التخطي إلى المحتوى الرئيسي

موقف الأحمدية من الجهاد.

  

موقف الأحمدية من الجهاد.


أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد. فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسم اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّين* إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدَنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْر الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) (آمين).

 أذنَ لَلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَولَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ الله كثيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (سورة الحج: ٤٠ - ٤١). 


إن من أهم التهم الموجهة إلى سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود عليه السلام في كتيب نشرته حكومة باكستان أنه - والعياذ بالله - غراس الإنجليز. وكأن الأحمدية جماعة أقامها الإنجليز. ولقد سبق لي أن شرحتُ لأبناء الجماعة إحدى نواحي هذه التهمة في الخطبة الماضية وألقيت عليها الضوء من مختلف الزوايا. أما الآن فسأتحدث عن بعض الجوانب الأخرى للتهمة نفسها.

إنهم ربطوا بين هذه التهمة وتهمة أخرى، "نسخ الجهاد". وقالوا عن المسيح الموعود عليه السلام بأنه نسخ الجهاد. وحجتهم في ذلك هي: بما أن الإنجليز هم الذين أقاموه لتحقيق أهدافهم، فكان من أهم تلك الأهداف هدف نسخ الجهاد، وبما أن حضرته عليه السلام أقر بنفسه أكثر من مرة في كتبه بأنه قد نسخ الجهاد - حسب ما ورد في نشرتهم – فثبت بكل وضوح أنه كان قد قام عميلا للإنجليز لتحقيق أهدافهم.








إتهام بطل الإسلام بنسخ الجهاد:

لو درسنا حجتهم هذه بعمق لوجدنا أن لها جوانب عدة يجب الاهتمام بها عند الرد عليها.

 فأولا : إذا كان حضرته عليه السلام قد نسخ الجهاد حسب زعمهم لتحقيق مصالح الإنجليز، فما هي تلك المصالح يا ترى؟ وكيف تحققت بواسطته؟ 

وثانيا: في أية ظروف أعلن حضرته عن نسخ الجهـاد، كما يزعمون؟ وما هي الأخطار الحقيقية التي كانت محدقة بالإنجليز مـــــن قبل المسلمين؟ ثم ما هي الخلفية السياسية لهذا الإعلان؟ وبهذا الصدد ثمة أمور كثيرة أخرى أيضا في ذهني سألقي عليها الضوء في خطبتي بإذن الله.

 فالأمر الأول الذي يجدر بالانتباه إليه في هذا الشأن هو أنه لو كان الإنجليز يريدون نسخ نظرية الجهاد بفتوى من سيدنا الإمام المهدي عليه السلام، ليمتنع المسلمون عن القيام به كان من المستحيل أن يسألوه إلى جانب ذلك أن يقوم بإعلانات تسبب له عداوة الأمة كلها. كانت هناك أيام حين كان العلماء يشيدون به ويقولون: لم يُولد بعد المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا بطل عظيم مثله في الإسلام. ولكن بعد هذه الدعاوي تغير الوضع رأسا على عقب، إذ تحول الأقارب إلى الأعداء ناهيك عن الأغيار، وصار ذوو الأرحام متعطشين لدمه. فبسبب إعلان واحد تغير الوضع في ليلـــة وضحاها حتى لم يبق له ولا صديق واحد في العالم كله. فهل يُعقل أن يطلب منه الإنجليز أن يقوم بإعلان يصبح بسببه العالم كله عدوا له، ثم مع ذلك يتوقعوا من الناس أن يصدقوه ويؤمنوا بفتــــواه بنسخ الجهاد؟! كيف يمكن أن يقيموه من ناحية لنسخ الجهاد ومن ناحية ثانية يطلبوا منه أن يقوم بإعلان يجعل الأصدقاء عطاشى لدمه.

 إن فكرةً رديئة كهذه يمكن أن تقبلها عقول هؤلاء البارزين في عداوة الأحمدية وأمثالهم، ولكن لا يمكن أن يقبلها أحد من ذوي العقل السليم في العالم كله؛ أعني أن يأمره الإنجليز بالإعلان أن إلههم الافتراضي عيسى ابن مريم عليه السلام ميت، وأنه أي سيدنا أحمد عليه السلام قد جاء كنبي تابع لسيدنا المصطفى صلى الله عليه وسلم مما أسخط جميع المسلمين وحعلهم أعداء ألداء له. ثم جعل جميع السيخ القاطنين في فنجاب أعداء له بإعلانه عـــن "جـــورو نانك". ثم أمروه بالاصطدام مع الفرق الهندوسية "الآرية" و"ستاتن دهرم" فيجعلهم أيضا أعداء. ثم قام بالنسبة إلى البوذيين أيضا بإعلان لم يكونوا ليقبلوه، والحال نفسه بالنسبة إلى الزردشتيين. ثم أمروه أن يتحدى جميع الأمم المنتمية إلى أي دين ويقوم بإعلان يثير غضبهم عليه.

لم تر الدنيا مدعيًا يقوم بإعلانات مريرة كهذه تؤذي الجميع، ومـــع يريد أن يتبعه الناس وأن يغير مجرى أفكارهم. الحق أننا لا نجد مثيلا لمدع هذا شأنه إلا أنبياء الله الكرام. اقرأوا التاريخ المذكور في القـــرآن الكريم لن تجدوا حادثا مثله إلا في تاريخ الأنبياء.. أن يقوم رجل منهم يدعوهم بل العالم كله لاتباعه ولكنه يدعي بما لا يقبله أحد في العالم. الواقع أن أشد دعاويه مرارةً يكون دعواه: "أن الله أرسلني"، حتى يخذلـــه الأقارب أيضا ناهيك عن غيرهم. فالغريب أن يأمر الإنجليز سيدنا أحمد عليه السلام بادعاء لا يراه أعداؤنا أيضا مناسبا، ومع ذلك توقعوا أن المسلمين كلهم سوف يتنحون على الفور عن فكرة الجهاد بمجرد قوله هذا، وبالتالي يتخلص الإنجليز من جميع المشاكل والمصائب، وسوف تنحل القضايا كلها بمجرد فتوى حضرته عليه السلام ضد الجهاد. هذه الفكرة يمكن أن يقبلها هؤلاء الناس فحسب ولكن لن يقبلها أحد من ذوي العقول بشكل من الأشكال.







احتلال الإنجليز الهند وخلفيته السياسية:

    ثم ما هي الظروف التي كان الإنجليز يخافونها؟ تعالوا نستعرض خلفيتها السياسية. ماذا كانت تلك الظروف التى كان المسلمون يمرون بها حين دخل الإنجليز الهند وأخذوا زمام الحكم فيها؟ وأي نوع من القوة كانت سائدة آنذاك التي كان الإنجليز يخافونها؟

يقول المولوي مسعود، عالم الندوي في هذا الصدد:

" كانت مظالم السيخ أمام أعينهم حيث لم تكن أعراض المسلمات مصونة، وقد أبيح دم المسلمين، وحرم ذبح البقر، وكانت المساجد تُستخدم كحظائر الخيل .... كانت ولاية فنجاب حينذاك تحت الحكـم السيخي الغاشم. وكان هناك سيل عارم من المظالم يجرف بالسكان المسلمين من منطقة الأنهر الخمسة (فنجاب). كانت أعينهم تنظــر كـــل شيء ولكن قواهم للعمل كانت قد شلّت. " (الحركة الأولى بالهند، ص٣٧ و ٤٥) كانت الهند كلها من شمالها إلى جنوبها مكتظة بالسكان المسلمين ولكن قواهم للعمل كانت قد شلّت لدرجة لم يكونوا قادرين على أن يعلنوا بحرمة دماء إخوانهم ويعلنوا الجهاد ضد هؤلاء الذين كانوا يستبيحونها. كانوا يحرمون دم البقر ويحلون دم المسلمين، واستباحوا أعراض المسلمات. فلم ترتفع يد لحماية أعراض هؤلاء الأمهات والأخوات والبنات المسلمات فمن ذا الذي نجاهم من براثن هذه المظالم؟ الحكومة الإنجليزية هي التي نجتهم. لقد حظي المسلمون بالأمن والسلام بمجيء حكومة الإنجليز.

