارتحل الاستعمار البريطاني عن البلدان الإسلامية واضمحلت معه هذه التهمة، وظلت الأحمدية بعد ارتحاله أيضا ثابتة  راسخة ماضية في جهادها المقدس ومن نصر إلى نصر، و لم يزل نفوذها يتسع ويقوى يوما بعد يوم. فأذهل ذلك أعداء الأحمدية ، حتى فقدوا كل الضوابط العقلية والفكرية، فراحوا يضربون الأحمدية بكل سهم متاح وبكل حجر ممكن، ويتهمونها بكل التهم، دون أن يكلّفوا أنفسهم أدنى حد من عناء التحقيق والتأكد من صحة هذه التهم، كما يأمر الله سبحانه وتعالى قائلاً: يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين. سورة الحجرات:   يحاولون أن يزجوا بالأحمدية في مجالات غريبة عليها، بعيدة كل البعد عن أهدافها وغ