فهل كان الإنجليز يخافون هؤلاء المسلمين الذين كانوا راضين بحكومتهم المنحصرة في "دلهي" فحسب؟ والذين تحررت منهم الولايـــات الهندوسية كلها والذين كانوا قد صاروا عرضة للظلم والاضطهاد من كل حدب وصوب، والذين ما كانوا يملكون قدرة على الدفاع عـــن أنفسهم، والذين انتزعت شركة (إشارة إلى شركة تجارية إنجليزية باسم "شركة الهند الشرقية دخلت الهند بحجة التجــارة ومهدت الطريق لسيطرة الإنجليز عليها. (المترجم)) واحدة الحكم من أيديهم. فهل كان الإنجليز يخافونهم أنهم سوف يدمرونهم ويبيدونهم؟ وهل كان ممكنا لهؤلاء المسلمين أن يقوموا بالجهاد؟

ثم فكروا أي منطق وحكمة في جهاد كهذا! يأتي الإنجليز وينقذون أهل الإسلام من مظالم السيخ كما ينجونهم من استبداد الأمراء الهندوس والمراهتة (طائفة عرقية في الهند فيقوم المسلمون فجأة في وجه الإنجليز قائلين: طيب، أنتم الذين أنقذتمونا من هؤلاء الظالمين، والآن سوف تکافيكم ونلقنكم درسًا كيف يُنقذ المظلومون؟ أهــذا هو تصوركم للجهاد؟ يجب أن تستخدموا العقل والمنطق وتفكروا في موقفكم ودعواكم. بأي وجه تقابلون العالم؟ هل تقولون كنا نريد الجهاد ضــــد الإنجليز الذين أنقذونا من مظالم السيخ، ولكنهم (أي الإنجليز) أعلنــوا الجهاد عن طريق شخص كان عدوا لنا وعميلا لهم فلم نحاربهم!! من ذا الذي يقبل هذه الدعاوي غير المعقولة؟






صوت ضد الفكرة المشوهة للجهاد:

والناحية الثالثة من الموضوع هي : أي نوع من الجهاد اعتبره سيدنا المهدي والمسيح الموعود عليه السلام حراما؟ إن الجهاد أنواع: كالجهاد بالسيف، والجهاد بتضحية الوقت لخدمة الدين والجهاد لتبليغ الإسلام وهكذا دواليك. إن موضوع الجهاد واسع جدا ويجب أن ننظر : أي جهاد حرمه سيدنا الإمام المهدي عليه السلام ؟ هل حرم فكرة الجهاد الحقيقي للإسلام أم الفكرة المشوهة للجهاد لدى الناس. يجب أن تسمعوا هذا من لسانه هو، وتفكروا في قوله وتروا ماذا يُحلّ وماذا يحرّم. إنني أود أن أقرأ عليكم قولا من أقواله الله في هذا الشأن، ولكن قبل قراءته أبين لكم خلفية القس الذي ورد ذكره فيه.

كان القساوسة في زمنه عليه السلام- وخاصة أولئك الذين تنصروا بعد إسلامهم - يتهجمون على الإسلام بضراوة شديدة كانوا من ناحية ينشرون بين الناس أن الإسلام يأمر بالجهاد بالسيف، ومن ناحية أخرى كانوا يثيرون الحكومة الإنجليزية على تدمير المسلمين وقوتهم حتى لا يقدروا على النهوض من جديد. ففي هذه الفترة كان القساوسة المسيحيون يحرضون الإنجليز بشدة متناهية ضد المسلمين بناء على فكرة الجهاد، على الرغم من أن المسلمين المساكين لم يكن فيهم أي حماس ليثوروا على الإنجليز بسبب غلبة الإنجليز عليهم. سوف أقص عليكم أخبار المسلمين آنذاك وسوف تندهشون عندما تطلعون على أفكــــارهـم وعلى أنهم كيف كانوا يتوسلون إلى الإنجليز. فإن القساوسة الظالمين كانوا يهجمون عليهم من طرف واحد لعداوتهم للإسلام. وكانوا يريدون أن يسحقوا المسلمين في الهند بهذه الطريقة ويُقوّوا ساعد الهندوس. وكان الهندوس أيضا يهمسون في آذان الحكومة بأن الخطر الحقيقي المحـــدق بحكمهم هو من جانب المسلمين، فدَمِّروا ما تبقى من قوتهم واقضوا عليهم نهائيًا وأَخْرِجوا من أذهانهم فكرة النهوض مرة أخرى. وردا على مثل هذه التهم التي أثارها القس عماد الدين الذي سبق ذكره والذي كان من قبل إمامًا وخطيبا بمسجد ،آغرا، .. يقول سيدنا الإمام المهدي المسيح الموعود عليه السلام ما نصه:

"وأما ما ذكر هذا الواشي قصة جهاد الإسلام وتظنَّى أن القرآن يحث على الجهاد مطلقًا من غير شرط من الشرائط، فأيُّ زور وافتراء أكبر من ذلك. إن كان أحد المتدبرين فليعلم أن القرآن لا يأمر بحرب أحد إلا الذين يمنعون عباد الله أن يؤمنوا به ويدخلوا في دينه ويطيعوه في جميع أحكامه، ويعبدوه كما أُمروا . والذين يقاتلون بغير الحـــق، ويخرجــــون المؤمنين من ديارهم وأوطانهم، ويُدخلون الخلق في دينهم جبرًا وقهراً، ويريدون أن يطفئوا نور الإسلام، ويصدون الناس من أن يسلموا، أولئك الذين غضب الله عليهم ووجب على المؤمنين أن يحاربوهم إن لم ينتهوا." نور الحق، الخزائن الروحانية ج ٨ ص ٦٢).







الأفكار الخاطئة عن الجهاد خطر على الإسلام:

هذه هي فتواه عن نسخ" الجهاد. اسمعوا أيضا عما حرمـــه حـضـرته وضد أية أفكار رفع علم الجهاد ؟ فليتضح أنه رفع صوته ضد أفكار خاطئة لبعض المشايخ الجهال والقساوسة، تلك النظريات الخاطئة التي ما كانت لتنفع الإسلام والمسلمين أبدًا، لأنهم ما كانوا قادرين على قتال أحد، وإنما من شأنها أن تجلب عليهم أخطارا شديدة من كل حدب وصوب. 

يقول سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود عليه السلام ما تعريبه: "سبحان الله، كم كانوا أتقياء ويحظون بروح الأنبياء هؤلاء القوم الذين إذا أمرهم الله في مكة بأن لا يواجهوا الشر بالشر ولو مزّقوا إربا، فإنهم فور تلقيهم هذا الأمر تواضعوا وضعفوا كالأطفال الرضع وكأنهم ما بأيديهم ولا في أرجلهم من قوة، فقتل بعضهم بحيث ربطت بقوة إحدى رجلي المرء ببعير ورجله الأخرى ببعير آخر، ثم أركض البعيران في اتجاهين معاكسين، فقُطع جزأين في لمح البصر كما تقطع الخضار مثل الجزر وغيره. ولكن للأسف أن المسلمين، ولا سيما المشايخ منهم، صرفوا أنظارهم عن كل هذه الأحداث فيزعمون الآن أن أهل الدنيا كلهم صيد لهم، وكما أن الصياد عندما يطلع على وجود الغزال في الفلاة يتسلل إليه في الخفاء ويتحين الفرصة فيطلق عليه الرصاص كذلك هو حال معظم المشايخ. إنهم لم يقرؤوا حرفًا واحدًا من دروس الرفق والعطف على بـــني الإنسان، بل يرون أن إطلاق الرصاص على شخص بريء على حين غفلة منه هو الإسلام فقط... أين الذين يمكن لهم أن يصبروا بعد أن يُضربوا كالصحابة رضوان الله عليهم؟ هل أمرنا الله تعالى أن نفاجئ رجلًا لا نعرفه ولا يعرفنا على حين غفلة منه بدون أي سبب أو أية جريمة ارتكبها، فنقطعه بالسكين إربا أو ننهي حياته بالرصاص؟ هل يعقل أن يكون من الله تعالى دين يقول أن اقتلوا عباد الله الأبرياء دون أن يرتكبوا جريمة وبدون أن يتم تبشيرهم تدخلوا الجنة من المؤسف بل المخزي أن نصادف إنسانًا - ليس بيننا وبينه عداوة أو معرفة سابقة – وهو يشتري بعض الحاجيات لأولاده في إحدى المحلات أو كان مشغولا في بعض أعماله الشرعية الأخرى، فنطلق عليه النار بدون سبب أو مبرر، فنجعل زوجته أرملة وأولاده أيتاما وبيته مأتما. في أية آية من القرآن الكريم أو حظيث من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ورد مثل هذا الأمر؟ هل من المشايخ أحد يستطيع أن يجيب على هذا؟ الواقع أن هؤلاء الجهال سمعوا اسم الجهاد، فأرادوا أن يتخذوه ذريعة لتحقيق أغراضهم النفسانية." (الحكومة الإنجليزية والجهاد الخزائن الروحانية ج ۱۷ ص ۱۲-۱۳).








شروط الجهاد بالسيف مفقودة:

فهذا هو التصور الخاطئ للجهاد الذي ألغاه الإمام المهدي والمسيح الموعود عليه السلام. هل من شيخ يستطيع أن يفتي اليوم أيضا بجواز جهـاد كهذا؟ فلا غرو أنهم يتهمون حضرته كذبا وزورًا. إن ما حرمه حضرته تلك النظريات الخاطئة للجهاد التي اختلقها معارضوه مـــن عنــــد أنفسهم. أما اليوم فقد ظهرت أفكارهم الخاطئة هــذه على السطح، ولكنهم كانوا يخفونها حينذاك. أما فيما يتعلق بحكومة الإنجليــز فــــكـانوا يقولون لهم نفس ما أفتى به سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود عليه السلام عن الجهاد. سوف أقرأ عليكم بعض المقتبسات حول هذا الموضوع، عندها سوف تدركون مدى الخبث الذي انطوت عليه طبائع أعدائه العليا. إن الله عز وجل لا يصطفي عباده ولا يحبهم بدون سبب، وإنما يبتليهم بأنواع من المصائب والأذى والابتلاءات فيواجهون معارضين من أشد الخلق ظلما، ولكنهم يصبرون على أذاهم، فيكتبون عند الله مـــن عباده الأطهار والأخيار ويُعَدُّون من الذين يحبهم الله.


يستمر حضرته ويقول ما نصه:

فرفعت هذه السنة برفع أسبابها في هذه الأيام، وأمرنا أن نُعد للكافرين كما يُعدُّون لنا، وألا نرفع الحسام قبل أن نُقتَل بالحسام." (حقيقة المهدي، الخزائن الروحانية ج ١٤ ص ٤٥٤)

و يقول أيضا ما تعريبه:

"إن الجهاد في هذه الأيام قد اتخذ صبغةً روحانية. فالجهاد في زمننا هذا إنما هو بذل المساعي لإعلاء كلمة الإسلام. (مكتوبات سيدنا المهدي عليه السلام، مكتوب إلى حضرة مير ناصر نواب نقلا عن نشرة "درود شريف" بقلم المولوي محمد إسماعيل. ص ٦٧ ، وجريدة "بدر" قاديان عدد ١٤ أغسطس ١٩٠٣م).


إِذًا، فلم ينسخ حضرته إلا ذلك التصور الخاطئ للجهاد الذي ابتدعه المشايخ من عندهم. ومما لا شك فيه أن الجهاد بالسيف ممنوع ما لم تتوفر شروطه، وهو أحد أنواع الجهاد المتنوعة والذي لا يجوز القيام به لعــــدم وجود الشروط فقط.






مجال إعلاء كلمة الإسلام مفتوح:

أما فيما يتعلق بموضوع الجهاد الواسع، فلا يمكن أن يُنسخ أو يُلغَى أبدا، بل يبقى جاريًا على الدوام. ويمكن للمؤمن أن يقوم بـه بشــكل مـــن الأشكال دومًا. يقول سيدنا الإمام المهدي عليه السلام ما تعريبه اسعوا لإعلاء كلمة الإسلام، ورُدُّوا على تهم المعارضين، وانشروا محاسن الدين المتين، وبينوا صدق سيدنا محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم للعالم. هذا هو الجهاد إلى أن يحدث الله تعالى أمرا آخر في الدنيا." (المرجع السابق).

مما يعني أن هذا الشكل للجهاد ليس له صفة أبدية، والمراد من "أمر يعني آخر" هو أنه كلما يلجأ أعداء الإسلام إلى استخدام الجبر والعنف ضــــد الدين يُسمح لكم أيضا أيها المسلمون ولكن ما لم يحدث هذا فهناك أشكال أخرى للجهاد أمامكم.

ويستمر حضرته في توضيح موقفه قائلا ما تعريبه:

إن الجهاد بالسيف منسوخ الآن .

وليس كل نوع من الجهاد. لماذا ؟ فقد بين حضرته سببا لذلك سابقا. "....غير أن الجهاد لتطهير أنفسكم فلا يزال جاريًا. وهذا لم عندي، وإنما هذه مشيئة الله وإرادته. فكروا في الحديث الوارد في البخاري حيث جاء عن المسيح الموعود : "ويضع الحرب".. أي أن المسيح الموعود حين يجيء سوف يلغي الحروب الدينية. " (الحكومة الإنجليزية والجهاد، الخزائن الروحانية ج ١٧ ص ١٥).






أفكارهم عن الجهاد تعارض تعليم القرآن:

إذا هذا ما قاله سيدنا المصطفى صلى الله عليه وسلم. ثم يوضح سيدنا أحمــد عليه السلام الموقف أكثر فيقول في كتابه "تحفة قيصرية" ما تعريبه: "والأصل الثاني الذي بُعثتُ من أجله هو إصلاح تلك النظرية الخاطئة للجهاد التي اشتهرت بين بعض المسلمين الجهال. فقد فهمني اللهعز وجل أن الله الأساليب التي تُعتبر اليوم جهادًا تتعارض كلية مع التعاليم القرآنية. لا شك أن القرآن الكريم قد ورد فيه أمر بالحرب، وكان أكثر منطقا وحكمةً من حروب سيدنا موسى وحروب يوشع بن نون، لأن هـذه الحرب مبنية على مبدأ أن الذين حملوا السيوف لقتل المسلمين بدون مبرر، وسفكوا الدماء بغير حق، وأوصلوا الظلم إلى منتهاه، فليقتلوا هم الآخرون بالسيوف . " تحفة قيصرية، الخزائن الروحانية ج ١٢ ص ٢٦٢).

هذا ملخص ما ورد عن الجهاد في الآية التي استهللت بها خطبتي. 

هل يستطيع علماء الدين أن يثبت خطأ موقفنا هذا ويشير إلى مجال للطعن فيه؟

 الحق أنهم يفترون على سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود عليه السلام كذبا وزوراً وهم يعلمون لأنهم قد طالعوا كتبه. يبدون منها قليلا ويخفون كثيرا، ويظهرون أن حضرته أقامه الإنجليز لنسخ الجهاد، ولو لم يقيموه لقُضي عليهم ولكان من شأن المسلمين أن يدمروا الحكومة الإنجليزية إن لم يمنعهم حضرته عليه السلام من الجهاد.







فتاوى المشايخ تدين محاربة الإنجليز:

تعالوا نقرأ الآن بعضا من فتاوى هؤلاء المشايخ الذين يتسابقون في اتهامنا . لاشك أنهم حينذاك كانوا يروجون في الخفاء نفس النظريات الخاطئة بين المسلمين، ولكن أمام الحكومة الإنجليزية فكانوا يظهرون موقفهم بعكس ذلك تماما.

الشيخ محمد حسين البطالوي كان من أكبر معارضي سيدنا أحمد عليه السلام وأشدهم طعنًا فيه بسبب موقفه عن الجهاد. كانت فتوى هذا الشيخ عن الثورة التي أفتى بها بعض المسلمين الهنود ضد الحكومة الإنجليزية سنة ١٨٥٧م كالآتي:

"إن المسلمين الذين اشتركوا في ثورة ١٨٥٧م جد آثمين، وكانوا مفسدين وبغاة وفاسقين بحسب حكم القرآن إن محاربة هذه الحكومة أو تقديم أي نوع من المساعدة للثائرين عليها - ولو كـــانوا مـــــن إخواننــــا المسلمين - حرام وخيانة شنيعة." مجلة إشاعة السنة، المجلد ۹ العدد ١٠، ص۳۰۸).

كما قال في أحد كتبه: فثبت جليًّا بهذه الأدلة أن بلاد الهند هي دار الإسلام، رغم كونهــا تحت حكم دولة نصرانية. فلا يجوز مطلقا لأي حاكم مسلم سواء كـــان من العرب أو العجم، وسواء كان المهدي السوداني أو ملك إيران أو أمير خراسان أن يعتدي أو يشنّ حربًا دينية على الحكومة الإنجليزية." (الاقتصاد في مسائل الجهاد ص١٦).

فالشيخ البطالوي لا يفتي بوجوب طاعة المسلمين الهنود للحكومة الإنجليزية فحسب، وإنما يعلن للمسلمين القاطنين في البلاد الأخرى أنه حرام عليهم أيضا أن يحاربوا الحكومة الإنجليزية!؟





ويمضي قائلا: "حرام على أهل الإسلام مناوئة أو محاربة الحكومـــة الإنجليزية بالهند . " مجلة "إشاعة السنة" المجلد ۷ العدد ۱۰، ص۲۸۷).

ويوضح موقفه قائلا:

"لا مبرر شرعيا للجهاد في هذا الزمن، لأن المسلمين ليس لهم إمام تتوفر فيه صفات الإمامة وشروطها كما ليس لديهم شوكة جماعة يمكن لهم أن يأملوا بواسطتها التغلب على الأعداء. " (الاقتصاد في مسائل الجهاد، ص٤٢٧٢ .أضيف بتاريخ ١٥ نومبر ٢٠٠٥).

أقول: من أين أتاهم اليوم هذا الإمام المزعوم ؟ هل يتوقف ظهور مثــل هذه الإمامة المتحلية بهذه الصفات على وجود حكومة عسكرية؟ وهل بالحصول على حكومة عسكرية تتوفر في الإنسان صفات الإمامة؟ ومتى أقام الله الإمامة الدينية عن طريق حكومات عسكرية؟

هناك زعيم آخر، السير سيد أحمد خان، وهو من كبار علماء الهند، يقول عن الذين اشتركوا في مفسدة ضد الإنجليز عام ١٨٥٧م: إن هؤلاء قد ارتكبوا خيانة كبرى ولا علاقة لهم بالإسلام." (أسباب بغاوت هند، للسير سيد أحمد خان، ص ١٠٤).

ومن أراد الاطلاع على تفاصيل أكثر فليرجع إلى المرجع المذكور. 

وكانت فتوى زعيم الفرقة البريلوية الشيخ سيد أحمــد رضـــا خـــان البريلوي كالتالي : الهند" دار الإسلام، ولا يصح إطلاقا تسميتها بـدار الحرب . " (نصرت الأبرار، ص۱۲۹).






العذر الشرعي لعدم محاربة الإنجليز:

كان حضرة سيد أحمد الشهيد البريلوي الذي حارب السيخ واتجه إلى إقليم "سرحد" قرب الحدود (الأفغانية لمحاربتهم وحاربهم بالفعل، كان يحمل بين جنبيه قلبًا طاهراً يغار على الإسلام والمسلمين. أما فيما يتعلق بموقفه تجاه الإنجليز فيقول كاتب سيرته السيد محمد جعفر التهانيسري: سأله سائل: تسافر هذه المسافة البعيدة لمحاربة السيخ، ولم لا تحارب هنا الإنجليز الحاكمين لهذه البلاد والمنكرين للإسلام، فتنزع منهم البلاد؟ فقال حضرته: لا شك أن الحكومة الإنجليزية كافرة بالإسلام ولكنها لا تظلم المسلمين ولا تمنعهم من أداء عبادتهم، وواجباتهم الدينية. نقوم تحت حكمهم بواجب التذكير وترويج الدين علنًا، وإنها لا تتصدى لنا ولا تمنعنا أبدًا. وإن واجبنا الحقيقي إنما هو نشر التوحيد الإلهي وإحياء سنن سيد المرسلين . ونؤدي هذا الواجب في هذه البلاد بدون أي مانع. فلأي سبب نحارب الحكومة الإنجليزية، ونسفك الدماء الجانبين مخالفين بذلك أحكام الإسلام؟ وعند سماع هذا الجواب الصائب سكت السائل وفهم الحكمة الحقيقية للجهاد." (سوانح أحمدي كلان، ص۷۱).

 ولكن المشايخ الذين يتشدقون ضد جماعتنا اليوم لم يفهموا حكمــة الجهاد الحقيقية إلى الآن!!

ويقول العلامة شبلي النعماني:

منذ العصر الذهبي النبوي وإلى يومنا هذا لم تزل ميزة المسلمين الطاعة والوفاء لكل حكومة يعيشون في ظلها. وهذا لم يكن شعارهم فحسب، وإنما هذا هو تعليم الإسلام الوارد في القرآن الكريم والحديث النبوي وكتب الفقه كناية وصراحة." (مقالات شبلي، ج۱ ص۱۷۱).

وقال الخواجه حسن النظامي:

"إن مسألة الجهاد يعرفها كل مسلم حتى الأطفال."

مما يعني أنه حتى زمن الحكم الإنجليزي كان كل طفل مسلم يعلــــم مسألة الجهاد تماما كما بينها سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود عليه السلام. ولكن بزوال حكمهم، أخذت المسألة عند هؤلاء المشايخ شكلا مختلفــــا تماما، فبدؤوا يلقنون الصغار غير ما عرفته الأجيال السالفة. أما ما عرفـــــه كل طفل فهو ما يبينه السيد الخواجه قائلا:

"فهم يعرفون أنه إذا منع الكفار المسلمين من أداء واجباتهم الدينية، وأصدر الإمام العادل - الذي تتوفر لديه كافة أسباب الحرب من عــدة وعتاد - فتوى الجهاد لوجب على كل مسلم القيام بالجهاد. ولـأن الإنجليز لا يتدخلون في شؤوننا الدينية، ولا يمارسون ضدنا أعمالا تعتبر ظلما واضطهادًا، كما نحن بدورنا لا نملك أسبابا للحرب، ففــي هــذه الحالة لن نطيع أحدًا أبدا ولن نلقي أنفسنا بأيدينا إلى التهلكة." (رسالة الشيخ السنوسي، للخواجه حسن النظامي ص۱۷).






اعتراف كبار المسلمين:

ولقد اضطر بالاعتراف بهذه الحقيقة الملموسة بعض من معاندينا المعاصرين أيضا.

يقول المحامي السيد ملك محمد جعفر في كتابه "الحركة الأحمدية":

 " في زمن حضرة الميرزا (أي مؤسس (الأحمدية). إن مناهضيه الكبار من مشاهير علماء المسلمين أمثال المولوي محمد حسين البطالوي، والشيخ بير مهر علي شاه الجولروي، والمولوي ثناء الله الأمر تسري، والسير سيد أحمد خان جميعهم كانوا أوفياء للإنجليز مثل السيد الميرزا تماما. فلأجل ذلك لا نجد فيما كُتب ضده ذكرًا أنه طلب من خلال تعليمه قبول حيــاة العبودية . " (الحركة الأحمدية، لملك محمد جعفر، ص٢٤٣).

فترون أن بعضا من معارضينا أيضا يعترفون بأن علماء المسلمين قــد مروا بفترتين، فترة الحكم الإنجليزي حين كانوا يروجون مواقف مختلفة مما هم عليه الآن، أي كلهم كانوا يروجون فتاوى مماثلة لموقف سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود عليه السلام. ثم هناك فترة بعد الحكم الإنجليزي حــــين غيّروا نظرياتهم ومواقفهم رأسا على عقب.






الهند "دار السلام":

لقد اضطر السيد شورش الكاشميري، وهـو مـــن أشد المعارضين للأحمدية، للاعتراف بالحق حيث قال:

"لقد تم الحصول على الفتاوى من الشيخ جمال الدين ابن عمر عبد الله، ومن الشيخ عمر الحنفي مفتي مكة المكرمة، ومن الشيخ أحمد بن ذهني الشافعي مكة المكرمة، ومن الشيخ حسين بن إبراهيم المالكي مفـــتـي مكـــة المكرمة، وأعلن من خلالها كون الهند دار الإسلام." (سيرة سيد عطاء الله شـــاه مفتي البخاري، ص ١٤١).

ما هو جوابكم بعد ذلك، هل عندكم من دليل لتخرجوه لنا؟ هـل يمكن للمشايخ من أي بلد كانوا أن يقولوا شيئا بعد ذلك؟ لقد ألف السيد المودودي كتابه "حقيقة الجهاد" وقدم فيه – إلى جانب بعض الكتب الأخرى - تعليما عن الجهاد الإسلامي لا يستطيع أي مسلم عاقل أن يتصور أنه يمكن أن يُنسب مثل هذه الأفكار الخطيرة إلى جهاد النبي صلى الله عليه وسلم. إن السيد المودودي هو تشددًا أكثر المشايخ في مسألة الجهاد في عصرنا الحاضر ولكن فيما يتعلق بالظروف السياسية في الهند في زمـــن سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود عليه السلام، فيقول المودودي في الجزء الأول من كتابه "الربا":

إن بلاد الهند كانت عند ذاك دار الحرب دون أدنى شك (أقول: لاحظوا أنه لا يقول إنها دار السلام، ولكن متى كانت دار الحرب؟) عندما كان الإنجليز يحاولون القضاء على حكم المسلمين فيها."

 وهذا هو موقف الجماعة الإسلامية الأحمدية أيضا بالضبط أنه إذا بدأكم أحد بالقتال فقاتلوه، واحموا الأعراض والأموال والدين، ولا تستسلموا ولو سقط الجميع شهداء حتى الأولاد الصغار واحد تلو الآخر. لأن البلاد عندها تكون دار الحرب، وعندها يجوز أن يسمى كل قتال دفاعي بالجهاد الإسلامي.

 فيقول المودودي الكلام نفسه ويقول: "عندئذ كان من واجب المسلمين أن يضحوا بأرواحهم حماية للدولة الإسلامية بالهند أو يهاجروا منها بعد الهزيمة. ولكنهم عندما صاروا مغلوبين واستتب حكم الإنجليز فيها، ورضي المسلمون بالعيش هناك حرية العمل حسب قوانينهم الخاصة بهم، فلم تعـد هــذه البلاد دار الحرب. " (الربا، ج۱ ص۷۷، ۷۸ الهامش).






الدعوة إلى الله جهاد:

وقال الملك السعودي الراحل جلالة الملك فيصل في اجتماع لرابطة العالم الإسلامي بمناسبة الحج بمكة عام ١٣٨٥ هـ ما معناه: "إخواني الأعزاء، إنكم دُعيتم لرفع راية الجهاد في سبيل الله. والجهاد لا يعني حمل البندقية أو شهر السيف فحسب، وإنما يعني دعوة الناس إلى كتاب الله وسنة رسوله والعمل والتمسك بهما حتى في أيام الابتلاءات الشديدة والمحن القاسية . " (جريدة "أم القرى"، مكة المعظمة، عدد ٢٤ أبريل ١٩٦٥م).






الإخلال بالأمن ممنوع:

ثم يقول جلالة الملك:

" و يجب عليهم ( المسلمين المقيمين في بلاد غير إسلامية) أن يقوموا بما يتوجب عليهم من خدمة الدين واتباع أوامر الله. لا نقول لإخواننا هؤلاء أن يقوموا ضد حكومات يسكنون في ظلها ويثوروا عليها، وإنما يجب عليهم أن يحكموا كتاب الله وسنّة النبي الأكرم في أمر معتقداتهم ونياتهم. عليهم بالعيش بالأمن تحت حكومات تضمن لهم الأمان، ويجب ألا يحدثوا الخلل في النظام وألا يكونوا عناصر هدّامة إطلاقًا." (المرجع السابق).

الأحمدية ليست ذات وجهين أين الآن هؤلاء المشايخ المتعصبون الذين يرمون مؤسس الأحمدية بنسخ الجهاد والمداهنة للإنجليز وإثارة الفساد من أجلهم، والعياذ بالله. ألا يرون أن ما قاله حضرته عليه السلام هو نفس ما كان العلماء يفتون به في زمنه؟ غير أنه اللي كان يقول للآخرين نفس الكلام الذي كان يقوله لجماعته، وكان يقول للإنجليز أيضا ما يأمر به أتباعه. لم يكن حضرته العلة ذا وجهين كما لم تكن جماعته أيضا ذات وجهين. فقد تمسك حضرته بالجهاد الذي ذكره للآخرين ولم يذكر هذا الجهاد بلسانه فقط، بل ظل طوال حياته يضحي في سبيله كل ما أُوتي من نفس ونفيس. كما وصــــى جماعته أيضا بالقيام بالجهاد نفسه. إنهم يطعنون اليوم في حضرته لمدحـــه الملكة فكتوريا، ويزعمون أنه سماها ظل الله في الأرض، ولكن هل في هؤلاء المشايخ أو غيرهم من معارضينا أحد بلغ الملكة رسالة الإسلام؟ أما سيدنا الإمام المهدي عليه السلام فقد انتقد المسيحية انتقادًا صريحا بكــــل قـوة وشجاعة وسمى النصرانية الحالية دينا ميتًا، ودعا إلى قبول الإسلام ملكة ما كانت الشمس تغيب على مملكتها المترامية الأطراف. فمن ناحية أشاد حضرته بعدل الملكة ومن ناحية أخرى دعاها بكل شجاعة وصراحة إلى دین الله الإسلام.







المسيح الموعود يرفع راية الجهاد ضد المسيحيين:

ولاحظوا الآن سيرة هؤلاء المشايخ إنهم كانوا يعتبرون الهند دار السلام في حين إن بصيرة سيدنا الإمام المهدي عليه السلام لم ترها كدار السلام بل اعتبرها حضرته دار الحرب لأنه كان على معرفة حقيقية للجهاد. و كان حضرته يعرف أن البلد الذي يجب القيام بالجهاد فيه لا يمكن أن يكون دار السلام، وإنما يكون دار الحرب.

 ولكن بأي معنى؟ يقول حضرته في هذا الصدد ما تعريبه:

"إن هذا البلد دار الحرب لمواجهة القساوسة لذا يجب علينا ألا نجلس عاطلين. ولكن تذكروا أنه يجب أن تكون حربنا كحربهم. يجب أن نخرج إلى الساحة لمواجهتهم متسلحين بمثل أسلحة خرجوا بها، وذلك السلاح هو القلم. ولذلك فقد سماني الله تعالى هذا العبد الضعيف بـسلطان القلم". وسمى قلمي بـ بـ "ذوالفقار علي". والسر في ذلك هو أن الزمن الراهن ليس زمن الحرب والقتال وإنما هو زمن القلم. الملفوظات. ج١. ص ۲۳۲).







الإمام المهدي يدعو الملكة فكتوريا إلى الإسلام:

 ثم يقول حضرته مخاطبا الملكة فكتوريا ما نصه: " أيتها الملكة الكريمة الجليلة، أعجبني أنك مع كمال فضلك وعلمك وفراستك تنكرين فضل الإسلام. أهكذا يكون كلام المداهن؟ وإن لم تكونوا أنتم من المداهنين يا معاندينا.. فلمَ لم تُوفَّقوا أنتم بمثــل هـذا الكلام؟ الناقل.  ولا تُمعنين فيه بالعيون التي تمعنين بها في الأمور العظام. قد رأيت في ليل دَجَى، والآن لاحت الشمس، فما لَكِ لا تَرَيْن في الضحى؟ أيتها الملكة الجليلة اعلمي أيدك الله أن دين الإسلام مجمع الأنوار، و منبع الأنهار، وحديقة الأثمار. وما من دين إلا هو شعبته. فانظري إلى ه وسبره وجنته وكوني من الذين يُرزقون منه رزقًا رغدًا رزقًا رغدًا ويرتعون. وإن هذا الدين حي، مجمع البركات ومظهر الآيات، ويأمر بالطيبات، وينهى عن الخبيثات ومن قال خلاف ذلك أو أبان فقد مان. ونعوذ بالله الذين يفترون. فبما إخفائهم الحق وإيوائهم الباطل لَعَنهم الله ونَزَع من صدورهم أنوار الفطرة. فنَسوا حظهم منها، وفرحوا بالتعصبات ومــا يصنعون.

أيتها المليكة، إن هذا القرآن يطهر الصدور، ويُلقى فيها النور، ويُرى الحبور الروحاني والسرور. ومن تبعه فسيجد نوراً وجده النبيون. ولا يُلقى أنواره إلا الذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا، ويأتونــــه راغبين في أنواره، فأولئك الذين تفتح أعينهم، وتزكى أنفسهم، فإذا هـــم مبصرون.

وإني بفضل الله من الذين أعطاهم الله من أنوار الفرقان، وأصابهم من أتم حظوظ القرآن فأنار ،قلبي ووجدت نفسي هــداهـا كمـا يجـــده الواصلون. ثم بعد ذلك أرسلني ربي لدعوة الخلق، وآتاني من آيات بينــــة لأدعو خلقه إلى دينه. فطوبى للذين يقبلونني، ويذكرون الموت، أو يطلبون الآيات، وبعد رؤيتها يؤمنون. أيتها المليكة الكريمة، قد كان عليك فضلُ الله في آلاء الدنيا فضلا كبيرا، فارغبي الآن في مُلك الآخرة، وتُوبي واقنتي لرب وحيد، لم يتخــــذ ولدًا، و لم يكن له شريك في الملك ، وكبّريه تكبيرًا. أتتخذون من دونه آلهة لا يخلقون شيئًا وهم يُخلقون. وإن كنت في شك من الإسلام فها أنا قائم لإراءة آيات صدقه، وهو معي في كل حالي، إذا دعوته يجيبني، وإذا ناديته يلبيني، وإذا استعنته ينصرني وأنا أعلم أنه في كـــل مــــوطن يعينني ولا يُضيعني. فهل لك رغبة في رؤية آياتي وعيان صدقي وسدادي، خوفا من يوم التنادي؟

يا قيصرة، تُوبي، تُوبي، واسمعي اسمعي، بارك الله في مالك وكل ما لك، وكنت من الذين يُرحمون . " (مرأة كمالات الإسلام. الخزائن الروحانية. ج ٥ ص٥٣٠-(٥٣٣.





الاعتراف بالجهاد الشجاع لسيدنا أحمد عليه السلام:

هذا هو كلام سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود عليه السلام، وهذا هــو تصور جهاده الذي عمل به أيضا لن تجدوا عالما من زمنه يتمتع بمثل جرأته عليه السلام حتى يدعو الملكة فكتوريا إلى الإسلام بهذه الصراحة، بل مــا منهم إلا التملق للإنجليز. إن كلمات: "تُوبي تُوبي" إنما هي بمثابة قنبلة بالنسبة للملكة البريطانية آنذاك. هذا كلام عظيم يدعو به حضرته الملكة إلى الإسلام ناصحا إياها أن تتوب عن دينها الباطل وتعتنق الإسلام. هذا هو الحماس للجهاد وهذه هي روح الجهاد التي بسبب معرفتها الحقيقيـة جعل حضرته الجماعته تمشي على طريق جهاد لا نهاية له. وبالتالي فقد تحولت كل لحظة من حياتنا إلى جهاد. فلمس هذه الحقيقة الشيخ محمد أكرم أحد المؤرخين الباكستانيين المعروفين وقال في كتابه: "الأحمديون.... هم أول من أدرك من بين المسلمين أنه على الرغم من أن هذه الأيام هي أيام الانحطاط السياسي للإسلام، إلا أنه بسبب الحرية في التبشير تحت الحكومات المسيحية يحظى المسلمون بفرصة مواتية ونادرة في تاريخ الأديان، يجب انتهازها جيدًا." (موج) كوثر للشيخ محمد أكرم ص١٨٦-(۱۸۷.

ويضيف قائلا:

"إن عامة المسلمين يعتقدون بفكرة الجهاد بالسيف بأفواههم فقط. لا يقومون بأي جهاد عمليا ولا يقومون بجهاد التبشير ... ولكن الأحمديين يرون أن النوع الثاني من الجهاد أي جهاد الدعوة إلى الله فريضــة مــن الفرائض الدينية، وقد حققوا في هذا المجال نجاحًا لا بأس به." (المرجع السابق. ص ۱۸۹)







المودودية ذات المكيالين:

وأخيرًا أقدم لكم مقارنة بين أفكار سيدنا الإمام المهدي عليه السلام الجهاد وأفكار المودودي. الأمر الأول هو أن لأفكار هؤلاء المشايخ وجهين. كانت آراؤهم أيام الحكم الإنجليزي في الهند مختلفة عـــن الــتي تبنوها بعده، وكأن لديهم ميزانين مختلفين لكل شيء. إنهم ينسبون إلى سيدنا المصطفى صلى الله عليه وسلم تصوراً مخيفا للجهاد لدرجة يصيب كل مسلم غيور بأذى شديد بسماعه. إن تصورهم للجهاد محطم للأعصاب. يتسابقون اليوم في توجيه التهم والطعن إلى سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود عليه السلام، ولكنني قبل أن أقرأ عليكم ما قاله المودودي عن الجهاد الإسلامي زمن النبي صلى الله عليه وسلم، أقرأ أمامكم ما كتبه ميجور أو سبرن أحد المستشرقين في

كتابه: Islam under the Arab rule 

يقول المستشرق عن الفترة التي كان النبي يتعرض فيها لأنواع الأذى على يد أعداءه:

"كان من المبادئ التي وضعها محمد (صلى الله عليه وسلم) مبدأ "لا إكراه في الدين. ولكن نشوة النجاح الذي أحرزه محمد كبتت قبل فترة طويلة – والعياذ باللهصوت أفكاره الحسنة هذه، فأصدر أمرًا بالحرب بشكل عام. فهَبَّ العرب حاملين القرآن في يد والسيف في يد أخرى، ونشروا دينهم بين مدن ملتهبة وصيحات عائلات منهوبة مدمرة.

(Islam under the Arab Rule, By Major Ausburn p46)






تصوراتهم عن انتصار الإسلام:

ما أبشَعَها وأنحَسَها من صورة لانتصارات الإسلام يقدمها هــذا المستشرق عدو الإسلام! ولكن الأدهى والأمرّ من ذلك أن نفس الصورة المشوهة القبيحة للغاية يقدمها المودودي في كلماته المعسولة وكأنه يقدم حصيلة فصاحته المزورة في قطعة من حرير قائلا: "لقد دعا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم العرب إلى الإسلام ثلاثة عشر عاما، واتخــــذ معهم كل أسلوب ممكن للتذكير والموعظة وساق إليهم أدلة قوية وحججا واضحة، وهيَّج القلوب بفصاحته وقوته الخطابية، وأظهر من الله معجزات مذهلة، وقدم لهم أسوة حسنة للحسنى بأخلاقه الحسنة وسيرته الطيبة. ولم يترك طريقا كان من شأنه أن يفيد لإظهار الحق وإثباته. ولكن قومه رفضوا دعوته رغم أن صدقه تجلى لهم بكل وضوح، وحصحص لهم الحق بكل جلاء، ورأوا رأي العين أن الطريق الذي يدعوهم إليه هاديهم هو الصراط المستقيم. ولكن الأمر الوحيد الذي منعهم من قبوله هو عدم رغبتهم في ترك تلك الملذات التي كانت متاحة لهم في حياتهم الكافرة والخليعة. ولكن حينما فشلت جميع وسائل التذكير والموعظة....". يقول: فشل النبي صلى الله عليه وسلم في الموعظة والتذكير، والعياذ بالله !!








تعليم الإسلام وهراء المودودي:

 ما أجهل وما أبشَعَ وما أفدَحَ هذه الأفكار التي يقدمها المودودي خائف من غير الله تعالى! اسمعوا الآن ما يقول الله عز وجل في القرآن مخاطبا نبيــــه صلى الله عليه وسلم: "فذكر إن نفعت الذكرى * سيذكرُ من يخشى (سورة الأعلى: ١٠- ١١).

 ويقول أيضا: فذكر إنما أنت مذكر * لست عليهم بمصيطر * إلا من تَولَّى وكفر * فيعذبه الله العذاب الأكبر (سورة الغاشية: ٢٢ - ٢٥).

أي يا محمد ! عليك أن تستمر في التذكير ، فتذكيرك لن يفشل، لأن أساليب تذكيرك تتصف بصفة متميزة، ففيها الحسن والرفق والملاحة والملاطفة، مما يترك في القلوب أثراً عظيما. ولكن إذا أعرض عنه شقي من الأشقياء لسوء حظه ورَفَضَه ، فليس لك الحق في إجباره على قبول الحق باستخدام القوة. لأنك لست مسيطراً، أي رقيبا على أعمالهم وأحوالهم، وإنما نحن الذين سوف نحاسبهم ونعذبهم عذابًا أكبر. هذا هو كلام الله تعالى، ولكن المودودي يقول : ".... حينما فشلت كل وسائل التذكير والموعظة - يقول فشل النبي صلى الله عليه وسلم في الموعظة والتذكير، والعياذ بالله !! لا أقدر على قراءة هذه الجملة لشدة ما تثير في قلبي من آلام. - استل النبي صلى الله عليه وسلم سيفه وأعلن: 

ألا كل مأثرة أو دم أو مال يُدعى ، فهو تحت قدمي هاتين."


لاحظوا كيف تُقدَّم الأمور من قبل المودودي باللف والدوران!

 كلنــا يعرف جيدا أن النبي صلى الله عليه وسلم قام بهذا الإعلان يوم حجة الوداع، وهـو مــن فرامينه الأخيرة. ولكن الشيخ المودودي يحاول تطبيقه على فترة زمنية غيرها ، وهكذا يقلب الحقائق رأسا على عقب. أقول ذلك لأنه ليس من الممكن أن يكون شيخ مثل المودودي جاهلا عن مناسبة قام فيها النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الإعلان، ولكنه يحاول تطبيقه على فترة زمنية مختلفة تماما. يمضي المودودي ويقول: "هكذا ألغى كل الامتيازات المتوارثة، وحطّم كل صنم من شرف تقليدي وسلطة تقليدية وأقام في البلاد حكومة منظمة. كما نفذ بالقوة القوانين الأخلاقية وسلب حريتهم في المعاصي والذنوب التي أخذت ملذاتُها لُبَّهم. فهيَّأ بذلك بيئة آمنة لا بد منها لنمو الفضائل الأخلاقية والمحاسن الإنسانية." (الجهاد في الإسلام، ص ١٤٢).

 والأمر نفسه يذكره الأسبرن بكلمات أخرى إذ يقول: "إنهم نشروا دينهم بين مدن ملتهبة وصيحات مؤلمة للأرامل والأيتام. ولا شك أن الباكين يهدؤون بعد ذلك!!" وهذا ما سماه المودودي "بالسكينة" ، أي لم يبق هناك أي صوت معارض ليرتفع من أية ناحية.

يقول المودودي: "ثم بدأ صدأ السيئة والشر يزول من القلوب شيئًا فشيئا، وخرجت من الطبائع المواد الفاسدة تلقائيا، وزالـــــت كثافـــة الأرواح."







موقف المودودي من الجهاد:

يقول المودودي بأنه عندما فشل النبي صلى الله عليه وسلم في التذكير والموعظة الحسنة وخابت آماله من ناحية الأدعية أيضا والعياذ بالله، عندها سل النبي صلى الله عليه وسلم سيفه الذي أنجز كل هذه المهام حسب رأي المودودي.

 ثم يقول:

"ليس هذا فحسب، وإنما زالت الأغشية عن الأعين وظهر لهم نور الحق بكل وضوح. أتساءل: ما هي تلك الأغشية؟ يقول القرآن الكريم في هذا الصدد: ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة، ثم يقول : سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون .. مما يعني أن أغشية الظلم والاستبداد لا تزول ولا تنشق، وأن هؤلاء لن يؤمنوا أبدا.

 ولكن المودودي يقول إن الله تعالى لا يعرف شيئا، أنا أعرف بأن الأغشية بقيت على حالها ما لم يُستخدم السيف. ثم يقول المودودي: "بل لم تعد في الرقاب تلك الغلظة ولا في الرؤوس تلك النخوة التي تمنع الإنسان من الانصياع أمام الحق رغم ظهوره. وحقق الإسلام في البلاد الأخرى أيضا علاوة على الجزيرة العربية انتشارا سريعا، حتى إنه في مدى قرن واحد من الزمان دخل في الإسلام ربع أهل الأرض. والسبب في ذلك هو أن سيف الإسلام مزق الحجب التي كانت علـــى القلوب." (الجهاد في الإسلام ص ١٤١، ١٤٢).







القوة القدسية والأدعية المستجابة للنبي صلى الله عليه وسلم أحدثت ثورة . الحق أنه لا يمكن أن يتفوه بمثل هذا القول إلا الذي ليس لديه أدنى إلمام بالتاريخ. إنه لإعلان يكذب كل حرف منه كل مسلم يسكن في إندونيسيا، كما تُبطل كل حرف منه أقاليم الصين الأربعة التي اعتنقت الإسلام بكاملها. إذ لم يصل سيف الإسلام المزعوم إلى إندونيسيا ولا إلى ماليزيا ولا إلى الصين . فالمسلمون كلهم صغارا وكبارا، رجالا ونساء، شبابا وشيوخا في تلك البقاع يشهدون على كذب كـــلام المودودي ويعلنون بلسان حالهم وبصوت جهوري وحلفا بالله أن الأسوة الحسنة لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هي التي جذبتهم إليه وليس سيفه. ويشهدون أيضا أن أسوته الحسنه وقوته القدسية قد فتحتا قلوبهم. ولكن كيف حصل هـذا الانقلاب؟ وأي جهاد حقق لرسول الله صلى الله عليه وسلم الانتصار والغلبة؟ يقول سيدنا الإمام المهدي عليه السلام: إن الانقلاب الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم كان نتيجـــة لأدعيته المستجابة. فيقول حضرته عليه السلام: إن ذلك الحادث العجيب الذي جرى في بادية العرب.. حيث بعث مئات الألوف من الموتى في أيام معدودات وتحلى بالأخلاق الإلهيــة أولئك الذين فسدت أخلاقهم على مرّ الأجيال، وأصبح العمي يبصرون، والبكم بالمعارف الإلهية ينطقون.. وحدث في العالم انقلاب لم تره عـــين، و لم تسمع به أذن قط.. هل تعرفون كيف حدث ذلك؟ إن تلك الدعوات هي التي أحدثت التي دعا بها في جوف ليال حالكة.. عبد متفان في الله .. ضجة في الدنيا، وأظهرت العجائب التي يبدو صدورها مستحيلا على يد ذلك الأُمِّيِّ الضعيف الحيلة. اللهم صلّ وسلم وبارك عليه وآله.. بعدد همه وغمه وحزنه لهذه الأمة، وأنزل عليه أنوار رحمتك إلى الأبد." (بركــات الدعاء، الخزائن الروحانية ج٦ ص ١٠ - ١١).

 والآن قارنوا كلام سيدنا الإمام المهدي عليه السلام مع كلام المودودي، ستجدون بينهما فرقا بينا وكأنه بعد المشرقين. إذ إن كلام الإمام المهدي عليه السلام ينطق بروح الحق والإسلام، تلك الروح التي تجلت علــى القلــب الطاهر لحضرته عليه السلام، وجرت على لسانه الطاهر بصورة الكلام المطهر. هذا هو الصوت الذي هدانا إلى مصدر القوة الحقيقية لانتصار الإسلام وروى غليل أرواحنا المتعطشة، والذي أخبرنا بحقيقة أزلية وأبدية أن ســـــر انتصار النبي صلى الله عليه وسلم وغلبته وعظمته وشرفه العظيم كان كامنا في قوته القدسية التي صعدت إلى السماء بصورة الأدعية المستجابة كالغيوم التي تحمل غيثا، وأخمدت كلَّ نار للمعارضة التى أُججت في بريــة العــرب، وسقى البرّ والعمران، وحوّلت الصحارى إلى الحدائق، والخراب إلى البساتين، وأحيت الأرض الميتة.






شناعة أفكار المودودي:

إذن فهذا هو صوت روح الحق وروح الإسلام. وفي ناحية ثانية هناك المودودية التي تنطق بكلمات المودودي وتسفر عن أفكار منكرة مبنية على الظلم والجور. إنه يقدم ملخص مجهوداته التي بذلها في سبيل دراسة روح الإسلام إذ يقول ما معناه: عندما فشلت القوة القدسية النبوية والتذكير والوعظ والدعوات.... لا نملك هنا إلا أن نقول: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم !! هل يمكن أن يكون هذا الصــوت صــوت العارف بالأخلاق النبوية والشمائل المحمدية الحسنة؟ كلا! والله لا!! بــل هذا الصوت يشبه صوت معاندي الإسلام ومعارضي النبي صلى الله عليه وسلم. إنه لصوت شبيه بصوت المستشرق ميجور أوسبرن والذي كان يجري في دمه بصورة نار الضغينة. إنها لنار ملتهبة ونجسة جعلت ألوفا مؤلفة من معاندي الإسلام يحترقون في نار الحسد ضد رسول الله؟ بقراءة هذه العبارة يقشعر جسمي ويغلي دمي، إنها ليست كلمات وإنما هي أحجار قاسية. إنها ليست بألفاظ بل هي خناجر حادة تجرح قلب كل عاشق لرسول الله. لا شك أنها خناجر جروحها عميقة ومؤلمة للغاية. أتساءل: هل هذا هو صوت العارف بشمائل الرسول صلى الله عليه وسلم. لا والله لا!! بل هــو صــوت سبرن میجور والقس عماد الدين، الذي يدمى قلب كل مسلم. بــالله عليكم لا تسمّوها روح الإسلام بل سموها روح المودودية. وويل للذين يعتبرون هذا الصوت روح الإسلام . أين أفكار المودودي المنكرة والمتنكرة هذه من أفكار سيدنا المهدي الموعود عليه السلام المفعمة بالمعرفة الكاملة عن تصور غلبة الإسلام وأفكاره القيمة عن الجهاد؟ إن أفكار المودودي لا يمكن أن تخفي سمومها رغم كونها ملتفة في الحجب، بل تهاجم خناجرها قلوبنا خارقة تلك الحجب .








لا علاقة لأفكار المودودي بتصور الجهاد الإسلامي:

 إذن، فأفكار المودودي هذه تمثل أبشع أنواع التهم على سيدنا محمــد المصطفى وعلى الإسلام، فكيف نقبل هذه الأفكار عن الجهاد؟ إنهــا لأفكار جديرة بالشجب والاستنكار ولا يمكن نسبتها إلى سيدنا ومولانا محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم بحال من الأحوال ولا للحظة واحدة، كما لا نستطيع تقبلها بأي شكل من الأشكال.

 

إن تصرفات المشايخ وأعمالهم هذه تجعل الإنسان يقشعر من هولها. إنني أستغرب كيف أن هؤلاء الظالمين الذين يجهلون روح الإسلام كليًّا ينكرون أصواتهم عند مهاجمتهم عباد الله الأطهار، ولا ينتبهون إلى ما يقولون وما يفعلون، ولا يأخذهم أدنى خوف من الله.

أما فيما يتعلق بالجزء المتبقي للموضوع الذي نحن بصدده أنه كلمــا حلت بالعالم الإسلامي مصائب، فمن الذي تصدى لهذه المصائب دفاعا عن حياض الإسلام وتلقى هذه السهام على صدره؟ ألمسلمون الأحمديون أم هؤلاء المشايخ الذين استغلوا سذاجة المسلمين دائما ولا يزالون يستغلونها إلى اليوم؟

 وبما أن الوقت المحدد لخطبة اليوم قد انتهى. لذا سوف ألقي الضوء على هذا الموضوع في الخطبة القادمة بإذن الله. 

ألقيت بتاريخ ١٥ شباط / فبراير ۱۹۸۵ في مسجد "الفضل" بلندن)



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الردود على الأسئلة التي يطرحها الناس عادة السؤال ١: أين يثبت موت المسيح ابن مريم من القرآن الكريم؟ بل إن قوله تعالى: ﴿رَافِعُكَ إِلَيَّ" و"بَل رَّفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ" يدلّ على أن المسيح رفع إلى السماء بجسده. وكذلك الآية: ﴿وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ ؟ تدل على أن المسيح لم يُقتل ولم يمت على الصليب. الجواب: فليتضح أن معنى الرفع إلى الله هو الموت، كذلك إن لقول الله : ارْجِعِي إِلَى رَبِّك"، وقوله: ﴿إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ" المعنى  نفسه. إضافة إلى ذلك إن الوضوح والجلاء والتفصيل الذي ورد به ذكر موت المسيح في القرآن الكريم لا يتصور أكثر منه؛ لأن الله قد بين وفاة المسيح بوجه عام وبوجه خاص أيضا، كما يقول مثلا على وجه العموم: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ " . إن هذه الآية التي قدّمتُها للاستدلال تدل بصراحة متناهية أن الموت قد  أصاب  جميع الرُّسُل، سواء أكان بالموت الطبيعي أو بالقتل، ولم يسلم من الموت نبي من الأنبياء السابقي...

شرح وتفسير: "وكان عرشه على الماء".

 شرح وتفسير: "وكان عرشه على الماء". النقاش عن كون العرش مخلوقا أو غير مخلوق عبث:  فقال عليه السلام:  الناس يتفننون في آرائهم حول هذا الموضوع، بعضهم يصفونه بالمخلوق وبعضهم يصفونه بغير المخلوق، ولكن لو لم نصفه بغير المخلوق لبطل الاستواء. لا شك في أن النقاش حول كون العرش مخلوقا أو غير مخلوق عبث أصلا، هذه استعارة، حيث بين الله فيه رفعته العالية، أي هو مقام منزه عن كل جسم ونقص، ويقابله هذه الدنيا وهذا العالم كله. وليس للإنسان اطلاع كامل عليه. هذا المقام يمكن أن يسمى قديم، فالناس يستغربون من ذلك ويحسبونه شيئًا ماديا. وانطلاقا من القدم يرد الاعتراض على ورود الحرف "ثم". فالحقيقة أن القدم يشمل "ثم" أيضًا. كما عندما يكون القلم بيد الإنسان فتتحرك اليد أيضًا حيثما يتحرك القلم، لكن يكون التقدُّم لليد. يعترض الآريون على المسلمين عن قدم الله، ويقولون إن إله المسلمين موجود منذ ستة أو سبعة آلاف سنة. وهذا خطؤهم، فمن الغباوة أن يقدر عمر الله بالنظر إلى هذا المخلوق. فلا نعلم ما الذي كان قبل آدم ومن أي نوع كان ذلك المخلوق. والله الله أعلم بذلك الوقت: كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْ...
لا بد من التقوى من أجل الفتح: وما دام الأمر هكذا، فاعلموا أن التقوى ضرورية للمرء لكي تنفتح عليه أبواب الحقائق والمعارف فاتقوا الله ، لأن الله تعالى يقول: ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) (النحل (۱۲۹) . ولا أستطيع أن أحصي لكم كم مرة تلقيت هذه الآية في الوحي، إذ أوحيت إلي مرات كثيرة جدا. لو أننا اكتفينا بالأقوال دون الأفعال، فاعلموا أن لا جدوى من ذلك. إن النصر  يتطلب التقوى، فكونوا متقين إن أردتم النصر. ضرورة التضحيات المالية لنشر الإسلام أرى أن نساء الهندوس والنصارى أيضا يوصين بعقارات كبيرة وأموال طائلة لنشر  دعوتهم، ولكن لا نجد نظير ذلك في المسلمين في هذه الأيام. إن أكبر مشكلتنا  هي  الحاجة إلى النصرة المالية لنشر الإسلام. اعلموا أن الله  تعالى هو الذي أراد تأسيس هذه الجماعة بيده وسوف يكون حاميها وناصرها، ولكنه يريد أن يؤتي عباده الأجر والثواب، ومن أجل ذلك قد اضطر الأنبياء لطلب المساعدة المالية. لقد طلب رسول الله النصرة المالية ، وعلى نفس المنهاج ، الذي هو منهاج النبوة، نذكر أحبابنا بحاجات الجماعة من حين لآخر. ومع ذلك أقول: إ...